أنفلونزا الطيور

بعد الحكم الصادر على "لوجورنال" والأحكام الصادرة قبل ذلك على "تيل كيل" و"الأيام"، قد يضحى من قبيل المغامرة أن يكتب إنسان في الصحافة إلا إذا كان رصيده يتعدى بضعة ملايير. ومثل هؤلاء لا وقت لهم للكتابة! هذا معناه أننا أمام مسلسل لخنق الصحافة من خلال تخريب المؤسسات الصحافية. مهما تكن المبررات، فإن ما يقع اليوم خطير وليس لنهايته إلا باب مسدود ستؤدي البلاد وحدها ثمن ذلك.
هل هذا هو السبب الذي دفعني هذا الأسبوع إلى الكتابة عن أنفلونزا الطيور؟ طبعا ... لا!
الكتابة عن أنفلونزا الطيور اليوم، وعلى الأصح خلال الأسابيع و الأشهر المقبلة، هي أخطر من الكتابة عن أي موضوع سياسي مهما كانت حساسيته. وهذا بالذات ما دفعني إلى الكتابة عنه اليوم.
سنتحدث عن المرض وعن دور الصحافة والصحافيين ومسؤولياتهم، وما أخطرها، في مواكبة ما قبل الوباء أو خلاله إذا حصل لا قدر الله.
لنذكر بداية بأهم المعطيات عن المرض. وقبل دلك أريد التأكيد بشدة على أهمية الاستمرار في أكل لحوم الدجاج بشكل طبيعي وبدون أدنى خوف فالمرض ينتقل من خلال معايشة الطيور المريضة وليس أكل لحم الطيور ، و ادا ما وصل الفيروس للطيور بشكل وبائي، أصلا لن تجدوا لحوما بيضاء بالأسواق، حيث سيطال الإعدام الإجباري الطيور المريضة وكل الطيور التي من المحتمل أن يصلها الفيروس. أما اليوم لنستمر جميعا في استهلاك هده اللحوم بكل طمأنينة و دون إصابة قطاع اقتصادي كبير بالخسارات الفادحة ظلما بسبب جهلنا او تجاهلانا للمعطيات العلمية خول المرض. وفي الأخير الشعب هو الذي يؤدي الفاتورة من خلال البطالة وفقدان مصدر بروتينات في متناول الناس و تأدية فاتورة اللحوم الحمراء والسمك غاليا بسبب هلع واحتياطات لا تحمي نن شيء.
أنفلونزا الطيور، سببه نوع من فيروسات الأنفلونزا من فصيلة H5N1، وهو مرض يصيب الطيور ظهر في آسيا وأخذ اليوم في الانتشار عبر العالم خصوصا بواسطة الطيور المهاجرة.
خطورة هذا الفيروس الحيواني أن له القدرة على الانتقال إلى الإنسان. وهذا ما حصل فعلا في عدد من البلدان التي أصاب الفيروس طيورها. لكن ليست هنا خطورة المشكل. فانتقال الفيروس من الطيور إلى البشر لا يتم إلا إذا كان هناك احتكاك مباشر وكثيف بين الإنسان والطيور المريضة. وهذه مشكلة يمكن القضاء عليها. لكن الخطورة الكبرى التي يتخوف منها العالم كله هي أن يتمكن هذا الفيروس "الحيواني" من التحول وتصبح له القدرة على الانتقال من إنسان إلى إنسان. في هذه الحالة، فإن المرض سيتحول إلى وباء عالمي. هذا معناه أننا لحد الساعة لا نعرف بالضبط الفيروس الذي سيكون سببا في الوباء، لأن هذا التحول الفيروسي لم يحصل بعد. ولأننا لا نعرف الفيروس بالضبط، فإن عملية صنع لقاحات غير ممكنة اليوم. حين ستكتشف أولى الحالات ويتم التعرف على الفيروس يلزم من 4 إلى 6 شهور لصنع اللقاح، وشهورا عدة أخرى لصنع العدد الكافي منها لكل البشر! في هذا الوقت سيكون المرض قد حصد أرواح الملايين وأربك الحياة العامة والاقتصاد في العالم. هناك دراسات آخرها أسترالية تتوقع وفاة ما بين حوالي 7 ملايين شخص (في أحسن التصورات) و140 مليون في أسوئها. لكن المنظمة العالمية للصحة، وهي الأدرى بالموضوع، تتحدث عن تقديرات بين 2 مليون و7 مليون ونصف. انعدام القدرة على الضبط راجع لكوننا لا نعرف بالضبط حتى الآن كيف سيكون الفيروس "المهجن"؟ ماهي قدرته على الانتقال؟ وماهي خطورته بالضبط؟ وهما سؤالان لن تتم الإجابة عنهما إلا بعد انطلاق الوباء.
أليس ممكنا تجنب الوباء؟
المنظمة العالمية للصحة تتأهب لكافة الاحتمالات. كلما انتشرت أنفلونزا الطيور، وانتقل الفيروس إلى الإنسان، زادت احتمالات لقاء الفيروس الحيواني مع فيروس الأنفلونزا البشرية. وبالتالي، الاختلاط الجيني بينهما واكتساب الفيروس الحيواني القدرة على الانتشار بين البشر.
حتى وإن نجحت البشرية في وقف الخطر هذه المرة، فإن أصنافا أخرى ستهددنا في السنوات المقبلة.
خطوط الدفاع ضد المرض هي محاولة القضاء عليه في مرحلة الطيور، أي مراقبة ورصد أي إصابة بين الطيور وإعدامها كلها وعزل المناطق المصابة، وهو ما يتم اليوم عبر العالم.
الخط الثاني وهو ما ستجربه البشرية لأول مرة، وهو محاولة محاصرة المرض والفيروس إذا تم تحوله من خلال استنفار عالمي لعزل التجمعات البشرية المصابة ومعالجتها بـ "التامفلو"، وهي وسيلة فقط لتأخير انتشار المرض حتى تتمكن الإنسانية من إنتاج اللقاحات الضرورية للتحصين ضد الفيروس.
خط الدفاع الثالث كذلك وهو علاج "التامفلو" الذي يمكن أن يعطي نتائج إيجابية إذا استعمل في 48 ساعة بعد الإصابة.
خط الدفاع الحقيقي هوالتلقيح. لكن للأسف، اللقاحات لن يتم تصنيعها إلا أشهرا (من 4 إلى 6) بعد ظهور الوباء. وإنتاج كميات كافية من اللقاحات يحتاج إلى أشهر أخرى.
الخبراء اليوم هم بصدد تصنيع لقاحات افتراضية، إذا وافقت الفيروس "المهجن" سنربح نصف المدة. كما أن خبراء آخرين يشتغلون على كيفية إنتاج أكبر كمية من اللقاحات في أوجز وقت. لكن إذا ظهر الوباء، وفي انتظار تلقيح الناس جميعا، ستتخذ إجراءات أخرى، كمنع التجمعات وغيرها، لحصر الوباء والمرض.
مخلفات المرض والإجراءات ستؤثر على البشرية جمعاء. وهنا دور الصحافة من اليوم. نحن بصدد الحديث عن مرض قد يؤدي بحياة ملايين الناس وقد لا يكون بهذه الخطورة، لكننا نتهيأ دائما للأسوأ. لذلك، قلت في البداية إن مسؤولية الصحافيين اليوم خطيرة. فهم اليوم الوسيط الأساسي بين المعطيات العلمية والطبية والجمهور. بحيث إذا تابع الصحافيون الأمور بدقة ومعرفة وروية وعالجوها بنفس روح المسؤولية سيساهمون في محاصرة المرض وإنقاذ حياة ملايين الناس وإنقاذ الاقتصاد من الانهيار. أما إذا تمت معالجة الأمور بمنطق الإثارة والترويع والتخويف، أو على العكس تجاهل المرض، فإن الفيروس سيجد له شريكا عزيزا يساعده على الفتك بأرواح الناس. وهذا الشريك هو الهلع أو الجهل، وهما معا يؤديان إلى عدم احترام شروط الوقاية والسلامة لمحاصرة المرض قبل ظهوره أو الحد من آثاره إن ظهر.
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi