تلفزيون رمضان

خلال كل شهر من رمضان، تحاول القناتان التلفزيتان المغربيتان الأولى و2M إنتاج أكبر عدد ممكن من الإنتاجات الفكاهية والدرامية لتقديمها للجمهور، إذ إن نسبة متابعة التلفزيون خلال رمضان ترتفع بشكل كبير.
طبعا، يتبع ذلك سيل من الكتابات والانتقادات، نظرا لضعف المستوى الفني للمنتوج التلفزي.
أشاطر رأي العديد من المنتقدين حول هذا الضعف الذي يصل حد الرداءة أحيانا. لكن، هل المشكل يتلخص في هؤلاء الفنانين وفي التلفزة، أم المشكل أعمق من ذلك؟ وهل الحل هو أن تمتنع التلفزة عن تقديم المنتوج المغربي حتى يصير في المستوى اللائق تماما للعرض؟ وهل فعلا إذا أغلقنا التلفزيون في وجه المنتوج المغربي عشر أو عشرين سنة سنستيقظ يوما فجأة أمام منتوج جيد؟...
لذلك، سأقدم بعض الملاحظات حول ضعف الإنتاج الفكاهي والدرامي بالمغرب.
1- أول ملاحظة أثيرها هي أن انتقاداتنا لهذا المنتوج هي انتقادات قاسية جدا، بل أصبحنا نتنافس بيننا كجمهور في من سيُسفِّه أكثر ويسُب أكثر الإنتاج المغربي. وحتى حين تكون هناك استثناءات بسيطة لإنتاج متوسط، نجمعها ونخلطها مع المنتوج الرديء, لا نشجع المنتوج الجيد أو الحسن على قدر ما نذم المنتوج الرديء. وهذا يحبط أصحاب المجهودات الحسنة ولا يؤثر سلبا في أصحاب المنتوجات الرديئة، لأن ليس لهم أصلا "علاش يحشمو" ولا القدرة على تطوير منتوجهم.
2- لا نعبر كجمهور عموما على أن منتوجا ما كان لابأس به إلا بعد غيابه ومرور سنة أو أكثر على عرضه ومواجهتنا لرداءات جديدة.
3- نحمل مسؤولية الرداءة للفنانين وحدهم، علما أن المنتوج الجيد يتطلب جهدا جماعيا كبيرا بين مثقفين يكتبون القصة والرواية، وآخرين ينقلونها للتلفزيون أو المسرح والسينما، وغيرهم يغنون الحوار وأطقم تقنية...
إذا لم يكن لدينا مثقفون يتعاملون مع الفن المسرحي والتلفزي والسينمائي، فإن الممثلين يكتبون لأنفسهم أو يستعينون بمن حضر بدون أي خلفية ثقافية غالبا. وهي نفس الحكاية مع الأغنية المغربية. إذا كان لدينا فقط مثقفون يفهمون في "ما بعد الحداثة" و"التناص" و"الأنا العليا"، فإن ذلك لن يغني المنتوج الفني. وإذا كان لدينا فقط شعراء، ينظمون شعرا لا يمكن توظيفه غنائيا، فإن كلمات الأغنية المغربية لن تستفيد منهم.
ولننظر إلى سلسلة "سير حتى تجي" أو "جوا من جم"، التي كتبها أو ساهم فيها الأستاذ الجامعي والاعلامي مصطفى المسناوي، كيف لاقت استحسان الجمهور، ليس فقط لأداء الفنان محمد الجم المتميز، ولكن كدلك بفضل وجود نص مخدوم. أو لننظر إلى أغاني راحلة والقمر الأحمر، التي تعاون فيها الشاعر عبد الرفيع الجواهري. ولننظركدلك للتجربة المتميزة للفنانة حنان الفاضلي أو الفنان حسن الفد. حين ينزل المثقفون للتعاون مع الفنانين، أو يكون للفنان محيط وخلفية ثقافية فالنتيجة دائما تكون أحسن من غياب الثقفين وتركهم الساحة فارغة.
4. المنتوجات ضعيفة. ما العمل؟ هل نغلق وجه التلفزيون في وجه الإنتاج المغربي حتى يصبح لائقا؟
شخصيا، ليس لي أي اعتراض على ذلك. شريطة أن يقال لنا إنه بعد خمس أو عشر سنوات سنجد أمامنا بقدرة قادر إنتاجا جيدا! الحقيقة أن علينا تشجيع الكم للحصول على الكيف. وللأسف، نحن شعب غير مستهلك للفنون إذا لم تكن مجانية.
5. استهلاكنا للإنتاج الفني متوقف على مجانيته: الأشرطة المغربية مقرصنة، الأفلام مقرصنة، المسارح فارغة، والعروض الفنية والمسرحية لا تجلب الجمهور إلا إذا كانت بطاقات الدخول مجانية والعروض مشتراة من طرف وزارة الثقافة أو الجماعات المحلية، الصحف لاتقرأ ، الكتب لا تباع ... الفنان لكي يعيش وينتج ويعطي ويطور يحتاج إلى جمهور يحتضنه ويشجعه ويؤدي ثمن استمتاعه.
في مصر، يستحيل شراء بطاقة دخول مسرحية في اليوم نفسه للعرض، وعند خروج فيلم إلى صالات العرض يجب أخذ الصف عدة ساعات. وهذا المنظر يتكرر أسابيع متتالية. عائلات فقيرة توفر للاستمتاع بالأعمال الفنية، مع أن أثمنة البطاقات غالية مقارنة مع مستوى دخل المواطن المصري.
6. الإشكالية فيها إذن مسؤولية الفنانين، مسؤولية الجمهور، مسؤولية الدولة، مسؤولية القطاع الخاص لتطوير المنتوج الفني المغربي.
7. ملاحظتي الأخيرة هي ملاحظة لمفارقة عجيبة وغريبة. حين تجتمع هذه العناصر كلها، تدخلت رقابة الدولة وقراراتها "الرصاصية". وأتحدث طبعا عن تجربة الفنان أحمد السنوسي "بزيز". فالفنان بزيز فنان مثقف، مطلع، متابع، مرتبط بقضايا الناس وخباياها، له جمهور واسع يتابعه، وفي لإنتاجاته. لذلك، فالمنتوج الفني لأحمد السنوسي كان يدخل كل البيوت وكل الأوساط وكل الطبقات بدون استئذان. حين اجتمعت هذه العناصر وأعطت منتوجا جيدا حرمتنا منه التلفزة وقرارات إدريس البصري. مات البصري وبقيت القرارات سارية المفعول حتى اليوم واستمر حرماننا من بزيز وحرمان التلفزيون من جمهوره... متى يموت "البصري"؟
الطيب حمضي
18 septembre 2009

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الاجراءات التي اتخذت ضد أحمد السنوسي
كانت تتجاوز ادريس البصري لذلك بقيت
سارية المفعول بعد ذهابه بل وحتى بعد وفاته.

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi