الحزب الاشتراكي الموحد

."مقال صادر بجريد ة "الحياة
أشهر عدة قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2007 كتبت مقالا تحت عنوان"أهل اليسار". ما يهمني أن أتذكر منه اليوم هو
توقعي لهزيمة اليسار في الانتخابات التشريعية ومطالبتي وقتها أن تكون الهزيمة المقبلة حافزا على التفكير في تجميع قوى اليسار والمؤمنين بقيمه. جرت الانتخابات وانهزم اليسار بكل مكوناته، المشارك في الحكومة، والمعارض. لكن هل يتم التفكير في لم شمل اليسار؟ الواقع أننا أمام مشهد تفتت اليسار وتراجعه، وإذا لم يتدارك الأمرعاقلوه سنصبح أمام اندحاره.
بداية، هل اليسار كفكر هو مكون ضروري للمجتمع حتى تُبدل الجهود لتقويته ولم شمل أهله؟ إن قيم اليسار القائمة على التضامن والعدالة وسمو الإنسان تزداد أهمية بالنسبة للبشرية كلها وليس المغرب فقط، يوما بعد يوم، أمام اختلال التوازنات بين الدول و بين الفئات الاجتماعية داخل الدول نفسها. هدا ما يفسر تحول أمريكا اللاتينية، مثلا، تدريجيا نحو حكم اليسار ويفسر انتصارات اليسار بأوروبا (وانهزاماته كذلك) .
لكن ماهو دور اليسار اليوم بالمغرب؟ هل هو النضال من أجل الاشتراكية العلمية وديكتاتورية البروليتاريا، وتأميم وسائل الإنتاج مثلا؟.
هدا هو السؤال الأولي والمركزي. أي دور أو أدوار يجب ان يلعبها اليسارأو بعبارة اوضح أية وظيفة لليسار اليوم؟ سؤال ثاني. باي وسائل عمل؟ العمل داخل المؤسسات وحدها؟ علما ان قوة اليسار هي في قدرته على التفاعل مع الرأي العام والشارع وقدرته على تحريكه. إذا كان الأمر كذلك أي موقف من التشتت النقابي الذي لا معنى له بالمطلق اللهم إضعاف القوة الأساسية لليسار؟ وأي إستراتيجية للعمل داخل المجتمع المدني؟ سؤال ثالث: ما هي الأولويات؟ لأن الأهداف قد يكون متفق عليها، لكن ترتيب الأولويات قد يغير كل شيء. سؤال رابع،حول الذات الحزبية: ما هي مواصفات الحزب أو المكونات اليسارية (الديمقراطية الداخلية، التنظيم ، التحالفات ..) ؟ هذه الأسئلة مركزية بالنسبة لليسار ككل وبالنسبة لكل حزب يساري على حده.
بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد، الذي كنت عضوا بمكتبه السياسي وحاليا عضو بمجلسه الوطني، يمكن لي أن أعرب عن تشاؤمي من مستقبله إذا استمر الوضع على ما هو عليه. فالحزب، في تراجع انتخابي وتنظيمي وإعلامي وحتى سياسي بالنظر لبعض مواقفه المعبر عنها من خلال بلاغات مكتبه السياسي. الطامة أن باقي أحزاب اليسار ليست أحسن حالا.
أكيد أن للبيئة العامة أي الظروف الموضوعية صلة بالموضوع، لكن الظرف الذاتي وعدم قدرة قيادة الحزب على قراءة مفردات الواقع والتحولات الجارية والتحديات كلها عوامل تزيد من أزمة الحزب. أصبحنا اليوم أمام هياكل لا تشتغل، وليس لها قضايا تشغلها ولا أولويات ولا خارطة طريق للحزب ولا للمناضلين. القيادة وبعض الهياكل تجتمع للضرورة وكفى. هناك إحساس لدى المناضلين أنه مهما وقع فلن يغير في واقع البلاد ولا العباد شيئ.
مباشرة بعد المؤتمر الأخير، وقبل الانتخابات، اقترحت على بعض الإخوان أن يجتمع 10 إلى 15 عضوا من أطر الحزب يومين أو ثلاث أيام متتالية للتفكير في مستقبل الحزب ومستقبل البلاد بطريقة استراتيجية لا تحكمها المواقف الآنية أو المرحلية رغم أهميتها. اقترحت أن نطرح كل الأسئلة والبسيطة، منها على الخصوص: ما هي مشاكل المغرب اليوم؟ أولوياتها وحلولها أو إمكانيات حلها؟ هل حزبنا ضروري؟ ما هو دوره وأدواره؟ ما هي توقعاتنا لانتخابات 2009 و2012 و2017 في أحسن الأحوال وأسوئها؟ ما هي السيناريوهات التي تنتظر المغرب والمغاربة؟ ما معنى الاشتراكية اليوم بالنسبة لبلادنا؟ ما هي الإصلاحات المستعجلة وكيف تحقيقها؟ ما هي دائرة حلفائنا وحتى خصومنا؟
إذا تمكن أخونا محمد مجاهد، الأمين العام للحزب، من توزيع دواء سحري على كل مناضلي الحزب وساروا وراء القيادة سير رجل واحد بوحدة تامة، هل معنى ذلك أننا سنغير شيئا في واقع البلاد ؟ أم قبل دلك علينا أولا أن نحدد ماذا نريد اليوم، وكيف نريده، ومع من نريده؟ إذا لم تكن الأجوبة واضحة في أذهاننا يستحيل أن تكون واضحة لدى المواطنين الذين ندافع عنهم وننتظر أن يساندوا مشروعنا ويسيروا لأجله؟
إن المراحل الدقيقة مثل التي نعيش تحتاج لتفكير عميق وبعيد المدى تُصاغ خلاصاته وتوضع رهن إشارة المناضلين لإغنائها وإثرائها من أجل رؤية واضحة للمستقبل ومستلزماته. يمكن لخلية تفكير إستراتيجية أن تقدم عناصر الإجابات بعد فترة وجيزة من العمل لإعادة سكة العمل الحزبي لطريقه السليم. تقدمتُ بالمقترح ليس لأن الحزب الاشتراكي الموحد هو حزبي وأريد انقاده من باب انقاد بيت العائلة، ولكن إيمانا مني بان الأمر يتعلق بتجربة حزبية وفكرية وسياسية بلادنا في أمس الحاجة لمثلها. وايمنا مني كذلك بأن مقارباته مفيدة لليسار المغربي وللمغرب، يكفي فقط أن تعاد صياغتها وتوضيحها على ضوء مقاربة استراتيجية مستقبلية. إنها نفس المهمة تنتظر باقي أحزاب اليسار بل اليسار ككل.
الطيب حمضي
18 avril 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi