محمد البرادعي لهزم أسطورة مبارك
قافلة الحرية: من يقبض الثمن؟
المخيمات الصيفية: الحاجة إلى صيغة خلاقة
الحقيقة أن المنحة المخصصة لتغذية الأطفال كانت هزيلة ولازالت كذلك. والميزانية المخصصة للمخيمات تعاني من نفس الموضوع. وهذا مربط الفرس. لا يمكن النهوض بالمخيمات دون النهوض بميزانيتها. ومادامت ميزانية الوزارة نفسها ضعيفة، فإنه من العبث الحديث مجددا عن رفع الدعم للمخيمات. ومع ذلك، فإنها مسؤولية الوزارة أولا ومسؤولية الجمعيات التربوية أولا وثانيا. ,يمكن الوصول إلى معادلة خلاقة تسمح بنفض الغبار عن المخيمات دون انتظار ما لن يأتي.
لماذا الاهتمام بالمخيمات؟
قد يبدو الأمر ثانويا. والواقع أن الذين عايشوا المخيمات الصيفية مع الجمعيات يدركون الأهمية القصوى لهذه الفضاءات.
بدءا، الأطفال المنحدرون من عائلات ذات الدخل المحدود، والذين غالبا ما لا يتمكنون من مغادرة منازلهم خلال عطلة فصل الصيف، يجدون في هذه المخيمات فرصة سانحة، وبمقابل رمزي، للاستمتاع بالعطلة، ولاكتشاف مدن أخرى والإحساس بالتغيير. صحيح أن عدد المستفيدين قليل. بضع عشرات الآلاف من أصل الملايين، ولكن يمكن تطوير العدد.
وحتى بالنسبة إلى أطفال العائلات ذات الدخل المرتفع أو التي يمكنها توفير عطل مميزة لأبنائها، فإن تجربة المشاركة في مخيمات تربوية لا تخلو من فوائد عظيمة على المستوى البيداغوجي. أولها، أن يختلط هؤلاء الأطفال بأقرانهم من طبقات اجتماعية مختلفة، مع ما لهذا الاندماج من فائدة في التعرف على الواقع ومعايشته وإدخاله ضمن منطق الأطفال وفهمهم للحياة ولإدراكهم للعالم من حولهم.
ثم إن المخيم، بالإضافة إلى وظيفته الترفيهية، يقوم بوظائف أخرى. الطفل بالمخيم يتعلم الحياة مع الجماعة والتأقلم معها وقبول الآخر والتعود على الاختلاف وتقبله. يتعلم الطفل كذلك الاعتماد على النفس في ترتيب سريره ولباسه. ويتعلم الانضباط لروح الجماعة، من خلال توقيت الأكل والنوم واللعب والسهرات. كما يتعلم قواعد السلوك الجماعي وقواعد التغذية السليمة، والنظافة، والصحة. وتكون المخيمات فرصة للتحسيس مثلا بأهمية البيئة، وصحة الفم والأسنان، وبعض الأمراض. وهي فرصة لاكتشاف وتشجيع مواهب الأطفال في الفن، والثقافة، والخط، والرياضة والأعمال اليدوية...
المخيمات التربوية تجربة مميزة وفريدة، لا يدرك فوائدها إلا القليلون للأسف؛ طبعا هذه الفوائد لها شروط لكي تتحقق. أولها وجود بنية تحتية تتوفر فيها الشروط الدنيا للمخيمات من حيث التجهيز والتأطير والسلامة. وشرط الحد الأدنى من الميزانية المخصصة للتغذية والترفيه والصحة. وشرط التأطير التربوي المحكم. طبعا، هناك جمعيات تخصص من عندها ميزانيات إضافية لإنجاح مخيماتها وجمعيات أخرى يديرها بعض سماسرة المخيمات الذين يجدونها فرصة لسرقة أموال العائلات وحتى سرقة قوت الأطفال. وهناك مسؤولون بالوزارة الوصية يتفانون في العمل لإنجاح المخيمات، وآخرون كذلك يجدونها فرصة للاستفادة من الصفقات على هزالتها أصلا.
هذه أشياء على الوزارة الوصية أن تنكب عليها بمعية ومرافقة الجمعيات التربوية. لكن المشكل لا يكمن هنا فقط. إذ إن الميزانيات المخصصة لقطاع التخييم بل قطاع الطفولة هي أصلا ميزانيات هزيلة. وهنا، على الجمعيات والوزارة الوصية التفكير عميقا لإيجاد حلول خلاقة لتحسين ظروف المخيمات والرفع من عدد المستفيدين منها، دائما في ظروف تربوية بل إنسانية، وليس حشر أبناء الشعب داخل أي مكان، بدعوى أن اللهم هذه المخيمات رغم رداءتها ولا البقاء وسط «البرارك» ومدن الصفيح الصيف كله!!
نعم، بالإمكان الحصول على الأفضل.
ما يقال عن المخيمات هو نفسه ما يقال عن دور الشباب التي يجب أن تتحول من بنايات شبه فارغة في عدد من المناطق إلى نقط جدب وتأطير للشباب.
هذا لن تقوم به الجمعيات التربوية وحدها، ولا وزارة الشباب والرياضة وحدها. ولا يمكن أن يتم التفكير فيه في خضم مخطط أو رؤية مستعجلة، بل يتطلب الأمر قرارا سياسيا، ورؤية إستراتيجية تبلورها لجنة للتفكير الاستراتيجي في كيفية الاستفادة مما هو متاح للحصول على أجود النتائج في مجال تأطير الطفولة والشباب. لجنة تعرف الواقع، تعرف الأرقام، وتدرك أهمية تأطير الشباب والطفولة.
من غير رؤية إستراتيجية، ستظل الفضاءات المخصصة للطفولة أو الشباب كما هي، تتضاءل سنة بعد أخرى.
د.الطيب حمضي
27 mai 2010
www.tayebhamdi.blogspot.com
مصطفى حفيظ: القلب الكبير
بسبب ظرف عائلي قاهر، أبلغته إلى عائلة الفقيد وللمنظمين، لم أتمكن من أن أكون مع المجتمعين في رحاب

ولكن حياة الفقيد المليئة بالعطاء المتواصل في صمت تقتضي منا أكثر من وقفة وشهادة، وفاء للعزيز الذي أعطى من غير حساب وبنكران للذات قل نظيره.
الوفاء والقلب الكبير: كلمتان تلخصان شخصية وحياة مصطفى رحمه الله.
كان مصطفى رجلا وفيا حتى النخاع، وفيا لأصدقائه، وفيا لتعهداته، وفيا لمبادئه، وفيا لالتزاماته، وفيا لقناعاته، وفيا للماضي وللتاريخ، وفيا للأمكنة التي أحبها والتي عاش فيها.
أخي وعزيزي مصطفى حفيظ كان رجلا بقلب كبير. لم يكن يحمل ضغينة لأحد، حتى لمن يمكن أن يسيء إليه. كان خدوما، يكفيه أن يعرف أنك تحتاج شيئا ما أو خدمة ما حتى يسرع لتلبيتها قبل أن تطلبها منه.
أكيد أن كثيرين قد يقولون إن هذه كلمات تقال في حق أناس نحبهم بعد رحيلهم. اسمحوا لي أن أقول إنهم مخطئون. هكذا فعلا كان مصطفى حفيظ وهكذا كنت، وكنا نقول عنه وهو بيننا.
عرفته في حركة الطفولة الشعبية وفي الشبيبة الاتحادية مناضلا، متطوعا نشيطا، منظما، مؤطرا، مسافرا، متدبرا، منصِتا، محاورا. ومن أول لقاء بيننا لم تنقطع علاقتنا ولا خفتت صداقتنا ولا تعثرت محبتنا.
صاحب القلب الكبير بالمحبة والوفاء كان مصابا بداء في صمامات قلبه. وكان من الضروري أن يجري عملية على القلب في نهاية الثمانينيات. العملية مكلفة وكنا جميعا في المرحلة الطلابية. حاول في كل اتجاه، ولم يكن من حل. وعُرض ملفه على السيدة الفاضلة أمينة السوسي بإذاعة طنجة عن طريق صديقة لنا وهي الأستاذة خديجة وحيد التي كانت متعاونة آنذاك مع إذاعة طنجة. مباشرة بعد عرض الملف، تكلف محسن عراقي مقيم بطنجة بكل مصاريف العملية. أُجرِيت العملية ونجحت وعاش بعدها مصطفى حفيظ مطمئنا، بعيدا عن القلق والخوف الذي كان يساوره شهورا عدة.
كان يعرف أن حالته تتطلب عملية جراحية، وأن مصاريفها مرتفعة، وأن لا قدرة له بها وقتها وهو طالب جامعي. كنت أقرأ الخوف في عينيه، كلما حل عندي بالرباط وقتها، لإجراء الفحوصات الدورية عند البروفيسور عبد المجيد بوزوبع. سنوات بعد ذلك، ستتطلب حالته تدخلا جراحيا آخر على القلب، لكن وقتها كان قد اشتغل ويتمتع بتغطية صحية. خرج من العملية الثانية معافى. لكن قلبه لن يتحمل كثيرا، لتبدأ رحلة العلاج الأخيرة سنوات بعد ذلك. رحلة تابعتها وإياه حتى آخر لحظات حياته.
عاش حفيظ كل مراحل الحياة متشبثا بالأمل. كان دائما متفائلا، رغم صعوبات الحياة ومطباتها أحيانا، وصعوبات المرض والعلاج. رغم كل ما عاناه، لم يبخل أبدا على مدينته التي ترعرع بين حواريها، مدينة فاس التي كان يعشقها، وجعلني أعشقها. لم يكن من الممكن أبدا وأنا طالب بكلية الطب بالرباط أن أدخل فترة الامتحانات الدورية بالكلية، دون أن أزور مدينة فاس وأزور مصطفى حفيظ. كنا نسير بل نتيه في مدينة فاس راجلين. حفيظ كان رجل المسافات الطويلة. أماكن كثيرة، على بساطتها، تذكرني اليوم بأجمل اللحظات مع عزيزي مصطفى حفيظ.
لم يبخل على الشباب أبناء جيله وهو مناضل داخل صفوف الشبيبة الاتحادية ومناضل بالقطاع الطلابي الاتحادي. لا يبحث عن موقع ولا يتنافس على مسؤولية. لم يبخل على الطفولة المغربية وهو الإطار التربوي بحركة الطفولة الشعبية مؤطرا لأنشطة الأطفال والمخيمات الصيفية. وعمل في الميادين كذلك داخل الأوراش المغربية للشباب.
كان مصطفى حفيظ رسول سلام حين تختلف الرؤى والمواقف. ذلك لا يعني مطلقا أنه لم يكن يتخذ موقفا. بل حتى وإن اختلف، يحترم الجميع وجميع الآراء ويحترمه الجميع. وإذا لاحظ أن السبل تفرقت بين شركائه، كان ينزوي بصمت.
بالنسبة لي، لا يزال حفيظ بمدينة فاس. والحقيقة كذلك. مادام فيها ناس يحبونه، ويتذكرون جليل محبته وعطائه، فإن فاس لازالت عامرة بروحه ورح أمثاله من الرجال والنساء البسطاء العظام، الذين أعطوا في صمت ورحلوا في صمت. إذا كان الأطفال يموتون «ملائكة»، فإن مصطفى حفيظ مات طفلا ..
رحم الله فقيدنا الغالي مصطفى حفيظ.
23 أبريل 2010
المصحات الخاصة
التقرير الصادم الذي اطلع الرأي العام على بعض من تفاصيله يصف الحالة المزرية التي توجد عليها عدد من المصحات الخاصة، حيث تقادم وتآكل تجهيزاتها، وضعف بنياتها، وقلة مواردها البشرية، وضعف تكوين الطاقم التمريضي بها، وعدم احترام المعايير الطبية في قاعات الجراحة والإنعاش...
التقرير هو خلاصة زيارات ميدانية لعدد من المصحات بمدن مغربية وفي مقدمتها أهم المصحات بالدارالبيضاء والرباط.
يمكن لي اليوم أن أقدم شهادة في الموضوع ليس فقط كملاحظ أو شاهد ولكن كطبيب ممارس. تقديم شهادة حول واقع الحال داخل المشافي الخاصة بالمغرب والمصطلح عليها بالمصحات.
الواقع الذي يتحدث عنه التقرير على الأقل في الأجزاء التي اطلعنا عليها هو حقيقة قائمة وقاتمة. عدد كبير من المصحات الخاصة لا يهتم إلا بالواجهة, بل أحيانا حتى هذه لا يهتم بها. أما التجهيزات والأطر التمريضية، فتلك قصة أخرى. المساعدون الطبيون العاملون بالمصحات جزء منهم ممرضون لدى مستشفيات وزارة الصحة ويعملون بالمصحات خلسة (عمل سري)، والباقي شباب يتم تشغيلهم بدون أي تكوين أو دراية بعلوم التمريض، ليسهل استغلالهم وتشغيلهم في ظروف سيئة وبأبخس الرواتب.
التجهيزات الطبية إما منعدمة أو معطلة أو متقادمة, العمل ضمن شروط غير طبية وعدم احترام المعايير المطلوبة داخل قاعات التوليد والمركبات الجراحية وقاعات الإنعاش.
هذا الواقع على الأطباء من خلال هيأتهم الوطنية ووزارة الصحة والنقابات الطبية أن يتدارسوه لمعالجته. لم يعد مقبولا أن يلج المريض بالمغرب مؤسسة استشفائية، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، ويجد نفسه داخل مؤسسة فيها كل شيء إلا الضمانات الطبية لحسن العلاج.
هذا التقرير وهذا النقاش لا يجب أن يدفعنا في المقابل إلى التنكر للإضافة النوعية التي أضافتها المصحات الخاصة للنظام الصحي بالمغرب. ففي ميدان أمراض وجراحة القلب والسرطان وجراحة الدماغ والأعصاب وغيرها, وفرت هذه المصحات أرضية طبية وبشرية كفأة ساهمت كثيرا في علاج عدد من الحالات المستعصية لم يكن لها أن تجد موطئ قدم داخل المشافي العمومية.
دور المشافي الخاصة أو المصحات دور مهم وأساسي داخل المنظومة الصحية المغربية، لكن للأسف هو قطاع يرزح تحت وطأة عدد من المشاكل تجعله يصل إلى الوضع الذي تحدث عنه التقرير.
الناس حين يناقشون وضع المصحات لا يتحدثون إلا عن جانب واحد هو المال! لا يمكنك دخول مصحة دون وضع"تسبيق" أو شيك لضمان التسديد. ليس في قلوبهم شفقة... علما أن هذا هو الجانب الخاطئ في الموضوع.
المغاربة ليست لديهم تغطية صحية تتكفل بهم. وبالتالي، فالمصحات تعرف أن المريض بمجرد ما يتجاوز مرحلة الخطر التي قادته إلى المصحة حتى تتنكر عائلته لكل التزاماتها. من حق المصحات أن تطلب ضمانات ومن يقول إن في قلبه رحمة أكثر من أصحاب المصحات ما عليه إلا أن يلتزم بدفع كل الأتعاب التي يذهب أصحابها بدون تأديتها, ويومها لن تطلب أي مصحة من أي مريض أي ضمانة. أما أن يدعي البعض الإنسانية على حساب ميزانية المصحات فهذا عبث.
لذلك، قلت إن المشكلة الحقيقية ليست هنا. المشكل الحقيقي هو في شفافية العلاجات، بحيث يرى المريض لماذا ولج المصحة ويعرف أي علاج ينتظره, الشفافية في الفوترة. وقبل كل شيء أن يتلقى المريض علاجا في مستوى ما تعلن عنه المصحة، لا أن يدخل إلى عالم مجهول أو محفوف بالمخاطر. على وزارة الصحة أن تفتح ورشا كبيرا اسمه التطبيب بالمشافي الخاصة وخلق نقاش عميق حول سبل النهوض بالقطاع.
هناك مشكل تمركز المصحات بمحور البيضاء الرباط . هناك مشكل رأس مال المصحات التي لا يمكن أن يستثمر فيها إلا الأطباء. ألم يحن الوقت للتفكير في فتح هذا الرأسمال في وجه المستثمرين, رغم أن الأطباء يرفضون ذلك.
هذا نقاش مهم لا يمكن إغلاقه بحجة أن باب الاستثمار بالمصحات سيفتح باب التجارة بالصحة، وكأن الأطباء حين يفتحون المصحات يحولونها إلى خيريات!! هناك مشكل التغطية الصحية الضعيفة التي لا تكفي لتشغيل المصحات. لهذه الأسباب، تجد مصحات برؤوس أموال محدودة وتنتظر الشروع في الأرباح في أقرب وقت، مما يدفعها إلى التورط في رداءة الخدمات.واقع الحال بالمصحات الخاصة يبعث على القلق، ونتمنى أن يكون التقرير نقطة البدء لفتح نقاش عميق حول الموضوع في مختلف جوانبه: الخريطة الصحية، الجانب المالي والجبائي، التكوين، العلاقة مع منظمات الاحتياط الاجتماعي والتغطية الصحية الأساسية، القوانين المنظمة للاستثمار في المجال الصحي....، حتى تكون مصحاتنا في مستوى الخدمات التي ينتظرها المغاربة.
30 mars 2010
عباس شباط: اللعب بالنار
الموضوع تختلف فيه الحسابات المحلية والوطنية والشعبوية، وهو خليط من بارود اجتماعي واقتصادي وسياسي، إذا لم يتم تداركه قد ينفجر في أيدي الذين حركوه. تعالوا ننظر عن قرب إلى الموضوع.
القانون المغربي يمنع أصلا بيع الخمور للمسلمين ويعاقب على السكر العلني. فإذا كان عمدة فاس يقصد منع المسلمين من التعاطي للخمور والملاهي والحانات بفاس، فالقانون موجود وما عليه سوى المطالبة، بل والعمل على تطبيقه. السيد شباط لا يهدف إلى ذلك، بل يريد أن يتم منع بيع الخمور منعا تاما بمدينة فاس, لا بالنسبة للمسلمين ولا غير المسلمين ومنع الحانات ومنع الملاهي، لأن شباط يقول إن مدينة فاس هي العاصمة الروحية للمغرب ولا يجوز أن تُلوَّث المدينة بالمشروبات الروحية والمراقص وغيرها من الموبقات التي تركها السيد العمدة لباقي مدن المغرب الأخرى "الغير روحية"!!
السيد شباط يريد تطهير مدينة فاس بمنع بيع الخمور ومنع الملاهي على السياح. بالنسبة للمغاربة، لا يحتاج لا شباط ولا عباس الفاسي ولا حزب الاستقلال ولا العدالة والتنمية, لا يحتاجون لقرار أو لقانون. القانون موجود وما عليهم سوى أن يظهروا إرادتهم الحقيقية بتطبيق هذا القانون.
لو كان وراء هذا القرار رجل لا يوجد في مراكز القرار، لقلنا إن هذا الرجل يريد البدء بمدينته، مادام لا سلطة له على باقي مناطق المغرب. لكن حميد شباط، بالإضافة إلى كونه عمدة فاس, هو عضو بارز في قيادة حزب الاستقلال وبرلماني. وحزب الاستقلال هو الذي يقود الحكومة. ومادام السيد عباس الفاسي يؤيد شباط في قراره، بل يعتبر ذلك يدخل ضمن التوجه العام لحزب الاستقلال, لماذا لا تقرر الحكومة منع بيع الخمور بالمغرب تماما!
لماذا لم يتقدم الفريق الاستقلالي بمجلس النواب بمشروع قرار يمنع الملاهي والحانات وبيع الخمور بالمغرب منعا مطلقا حتى يتم تطهير المغرب كله من هذه الموبقات؟
هل يعقل أن يناضل عباس الفاسي وحميد شباط لتطهير مدينة فاس وحدها دون مدن المغرب التي سيتركونها حكرا للفساد والمفسدين؟ ألا تستحق مدينة مكناس وطنجة ووجدة ومولاي إدريس زرهون ومراكش وأكادير وقصبة تادلة والرباط ووزان والبيضاء... ألا تستحق هذه المدن الطمأنينة والروحانية التي يبحث عنها شباط وعباس الفاسي لمدينة فاس؟ أليس سكان هده المدن وغيرها في نفس درجة طهارة أهل فاس وفي نفس "مغربيتهم"؟
أكيد أن منع الخمور والملاهي سيؤثر على السياحة، بل سيقضي عليها، لكن ذلك يمكن التغلب عليه إذا تضافرت الجهود، وأولها جهود عباس الفاسي ومعه شباط، لتوفير العمل لمئات الآلاف من الناس الذين يعيشون من السياحة، وتوفير المداخيل من العملة الصعبة. وأكيد أن لشباط ومعه عباس الفاسي تصورا متكاملا حول محاربة بيع الخمور بشكل سري وتهريبها ونشاط الشبكات التي ستتكون لتزويد السوق بالخمور. فمنع بيع الخمور لا يعني اختفاءها. في العربية السعودية، مثلا، يمكنك الحصول على كل ما تريده, رغم أن المنع يطال كل شيء, فالأحرى هنا، حيث نلعب ورقة الانفتاح الاقتصادي والقرب من اروبا ...
المغاربة ليسوا شعبا سكيرا, ولا لقيطا, ولا فاسدا, ولا حتى ذواقا للخمور. أغلب المغاربة لا يتعاطون الخمور والملاهي، وان تعاطوه بشكل مناسباتي ونادرا بشكل مستمر أو مرضي. وبالتالي، فإن قرارا مثل هذا لن يسيء للأغلبية في شيء, بل على العكس قد يفيد فئة من الناس تتعاطاه بلا فرامل، عدا الذين يبحثون عن الخمور مهما كانت الوسيلة. ولكن هل فكر شباط ومعه عباس الفاسي في ما سيترتب عن القرار حقا؟ في مخلفاته الاقتصادية والأمنية؟ والاجتماعية والسياسية؟
السيد عباس الفاسي يرأس الحكومة ووراءه حزب الاستقلال وما حميد شباط الا عضوا فاعلا ونموذجا للحزب، ادا ارتأيتم أن تمنع الخمور والملاهي والمراقص عن السياح لأسباب اجتماعية أو دينية حتى فالمغاربة معكم. وادا ارتأيتم أن تمنع المسرح وقاعات العروض والموسيقى فلا مانع. و ادا كانت الديمقراطية رجس من عمل الشيطان فلا بأس أن نجتنبها. المهم أن تقولوا لنا مادا تريدون حقا وأين تبدأ حرية الأفراد والمجتمع بالنسبة لكم وأين تنتهي. فمصالح المجتمع والبلاد الاقتصادية والاجتماعية، كل حزب أو جماعة تفهمها حسب تمثلها وفهمها للحرية، للمسؤولية، للتضامن ، للعدالة بل حتى حسب فهمها وتمثلها للدين نفسه.
السيد شباط، البرلمان أمامكم لطرح القرار. السيد عباس الفاسي، الحكومة أمامكم (عفوا تحت تصرفكم) لاتخاذ القرار. وسنكون أول المصفقين. لكن حذار من اللعب بالنار.
الدكتور الطيب حمضي
الطاهر بورحى: عاش أميرا ومات أميرا
قيلت في حقه كلمات وشهادات. مع ذلك، أقدم اليوم شهادة في حق هذا الرجل باسم الصداقة والمحبة التي جمعتنا، وكذلك وفاءا لرجل أعطى دون أن يطلب، علّم دون أن ينتظر، تطوع وناضل دون أن يبحث عن مواقع.
الطاهر بورحى، واسمه الحقيقي الطاهر بورحي (بالياء)، رجل عمل في مجال الجمعيات التربوية وفي المجال الثقافي والسياسي. وفي كل تلك المجالات، كان صادقا، نقيا، وفيا. ولكن أحب الميادين إلى قلب الطاهر كان بدون مجادلة هو العمل في مجال التربية.
أصلا، الرجل كان رجل تربية وتعليم. وهي المهمة التي مارسها بإتقان حتى إحالته على التقاعد. أبلى فيها بلاء قل نظيره. وعمل داخل الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، وبعدها داخل حركة الطفولة الشعبية، لعقود من الزمن. أحب الحركة والعمل فيها ومن خلالها مع الأطفال والشباب، حتى التصق اسم حركة الطفولة الشعبية بالطاهر بورحى، وتماهى اسم الطاهر بورحى مع حركة الطفولة الشعبية.
الذين يعملون في مجال الخدمات التربوية والشبابية، من مسئولين في وزارة الشباب والرياضة والجمعيات الشبابية والتربوية، كلهم يعرفون الطاهر بورحى وعطاءاته وتاريخه. لكن من الجمهور الغير مختص من لا يعرف هذا الرجل، ويتساءل من يكون الطاهر بورحى؟ وماذا أعطى للمغرب؟ ولِم لم يكن يتحدث عنه الناس والإعلام؟
الطاهر كان مسؤولا قياديا في حركة الطفولة الشعبية. ومن هذا الموقع، كان على اتصال بفروع الحركة بمختلف مدن المغرب، وكان مؤطرا للاجتماعات الوطنية واللقاءات، وكان دائم الالتزام والحضور لتأطير المخيمات الصيفية التي تخصصها الجمعية للأطفال والمراهقين. الطاهر بورحى كان له مكان واحد يعشقه: مخيم عين خرزوزة بناحية أزرو.
أحب الطاهر عين خرزوزة حتى حفظها عن ظهر قلب، أشجار الأرز، وطرقها، ومسالكها، وحتى قردتها. علّم أجيالا وأجيالا كيف تحافظ على البيئة وكيف تحب الأطلس وتحافظ على ثروته الطبيعية.
يقدم لك مخيمات المنطقة واحدا واحدا، وأهم المسالك وأهم الأشجار وأكبر القردة التي كانت تحمل أرقاما في إطار برنامج الحفاظ عليها من الانقراض. لكن ليس هنا إبداع الطاهر الذي أريد الحديث عنه.
الطاهر بورحى لم يكن منظرا يعطي دروسا. كان هو نفسه مدرسة في التواضع، والاعتدال، والتطوع، و نكران الذات. هو نفسه كان درسا بل مدرسة قائمة الذات. الطاهر لا يقول لا أمام المهام، يتطوع بدون تردد، لا يسابق أحدا على المناصب. كان عقلانيا، ومتبصرا، يناقش، ويحاجج، وغالبا ما كانت مقارباته هي الأسلم. حين يتم اتخاذ القرار، يحترم قرار الأغلبية. كان متبصرا. ولن أجازف إذا قلت إن دور الطاهر بورحى كان مركزيا في تلاحم الجمعيات وفي التعاون بينها و بين الوزارة الوصية على القطاع، أي وزارة الشباب و الرياضة، لما فيه صالح الشباب والطفولة المغربية، خصوصا المنحدرة من المناطق والطبقات الفقيرة والمحرومة.
كثيرون كانوا يعتقدون طيبوبة الطاهر سذاجة، ويستغلونها لتحقيق مآربهم. لكن إذا حدثته، تكتشف أنه يعرف حسابات هؤلاء الآخرين جيدا، لكن فلسفته في الحياة هي الطيبوبة.
الطاهر بورحى لم ينتم إلى أي جيل، لأنه عاشر وصادق و تآلف مع كل الأجيال. كل الأجيال التي عايشت الطاهر بورحى تحس بأنه ينتمي إليها. والطاهر هو هو، مع جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ومع جيل بداية القرن الواحد والعشرين. رجل صافي القلب والخاطر، ليس هناك ما يبعده عن الناس الذين أحبوه وأحبهم.
عين خرزوزة هي جنة الطاهر، أحبها وعشقها حتى صار معروفا بأمير خرزوزة. والحق أنه كان كذلك، بل كان أميرا في أخلاقه وأنيقا في تصرفاته.
هكذا عاش الطاهر أميرا، وظل كذلك حتى مات أميرا.
العمل الجمعوي مع الطفولة والأطفال والشباب ليس سهلا. إنه عمل ميداني، متواصل، مرهق، يأخذ الكثير من الوقت، عمل لا يستحمله إلا القليلون. الطاهر كان واحدا منهم .
شخصيا، عملت سنوات داخل حركة الطفولة الشعبية مع الأطفال والشباب، لكن التزامات أخرى أبعدتني عن هذا المجال. وهذا ما يقع للكثيرين.
الطاهر بورحى، أمير خرزوزة، "الهو"... أسماء لرجل واحد. "الهو" لقب له قصة سيأتي وقت سردها، ليس الآن، هي و حكاية رحلة جمعتنا سويا الى مصر في إطار عمل جمعوي.
هذا هو الطاهر الذي عرفته، وتتلمذت على يديه في حركة الطفولة الشعبية، وتعلمت منه الشيء الكثير وصادقته وأحببته واحترمته. هذا هو أستاذي وعزيزي وصديقي الطاهر بورحى رحمه الله.
قبل سنوات، وضعت صورة لياسر عرفات بقاعة الانتظار بالعيادة، كعربون تضامن مع الرجل ضد إسرائيل التي كانت تحاصره بالمقاطعة برام الله. لا أقدس الأشخاص، وأترك مساحة بين الإعجاب بأعمال الأفراد وأشخاصهم. لكن وجود رجل من عيار ياسر عرفات، (رغم كل المؤاخذات والتي كتبتها في حينها) وجود رجل من وزنه تحت حصار ظالم أمام أعين العالم جعلني أعلق صورته. زارتني يوما دبلوماسية غربية بالعيادة وتعجبۤتْ بعض الشيء لوجود الصورة وسألت وهي التي تعرف أني لا أقدس عرفات، وقلت لها إن قراري للتضامن الشخصي هو هدا مع التزامي بالعمل التضامني الجماعي. وسألني أناس غيرها. وكانت تلك رسالتي. ما علاقة الطاهر بورحى بهذا وبياسر عرفات؟
الطاهر بورحى هو الشخص الثاني بعد ياسر عرفات الذي سأخصص له حيزا شخصيا ليتعرف عليه الناس، على عظمة شخصه في بساطتها و على سيرته. لا أقارن بين الرجلين ولكن أقول ما أحس به من الناحية الإنسانية والشخصية.
هذا على المستوى الشخصي. أما على المستوى العام، فإني أتطلع، كما الكثيرين من محبيه، إلى التفاتة ملكية اتجاه رجل خدم الطفولة المغربية والشبيبة المغربية في صمت، خدمها في ظروف صعبة، خدمها بعد أن هجرها الكثيرون. التفاتة ملكية نحو روح الطاهر بورحى وعائلة الطاهر بورحى: زوجته الفاضلة السعدية وحنان ومونية والمهدي وخولة.
أتطلع إلى التفاتة قوية من الوزارة الوصية على القطاع ومن السيد منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة، الذي قد لا يعرف الطاهر بورحى، لكن كل مساعديه وكل وثائق الوزارة ومكاتبها تعرف الرجل.
أتطلع إلى التفاتة من مجموع الجمعيات التربوية نحو الرجل والذين رحلوا قبله. فلتكن مبادرة، حركة، نشاط... المهم أن يكون هناك يوم للوفاء للرجل و لأمثاله، يوم للوفاء لأبطال عملوا في صمت ورحلوا في صمت.
رحمك الله أخي الطاهر بورحى وأسكنك فسيح جنانه.
16 février 2010
الجهوية والانتقال "الجهوي"
الجهوية مرحلة متقدمة من البناء الديمقراطي. الجهوية الفعلية هي نقل للسلطات من المركز المهيمن إلى الجهات الأكثر دراية بمشاكلها وبالحلول المناسبة لهذه المشاكل. هي مرحلة أكثر تطورا في الديمقراطية. إنها لا تعني فقط نقل السلطة من "الحاكم" إلى الشعب يمارسها عبر ممثليه المنتخبين عبر صناديق الاقتراع، بل نقل السلطات من المركز حتى وإن كان منتخبا إلى الجهات.
ليست كل الأنظمة الجهوية ديمقراطية بالضرورة. فقد يتعلق الأمر بتقسيم جهوي ترابي الهدف منه هو التحكم أكثر في تفاصيل الحياة داخل كل الجهات، أو تنظيم جهوي ينقل ديكتاتورية المركز إلى الجهات. في هذه الحالات، يتعلق الأمر بتنظيم إداري وترابي جهوي أكثر منه جهوية. المشاكل محلية والحلول مركزية, هذه ليست جهوية.
الجهوية هي أبعد من التنظيم الترابي والإداري على أساس الجهة، بل هي تدبير للشأن المحلي والجهوي من منطلق جهوي, وإمكانات جهوية, وإبداع جهوي، وطاقات جهوية, وكفاءات جهوية...
في بلادنا، حيث لازلنا نعيش حالة الانتقال الديمقراطي, الذي عمَّر طويلا, وحيث لازالت المؤسسات المنتخبة لا تمارس حتى الاختصاصات المخولة لها, فالأحرى أن تطالب بتوسيعها، هل يمكن أن نحلم بجهوية فعلية؟ هل الجهوية ستساهم في تسريع الانتقال الديمقراطي؟ أم لابد من إكمال الانتقال الديمقراطي قبل الحديث عن جهوية فعلية؟ هل مشروع الجهوية هو فقط إجابة دستورية وسياسية على مرحلة وظروف خاصة (قضية الوحدة الترابية)؟ أم هو جزء من المشروع الحداثي الديمقراطي الذي بشر به العهد الجديد؟
السياسة ليست فيها أنماط ثابتة, لذلك يمكن تصور أن مشروع البناء الجهوي ببلادنا سيصاحب الانتقال الديمقراطي، أي أن نقل السلطات وتنظيم الجهات وبناء الجهوية لن يكون سابقا ولا لاحقا، بل مصاحبا لعملية الانتقال الديمقراطي نفسها. وهذا شيء جيد ومقلق في نفس الوقت. جيد، لأنه على أية حال يربح البلاد خطوات نحو الحياة الديمقراطية الحقيقية. ومقلق من جهة الخوف أن تتحول عملية البناء الجهوي إلى مسلسل طويل, تؤثثه خطوات متقدمة وأخرى ترجعه إلى الوراء، أي أن لا يسير البناء الجهوي في خط مستقيم إلى الأمام، بل في خط منعرج، أحيانا يتقدم, وأخرى يتراجع، وتارة يراوح مكانه, مثله مثل الانتقال الديمقراطي.
الجهوية خيار استراتيجي حكيم, ديمقراطي ومستقبلي. تلزم إرادة قوية وانخراط جماعي لإنجاحه، حتى لا يتعثر "الانتقال الجهوي".
الدكتور الطيب حمضي
برج خليفة وجريمة بن زايد
الخبر الأول: إمارة دبي تفتتح أعلى برج في العالم: برج خليفة. رئيس الإمارات العربية المتحدة، هو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
الخبر الثاني: محكمة العين الإماراتية تصدر حكمها بالبراءة على الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان.
الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان هو أخ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي هو حاكم إمارة أبو ظبي ورئيس الإمارات العربية المتحدة.
الشيخ عيسى خضع لمحاكمة بعد أن اتُّهِم بارتكاب جريمة شنعاء تستحق أن تحكى.
لم يكن من الممكن حتى تقديمه للمحاكمة لو أن الجريمة لم تصور على شريط فيديو ولو لم تعرض على شبكة ABC التلفزيونية الأمريكية الواسعة النفوذ.
الجريمة ارتكبت منذ سنوات ولم تحرك السلطات الإماراتية ساكنا رغم علمها بالموضوع.
الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان يظهر في شريط فيديو وهو يعذب في مكان ما بصحراء أبو ظبي تاجرا أفغانيا. استعمل الشيخ ومعه شرطي بزيه الرسمي وبعض المساندين لوحا خشبيا به مسامير لضرب الأفغاني على مؤخرته وهي عارية. وبعد أن أدميت صب عليها الشيخ الملح ليزداد التاجر ألما. وأدخل عمودا في مؤخرة الرجل. صعق الشيخ ضحيته بالكهرباء على جهازه التناسلي. ملأ الشيخ فم الأفغاني برمال الصحراء. جلده بالسوط. أطلق الرصاص ملعلعا حول التاجر موهما إياه بالقتل. وضعه على الأرض غير قادر على الحركة وأرجع عدة مرات سيارته إلى الوراء للدوس على أرجل الأفغاني. الشريط الذي بثته قناةABC الأمريكية وتناقلته مخلف القنوات التلفزية ووسائل الإعلام العالمية شهر أبريل الماضي، يوجد على عدة مواقع الإنترنيت وأهمها يوتوب. وقد تتساءلون لماذا عذب الشيخ عيسى بن زايد هذا الأفغاني بهذه الطريقة الوحشية. السبب: التاجر الأفغاني ضاعت منه حمولة حبوب قيمتها خمسة آلاف دولار (أي حوالي أربعة ملايين سنتم!!!) ضياع 4 ملايين من شيخ يملك الملايير المتعددة!
الجريمة ارتكبت منذ عدة سنوات ولم تحرك السلطات الإماراتية ساكنا، لأن مرتكب الأفعال من الأسرة الحاكمة. وحين قدم الأخوان النابلسي، وهما أمريكيان من أصل لبناني، كانا شريكين للشيخ عيسى قبل أن يختلفا, قدما الشريط إلى الإعلام الأمريكي, وخلق الموضوع ضجة, اضطرت الدولة الإماراتية لفتح تحقيق في الموضوع وتقديم المتهم إلى المحاكمة. المحاكمة التي انتهت بالحكم ببراءة الشيخ عيسى بن زيد آل نهيان من كل التهم الموجهة إليه!
المحكمة صدقت أن المتهم كان تحت تأثير دواء (مخدرات) أخرجت الشيخ عن وعيه! كيف لا تصدقه المحكمة وهو أخ رئيس الإمارات العربية المتحدة، بينما الضحية "مجرد أفغاني" مثله مثل 80 % من سكان الإمارات: أجانب!
هناك لا قيمة للعامل الأجنبي بالمطلق، رغم أن أربعة أخماس سكان الإمارات هم أجانب. ولا قيمة للمواطن إذا لم يكن من الأسرة الحاكمة.
هذه هي البشاعة: أبراج, وجزر اصطناعية, وتزحلق على الثلج داخل الصحراء, وحدائق وفنادق تحت البحر, وبذخ وتسوق وتجارة وبورصة ومدن إعلامية وآخر ما أنتجه العلم, ثروات وبترول, وإلى جانب كل ذلك ظلم وقهر, وحرمان, وغياب القوانين, واحتقار لحقوق الإنسان, وعلاقات بين تعود إلى القرون الوسطى. كيف تستطيع دولة أن تجاري بل تسابق آخر الاكتشافات والابتكارات وتجمع في نفس الوقت كل دلك مع عقلية هي أقرب للعبودية منها لعقلية القرن الواحد والعشرين؟
حين تابعت افتتاح أعلى برج في العالم بدبي، كنت أستعرض شريط الفيديو المعلوم, وديون الإمارة, واقتصادها المتأرجح. ليس الاقتصاد المبني على المضاربة وحده من سيقضي على مستقبل الإمارات, ولكن غياب القوانين والمؤسسات التي تردع تصرفات مثل ما قام به الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان.