التطرف المضاد


نعيش منذ سنوات على إيقاع تطرف ديني يعرفه المجتمع في الدول العربية والاسلامية وحتى داخل الدول الغربية الغير إسلامية حيث تعيش جاليات مسلمة مهمة.
لا نعيش فقط على إيقاع أفكار متطرفة باسم الإسلام ولكن هذه "الأفكار" أصبحت مقرونة بالعنف ـ لتنقلنا من أفكار متطرفة إلى إرهاب فكري مارسته جماعات إسلامية حيثما أحست بتصاعد قوتها. ومن الإرهاب الفكري إلى الفكر الإرهابي والإرهاب. هذه الموجة من التطرف الديني مرحلة سوداء من تاريخنا وتاريخ البشرية وسنتعايش منها، لأن الشعوب تلفظ ورائها كل القيم الغير إنسانية والتطرف واحد منها. السؤال هو كم ستدوم المرحلة وما هو الثمن الذي ستؤديه. والجواب ليس حتمية تاريخية ولا عملية أتوماتيكية. كل ذلك يتوقف على طبيعة الرد الذي نخص به التطرف والمتطرفين وعلى مدى قدرتنا على فهم الأسباب العميقة لذلك ومحارتبها وإيجاد الحلول لها.
ليس هناك مسؤول اليوم أو دولة أو مؤسسة بإمكانها أن تدعي أنها تمتلك الوصفة السحرية لمواجهة الأمر. هناك مقاربات وكل منها لها ما لها وعليها ما عليها، مقاربة أمنية، سياسية، اجتماعية، دينية، علاقات دولية، اقتصادية... لكن أخطرها هو محاربة التطرف بتطرف مضاد.
هناك العديد من الفاعلين اليوم سواء على الساحة الدولية أو الإسلامية أو الوطنية من يعتقد أنه حامل لواء حماية المجتمع والبشرية من التطرف الديني باسم الإسلام أو أنه القلعة الأخيرة في وجه التطرف الديني، فقط لأنه الأكثر تطرفا وراديكالية واستأصالا "في مواجهة المتطرفين"!
الخطر كل الخطر أن نعتبر أنه كلما كنا "استئصاليين" فإن حربنا ضد التطرف ستكون مضمونة أكثر، أو كلما كنا مدركين لخطورة التطرف الديني وإلا كان علينا بالضرورة تبني مقاربة استئصالية لتخليص المجتمع من ويلات السقوط تحت سلطة المتطرفين.
هذا منطق يقود إلى تقوية التطرف وإنعاشه وإعطاءه مزيدا من أسباب الوجود والاستمرار.
وفي المقابل سيكون الاعتقاد قائلا ـ مجازا وحقيقة ـ إذا توهمنا أن الأمر سحابة صيف، أو مجرد هدية في التفكير أو أن المقاربة البيداغوجية كافية لإرجاع الأمور إلى نصابها.
المقاربة الأمنية ضرورية والمقاربة السياسية كذلك والاقتصادية والتربوية. كما هو ضروري أن تتم إعادة النظر في ظروف الشعوب المسلمة وما تعيشه في مظالم وقهر وقمع وفقر وإهدار للكرامة وسلب للحقوق.
ولكن هل كلما تطرفنا في محاربة الظاهرة كنا أكثر فعالية؟ سؤال قاتل. وكلنا نجيب عليه بالنفي وباستحضار الرد العقلاني والمدروس ليكون أكثر فعالية. لسنا هل الأمر كذلك؟
لن أتعرض الكتابات والمبادرات إن مغربيا أو عربيا أو دوليا الموشومة بالكثير من التطرف ولكن أدعوكم إن تتأملوا مثلا معي الوقائع التالية.
قامت العربية السعودية وكذلك الكويت بسحب الجنسية من بعض مواطنيهما الذين تورطوا في أعمال إرهابية. وكانت البداية بسحب الجنسية السعودية من أسامة بن لادن زعيم القاعدة وتلتها حالات أخرى.
في مواجهة الإرهابيين بالعراق الذين يذبحون المدنيين على الملأ و؟؟؟؟؟ بعد عمدهم إلى قتل مسلمين يكون رد بعض العلماء وسيآتهم إلى من يقوم بمثل هذه الأعمال ليس مسلما.
هؤلاء الإرهابيون والقتلة هم مسلمون. وفي تنفيذهم لعمليات القتل يعتقدون أنهم يختصرون الطريق نحو الجنسية لأنهم يقررون أن من يقع بين أيديهم ليس مسلما ويحق نية القتل.
بالتأكيد أن هذا المنطق لا علاقة له بصحيح الدين، لكننا نرفض إرهابهم ليس لأنهم هم غير مسلمين أو خرجوا من الاسلام ولكن لأن أعمالهم إرهاب سواءا كانوا في الإسلام أو خارجه.
إذا فتحنا باب إخراج الناس من الاسلام بناتنا نعطيهم مشروعية لأن يكفروا هم كذلك ما يشاؤون، نحن نرفض وحشيتهم لأنها جرائم وإرهاب سواءا كانوا يهود أو نصارى أو مسلمين. المسلمون أصناف فيهم الصالح والطالح والإرهابي. والسعوديون والكويتيون والمغاربة والأمريكيون كذلك. فيهم المواطنون الصالحون والإرهابيون. وليس لأننا سحبنا منهم الجنسية في السعودية لم يعد فيها إلا الصالحون! أو إذا سحبنا منهم انتمائهم للإسلام فإن كافة المسلمين أضحوا صاحلين!
زكريا موساوي الفرنسي من أصل مغربي والمدان بالإعدام عقب تورطه في أحداث 11 شتنبر، لم تسحب منه فرنسا جنسيته بل دافعت عنه لائحة يحاكم في بلد فيه عقوبة الإعدام التي يرفضها الفرنسيون.
وحين صرَّح أخوه يوما أنه لم يعد يعترف بأن زكرياء أخوه ؟؟؟ نقاش حول خطورة الضغط الإعلامي على عائلة زكريا موساوي إلى درجة دفع الأخ للتنكر لأخيه وهو ما رفضه الرأي العام الفرنسي رفضا مطلقا حتى وإن كان هذا الأخ المتنكر له إرهابيا وسفاحا!
أتذكر هذا وأنا أذكر قناة مغربية تبث تصريحا لأب انتحاري من جماعة 16 ماي. وهو يقول إن ابنه إن لم يكن قد مات في الأحداث فإنه كان سيقتله بنفسه. هل التطرف بعد عنا؟
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi