أهل‮ ‬اليسار‮

خلال نهاية الأسبوع الفارط، ظهر إلى الوجود حزب يساري جديد خرج من رحم المؤتمر الوطني الاتحادي. وهكذا ''اغتنت'' الساحة السياسية المغربية بأحزاب يسارية ولازالت أخرى تستعد للخروج إلى الوجود. هذه ''الطفرة'' للأسف ليست نتيجة لتشعب الفكر اليساري وانتشاره داخل المجتمع المغربي، ولا نتيجة لقرارات يتخذها مواطنون ومناضلون قريبون من أفكار اليسار دون أن تعجبهم الإطارات الحالية، فقرروا تكوين إطارات جديدة. الهيآت الجديدة التي ظهرت وستظهر هي فقط خروج لمناضلين يساريين من هيآتهم لتأسيس هيآت جديدة، بسبب خلافات سياسية أو تنظيمية في الهيآت الأصلية. فالمؤتمر الوطني الاتحادي مثلا خرج من كنف الاتحاد الاشتراكي والحزب الاشتراكي الذي أسسه الدكتور بوزوبع ورفاقه خرج من رحم المؤتمر الوطني الاتحادي. بينما اختارت الوفاء للديمقراطية التي غادرت الاتحاد الاشتراكي أن تندمج مع حزب يساري قائم لتكوين الحزب الاشتراكي الموحد. خلاصة المشهد أن نفس عدد المناضلين اليساريين ونفس الوجوه تقريبا هي نفسها تتوزع على التنظيمات. وفي كل عملية انشقاق أو فراق أو حتى تأسيس، هناك ضياع ليس فقط للقوة الجماعية، بل ضياع حتى على المستوى الفردي، إذ مع كل عملية شقاق هناك طاقات يسارية تحبط وتفضل الانزواء ومقاطعة العمل الحزبي.
الظاهرة طبيعية ومرضية في نفس الآن. طبيعية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن البلاد تعيش مرحلة انتقال. والانتقال لا يهم المؤسسات السياسية، بل يهم التنظيمات نفسها، حزبية كانت أو نقابية أو جمعوية.
فالأحزاب السياسية التي تساهم في بناء التحول بالبلاد هي نفسها في حاجة إلى تغيير، بل تغييرات عميقة في طرق عملها وتفكيرها وآليات اشتغالها. إذ إن طبيعة المرحلة السابقة التي عاشتها البلاد جعلت من التنظيمات اليسارية تعمل بطرق مركزية مبنية على الزعامة، والثقة المطلقة، والقيادة التاريخية، والاستمرارية، والشبه سرية...، بينما اليوم أضحى العمل الحزبي السليم يتوقف على الوضوح في البرامج، وليس الأفكار فقط، على الشفافية وليس الثقة، على الديمقراطية وليس المركزية، على التداول وليس الاستمرارية.
والظاهرة طبيعية كذلك، لأنها مرحلة اصطفافات جديدة وفرز سيتبعها فرز في العمل الميداني لليسار، لأنه ممزق ومبلقن، ليكون ذلك حافزا على تجميع القوى وتوحيد الجهود مستقبلا.
الظاهرة، من جهة أخرى، مرضية بالنسبة للطاقات والفعاليات التي تبحث عن تكوين إطارات سياسية بحثا عن زعامات وهمية أو بحثا عن تبوؤ كراسي ''القيادات الحزبية'' للحصول على ''النصيب'' من كعكة العمل السياسي: مقاعد برلمانية، استوزار... وهي مرضية بالنسبة لمن يريد كذلك خلق إطارات سياسية فقط للتشويش على إطارات أخرى. ماعدا ذلك، فالظاهرة طبيعية وإن كانت سلبية.
اليسار لا هو ديانة ولا طائفة ولا نظام سياسي معصوم من الخطأ أو الضعف. اليسار قيم اجتماعية وإنسانية قبل كل شيء، يحملها ويدافع عنها أفراد، لا تقاس درجة ''يساريتهم'' بمدى ''طهارتهم'' في الدفاع عن الفكر اليساري، بل بمدى جعل هذه القيم النبيلة في خدمة الناس. ولذلك، فإن عائلة اليسار تتسع لكل المواطنين الذين يحملون تلك القيم أو يؤمنون بها. فهم أقرب إلى بعضهم البعض من التوجهات السياسية الأخرى. يبقى على التنظيمات اليسارية أن تمارس فقط الديمقراطية داخلها، وسيكون الإشكال محلولا عن طريق ذوبان أحزاب في أخرى أو اندماج أو تحالف أو جبهة... طبعا، ستبقى تنظيمات على هامش هذه العائلة بتوجه متطرف، وهذه كذلك ظاهرة عادية تعرفها كل المجتمعات. سيكون من الصعب الحديث عن انتخابات 2007، ولكن التي تليها يجب أن تكون تتويجا لمرحلة التحول بالبلاد ومرحلة تتويج لإعادة بناء اليسار في المغرب (وكذا اليمين والوسط). ولأجل ذلك، فعلى اليسار المغربي المتواجد بالحكومة أن يدقق اختياراته ويختار القطب الذي يريد ممارسة السياسة من خلاله بشفافية ووضوح سياسي وإيديولوجي. وعلى اليسار المغربي خارج الحكومة أن يدقق هو الآخر في تحالفاته وفي التمييز بين حلفائه وحلفائه المحتملين وخصومه. وعلى مكونات اليسار، وهي تعمل اليوم في الظروف الحالية وبالطرق الحالية، أن تترك لنفسها هامشا ولو صغيرا قد يكون نقطة التقاء العائلة اليسارية دفاعا عن قيم اليسار ودفاعا عن الوطن والمواطنين
.

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi