ريادة مصر

ليس في العنوان خطأ. الموضوع حول ريادة مصر في العالم العربي ومكانة الزعامة التي تحتلها أو بالأحرى كانت تحتلها. لا أنوي الحديث عن رياضة مصر، لأني لست متتبعا للرياضة المصرية ولا لبطولتها ولا إنجازاتها ولا إخفاقاتها. هناك عدة عوامل أدت إلى أن تصبح مصر رائدة في عالمنا العربي، قبل أن تتوارى خلال العقود الثلاثة الأخيرة بشكل درامي. هناك أسباب موضوعية لتقدم مصر لزعامة العالم العربي، وظروف موضوعية أيضا لتقهقر دورها. وهذه دورة طبيعية للتاريخ. لكن المشكلة أن الأخطاء التي يرتكبها النظام المصري تساهم من حيث لا يدري في تسريع تراجع مكانة مصر أكثر من الظروف الموضوعية نفسها!
شخصيا، أنا من محبي مصر وشعب مصر ومثقفي مصر وفنها. كيف لا وهي بوابة مهمة للعالم العربي على الفن والثقافة والحرية والنضال والتضحية والالتزام، قبل أن تتوالى عليها ضربات نظام حاكم لا يهمه غير الاستمرار في الحكم وتوريثه مهما كان الثمن.
الظروف الموضوعية التي ساعدت مصر على أخذ دور الريادة متعددة، منها الديمغرافيا (أكبر بلد عربي) والتاريخ والموقع والتجربة السياسية والموروث الحضاري والثقافة والفنون والحروب والتضحية... هذه العناصر وغيرها جعلت مصر في زعامة العالم العربي ومحورا له، قبل أن تحاول القيادة المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة استثمار هذه الزعامة ومقايضتها في علاقتها مع الغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن التاريخ ليس حالة جامدة. لذلك، كان لا بد لهذه الريادة أن تتراجع بتراجع العناصر التي أنتجتها.
عنصر الديمغرافيا أصبح عالة على مصر، بل من أكثر مشاكلها وأسباب تخلفها. وفي ميدان الحروب، خرجت مصر من المعادلة. وفي ميدان الثقافة والأدب والنشر، برزت عواصم عربية منافسة في إنتاجاتها. وفي ميدان السينما والمسرح والتلفزيون، برزت كذلك عدة تجارب عربية مميزة ومتقدمة. وفي مضمار القوة الاقتصادية، تعتبر مصر من الدول ذات الاقتصاد الضعيف بسبب تفشي الفساد وغياب الشفافية في الاقتصاد المصري.
مصر مع كل هذا لم تفقد ريادتها للعالم العربي، وإن لم تعد رائدة بشكل كبير. لم تفقد ريادتها، لأن ليس هناك بلد عربي آخر نافسها أو استوفت فيه شروط الريادة لإزاحة مصر عن هذا الموقع. لذلك، يمكن القول إن هذه الريادة استمرت مع وقف التنفيذ. وكان من الممكن أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة قبل أن يعاد تشكيل العالم العربي. لكن النظام المصري، وخصوصا منذ أن تم تحويل مصر إلى مملكة يحكمها آل مبارك :الرئيس حسني مبارك منذ حوالي 30 سنة، والولد المصون جمال مبارك يستعد لوراثة "جمهورية مصر العربية" من والده، أضحى النظام المصري يراكم الأخطاء اتجاه العالم العربي وقضاياه الأساسية، بحيث تفقد مصر موقع الريادة حتى دون أن يكون لها منافس!
ولنأخذ مثال الأزمة التي افتعلها النظام المصري على إثر اقصائيات كأس العالم لكرة القدم والتي انهزم خلالها المنتخب المصري أمام نظيره الجزائري. تم الاعتداء على المنتخب الجزائري داخل مصر وفي ضيافة مصر وفي حماية دولة مصر. وبعدها، تم تجييش الرأي العام المصري عبر كل القنوات المحلية والفضائية والصحافة المكتوبة والحزب الحاكم وعائلة مبارك للذهاب للسودان لإحضار ورقة التأهيل. وحين فشلوا في ذلك، أعطيت التعليمات في أعلى المستويات ومباشرة للتشنيع والتشهير بالجزائر ووصف الشعب الجزائري بأقبح النعوت والأوصاف، وأخرجت شردمة من "نخبة" مصر (إعلاميين، فنانين، رياضيين...) التي تأتمر بأوامر الحاكم المصري كل ما في جعبتها من قاموس عنصري وتحقيري. وصُدِم العالم العربي بكل هذا التعالي وهذا الحقد الذي يعشش في قلوب نظام القاهرة ضد العالم العربي! إن ما بعد خطيئة النظام المصري لن يكون بالتأكيد كما كان قبلها. ومكانة مصر لن تكون هي هي، سواء كان هناك من سيحتل مكانها أو تبقى فارغة حتى!
هذه خطيئة لنظام مصر وليس لشعب مصر. شعب مصر 80 مليون مصري، لا نرى منهم على شاشات الفضائيات إلا الوجوه التي يؤثث بها الحزب الحاكم ديكوره وخطابه وسياسته. نخبة مصر المناضلة والمتنورة متأففة من الكلام البذيء الذي صدر ضد شعب الجزائر.
مصر لازالت بوابة للتلاقح. وشعب مصر باق كشعب مقاوم. مناضل من أجل كرامته، وحقه في الخبز والعيش الكريم، وحقه في الحرية والكرامة الحقيقية والديمقراطية. شعب صامد صبور كريم متضامن مبدع في مجال الادب والفنون والعلوم رغم الاغلال التي تغل وتكبل يديه ورقبته. ولكن مكانة مصر السياسية تم النيل منها بسبب أخطاء نظام أعمته ملذات السلطة.
الطيب حمضي
24 novembre 2009

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

ما عشناه بعد تأهل الجزائر إلى نهائيات تصفيات كأس العالم 2010 لمؤسف جدا، لأن كل هذا من أجل مبارة في كرة القدم.
ما يحدث على الساحة الإعلامية من عمليات تأجيج المشاعر الوطنية المتعصبة بهذه السرعة والبساطة والسذاجة يؤكد عدم استيعاب المفهوم النبيل للرياضة، فالرياضة مبنية على السلم لا على الحرب وتنفير الشعوب.
N.F

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi