الشعبوية

من أسوأ الأخطار على الحياة السياسية وعلى العقل الجماعي للشعوب هو خطر الشعبوية. فالشعبوي، أينما كان وفي كل زمان، هو رجل (أو امرأة) له جماهير عريضة تنتظر كلامه وتحليلاته وإشاراته. شخص يدغدغ عواطف الجماهير، يقول لها ما تريد سماعه، يجاري الرأي العام ولو ضد المنطق أو ضد أفكاره وقناعاته هو نفسه. الشعبوي يبيع للناس الأوهام، يصوّرهم على أنهم يوجدون قاب قوسين أو أدنى من الانتصار وأن الأعداء على حافة الهزيمة. يصور الناس الذين يخاطبهم على أنهم كلهم ملائكة وأن أعداءهم شياطين.
الشعبوي لا يقول للناس الحقائق ولا نصفها، هو يُغلّفها في علب من الأكاذيب، حتى لا يغضب الناس مما يقول وينفضوا من حوله.
الشعبوي يقول لك إن المغرب كله خيرات وطاقات وأموال تكفي ليعيش الشعب كله أحسن من شعب النرويج! الشعبوي سيقول لك ما الحاجة إلى بناء طريق سيار يساوي الملايير، عوض أن نوزع تلك الملايير على الفقراء ليعيشوا منها ويأكلوا منها.
الشعبوي يرى أين يذهب التيار العام داخل المجتمع ويسايره ويركب عليه ولا يهمه أن يقول الحقائق التي من شأنها خلق نقاش حقيقي وتوعية الناس لمواجهة الأوضاع وبناء المستقبل بناءا حقيقيا.
داخل كل المجتمعات، هناك شعبيون. لكن خطرهم يكون مضاعفا حين يكونون زعماء رأي عام، أو سياسيين، أو نقابيين، أو وزراء، أو رجال دين...، أي حين يكونون في الأماكن التي من المفترض أن تكون بؤر تنوير وتأطير للرأي العام.
الشعبوي يجعلك تؤمن بأن تحرير فلسطين واندحار العدو الإسرائيلي قد يحصل خلال ساعات، وأن كل ما تراه في الواقع من تقهقر وتشردم هي في الواقع بشائر النصر الأخير، وأن العراق على وشك التحول إلى جنة على يد المجاهدين، وأن البطالة بالمغرب يمكن استيعابها كلها في رمشة عين إذا عرفنا كيف نستغل طاقاتنا أحسن استغلال وقضينا على البرجوازيين.
الشعبوي يجعلك تندم على سنوات القرن الثامن عشر والسابع عشر. إنها كانت سنوات الخير مقارنة مع عصرنا الحالي.
الشعبوي يعدك بكل شيء، لكن بدون برنامج، بدون تفاصيل، بدون عقل، لأن خطابه لا يوجه إلى العقل، بل أساسا إلى العواطف.
حذار! الشعبوي ليس جاهلا! الشعبوي قد يوظف كل العلوم لبناء خطابه الذي يصبح دجلا حتى وإن كان مليئا بالنظريات والمفاهيم العلمية.
الشعبوي يوظف الحقائق الناقصة والخارجة عن سياقها، يؤثث خطابه بالمعادلات غير القابلة للتجريب، بالمقارنات التي يصعب التحقق منها. الشعبوي يقوم بكل شيء لتبقى أسهمه في بورصة «الجمهور» مرتفعة.
الشعبوية خطر على الشعوب وعلى مستقبلها، لأنها أفيون تخدر إحساس الناس بالواقع وتصيب عقولهم بالخمول وتثبط عزائمهم في التفكير في الحلول الحقيقية لمشاغلهم وتجعلهم يستكينون للحلول السهلة والسطحية.
الشعبويون خطر على المصلحة العامة إذا كانوا أصحاب قرار، وبالإمكان أن يكونوا وراء تبذير ثروات الشعب بسبب قرارات تمليها عليهم شعبويتهم حتى وإن كانت تناقض المصالح الحقيقية للشعب.
الشعبويون يوظفون «العلم» والديماغوجية على حد سواء، المهم أن تُعجِب مواقفهم أوسع شرائح الناس، ليس حبا في الناس ولا تقديرا لرأي الناس، ولكن حرصا على استمرارهم هُم في مواقعهم، سواء أكانت تلك المواقع كراسي مسؤولية أو مواقع تجلب المال أو السلطة أو الشهرة أو كلها أو بعضها.
هل ببلادنا وزراء شعبويون؟ زعماء أحزاب سياسية شعبويون؟ زعماء نقابيون شعبويون؟ صحافيون شعبويون؟ زعماء رأي عام شعبويون؟ هل يوجد بالمغرب نماذج من هؤلاء؟ الجواب: يوووووووووه!.
الطيب خمصي
30 ماي 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi