محمد البرادعي لهزم أسطورة مبارك

منذ عودة محمد البرادعي إلى مصر وانتشار خبر اعتزام ترشحه للرئاسة بمصر والأجهزة الإعلامية المصرية الرسمية تكيل له الانتقادات والتهجمات. محمد البرادعي الذي كانت مصر وأجهزتها الرسمية تحتفي به وهو مسؤولا دوليا ورئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقبلها مسؤولا في دواليب الأمم المتحدة، وكانت مصر وأجهزتها الرسمية تزهو بمصريته، انقلبت تماما لما بدأ الرجل أول خطواته نحو الترشح للرئاسة بمصر. محمد البرادعي هو المسؤول السابق عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، دخل مصر قبل أشهر، واستقبل استقبالا شعبيا كبيرا ضدا على ارادة النظام الحاكم في مصر بعد أن سرت أخبار عن نية ترشحه للرئاسة المصرية بعد انتهاء الولاية الحالية للرئيس حسني مبارك.

الطريق نحو الترشح لازال طويلا وشاقا أمام محمد البرادعي. فالترشح للرئاسة بمصر يتطلب استيفاء شروط، بل عوائق أحدثها حزب حسني مبارك لقطع الطريق أمام أي منافس محتمل لمبارك أو خليفته/ابنه جمال مبارك.

حسني مبارك يحكم مصر منذ 30 سنة، ولا سنه ولا صحته لم يعودا يسمحان له بالتأكيد بالاستمرار في سدة الحكم. لذلك، فإن الرجل يهيئ ابنه جمال مبارك ليرث مقعد الرئاسة في الوقت المعلوم.

حسني مبارك رئيسا أزليا عبر استفتاءات للمبايعة كما يحلو للحزب الحاكم في مصر أن يسميها. وطبعا، لا يمكن لحسني مبارك أن يترك المكان إلا لأهل الثقة والأولى بالمنصب ابنه جمال مبارك طبعا.

هناك سيناريو يقول إن جمال مبارك سيترشح للانتخابات بدل أبيه ويفوز طبعا. وسيناريو ثان يقول بتمرير الرئاسة أولا إلى عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية، بشكل صوري مع إعطاء الصلاحيات الحقيقية لجمال مبارك ومعه صفوة الشريف ورئيس الأركان، ثم بعد ذلك تنظيم انتخابات يفوز بها جمال مبارك دون أن يترشح لها عمر سليمان.

النظرية التي يروج لها مبارك وأجهزته مفادها أن ليس هناك في مصر من سيستطيع لجم الإسلاميين غيره، وليس هناك من يجتمع حوله شعب مصر غير حسني مبارك أو من يختاره مبارك. لذلك، فإن ظهور اسم محمد البرادعي قلب كل الحسابات. محمد البرادعي رجل له مكانة وصيت عالمي مميزان، له احترام داخلي قوي. رجل مشهود له بالخبرة والنزاهة والاستقامة. لذلك، ما أن علم الناس إمكانية ترشحه حتى التفوا حوله. وما أن علم محيط مبارك بعزم الرجل حتى أدركوا أن نظريتهم بعدم وجود رجل قوي وله خبرة لرئاسة مصر قد تحطمت، سواء ترشح الرجل أو لم يترشح.

المشكلة أن ترشح البرادعي لن يكون فقط صراعا رمزيا على الرئاسة مع رجل بل نظام فصّل كل شيء على مقاس حسني مبارك وآل مبارك، ولكن ترشح البرادعي قد يقلب فعلا موازين القوى داخل مصر.

قبل ثلاثة أسابيع، وبمجرد عودته من رحلته إلى الخارج، اجتمع البرادعي لأول مرة بكتلة الإخوان المسلمين داخل مجلس الشعب المصري. وقد أدرك الرجل بالتأكيد أنه للإطاحة بنظام كنظام حسني مبارك لا بد من التحالف مع الإخوان المسلمين ولو بشروط. في مصر قوى وطنية ديمقراطية أصيلة لها تاريخ كبير، ولكن تأثيرها في الشعب المصري ضعيف لعدة أسباب. وفي المقابل، هناك تيار إسلامي قوي وله تجذر شعبي. وسيكون من سابع المستحيلات هزم مبارك بل حتى التجرؤ على منافسته دون الاستعانة بهذه القوى. وهو ما باشره فعلا محمد البرادعي. رغم سمعة الرجل، ورغم رغبة الشعب المصري في التغيير ورغم التحالفات، فإن النظام المصري لن يذعن لهذه الضغوط. أكيد سترافقها ضغوط خارجية قوية، وسنسمع لأول مرة في مصر عبر تلفزيوناتها الرسمية وصحفها الرسمية معاداة لأمريكا واتهامات بالعمالة لأمريكا...

مهما كانت النتائج، فإن مصر ما بعد ترشح البرادعي لن تكون كما كانت قبلها، ولن تعود نفس الأبواق لتكرار نفس الاسطوانة المشروخة من كون شعب مصر عقيم عن ولادة رجل أو امرأة تنافس آل مبارك...
د.الطيب حمضي

29 juin 2010




هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

شهدت مصر خلال سنتي 2005 و 2007 تعديلات هامة في مواد دستورها، خاصة المادة الخاصة بانتخابات الرئاسة حيث تم تعديل طريقة اختيار الرئيس وذلك لمنع القوى المعارضة خصوصا الإسلامية وممثليها من الترشح، وهذا ما رآه محمد البردعي منافيا وطلب بفتح باب الترشيح لكل المصريين سواء كانوا أعضاء في أحزاب أو مستقلين،لكن هذا لا يتسنى إلا بإزالة مختلف العوائق الدستورية والقانونية التي تحول دون السماح للغالبية العظمى في الترشح.
إن فساد وفشل النظام الحالي المصري دليل على الضرورة الملحة على التغيير. وما تحدث عنه محمد البردعي إلا أحد مطالب الشعب المصري. فـأنا أحييه على شجاعته لخوض الانتخابات الرئاسية، فهو رجل قانون، له شعبية، ليست له حسابات مع أي قوى سياسية في مصر، بالرغم أن الشروط صعبة كما جاء في مقالك وقد لا تشجع المستقلين على ترشيح أنفسهم ما علينا إلا أن نصفق لهذه الخطوة فهي نوع من الحراك الديمقراطي.
فالمنطقة العربية تعتبر من أكثر مناطق العالم التي تشهد بقاء رؤساء في الحكم فترات تصل إلى ربع قرن أو أكثر حتى وفاتهم، لأن الأمر يقتصر على توريث الحكم أو إجراء استفتاء على مرشح واحد للرئاسة مثلا مصر –موضوعنا- منذ قيام النظام الجمهوري سنة 1952 حكمها ثلاثة رؤساء هم: جمال عبد الناصر حيث أجري في عهده استفتاءان، أنور السادات استفتاءان وحسني مبارك خمسة استفتاءات. الواضح أن الانتخابات الرئاسية العربية ما هي إلا انتهاكات لحقوق مجتمعاتها.
أخيرا أمل أن يتحقق مشروع محمد البردعي لأن مصر تستحق أكثر.


N.F

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi