المروءة و ثلاثة نساء

خديجة الرياضي، خديجة الرويسي، أمينة بوعياش. ثلاث نساء وثلاثة مسارات اجتماعية مختلفة، بل ثلاثة مسارات حقوقية مختلفة المقاربات هي الأخرى. ومع ذلك، جمع بينهن شهر شتنبر وموقفهن من الملاحقات التي طالت شباب حركة "مالي"، أو "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية"، التي دعت إلى إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي.
خديجة الرياضي هي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي أصدرت بيانا واضحا وأعطت تصريحات واضحة حول رفضها ورفض الجمعية التي ترأسها لكل أشكال التضييق على الحريات الفردية مهما كانت دواعيها. خديجة الرويسي، رئيسة "بيت المحكمة" أصدرت بيانا واضحا وألقت تصريحات أوضح حول رفضها المبدئي لأي مضايقة لأفراد يمارسون حقوقا فردية. أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أعطت تصريحات حول انزعاجها ورفضها لما يلحق الأفراد (حركة مالي) جراء التعبير أو ممارسات حقوق فردية.
ثلاث نساء وموقف واضح في أوج الهجوم الذي تعرض له شباب حركة مالي بعد محاولة تنظيم حركة رمزية و"نزهة" بغابة المحمدية (حسب بلاغ مالي)، متبوعة بعملية إفطار حسب ما تداولته وسائل الإعلام. زينب الغزوي، متزعمة حركة مالي، أعطت تصريحات تشرح فيها كيف أن الوقفة، التي شارك فيها كذلك حسب تصريحاتها شباب صائم، كانت تهدف إلى التحسيس بالاعتداء الذي يمارسه القانون على الحريات الفردية من خلال الفصل 222 من القانون الجنائي. الفصل 222 يعاقب كل من عرف عنه ممارسة الإسلام وأفطر علانية بدون إذن شرعي بغرامات وعقوبات حبسية. المدافعون عن الحريات الفردية يعتبرون إفطار الإنسان أو صيامه شأن شخصي ليس للقانون أن يعاقبه عليه. وانه لا يمكن إلزام الناس بممارسة الشعائر الدينية تحت طائلة السجن. بينما يرى آخرون عكس ذلك. المعارضون لا يمكنهم القول إن العقاب يجب أن يطال المفطرين، بسبب امتناعهم عن ممارسة إحدى الفرائض أو الشرائع الدينية، لأن الحجة مردود عليها. فممارسة الدين لا تتم بالعقاب والسجن. ثم إن هناك فرائض وشعائر أخرى لا يعاقب القانون على عدم ممارستها، كالصلاة مثلا. لذلك، يتحصن المساندون للفصل 222 حول اعتبار عملية الإفطار العلني استفزازا للصائمين.
المجتمع المغربي يتعامل مع رمضان معاملة خاصة ومختلفة عن كافة الدول الإسلامية. رمضان في الثقافة المغربية الإسلامية مقدس كشهر وكطقوس (بالإضافة إلى تنفيذ طقوس عيد الأضحى). المغاربة يتعايشون مع عدم ممارسة الصلاة، أو الحج، أو تناول الخمر، أو الرشوة أو التهريب... إلا عدم الصيام خلال رمضان. بينما مجتمعات إسلامية أخرى تعتبر عدم الصلاة كعدم الصوم والارتشاء والتهريب كالمتاجرة في المخدرات... وهذه خاصية مغربية.
حدث كثيرا، وأنا مسافر خارج المغرب خلال شهر رمضان، سواء إلى دول إسلامية أو غير إسلامية، أن نجتمع بأناس صائمين واخرين مفطرين. نتقاسم الحديث والرفقة. لم يسبق لي شخصيا ولا لأي مرافق لي صائم أن أحسسنا بأن إفطار الآخرين يُصعِّبُ علينا صيامنا أو يستفزنا أو "يشهينا"... المغاربة المقيمون بالخارج يصومون رمضان وأياما من شوال، دون أن ينال منهم إفطار الآخرين. زرت بلادا إسلامية خلال رمضان وغالبية المسلمين فيها صائمون وبعضهم مفطر علانية، لأن القوانين هناك لا تعاقب على الإفطار العلني. وسألت ولاحظت وأخبروني أن الأمر عاد تماما، بل لا يلتفت الصائم إلى إفطار الآخرين تماما، بل غالبا ما سيسألك ابن البلد إن كان بإمكانه أن يدعوك لشرب عصير أو شاي على حسابه مع اعتذاره هو لأنه صائم. وحين تخبره بأنك صائم يقول لك اللهم تقبل صيامك وينتقل إلى موضوع آخر.
استفزاز مشاعر الأغلبية أمر مرفوض، لكن "مشاعر الأغلبية" أشياء يجب التدقيق فيها. حين يدعو المؤذن إلى صلاة المغرب ويقوم فردان من طاولة المقهى للصلاة بينما آخرون لا يقومون ويستمرون في لعبة "الرامي"، لماذا لا يعتبر ذلك استفزازا؟ وهناك من يعتبر أن عدم إرسال الأموال إلى الفلسطينيين والجهاد معهم هو تخل عن فريضة الجهاد الواجبة شرعا. ومساندة الجماعات المسلحة في العراق وأفغانستان تقاعس عن الواجبات الشرعية وهو استفزاز لمشاعر الأغلبية... هذه فقط أسئلة لنقول إن قضية المشاعر تختلف حسب المجتمعات والفئات والقناعات والمواقف.
زينب الغزوي متزعمة حركة "مالي" أعطت تصريحات واضحة وعميقة حول أهداف حركتها بكونها لا تدعو إلى الإفطار، ولكن إلى احترام قرار واختيار آخرين بالإفطار، وقالت إنها رغم توفرها على الجنسية الفرنسية، فهي لن تشهرها للتهرب من تحمل مسؤوليتها. وقالت إنها كما تطالب بحقوق من أراد الإفطار تدافع عن الشابات التونسيات اللواتي يمنعهن النظام التونسي من ارتداء الحجاب، أو عن بعض المحتجبات بالمغرب اللواتي يمنعن من ارتياد المسابح. قامت بحركتها وتحملت مسؤوليتها بدون لف ولا دوران، رغم أن ليس هناك في القانون ما يعاقب على "النية في الإفطار".
القضية كانت بسيطة وحقوقية قبل أن يضخمها البعض في المحمدية والذين أوحوا بـ"تدخل الأيادي الأجنبية". لنفترض أن هناك أيادي أجنبية أحبت أن تصطاد في الماء العكر، فإن أحسن خدمة قُدِّمت لها هي فعلا تضخيم حركة احتجاجية وصبغها بهالة أكبر منها.
حين خرجت بعض الهيئات تعزف لحن التنديد والمؤامرة (ومن حق الناس كذلك أن يحتجوا وينددوا، لكن شريطة كذلك أن لا يكونوا مجرد كومبارس)، وصمتت أخرى المدافعة عن الحقوق، تصدت ثلاث نساء بكل وضوح، بكل شجاعة وبكل مروءة، للاعتداء على حرية الأفراد لمجرد أنهم يطالبون باحترام الحقوق الفردية.
أكيد أن الذي حركهن ليس هو كون متزعمة حركة "مالي" امرأة مثلهن، ولكن خديجة الرياضي وخديجة الرويسي وأمينة بوعياش أحسسن بأن واجبهن يفرض عليهن المجاهرة بالحق، ففضلن ذلك بدون حسابات "رجالية". الشهامة ان يقول الإنسان بما يصدح به عقله وقلبه وما يعتبره حقا دون ان بخاف في دلك لومة لاءم، ودون نفاق ولا رياء ولا حسابات مصلحية ضيقة.
ليس صدفة أن يأتي ذلك من ثلاث نساء. ولا أن تتزعم امرأة رابعة حركة احتجاجية جد حساسة، بل نتاج طبيعي لمجتمع تتحرك نساؤه بقوة منذ مدة ليست بالقصيرة. كما ليس صدفة أن تكون كلمات الشجاعة والشهامة والمروءة بل حتى الرجولة مؤنثة ...
الطيب حمضي
30 septembre 2009

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

منذ حادثة القصر الكبير طفا بيان على السطح تحت عنوان "نداء الحريات الفردية"، وقد أثار هذا النداء جدلا واسعا بسبب الطريقة التي تم من خلالها جمع التوقيعات أو عن محتواه. فتراجع البعض عنه والبعض الأخر شكك في خلفيته خاصة بعد اطلاعهم على النص الحرفي للبيان. ومن بين الذين أبدوا تحفظهم هناك محمد حفيظ، عبد الرحيم الجامعي وعبد العزيز النويضي.
لكن ما أقدمت عليه "حركة مالي" أو "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" يكون نداء الحريات الفردية انتقل من مرحلة النقاش العمومي إلى مرحلة الفعل والحركة. هذا من جهة الفهم الجديد للحرية، أما من جهة القانون فلأول مرة يتم الاحتجاج أو المطالبة بإلغاء قانون بانتهاكه.
فإذا رجعنا إلى الفصل 222 الذي ينص على أن كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي وجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهماً.
فتاريخه يعود إلى عهد الحماية الفرنسية فهو ليس له أي مرجع في الشريعة الإسلامية، لأن كفارة إفطار رمضان متعمدا هي عتق رقبة فإن لم يجد صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
ومن المعلوم أن هذا الفصل يخص المسلمين وليس غيرهم، لكن الإشكالية تكمن في تحديد هوية المسلم وغير المسلم فكل من يولد من أبوين مسلمين فهو مسلم، او كل من يمارس إحدى الشعائر الإسلامية فهو مسلم .
فالدين هو اقتناع وليس إكراه لذا لا يمكن ان يحاسب الإنسان أخاه في مجال العبادات. لكن ما أخشاه هو أن تكون هذه المنتجات – نداء الحريات الفردية- خارجية هدفها القضاء على ثقافتنا، ديانتنا، حضارتنا وأخلاقنا. لأن الحرية الفردية متوقفة على مدى احترام القيم الجماعية والآداب العامة للمجتمع.
N.F

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi