مقهى الهِمّة

من عناوين الصحف، للمقالات التحليلية، لبلاغات الأحزاب السياسية وتصريحات أقطابها لا تجد هده الأيام غير الحديث عن فؤاد عالي الهمة وحركته لكل الديمقراطيين.
الأسبوع الفارط، أصدر حزب الاتحاد الاشتراكي بلاغا لمكتبه السياسي يفيد بما معناه أنه ممنوع على مناضلي الحزب الانضمام إلى حركة الهمة. لم يسمها صراحة ولكن لا أحد بليد. بدعوى أن مبادئها تتناقض مع مبادئ الحزب وهي وجه من أوجه اختلالات الحياة السياسية بالبلاد.
طبعا، هذا رأي قيادة الاتحاد الاشتراكي. وهو رأي محترم، وقد يكون هو عين العقل. لكن على حد علمنا، لم يصدر الحزب أي بلاغ أو بيان يوضح موقفه من الحركة نفسها، ولم يوضح لمناضليه ولا للرأي العام كيف أن المبادئ تتعارض. ولعله إن فعل ذلك، سيُنَوِّر الرأي العام كله وليس مناضليه فقط.
والأغرب من ذلك أنه نفس الحزب الذي شكل حكومة أقلية بفضل دعم فريق الهمة نفسه. إذا سألت قيادة الاتحاد عن اعتمادها على فريق الهمة لولوج الحكومة، اعتبرت الأمر حلالا بيِّناً، وإن سألتها عن الحركة، قالت حراما بيِّناً!
أحزاب أخرى اعتبرت الحركة مشروع إعادة إنتاج جبهة اكديرة، وإعادة تجربة زمن الستينيات والحسن الثاني وأوفقير... وهناك، في الجهة المقابلة أطراف تعتبر الحركة هي مستقبل المغرب، وهي مفتاح لمشاكله، وهي البديل لكل ما هو قائم وفاشل. وآخرون يأتون برسائلهم ومشاكلهم لإبلاغها للملك عن طريق الهمة. ومن يرى في الهمة غول سيبتلع الأحزاب ومن عليها أو سوبرمان سيقلب خارطة السياسة بالبلاد...
هل حركة لكل الديمقراطيين شيطان أكبر يهدد كيان هذه الأمة وجب وأده في مهده؟ أم هي مساهمة في مجهود إصلاح أعطاب الممارسة السياسية؟ أم جمعية كباقي الجمعيات لها برامج ولها طموح قد تحققه وقد تخفق فيه؟ هل هي حزب الملك؟ أم حزب المجتمع؟ أم ليست مشروع حزب أصلا؟
إذا رجعنا إلى وثائق الحركة وإلى تصريحات أعضائها، فلن نجد ما قد يختلف عليه لا الاتحاد الاشتراكي ولا حزب الاستقلال ولا الحركة الشعبية ولا المجتمع المدني. هي أفكار يعبر عنها الجميع، ولا أتصور أن تكون تلك الأفكار مصدر اختلاف إلى هذا الحد مهما كانت الخلفيات الإيديولوجية أو السياسية أو الثقافية.
أصحاب الحركة أنفسهم يصرحون أنهم لم يأتوا بإطار جاهز و"Prêt-à-porter"، بل بأفكار سيتداولون فيها مع الناس ويطورون فكرتهم وإطارهم، حسب ما سيقع من تفاعلات. بهذا المعنى، فهم أنفسهم، وإن كانوا يدركون ماذا يريدون، فليسوا ملمين بكل تفاصيل وأوجه ما سيصبح عليه مشروعهم، بل الأمر قابل للتفاعل وللتعديل.
كل حزب أو طرف يرى في حركة لكل الديمقراطيين ما يتصوره. هناك من يرى فيها منافسا ويريد محاربتها مهما كان شكلها، وهناك من يرى فيها ملاذا لتحقيق ذاته ويخطب ودها دون حتى معرفة ماهيتها. أي اجمالا ان المواقف المعلنة ما هي لحد الساعة سوى انعكاس لهواجس وتخوفات البعض و على العكس متمنيات بالنسبة للبعض الآخر.
شخصيا، يمكن أن أقول إن تشخيص الحركة للوضع والأفكار المقترحة قد يمكن أن تشكل قاعدة عمل لقطب واسع من الديمقراطيين. ولكن ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل. وهو ما سيتوضح بالتأكيد من بعد.
لذلك، سيكون من الصعب فهم وتقبل كل هذه الحروب أو التهافت غير الواعي، عوض التعاطي العقلاني مع حركة هي في أول المطاف وآخره محاولة أفراد لن يكتب لها النجاح مهما كانت لها من إمكانات إذا لم تجد الفرصة المواتية لها وإذا لم تكن تستجب لحاجيات في الواقع.
هناك حاجة لان توضح الحركة الأساليب والآليات التي تنوي الاشتغال بواسطتها. وحاجة لأن يتعامل الفاعلون مع الحركة كمبادرة سياسية تقتضي الحوار والنقاش والتوضيح حتى دعمها وتقويتها ان كان فيها خيرا أو تجاهلها ومحاربتها ان كانت مجرد ارتداد إلى الوراء.
أتصور لو أعانت الحركة انها لن تتحول لحزب ولن تنافس الأحزاب الخالية في الانتخابات والمسؤوليات، كل هده المواقف الستالينية ستتحول إلى دعم بلا حدود ! لان الفاعلين وصلوا من العياء والإنهاك إلى درجة عدم القدرة على المنافسة. وهدا مربض الفرس وليس شيئا آخر.
بعد المسيرة وجدنا من يطلق الاسم على كل شيء: مقهى المسيرة، خي المسيرة، حمّام المسيرة، ملعب المسيرة... وكذلك لما غلب الحديث عن الشباب أو ظهور قناة الجزيرة: مكانيك الشباب، حلاق الجزيرة ومقهى الجزيرة ...
من الفظيع أن تصنع حركة عمرها بضعة أسابيع الحدث كل يوم، وترتبك بسببها أحزاب "ضاربة" في أعماق التاريخ المغربي وضاربة في "أعماق" المجتمع عوض العكس. أحزاب في الواقع "ضاربها بنعسة" لن تستفيق منها لا بالفشل في الانتخابات ولا بحركة الهمة! إذا بقيت الأحزاب على ما هي عليه من فراغ وانكماش واشتغال على المصالح الذاتية وهروب من مسؤولية تاطير المجتمع، لن يكون غريبا أن نرى غدا مقهى الهمة و حمّام الهمة و ملعب الهمة .... وليس فقط حزب الهمة !! لأن الطبيعة لا تحب الفراغ بالهمة أو بدونه. وهدا هو السؤال الحقيقي.
الطيب حمضي
6 mai 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi