الاتحاد والمتوسط وبرميل النفط

أعلنت قمة باريس ليوم الأحد 13 يوليوز 2008 عن قيام "الاتحاد من أجل المتوسط. وقد حضر القمة 43 بلدا، ولم تغب سوى ليبيا.
الفكرة كان قد أعلن عنها الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال زيارته للمغرب السنة الفارطة. وهي أساسا (الفكرة) تعود لأحد مستشاريه السياسيين.
هذا الاتحاد ليس فكرة جهنمية ولا حلا سحريا لمشاكل المتوسط أو لعلاقات دول شمال المتوسط بجنوبه. وليست الفكرة فتحا عظيما في ميدان العلاقات بين دول أروبا وحوض المتوسط. ومع ذلك، فإن هذا الإطار قد يشكل فضاءا مهما ومثمرا بالنسبة إلى مستقبل دول وشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط وفرصة لدولنا المغاربية لتجاوز منطق عملها او على الأصح كسلها الحالي لفائدة دينامية تعاون مفيدة لشعوبها.
هذا الفضاء يضم 43 دولة و750 مليون مواطن. الأمر يتعلق بفضاء بشري كبير ومتنوع، وبإمكانات اقتصادية كبيرة وسوق شاسعة. وإلى جانب هذه الإمكانات، فإن هذا الفضاء هو، كذلك، بؤرة مشاكل وتوترات خطيرة ومزمنة ومعقدة، ليس أقلها الصراع العربي الإسرائيلي.
طبعا، ساركوزي له حساباته، منها خلق فضاء بديل تدخله تركيا عوض انضمامها للاتحاد الأوروبي وتسهيل دمج إسرائيل في محيط معاد لها لحد الساعة. لكن المبادرات تخلق ديناميتها الخاصة ولا تتبع بالضرورة المسار الخفي الذي تم رسمه لها.
لو لم يبادر الرئيس ساركوزي إلى اقتراح قيام «الاتحاد من أجل المتوسط»، لقام برميل النفط بذلك!
مع ارتفاع أسعار النفط واقترابها من 150 دولار، وربما تجاوزها لتصل إلى 200 دولار خلال الشهور المقبلة أو تتعدى ذلك، أصبح الخبراء يتحدثون عن تراجع العولمة، بل انحسارها لصالح الجهوية والإقليمية. فمع ارتفاع ثمن البترول، ومن ثم ارتفاع تكلفة النقل والشحن عبر البحار أو الطرقات أو الجو، لن يعود في الإمكان أن تتنقل السلع بنفس السهولة من آسيا إلى أمريكا أو من أمريكا اللاتينية إلى أروبا، أو من إفريقيا إلى أمريكا... ذلك أن كلفة النقل ستقلل من تنافسية السلع، إن هي قطعت مسافات طويلة. لذلك، يتوقع الخبراء أن تتراجع التجارة العالمية، ومعها العولمة، لصالح التجارة الإقليمية.
هذا معناه، مثلا، أن التجارة ستتقوى بين الولايات المتحدة وكندا وأمريكا اللاتينية، بين إفريقيا وأروبا، بين الشرق الأوسط وآسيا... من هذا المنظور، فإن ارتفاع أثمنة البترول سترغم دول جنوب المتوسط وشماله على تطوير مبادلاتها التجارية وخلق سوق متوسطية، سواء أسسوا فضاء متوسطيا أم لم يؤسسوه. لذلك، قلت إنه إذا لم يكن ساركوزي قد بادر إلى خلق هذا الإطار، فإن برميل النفط كان سيتكفل بالمهمة.
هناك مشاريع أولية سينكب عليها الاتحاد، ولكن الأساسي من الاتحاد هو خلق فضاء لتجاوز الأزمات والتوترات التي يعيشها الأبيض المتوسط بشكل مزمن. والهدف الثاني هو خلق هذا الفضاء الاقتصادي السياسي لمصاحبة دول جنوب المتوسط في تحولها من جهة وتأمين جوار آمن ومطمئن لدول شمال المتوسط.
الاتحاد من أجل المتوسط ليس «بابا عايشور» ولا «بابا نويل» يجلب الهدايا للجميع! العلاقات بين الدول تخضع للمصالح ولا يمكن أن نأخذ منها إلا بقدر ما نعطيه. ومع الأسف، فإننا، في دول الجنوب، مختصون في إهدار الفرص.
أي فضاء اقتصادي، بين دول ذات اقتصادات قوية وأخرى ذات اقتصادات ضعيفة، يشكل فرصة لهذه الأخيرة لتطوير اقتصاداتها.
بمعنى أن الدول ذات الاقتصاد الضعيف مؤهلة لتربح أكثر من هذه الفضاءات، بحكم أنها تجد أمامها أسواقا كبيرة وقدرة شرائية مرتفعة لتسويق خدماتها وسلعها.
ولكن، لأن حكامنا أو ثقافتنا غير عقلانية، فإننا سننظر إلى الأمر من زاوية المشاكل، وليس الحلول. المغرب والجزائر لن يتعاونا إلا إذا تم حل قضية الصحراء، وهذا من أكبر الأخطاء هنا وهناك. سوريا والأردن ومصر لن يتعاونا... أي أن كل دولة جنوبية عربية ستجد من المشاكل ما يكفي لتبقي شعوبها مكبلة، بسبب التخلف وغياب الديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية. بدعوى أننا شعوب تموت وتجوع ولا تفرط في كبريائها ومواقفها المبدئية!
يمكن أن يشكل الفضاء الجديد فرصة أخرى لدفع دول جنوب المتوسط للتعاون بينها، لأننا دول لا نتعاون بيننا إلا إذا طلب او فرض علينا الغرب ذلك. فعسانا نتعاون بعض الشيء ونكتشف كم هو مربح لشعوبنا هذا التعاون وحينها لن يمكن الرجوع للوراء بالاتحاد من اجل المتوسط أو بدونه. فعسى يكون هذا الفضاء المتوسطي فرصة لاتحادنا وتعاوننا. المتوسط من اجل الاتحاد.

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi