الفقراء والعُلوج

العُلوج كلمة دخلت قاموسنا اللغوي سنة 2003 إبان الهجوم الأمريكي على العراق حين كان وزير الإعلام العراقي - الله يذكرو بخير- يتحفنا كل صباح خلال ندواته الصحافية عن "انتصارات" الجيش العراقي البطل بقيادة القائد صدام حسين على القوات الأمريكية التي كان يصفها بالعلوج! في وسط قرف الحرب والهزيمة كان الصحاف الوحيد الذي يرفع المعنويات بمعجمه اللاذع ضد الأمريكيين. العلوج كلمة لم نتعرف على معناها رغم البحث الذي قام به الكثيرون وتعداد الروايات حولها، ولكنها كلمة قدحية. وهذا هو المهم، ولكن ليس هذا هوالموضوع.
حديثي اليوم عن الفقر والفقراء بالمغرب وعن صندوق المقاصة. الفقير هو من يعيش بأقل من دولار واحد في اليوم. ومنذ سنة 2004 فإن العائلة الفقيرة هي التي تصرف أقل من 1687 درهم في الشهر في المدينة أو 1745 في البادية، علما أن متوسط عدد أفراد الأسرة هو 5.6 بالمدينة، وأكبر منه بعض الشيء في البادية 6.4. عائلة بالمدينة يصل عدد أفرادها بين 5 إلى 6 أفراد، تصرف أقل من 1687 درهم، هي أكيد فقيرة. وحتى من تصرف أكثر من ذلك فهي ليست أحسن حالا، حتى وإن لم تدخل خانة تحت عتبة الفقر. وهناك مئات الآلاف من العائلات التي تعيش وضعية الهشاشة، أي أنها فوق عتبة الفقر- نظريا- ولكن يمكن أن تنزل تحت هذه العتبة لأي ظرف طارئ يحدث بحياتها كحالة المرض مثلا.
أغلب هؤلاء الفقراء لا يمكن أن يطمعوا في تحسين وضعيتهم بالرفع من الأجور أو خفض الضريبة. لأن أغلبهم خارج هذه الدورة. حين ترتفع الأسعار ( النقل، المواد الغذائية، السكن، التطبيب ...)، المواطنون الموظفون و الأجراء بالقطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة يمكن لهم –نظريا- العمل على تعويض ضعف قوتهم الشرائية بالمطالبة برفع الأجور أو إعادة تسعير خدماتهم. لكن الأكثر فقرا، كلما ارتفعت المعيشة كلما وجدوا حياتهم تصعب أكثر. هنا يبرز دور صندوق المقاصة الذي يخصص ملايير الدراهم لدعم المواد الأساسية. الفقير الذي يمتلك دراهم قليلة وليس له من سبيل للزيادة في دخله، عوض أن يشتري الخبز أو الزيت أو قنينة الغاز مثلا بأثمنتها الحقيقية، يدفع هو بعض الدراهم والدولة تساعده بالباقي. فعوض أن يشتري قنينة الغاز ب120 درهم، وهو ثمنها الحقيقي هذه الأيام، يدفع هو 40 درهم والدولة تؤدي عنه 80 درهم عن طريق صندوق المقاصة. المشكلة أن الدولة تدفع 80 درهما في القنينة كدعم للفقير وللغني على حد سواء. وبما أن الغني يستهلك 4 أو 5 قنينات في الشهر عوض واحدة التي يستهلكها الفقير، فإن الغني يستفيد من دعم الدولة أكثر من الفقير!!
وهكذا تبين أن 20% من العائلات الأكثر غنى تستفيد من 40 إلى 50% من الدعم، بينما 20% من العائلات الأكثر فقرا تستفيد من 9% من الدعم فقط!. من غير المنطقي مطلقا أن يذهب بعضنا للسوق كل صباح ويصرف 300 درهم مثلا، فيها 50 أو 100 درهم كدعم من الدولة، والفقير يصرف 10 أو 20 درهما فيها 3 أو 4 دراهم كدعم. هذا معناه أن الأغنياء يأكلون كل صباح الدعم المخصص للفقراء أكثر مما يأكله الفقراء أنفسهم.
صندوق المقاصة طبعا ليس حلا لمشكلة الفقر لكنه انقاد لمواطنين من النزول للدرك الأسفل من الحياة بكل حيوانيتها، في انتظار حلول حقيقية. والدعم ليس بالضرورة ان يوجه فقط لمن هم في الدرك الأسفل من الفقر، والا سينتقل من هم في وضعية الهشاشة لمرتبة ما دون عتبة الفقر بل تتأثر دورة الاستهلاك بكل خطورتها.
لابد من إعادة النظر في صندوق المقاصة، وإعادة توجيه ملايير الدعم حتى لا يستفيد منه من لا يستحق دلك. لذلك، يجب إعادة النظر في طريقة عمل الصندوق. هذا لا يعني بالمطلق أن باقي المواطنين الأقل فقرا أو الطبقة المتوسطة لها الإمكانيات الكافية لمواجهة حذف الدعم عنها. حين سيصبح على المواطن أن يشتري المواد بثمنها الحقيقي، أي مع خسارة لقدرته الشرائية، بالتأكيد هذه مشكلة. لكن حلها يجب أن يتم عن طريق إعادة النظر في سياسة الدولة ككل من جهة والتفاوض والنضال حول الأجور والضرائب والتعويضات والتغطية الاجتماعية. وليس حلها عبر أكل الأموال المخصصة أساسا للفقراء. المشكلة من جهة أخرى أن الجهاز الإداري لا يمكنه كما -هو متعارف عليه اليوم- أن يحدد غدا بنزاهة من هو الفقير. و إلاّ سنجد الفقراء يشترون المواد بأثمان مضاعفة على ما هي عليه وأصحاب المعارف يستفيدون من الدعم أكثر من السابق! صحيح أن خريطة الفقر بالمغرب أضحت واضحة بعض الشيء بالمغرب. هدا نظريا وفي سياق الإحصاءات. أما حين سينتقل الأمر لإعطاء دعم للبعض وحرمان آخرين من دلك ستتغير المعطيات ويصبح الفقير غنيا والغني فقيرا على الأوراق!
الأجراء والموظفون والطبقة الوسطى وحتى الغنية لها بعض المقومات والقدرة على الاحتجاج والنضال وتحقيق المكاسب، لذلك فإن من شأن مواجهتها لحقيقة الأسعار ولو نسبيا سيعمل على ترشيد النفقات والاستهلاك من جهة، ويجعلها تدخل عامل الأسعار في حساباتها المطلبية، ويجعل من معركة العيش معركتها كذلك وليس معركة مواطنين فقراء لاحول لهم على خوضها. الفقراء يجرون مآسيهم وحرمانهم إلى اليوم الذي ينتفضون فيه آتين على الأخضر واليابس، أو يتخذ الاحتجاج أشكالا أخرى من جريمة وانحراف...
علينا أن نفكر كيف يتم دعم الفقراء، وهده أولوية الأولويات. ونجد كذلك الحلول المناسبة لعدم ضرب القوة الشرائية للمواطنين الغير ميسورين وهم الأغلبية. وفي دلك حماية لدورة الاستهلاك وللاقتصاد الوطني. على المجتمع مواجهة مشاكل غلاء المعيشة بأساليب أخرى غير مزاحمة الأغنياء للفقراء في دعم ضئيل أصلا. و إلا سنجد الفقراء يوما قد قسموا المجتمع إلى قسمين: المحرومون وهم الفقراء، والعلوج وهم الأغنياء الذين يصرون على حل مشاكلهم على حساب المحرومين.استعمالي لمصطلح العلوج هو، طبعا، على سبيل المزحة الصحّافية ! لكن فقر الفقراء - كما صبرهم- أكيد له حدود، ليس من الضروري أن نعرفه
ا !
10 avril 2008
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi