"خبير" الجزيرة

تابعتُ جزءا من الحلقة التي خصصتها قناة "الجزيرة"، من خلال برنامج "بلا حدود" لمعده الصحافي أحمد منصور، لمحاورة "عالم" أمريكي حول أنفلونزا الخنازير. القناة قدمت ضيفها الأمريكي على أساس أنه " أحد أهم العلماء العالميين الأمير كيين البارزين في مجال الأمراض الناشئة والصحة العامة ...". وهذا أول احتيال مارسه الضيف على القناة وسنرى لمادا. كانت أطروحة "العالم" الأمريكي أن فروس الأنفلونزا AH1N1 تم تصنيعه بالمختبرات عمدا لايداء البشرية، وأن اللقاح ضد الفيروس يحتوي على مواد سامة قاتلة عن قصد، وذلك بتواطؤ بين منظمة الصحة العالمية والعائلة الثرية الأمريكية روكفلر بالولايات المتحدة، والمختبرات الدولية، وأن هناك تواطؤا دوليا لقتل ملايين الناس وجمع الثروات... الحقيقة أن ليس الدكتور ليونارد هورتز وحده من يؤمن بمثل هذه الأفكار، هناك أناس آخرون مثله، لكن المشكلة هي أن ينجح في النصب على قناة فضائية عربية لتستضيفه وتقدمه بصفة غير صفته ويحاوره صحافي غير مسلح باي معطيات ودراسات علمية ومدققة حول الموضوع. وبالتالي، يتمتع الضيف بساعة من الوقت لنشر خرافاته بلا حسيب ولا رقيب ولا معلق ولا ملاحظ!
أولا، الدكتور ليونارد هورتز هو طبيب أسنان غير ممارس يرى المؤامرة والموت في كل شيء وصل إليه العلم. يرى الموت في كل شيء من أدوية ولقاحات وأدوات التشخيص والمياه المعدنية... وحدها المياه المعدنية التي يبيعها هو من خلال شركته على شبكة الإنترنيت مفيدة لصحة الإنسان !
هو طبيب أسنان غير ممارس، أي أن حتى مهنته الأصلية (طب الأسنان) تجاوزته معارفها وتطوراتها. وهو ليس عالما، ولا بارزا ولا عالما في الصحة العامة. وكتبه العشرة كلها من قبل "كيف تتغلب على الخوف من طبيب الأسنان"، "اختر صحتك بنفسك"، "تحرر من صداع الرأس" ، فروس الايدز و ايبولاز طبيعة، حادثة أم متعمدة «"...
إن وضعتم اسم الدكتور ليونارد بحركة البحث العالمي "سيدناgoogle "، كما وضعته، فلن تجدوا أي إشارة له بالمطلق في أي موقع طبي أو إعلامي أو أي موضع مهني أو أكاديمي محترم أو غير محترم. كل الإشارات له تتم في البلوغات والمواقع المتخصصة في نشر نظرية المؤامرة (في الطب كما في السياسة). وقد وضعته شخصيا في المحرك بأربع لغات، بما في ذلك لغته هو أي الانجليزية، وكانت نفس النتائج. كما يمكن دخول مواقع المجلات والجرائد والهيئات المتخصصة ووضع اسمه في محركات البحث. لا نتيجة. وعلى العكس، تجده دائما منتصبا في كل المواقع والصفحات الشخصية لأصحاب نظرية المؤامرة.
هذا اختيار، وصاحبه حر فيه، فهناك عدة جماعات ولها مواقع وكتب وجمعيات تؤمن بأن كائنات فضائية هي المسؤولة عن عدد من الحوادث التي يعرفها كوكب الأرض ، وهناك من يؤمن بأن البشر آكلي لحوم البقر(المقدس) هم المسؤولون على ظاهرة تسونامي، وآخرون يؤمنون بأن كائنات فضائية هي التي بنت الأهرامات في مصر... المشكلة ليست في هؤلاء، لكن في أن نحتقر العلم بين عشية وضحاها، ونلغي العقل، وتقدم قناة تلفزيونية أو إذاعية على استضافة بعض الدجالين بمبرر أنها وجهة نظر مختلفة. إن تقديم موضوع معين يسبقه بحث الإعلامي حول حدود مصداقية ومهنية ومعقولية أطروحة الضيف. فإذا حضر الدكتور فلان وقال لنا بأن المغرب يوجد في آسيا وليس في شمال إفريقيا، هل نقدمه إلى الجمهور هكذا باعتباره وجهة نظر مخالفة! أم أن الإعلامي يدرس ويستشير حول أسس الأطروحة، قبل المغامرة بتضييع وقت مشاهديه ونشر الجهل؟ أن لا تقدم أي دراسة أو حقيقة علمية وتكتقي بلي الكلام واستغلال خوف الناس وقلقهم هو قيمة الدجل الفكري.
أتابع العديد من البرامج التلفزية العربية والأجنبية المتعلقة بالصحة وبوباء الأنفلونزا على الخصوص، ولم أجد قناة غربية واحدة تستضيف هكذا أناس وتقدمهم على أنهم "خبراء بارزون" يقدمون أطروحات بمنطق "آجي يا فم وكول"، لا أبحاث ولا مراجع أبحاث ولا هم يحزنون. رغم ان هده الجماعات الغريبة تنشط اساسا في الغرب، فهم يستضيفون الخبراء الحقيقيين ويوجهون لهم أسئلة، منها أسئلة حول مدى جدية مزاعم أصحاب نظريات المؤامرة.
هناك الآلاف من الأطباء والخبراء والعلماء والباحثون حول العالم يقومون بالأبحاث ويقدمون الخلاصات للبشرية حول كيفية معالجة سرطان الثدي، وعلاج الحمى عند الأطفال، وطرق رتق تمزق الرحم، والوقاية من أمراض القلب، وكيفية معالجة السكري، وأحسن طريقة لمعالجة داء الصرع، وإجراء العمليات للقلب... هؤلاء هم أنفسهم الذين يبحثون اليوم وغدا لتقديم المشورة حول أنجع السبل لمواجهة أنفلونزا
AH1N1. هؤلاء أنفسهم الدين يقدمون الدراسات والأبحاث التي تفيد البشرية في محاربة الأوبئة ومنها أنفلونزا AH1N1. وهم بالإجماع وبدون أدنى تردد يقدمون الإرشادات حول التلقيح ضد المرض حسب الفئات والأعمار وتطور المرض. وسيكون من العار أن يدير إعلامنا ظهره للعلم ويعطي الكلمة للدجل أو يقدم هلوسات مرضية مقابل الحقائق العلمية الثابتة على اعتبار أنها وجهة نظر وجب تعميمها لكل غاية قاتلة ....
الطيب حمضي
27 octobre 2009

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi