قـُـــطـَّـاعُ غــــزة

يواجه الشعب الفلسطيني الأعزل -إلا من إرادته في الحرية- بقطاع غزة جريمة الإبادة من طرف العصابة الحاكمة في إسرائيل. الجيش الإسرائيلي يستعمل كل الوسائل لإبادة الشعب الفلسطيني، وكل الأسلحة حتى المحظورة دوليا. يستعمل الإرهاب، من خلال استهداف الفلسطينيين واغتيالهم والعقاب الجماعي والحصار والتجويع وسرقة المياه... إسرائيل دولة محتلة ومارقة وأغلب قادتها لا يبحثون عن السلام ولا يريدونه، بل يريدون تأبيد الاحتلال على كل فلسطين وعلى كل أرض عربية أخرى والسيطرة على أهم الموارد الطبيعية بالمنطقة. لكن هناك كذلك داخل إسرائيل أناس يبحثون فعلا عن السلام وعن تسويات تضمن إحلال السلام بالمنطقة، لكن هؤلاء لازالوا قلة قليلة وصوتهم لا يكاد يسمع أمام أصوات المتطرفين الإسرائيليين وأصوات الطائرات والدبابات والمدافع والقنابل العنقودية.
رغم كل ما قامت به إسرائيل لخنق القضية الفلسطينية ووأدها علو مدى ستين عاما، بقيت القضية في أول جداول أعمال العالم سياسيا وإعلاميا، بفضل صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني أولا، ومؤازرة الشعوب العربية والإسلامية والقوى الحرة في العالم.
هذا الصمود وتلك التضحيات كان لابد من أن يتم استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية للشعب الفلسطيني في طريقه نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. في هذه السيرورة، كانت المفاوضات، ثم اتفاق أوسلو لقيام السلطة الفلسطينية، والانتخابات، التي أتت في ثاني تجربة لها بأغلبية من حماس.
اليوم، حماس تسيطر على غزة، بعد أن أخرجت منها السلطة الفلسطينية، ومنها تطلق بعض الصواريخ على إسرائيل، تسقط غالبا في مناطق خلاء وأحيانا تسقط داخل غزة وتقتل الفلسطينيين! فترد إسرائيل بقتل العشرات من الفلسطينيين وتدمير ودك المنازل فوق رؤوس ساكنيها، لأن إسرائيل دائما مستعدة للقتل وسفك الدماء ولا تنتظر إلا الذرائع، مهما كانت واهية كما هي واهية صواريخ حماس.
الذي لا يعرف الطبيعة المتطرفة لحكام إسرائيل قد يعتقد أن المذبحة التي تجري الآن بغزة سببها إطلاق الصواريخ، لكن الواقع أن تلك طبيعة حكام إسرائيل، استغلال أي ظرف لإبادة الشعب الفلسطيني ووأد أي محاولة للمسلسل السياسي، لأن إسرائيل تخاف من الحوار والمفاوضات والبحث عن الحلول. من شأن الحلول أن تفضح إسرائيل أمام العالم.
الأخطر من ذلك هو تحميل المسؤولية، مسؤولية المذبحة، لمصر. كم هي محظوظة إسرائيل! تجد بسهولة من يعطيها المبررات للقيام بذبح الفلسطينيين. وحين تقوم بذبحهم، تبحث لها عن مسؤولين يتحملون عوضها وزر جرائمها. القناة القطرية "الجزيرة"، صاحبة "القلب الكبير" على الفلسطينيين حين يكونون متشرذمين ناصرة طرفا ضد آخر، حولت المسؤولية من على رقبة إسرائيل إلى رقبة مصر. مصر لها حسابات، ما في ذلك شك. لكنها دولة ككل دول الجوار التي لها حساباتها، وليست حماس أو قطر أو قناة الجزيرة هي من سيفرض على مصر أجندتها السياسية.
تعجبتُ كثيرا لزعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وهو يدعو الشعب المصري للتضامن وإلى فتح معبر رفح عنوة! هل الشعب المصري محتاج فعلا إلى دعوة من نصر الله ليعبر عن تضامنه مع الفلسطينيين؟ أما عن الدعوة لفتح معبر رفح عنوة، فتلك دعوة مقبولة إن طلبها ناشطون مثلا، لا أن يطلبها رجل يقف على رأس "جيش" و"مقاومة" مسلحة ومدربة وتمتلك الأسلحة المتطورة والتدريب اللازم، وتوجد على الحدود مع إسرائيل من خلال جنوب لبنان لتخفيف الضغط الإسرائيلي على غزة؟ ألم يبادر الفلسطينيون، صيف 2006 يوم كانت إسرائيل تهاجم لبنان وحزب الله، ألم يبادروا إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل تضامنا؟ أم أن السيد حسن نصر الله ملتزم بموقف التهدئة مع إسرائيل وشروط وقف إطلاق النار لصيف 2006؟ حين أُطلِق صاروخ واحد من جنوب لبنان قبل أشهر، تبرأ حزب الله من العملية، لأنه يرفض أن يفرض عليه أحد أجندته ولأنه ملتزم بشروط صيف 2006؟ كيف يترك حسن نصر الله السلاح يصيبه الصدأ ويترك إسرائيل آمنة مطمئنة من حيث حدودها مع لبنان التي لا تبعد إلا بكيلومترات عن المكان الذي يختبئ به حسن نصر الله، بينما إسرائيل تقتل إخوانه الفلسطينيين، ويبحث لهم عن حلول في معبر رفح؟؟!!
لما اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين، سمعنا تصريحات لحماس بأن الأرض ستتزلزل تحت أقدام إسرائيل. وبعده، اغتالت قادة آخرين من حماس وسمعنا نفس الوعود. وإلى اليوم، لم تتزلزل الأرض إلا فوق رؤوس شعبنا بفلسطين.
غزة تريد إسرائيل تقطيعها عن الضفة الغربية حتى يستحيل قيام دولة فلسطينية.
وغزة تم قطع أوصالها عن الضفة الغربية بسبب انقلاب قامت به حماس ضد الشرعية.
وغزة تعيش على إيقاع أوصالها وهي تتقطع على يد دولة يحكمها ناس هم ورثة لقطاع طرق.
التطرف ملة واحدة في الدين، في السياسة، في الإيديولوجيا، في الاقتصاد، في الفكر، في القيم المجتمعية... لا يصنع نصرا ولا بطولة ولا سلاما ولا رفاهية، بل يصنع الخراب والدمار والدم. التطرف تلك طبيعته، سواء تمظهر داخل إسرائيل أو في قطاع غزة، أو أي مكان آخر. إسرائيل يحكمها متطرفون وتبحث عن متطرفين، وإن لم يوجدوا، هيأت التربة المناسبة لنشأتهم.
الطيب حمضي
2 يناير 2009

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi