قافلة الحرية: من يقبض الثمن؟

الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية بذلك الشكل الهمجي والإرهابي ليس مفاجئا، لأنه يدخل ضمن طبيعة دولة إسرائيل القائمة على التقتيل والتهجير وإرهاب الدولة. الحكومات الإسرائيلية تتبنى رسميا أساليب إرهابية كجزء من منظومتها "الدفاعية" والهجومية. العقاب الجماعي، الاغتيالات، القرصنة، الاختطافات، التزوير، الاعتداء على سيادة الدول...
الذين نظموا قافلة الحرية نحو غزة، وهم في غالبيتهم من تيار "الأممية الإسلامية" المنتشر عالميا، وتوفقوا في عملهم، كانوا يعلمون أن إسرائيل لن تسمح بكسر الحصار على غزة. لكنهم أرادوا وضع إسرائيل أمام الأمر الواقع، إما السماح بوصول المساعدات والمتضامنين وكسر الحصار، وإما منع ذلك والدخول في مواجهة مع العالم.
إسرائيل، طبعا، فضلت الخيار الثاني، مواجِهةً بل متحدية العالم، مهما كلفها من ثمن، إلا القبول برفع الحصار عن غزة.
هناك ثلاثة أسباب تجعلها تختار المواجهة.
أولا، إذا سمحت بوصول المساعدات والمتضامنين، معنى ذلك أنها قبلت برفع الحصار، وقبل ذلك الخضوع لميزان قوى الرأي العام الدولي ضد إستراتيجيتها الخاصة. وهو ما لن تسمح به.
السبب الثاني هو إدراكها أن رد فعل العالم الإسلامي والعربي و العالمي المتضامن مع الحق الفلسطيني سينتهي بعد بضع بيانات ومظاهرات.
والسبب الثالث، وهو الأهم، هو إدراكها أنها حين تواجه العالم وتتحداه وترتكب مجزرة فإنها تقوم بشيء ستؤدي عليه الثمن فعلا، لكنها في نفس الوقت تعرف جيدا أن ليس هناك من سيقبض هذا الثمن!! وعليه، فهي لن تدفع ذلك الثمن بسبب غياب الطرف الذي سيقبضه!!
حين يرتكب طرف ما جريمة في حق طرف آخر، وفي حق القانون الدولي ويتواجه مع الدول والرأي العام الدولي، يدرك أن عليه، للتلطيف من أثر جريمته، أن يقدم بعض التنازلات. وهذا هو الثمن الذي يؤديه المعتدي، بالإضافة للتعرض للعقوبات حسب الحالات.
إسرائيل تدرك أنها لن تتعرض للعقوبات، وتدرك أن الطرف الذي سيقبض الثمن غير "مؤهل" لذلك، بسبب الانشقاقات والخلافات. الفلسطينيون للأسف، أو القيادات الفلسطينية، تفرقت بها السبل حتى تجزيء الوطن أو ما تبقى من الوطن. حماس تحكم غزة، وفتح ومعها السلطة تحكم الضفة الغربية. لا طرف يعترف بالآخر. لا لقاء، لا حوار، لا تصالح. هذه هي اللاءات الثلاث الجديدة.
موقع الفلسطينيين التفاوضي أصبح ضعيفا، لا بل لم يعد أحد يهتم بالتفاوض مع أي طرف منهم. التهم التي يتبادلها الفلسطينيون بينهم، من الخيانة، إلى الفساد، إلى الدكتاتورية، إلى ارتكاب الجرائم في حق الشعب الفلسطيني نفسه، تتناقلها الفضائيات صباح مساء. هذا الواقع الفلسطيني هو أخطر على القضية الفلسطينية من أي عنصر آخر.
لا يوازي هذا الخطر غير الإرهاب الإسرائيلي. والكارثة أن ليس هناك في الأفق ما يوحي بأن القيادات الفلسطينية مستعدة للتصدي للمهم ونسيان الثانوي.
إسرائيل مستفيدة من هذا الوضع وستضرب الحصار كل الحصار على غزة وعلى الضفة بعد دلك، ولا يعود للفلسطينيين من مغيث في غزة غير مصر وفي الضفة غير الاردن، للاستمرار في الحياة تحت الحصار القاتل، وتصبح مشكلة غزة مشكلة مصرية ومشكلة القطاع مشكلة أردنية، وإسرائيل لا دخل لها في ذلك! هذا هو الحلم الإسرائيلي، إلحاق غزة بمصر وإلحاق الضفة بالأردن وكفى إسرائيل شر الدولة الفلسطينية. طبعا، هذا حلم إسرائيلي قد يتحقق إذا استمر الفلسطينيون على خلافاتهم وانقسامهم، وقد يتحول هذا الحلم إلى "كابوس" إسرائيلي إذا التحم الصف الفلسطيني.
الدور المصري مهم بحكم التاريخ والواقع الجغرافي. ولكن لتركيا دورا مهما. العالم العربي جله دكتاتوريات وأنظمة مستبدة و فاسدة ومستعدة لبيع القضية بسبب مصالح خاصة للقادة وضمان استمرارهم في الحكم ونهب ثروات شعوبهم. تركيا تبحث عن مصالحها طبعا، لكنها مصالح مبنية على المؤسسات، وبالتالي حين تتلاقى مصالحها مع مصالح الشعوب العربية فتلك ضمانة لدعامة مهمة ومؤسسة. تركيا تبحث عن دور الريادة في المنطقة ودور الوسيط بين العالم العربي والإسلامي والغرب، بعد أن أدركت أن الغرب لن يقبلها.
تركيا تفرض نفسها على الغرب من خلال المنطقة العربية. وهذا شيء إيجابي، بل مستحب. على الفلسطينيين، اليوم وقبل الغد، أخذ هذه المتغيرات الجهوية بعين الاعتبار قبل أن يفوت القطار.
د.الطيب حمضي
11 juin 2010

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

إن ما قام به الكيان الصهيوني اتجاه قافلة الحرية و بالضبط على السفينة التركية "مرمرة" ليس غريبا، فالتاريخ يسجل لنا عشرات المجازر التي اقترفها و مجزرة قافلة ا لحرية ليست الأكبر بل الأحدث فتجويع وحصار غزة هو أعظم بكثير من هذا الاعتداء.

فالكيان الصهيوني لا يخشى لومة لائم لأن جميع ردود الفعل سواء الدولية والعربية لا تعدو أن تكون فقط شجب،تنديد واستنكار وننسى الموضوع. لكن الجديد هو الموقف التركي كما جاء في مقالك.

فالموقف التركي هو الأقوى مقارنة بكل المواقف العربية والإسلامية، فالهجوم على قافلة الحرية جاء قبيل الاستعداد لمناورات عسكرية كانت مقررة بين تركيا وإسرائيل مما جعل تركيا تلغيها،كما ربطت عودة العلاقات الطبيعية بينها وبين الكيان الصهيوني بإجراء تحقيق نزيه في هذا الهجوم الذي يعتبر انتهاكا للقانون الدولي، علما بأن غالبية قتلى قافلة الحرية هم أتراك إذن هي ضربة موجهة من الكيان الصهيوني لتركيا.

فالجديد في القضية – الصراع العربي الصهيوني-هو دخول تركيا على الخط فماذا تريد تركيا بهذا التقارب مع العرب بعدما كانت حليفة لإسرائيل؟ وهل نحن فعلا أمام ولادة شرق أوسط جديد إما إيرانيا أو تركيا لكن مستبعد أن يكون عربيا؟


N.F

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi