الأزمة حقيقية

قد يكون زعيم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل محمد الأموي فقد الكثير من بريقه وقوته بعد ما عاشته نقابته والعمل النقابي عامة، وحزبه السابق والحالي، من أزمات وتصدعات، وما عرفته الحياة النقابية والسياسية بالبلاد من تحولات... لكن مع ذلك، حافظ على ذكائه "العروبي" وتفاعله وإحساسه بالتاريخ وبالناس بحكم عدم انسلاخه عنهم أصلا. لا أتحدث عن قراره بسحب ممثلي النقابة من مجلس المستشارين، بل عن قراره بخوض الإضراب العام. وبداية، أريد أن أوضح أنني، في هذه الزاوية، لا مع قرار الإضراب العام ولا ضده، لأن الموقف ليس موضوعي. من هذا الجانب، سأتناول قرار الإضراب العام كجزء من المشهد العام بالحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد.
يعيش المغاربة وذوو الدخل المحدود منهم على الخصوص أزمة عميقة، وتزداد ظروفهم سوءا مع مرور الوقت، دون أن تلوح لهم في الأفق بوادر تحسن ظروف معيشتهم ومعيشة أبنائهم. هما أزمتان؛ أزمة بالمطلق وأزمة نسبية. بالمطلق هي التي تعيشها الفئات الدنيا، بحيث تستحيل أمامها سبل العيش الدنيا يوما بعد يوم. وهناك فئات أخرى تعيش الأزمة بشكل نسبي. فحين صار بإمكانها الحلم بامتلاك السكن، جاءت المضاربات وأخذت منها أضعاف ما كان يجب أن تأخذه مصاريف السكن.وحين أضحت واعية بالسلامة الصحية، ولّد لديها هذا الوعي حاجيات طبية وصحية ومصاريف جديدة. بمعنى آخر، أضحت هذه الفئات ضحية لطموحها المشروع وسعيها الواعي نحو حياة أفضل. وهذه أزمة نسبية، وهي التي تعيشها الطبقة الوسطى أو ما بقي منها. وسواء كانت الأزمة مطلقة أو نسبية، فإن الإحساس بها يولّد حرمانا وغُبناً اجتماعيين.
إن ارتفاع أثمنة المواد الأولية الغذائية والطاقية على المستوى الدولي مازالت مرشحة للارتفاع لسنوات أخرى وليس أشهرا فحسب. وبحكم أن مصاريف التغذية والسكن تلتهم أكبر نسبة من ميزانيات جل العائلات ذات الدخل المحدود أو المتوسط، سهل علينا فهم أننا في بداية الأزمة وليس منتهاها. الأيام الصعبة في انتظارنا وليست وراءنا.
دورة الانتفاضات الشعبية بالمغرب هي عشر سنوات تقريبا. بمعنى أنه كان من المفروض أن نعيش هزة اجتماعية سنة 2000 مثلا. لكن مجيء ملك جديد وآمال جديدة أجلت الاحتقان. ومع تأثير الجفاف ومضاعفاته، كانت هناك مبادرة ملكية سنة 2003؛ "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي امتصت بعض الاحتقانات وفتحت أوراشا في النفوس والعقول أوّلاً. لكننا اليوم أمام مظاهر أزمة آخذة في الاستفحال.
ثلثا المغاربة الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليسوا غير مبالين، ولكنهم متشائمون من كون الانتخابات ستعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم وتحسين ظروفهم. وتلك من أخطر علامات الاحتقان.
عودة إلى الأموي. الإضراب العام الذي لوّح به الأموي هو إضراب عام يبتغي التحذير من خطورة الوضع على البلاد عامة، وليس فقط على العمال والموظفين. وهدفه هو ململة المسؤولين لاتخاذ إجراءات شجاعة وسريعة وفعالة لتدارك الوضع. مهما قدم الوزير الأول من اقتراحات، فلا يمكنه أن يقدم أشياء خارقة، ولن ترضى عنه النقابات، لأن البون شاسع بين الطموحات والواقع. والنقابات تعرف أن عيون الشعب عليها: هل ستدافع عن منخرطيها فقط أم عن عموم الشعب المحروم؟ الأموي التقط اللحظة واتخذ قرارا حرّك بركة آسنة من فوق، ولكنها تغلي من تحت. على الأقل، بإمكانه ونقابات أخرى معه أن يقودوا هذا الغضب الشعبي ويؤطروه ويوصلوا صوت الناس وآلامهم بشكل مؤسساتي وجماهيري منتظم، حتى وإن حدثت بعض التجاوزات هنا أو هناك. أما الاستمرار في التصرف وكأن الأمور عادية، فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام انفلاتات ليس من السهل التنبؤ بها أو التحكم في نتائجها.إن على الحكومة والباطرونا والنقابات والأحزاب والمؤسسات التفكير عميقا وسريعا في إجراءات مستعجلة من شأنها تخفيف الضغط على المواطنين، أجراء، موظفين، عاطلين... لا يمكن للباطرونا أن تنظر للموضوع من باب محاسباتي، مداخيل ومصاريف، أعباء وأرباح سنوية، بل في مثل هذه الظروف، عليها أن تجعل الاستقرار الاجتماعي فوق كل اعتبار، لأنه أهم شروط نجاحها أصلا وهي الرابحة مع توفره وخاسرة على طول ادا انعدم. والنقابات كذلك عليها ان تدرك أنها ليست أمام وضعية عادية بل ظروف خاصة تلزمها مبادرات حكيمة وشاملة. حلول وإجراءات لن تحل الأزمة ولن تجنبنا اضطرابات اجتماعية أكيد، ولكن من شأنها تقوية العمل المؤسساتي وإعطاء شحنة للتأطير الجماهيري المبدع والخلاق، عوض خلق الظروف لانفلاتات عشوائية، ما أسهلها وما أخطرها...

2 mai 2008
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi