السلاح‮ ‬والديمقراطية

على امتداد العالم العربي والإسلامي كان حزب الله اللبناني يتمتع بتعاطف عارم وجماهيري لم يحرزه أي حزب آخر غيره.
فبالرغم من الاختلافات الدينية، والعقائدية والايديولوجية والسياسية، كان الجميع متعاطفا مع هذا الحزب ومعجبا بنضاليته. فالإسلاميون والاشتراكيون والشيوعيون والماركسيون والليبراليون والوسطيون وغيرهم كثير، لم يكن فيهم من يخفي إعجابه بحزب الله، كحزب مقاوم للاحتلال الإسرائيلي بجنوب لبنان. بصدقيته، بذكائه، بحنكة قيادته، بوطنيته، بتعاليه عن الأمور الصغيرة، بتمييزه بين الاستراتيجي والمرحلي... وكحركة مقاومة، كان حزب الله محط إجماع أو يكاد.
ترى ما الذي يجعل ماركسيا من المغرب يُعجب بحزب، خلفيته دينية أصولية؟ بالتأكيد ليست الخلفية الدينية!
ما كان يجعل الشارع العربي متعاطفا مع حزب الله هو كون هذا الأخير رمزا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ولم يكن أحد يهتم، لا بخلفيته الدينية، ولا ببرنامجه السياسي ولا بأفكاره التي يريد تطبيقها داخل المجتمع اللبناني.
والمفارقة كذلك أن أهم وأشهر وأكثر حزب أصولي عربي شهرة لم يكن أحد يعرف له موقفا من أمور الدنيا، الحجاب، الأبناك، الاختلاط، حقوق المرأة...
اليوم، حزب الله قوة سياسية مهمة داخل مجلس النواب اللبناني، يتحالف، يعارض، يهدد، ينسحب، يتراجع، يصوت، يقدم تعديلات، يحاور.... وهو في كل هذا لا يواجه إسرائيل، ولا يحرر الجنوب ولا مزارع شبعا، ولكن يساهم في إدارة شؤون البلاد اليومية من أسعار البنزين إلى سعر الفائدة إلى برنامج وزارة الصحة إلى محاربة الجريمة وغيرها. وهو بهذا المعنى حزب كباقي أحزاب الله (على وزن عباد الله!).
ما المشكلة؟
الأصوات التي يحصل عليها حزب الله هي خليط بين أصوات ناخبين يؤمنون بالخط السياسي والإيديولوجي لحزب الله ومقتنعون ببرنامجه الانتخابي وأصوات تعود لناخبين ـ وما أكثرهم ـ يصوتون لحزب الله، لأنه حزب مقاومة الاحتلال، وهي أصوات مهمة هدفها تشجيع حزب الله على الصعود أمام الآلة الإسرائيلية.
لكن المشكلة هي كون حزب الله، كحزب سياسي، يوظف هذه الأصوات كلها في تصريف مواقف سياسية، لا علاقة لها لا بالمقاومة ولا بالجنوب ولا بمزارع شبعا ولا بإسرائيل.
حزب الله كحزب مقاوم هو محط إجماع، ولكن كحزب سياسي له مواقفه الخاصة من التجديد للرئيس لحود، ومن العلاقة مع سوريا، ومن أسعار الفائدة. هذا موضوع ثان ولا يمكن أن يكون محط إجماع.
فهل إذا اختلفنا مع حزب الله حول موقف سياسي معين، معنى ذلك أننا ضد المقاومة؟ أبدا! وهل إذا أيدنا حزب الله في عمليات المقاومة معنى ذلك أننا نؤيد موقفه من حكومة السنيورة أو من ارتداء الحجاب؟ أبدا! ولكن، كون حزب الله الذي يمارس المقاومة بقوة السلاح، وينظم جيشا في صفوفه، ويستعرض قوته العسكرية في استعراضات كبرى، ويتلقى دعما ماليا وعسكريا خارجيا من أجل المقاومة، ويتلقى التبرعات لدعم المقاومة، هو نفسه الحزب السياسي الذي يمارس السياسة العادية اليومية بنفس الأصوات، هذه الازدواجية من شأنها أن تشكل خطرا على حزب الله وعلى لبنان وعلى الديمقراطية نفسها. إذ لا يعقل أن يوظف حزب ما أصوات الناخبين المحصل عليها لدعم قضية ما من أجل تحويرها لخدمة قضايا أخرى.
إن على حزب الله أن يتحول إلى حزب سياسي، أو يتخلى عن السياسة لعالم المقاومة، أو يفرق بين الجناح السياسي كحزب عاد ويترك لفيالقه العسكرية أن تنظم نفسها في إطار منفصل عن السياسي. أنا لا أدعو حزب الله إلى التحول إلى حزب سياسي وإلقاء السلاح. هذا قرار بيد الشعب اللبناني وحده. فالمقاومة لازال لها دور بلبنان ضد عدو إسرائيلي على مشارف البلد. ولكن هذا التداخل بين المقاومة والعمل السياسي داخل المؤسسات أمده قصير. وإذا لم يبادر حزب الله إلى فك الارتباط بين العمل السياسي والعمل المسلح، فإن من شأن ذلك، عاجلا أم آجلا، أن يؤدي إلى خلق مطبات وعقد كثيرة في الحياة السياسية اللبنانية. فلا المقاومة ستبقى محط إجماع ولا حزب الله السياسي ستكون له مشروعية ديمقراطية.
تحدثت عن حزب الله، لأنه الظاهرة الأكثر تمثيلية، لكن نفس الأمر ينسحب على حركة حماس بفلسطين. فالفلسطيني الذي يصوت لحماس، كرمز للمقاومة، لا يدرك أنه يصوت لحزب سياسي له مواقف عقائدية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ربما مخالفة تماما لمواقف الناخب الذي منحه صوته.
الأمر هنا لا يتعلق بدعوة للتخلي عن السلاح، بل لترك السلاح والمقاومة بأيدي المقاومين المسلحين الذين يقاومون باسم الشعب كله ونيابة عن الشعب كله، وممارسة السياسة كباقي السياسيين. وهكذا تبقى المقاومة للوطن كله والسياسة لكل حزب بما استطاع.
أما توظيف هذه بتلك، فهو أقرب إلى الاحتيال على إرادة الناخبين. وهو ما لا نرضاه لحركات مقاومة باسلة وصادقة، حتى وإن اختلفنا معها في السياسة، وأحيانا حتى في طرق المقاومة.

الطيب حمضي
نشر بأسبوعية "الصحيفة " نهاية ابريل 2006

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi