مصطفى حفيظ: القلب الكبير

شهدت قاعة الحرية بمدينة فاس يوم السبت الأخير 24 أبريل لقاءا حاشدا إحياء للذكرى الأربعينية لرحيل الفقيد العزيز مصطفى حفيظ.
بسبب ظرف عائلي قاهر، أبلغته إلى عائلة الفقيد وللمنظمين، لم أتمكن من أن أكون مع المجتمعين في رحاب مدينة فاس الشامخة، لإحياء أربعينية شخصية شامخة في قلوب كل الذين عايشوا وعرفوا مصطفى حفيظ.
ولكن حياة الفقيد المليئة بالعطاء المتواصل في صمت تقتضي منا أكثر من وقفة وشهادة، وفاء للعزيز الذي أعطى من غير حساب وبنكران للذات قل نظيره.
الوفاء والقلب الكبير: كلمتان تلخصان شخصية وحياة مصطفى رحمه الله.
كان مصطفى رجلا وفيا حتى النخاع، وفيا لأصدقائه، وفيا لتعهداته، وفيا لمبادئه، وفيا لالتزاماته، وفيا لقناعاته، وفيا للماضي وللتاريخ، وفيا للأمكنة التي أحبها والتي عاش فيها.
أخي وعزيزي مصطفى حفيظ كان رجلا بقلب كبير. لم يكن يحمل ضغينة لأحد، حتى لمن يمكن أن يسيء إليه. كان خدوما، يكفيه أن يعرف أنك تحتاج شيئا ما أو خدمة ما حتى يسرع لتلبيتها قبل أن تطلبها منه.
أكيد أن كثيرين قد يقولون إن هذه كلمات تقال في حق أناس نحبهم بعد رحيلهم. اسمحوا لي أن أقول إنهم مخطئون. هكذا فعلا كان مصطفى حفيظ وهكذا كنت، وكنا نقول عنه وهو بيننا.
عرفته في حركة الطفولة الشعبية وفي الشبيبة الاتحادية مناضلا، متطوعا نشيطا، منظما، مؤطرا، مسافرا، متدبرا، منصِتا، محاورا. ومن أول لقاء بيننا لم تنقطع علاقتنا ولا خفتت صداقتنا ولا تعثرت محبتنا.
صاحب القلب الكبير بالمحبة والوفاء كان مصابا بداء في صمامات قلبه. وكان من الضروري أن يجري عملية على القلب في نهاية الثمانينيات. العملية مكلفة وكنا جميعا في المرحلة الطلابية. حاول في كل اتجاه، ولم يكن من حل. وعُرض ملفه على السيدة الفاضلة أمينة السوسي بإذاعة طنجة عن طريق صديقة لنا وهي الأستاذة خديجة وحيد التي كانت متعاونة آنذاك مع إذاعة طنجة. مباشرة بعد عرض الملف، تكلف محسن عراقي مقيم بطنجة بكل مصاريف العملية. أُجرِيت العملية ونجحت وعاش بعدها مصطفى حفيظ مطمئنا، بعيدا عن القلق والخوف الذي كان يساوره شهورا عدة.
كان يعرف أن حالته تتطلب عملية جراحية، وأن مصاريفها مرتفعة، وأن لا قدرة له بها وقتها وهو طالب جامعي. كنت أقرأ الخوف في عينيه، كلما حل عندي بالرباط وقتها، لإجراء الفحوصات الدورية عند البروفيسور عبد المجيد بوزوبع. سنوات بعد ذلك، ستتطلب حالته تدخلا جراحيا آخر على القلب، لكن وقتها كان قد اشتغل ويتمتع بتغطية صحية. خرج من العملية الثانية معافى. لكن قلبه لن يتحمل كثيرا، لتبدأ رحلة العلاج الأخيرة سنوات بعد ذلك. رحلة تابعتها وإياه حتى آخر لحظات حياته.
عاش حفيظ كل مراحل الحياة متشبثا بالأمل. كان دائما متفائلا، رغم صعوبات الحياة ومطباتها أحيانا، وصعوبات المرض والعلاج. رغم كل ما عاناه، لم يبخل أبدا على مدينته التي ترعرع بين حواريها، مدينة فاس التي كان يعشقها، وجعلني أعشقها. لم يكن من الممكن أبدا وأنا طالب بكلية الطب بالرباط أن أدخل فترة الامتحانات الدورية بالكلية، دون أن أزور مدينة فاس وأزور مصطفى حفيظ. كنا نسير بل نتيه في مدينة فاس راجلين. حفيظ كان رجل المسافات الطويلة. أماكن كثيرة، على بساطتها، تذكرني اليوم بأجمل اللحظات مع عزيزي مصطفى حفيظ.
لم يبخل على الشباب أبناء جيله وهو مناضل داخل صفوف الشبيبة الاتحادية ومناضل بالقطاع الطلابي الاتحادي. لا يبحث عن موقع ولا يتنافس على مسؤولية. لم يبخل على الطفولة المغربية وهو الإطار التربوي بحركة الطفولة الشعبية مؤطرا لأنشطة الأطفال والمخيمات الصيفية. وعمل في الميادين كذلك داخل الأوراش المغربية للشباب.
كان مصطفى حفيظ رسول سلام حين تختلف الرؤى والمواقف. ذلك لا يعني مطلقا أنه لم يكن يتخذ موقفا. بل حتى وإن اختلف، يحترم الجميع وجميع الآراء ويحترمه الجميع. وإذا لاحظ أن السبل تفرقت بين شركائه، كان ينزوي بصمت.
بالنسبة لي، لا يزال حفيظ بمدينة فاس. والحقيقة كذلك. مادام فيها ناس يحبونه، ويتذكرون جليل محبته وعطائه، فإن فاس لازالت عامرة بروحه ورح أمثاله من الرجال والنساء البسطاء العظام، الذين أعطوا في صمت ورحلوا في صمت. إذا كان الأطفال يموتون «ملائكة»، فإن مصطفى حفيظ مات طفلا ..
رحم الله فقيدنا الغالي مصطفى حفيظ.
23 أبريل 2010

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

رجل مثل مصطفى حفيظ و الطاهر بورحي هم فليلون، رجال عرفوا بروح الغيرة الوطنية والمواطنة الملتزمة وبمزايا صادقة وعطاءهم الجم دون من أو تبرم لذا فغيابهم من الساحة هو غياب لشخصيات فذة ووازنة فرحمة الله عليهم جميعا.


N.F

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi