كل حذاء وانتم بخير

قام الصحافي العراقي منتظر الزيدي برمي حذائه في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال ندوته الصحافية ببغداد. الفضيحة أن ملايين الناس من "الخليج الهادر الى المحيط الثائر" اعتبرت أنها ردت الصاع صاعين لمن احتل ارض العراق وأهان امة بكاملها من خلال ضربة حذاء. أن تكون ضربة حذاء موضع تنكيت وسخرية هذا طبيعي، لكن ان يتحول الموضوع إلى بطولة وقصائد مدح وهرطقة فهذا ما يؤكد أن العقل عندنا مبتغى ربما بعيد المنال.
الصحافي العراقي ليس مسئولا عن هذه الجذبة الجماعية التي انخرطت فيها أقسام كبيرة من امة العرب. فالرجل ربما لم يتمالك نفسه وهو يجد حاله وجها لوجه مع رئيس أهان شعب العراق ودمره وترملت على أياديه مئات الآلاف من الأمهات العراقيات، وتيتم على يديه ملايين الأطفال، وهُجُِر خارج العراق أو داخله ملايين العراقيين.
منتظر الزيدي ربما لم يتمالك نفسه وقام بما قام به، إذا لم يكن ذلك مخططا له مسبقا. والواقع أن أي عراقي أو أي إنسان حر، لو أتيحت له فرصة إهانة بوش لما تأخر. رغم أن ما قام به الصحافي العراقي لا هو عمل بطولي ولا هم يحزنون. أولا إذا كان يريد رمي حذائه على بوش او الانتقام منه فساحة العراق شاسعة وكان عليه أن يتصرف كمواطن مثل بقية الناس للبحث عن وسيلة لذلك. ثانيا هو دخل القاعة بصفته المهنية كصحافي، والبطولة هنا كانت تقتضي منه أن يواجه بوش مستعملا مهنته وقلمه وصورته لفضح بوش وجرائمه، لا أن يتخفى وراء مهنته ولاستعمال يده أو حذائه. ثالثا، اختار ندوة صحافية بحضور وسائل الإعلام للتعبير عن سخطه ضد بوش وسياسته "الامبريالية"، وهو يدرك أن في انتظاره محاكمة علنية، بينما كان بامكانه مثلا حضور تجمع أو لقاء جانبي لنور المالكي - حليف بوش ومنفذ سياسة أمريكا في العراق- ورميه بالحذاء.كان سيقطعه مريدو المالكي إربا بدون محاكمة ولا دفاع ولا حقوق ولا بطولة.
ومع ذلك فان ما قام به منتظر الزيدي يمكن توقعه من أي مواطن حر امام جلاد شعبه، ليس العقل دائما هو المسئول، فلسنا فقل فقط بل كتلة مشاعر كذلك.
المصيبة أن الناس اعتبرت هذا العمل الاحتجاجي قمة البطولة وكتبت القصائد، ووزعت ألقاب البطولات. وهناك من اقترح شراء الحذاء بمئات الآلاف من الدولارات، ومحامون متطوعون من مشارق الأمة ومغاربها للدفاع عن الصحافي قاذف الأحذية.
لماذا لم يتطوع أحباءنا من أصحاب آلاف الملايين من الدولارات لتوجيهها للشعب الفلسطيني المحاصر بغزة؟ للمقاومين الفلسطينيين من الاحتلال الصهيوني؟ للمقاومة العراقية الحرة؟ هل حذاء منتظر الزيدي أسمى من المقاومة وأولى منها؟ والمحامون الذين يريدون التطوع ، ألا يتعلق الأمر بشعبوية تحت بذلة الدفاع ؟ هناك آلاف القضايا العادلة المحتاجة للمؤازرة ولا تجد من يدافع عنها، لأنها رغم عدالتها لا تجلب شهرة ولا تشكل مادة لرواج اسم المكاتب في بورصة المحاكم.
هل فعلا إن امة العرب فاشلة في تحقيق أي انتصار وأي عمل بطولي إلا من خلال ضربة حذاء مواطن استغفل المنظمين الذين صدقوا انه صحافي قبل أن يستعمل حذائه العابر للقارات؟ هل فعلا كل هذه المقاومة التي يتشبث بها الشعب العربي وكل هذا النضال لا يساوي شيئا أمام ضربة حذاء!!

الطيب حمضي
26 decembre 2008

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

د. حمضي

لا علاقة للبطولة بما فعله الزيدي، لكن وبدون شك كان الامر قمة الشجاعة.

الحادث كان له تأثير ليس فقط على المستوى العربي. تابعت صدى ماقام به الصحفي العراقي على المجتمع الغربي فكان الأمر نوعا ما إجابيا رغم أن الرسالة لم تصل بالشكل المطلوب..
أول ما شدني هو أن الإعلام الغربي تجاوز الحادث وذهب يحلل الأبعاد الثقافية لما وقع. كان السؤال: ماذا وراء هذا السلوك؟
الغرب ليس لديه الضرب بالحداء أمرا مهينا إلى الدرجة التي هو بها لدينا.... أغلب التقارير والروبورطاجات ركزت على "الضرب بالحداء ماذا يعني" وليس "أَهين بوش بالحذاء"...
مثلا:الغربيون (المسيحيون) يدخلون إلى الكنائس بالأحذية، المسلمون لا وهم يلجأون للمساجد.... ليس عيبا أن تضع عند الغربيين رجلا على أخرى وتوجه حذاءك اتجاه شخص آخر بدليل جلسة ساركوزي الشهيرة بجوار الملك محمد السادس، عند العرب قد يصل الأمر إلى إعتباره إهانة... إلخ إلخ..

بالمقابل هناك من فهم الرسالة وخاصة الفرنسيين الأكثر إحتكاكا بالعرب (المغاربيين).

على كل حال، أدعوك لمشاهدة شريط فيديو للبرنامج الفرنسي الشهير les guignols de l'info الساخر، وهو برنامج سياسي لدمى متحركة تناول الحادث بشكل ذكي وغاية في الإبداع.. إليك الرابط على مدونتي

http://www.saidb.com/?p=275

تحياتي

سعيد الأمين

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi