اللـّـْـعـَـقـَــا.....رْ !

اتهامات البرلماني والمقاول، صاحب "الشعبي للإسكان" السيد ميلود الشعبي، لعدد من الوزارات والمؤسسات العمومية، بتفويت أراض بطرق ملتوية إلى مجموعة الضحى، أعادت إلى دائرة الضوء ملف قطاع العقار في المغرب. السيد أنس الصفريوي، صاحب "مجموعة الضحى"، خرج عن صمته هو الآخر، دفاعا عن مؤسسته. والأكيد أن التحقيق في الموضوع، هنا وهناك، لا يمكن إلا أن يكون مفيدا للرأي العام، من حيث الحرص على الملك العام، وعدم التفريط فيه، ومن حيث إضفاء بعض من الشفافية على ما يجري داخل قطاع العقار في المغرب، وهو من أكثر القطاعات عتمة.
هل، فعلا، تم تفويت أراضي الدولة بثمن أقل من ثمنها الحقيقي؟ هل تم احترام المساطر؟ هل تتم هذه العمليات في جنح الظلام؟ هل هناك تفريط في الملك العام لحساب الخواص؟
هذه الأسئلة، لا شك، سنجد أجوبة عليها من خلال الصحافة وتحرياتها أولا. وكيفما كانت هذه الأجوبة، فإن أهميتها تكمن في إثارة الأسئلة، وكونها جعلت ملف العقار في المغرب ملفا تحت أعين الٍرأي العام، لا من خلال اللجان البرلمانية وحدها، ولكن، من خلال الصحافة أيضا.
"الشعبي للإسكان" و"الضحى" هما أكبر المقاولات في المغرب. وبالتالي، فإن مساهمتهما في حل أزمة السكن لا غبار عليها، ومساهمتهما في خلق فرص الشغل لا شك فيها. وبحكم المكانة التي يحتلانها في سوق العقار، فإنهما كذلك، أحبا أم كرها، مسؤولان عن مخاض سوق العقار بالمغرب. إذ بإمكانهما جر الأسعار إلى قمتها، كما يحدث اليوم، أو على العكس، العمل على تلطيفها.
أكيد أن مؤسسة "الشعبي" ومؤسسة "الضحى" ليستا "خيريتين" تستثمران الأموال لتوزيع المنازل على اليتامى والمساكين، وأبناء السبيل! فكل مقاولة لا بد أن تخضع لقانون السوق، وإلا كان مصيرها الفشل. ولكن الدولة، من خلال مختلف القوانين والمؤسسات التابعة لها، تعمل على تسهيل المأمورية على المقاولين، من إعفاء ضريبي، وإعفاء من الرسوم، وتفويت أراض بأثمنة مشجعة، وغيرها من الإجراءات، حتى يتمكن المواطن من الولوج إلى السكن بثمن معقول.
فهل يا ترى، مع كل هذه الضرائب والرسوم التي لم تستخلصها الدولة، وهذه الأراضي التي تم تسهيل اقتنائها من طرف المقاولين، كبارا وصغارا، هل بعد كل هذا، نحن أمام أثمنة معقولة؟
لست محتاجا لتقديم الجواب، لأن السوق كفيل بذلك.
قبل هذه الامتيازات، كانت الأثمنة مرتفعة، بالنسبة لمن يريد اقتناء شقة. وظلت عملية البناء في ركود، والحاجة مرتفعة، والكراء مرتفعا، طبعا. وبعد دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ، وبعد أن قامت البنوك بتخفيض نسبة الفائدة إلى أرقام معقولة، مقارنة مع جنون الأرقام السابقة، دارت عجلة العقار بالمغرب.
المشكل هو أن التسهيلات في الحصول على القروض، ومعقولية فوائدها، أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل كبير، بالنظر إلى الحاجة المتراكمة لمدة ثلاثين سنة من الركود. فارتفاع الطلب أدى، بطبيعة الحال، إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي أدى إلى تفاقم ظاهرة المضاربات، بحيث إن هناك أناسا وجهات تشتري لمدة سنتين أو ثلاثة من أجل إعادة البيع.
لماّ أضحى "الاستثمار" في شراء بقعة أو شقة عملية مربحة ومضمونة، أضحى العرض أقل بكثير، أمام الحاجيات الحقيقية، إضافة إلى سوق المضاربات.
وسط هذه الفوضى، أصبحنا أمام من هب ودب وقد اصبح "مقاولا" يفعل ما يشاء، ليس من أجل الاستثمار الحقيقي، ولكن من أجل استغلال حاجة الناس في السكن، حتى أصبح الكل مضاربا. وأضحى قطاع العقار أسهل طريق لتكديس الأموال، ليس بالعمل، ولكن على حساب قوت الناس ومدخراتهم وأحلامهم في تملك بيت.
تحول الموضوع من قطاع استثماري إلى حلبة لجمع الأموال كيفما اتفق. وبذلك، تحول من قطاع للعقار إلى قطاع لـ اللـّـعـَـقـَــا.....رْ، (المشتق من "اللعاقة" أي المال باللسان الشعبي).
واليوم، قد يكون سوق العقار وصل إلى مرحلة قصوى من الأثمنة المقترحة، على الأقل بالنسبة إلى السكن "غير الاقتصادي". بينما القدرة الشرائية لم تعد تتحمل مثل هده الاثمنة المقترحة. رغم كل الامتيازات التي منحتها الدولة لتسهيل الولوج إلى السكن، الذي تبخرحلم الكثير من المغاربة بعد أن ارتفع الطلب. وكأن ما أُعطي باليد اليمنى تم أخذه باليد اليسرى، تبعا لقوانين السوق.
إذن، فبالرغم من الفوائد المنخفضة، وتسهيل القروض، بل بسببها، ارتفع الطلب، وارتفعت الأثمان، ولم يعد في الإمكان مجاراتها!
نحن أمام معطيين جديدين: برميل البترول على أبواب 150 دولار، وربما أكثر، وأمام عشر سنوات، على الأقل، من الارتفاع المتواصل لأثمنة المواد الغذائية عالميا. وهو ما يعني أمرين اثنين: أولا: تخصيص ميزانيات أكثر، من طرف الأسر للغذاء وغيره، عوض السكن. وثانيا: نحن أمام احتمال انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بشكل كبير، وانخفاض قدرة الحكومات نفسها (غير المنتجة للبترول) على تعويض هذه القدرة الشرائية. وبالتالي، فإن تدخل الدولة لتلطيف أثمنة الكراء ستكون له فائدتان: أولاهما، تمكين العائلات من هامش واسع لتحمل الغلاء في المواد الغذائية والطاقة. والثانية هي تخفيف الضغط على الحكومات منطرف الفئات المتوسطة والضعيفة لتعويض انخفاض القدرة الشرائية.
نحن أمام عشرية صعبة، والحلول ليست كثيرة لمواجهة القلاقل الاجتماعية، وأهمها وأسهلها، نوعا ما، هو تدخل الدولة لضبط سوق العقار، من جهة عقلنته وتلطيف أسعاره، لجعلها في متناول المواطنين من خلال قوانين جديدة للعقار تشجع الاستثمار وتزجر المضاربة ومن خلال اجراءات وشراكة شفافة مع المنعشين العقاريين. وهذه مهمة الدولة ومهمة المنعشين العقاريين كذلك، وفي مقدمتهم "الشعبي" و"الضحى".
فهل نسمع من المنعشين حديثا جديدا عن تحديات العشرية القادمة، وعن قطاع العقار كقطاع اقتصادي واجتماعي بالأساس، او تستمر حكاية اللـّـعـَـقـَــا.....رْ !
الطيب حمضي
10 juillet 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi