الأفكار والرصاص

تلقى الأستاذ سعيد لكحل تهديدات بالقتل خلال الأسابيع القليلة الماضية عن طريق ثلاث رسائل. والأستاذ لكحل مثقف مغربي، مناضل، باحث وله إسهامات في الصحافة الوطنية في القضايا المتصلة بالجماعات الإسلامية وأفكارها. وقد تلقى التهديدات بالقتل لثنيه عن كتابته آرائه وتحليلاته ووجهة نظره التي يقدمها من خلال ما داوم على كتابة في هذا المجال على صفحات يومية "الأحداث المغربية".
الأستاذ سعيد لكحل يختلف مع طروحات وأفكار الجماعات الإسلامية، فحاول أن يقارع "أفكارها"، بل أن يقارع سواطير بعضا ورصاصها ومتفجراتها وأحزمتها الناسفة، أن يقارع كل ذلك بالأفكار وبالقلم وبالمناقشة وبالمحاججة وبالاحتكام إلى عقول الناس. ومع ذلك، ووجهت أفكاره بالتهديد بالقتل إن هو لم يتوقف عن الكتابة...!!
هل هو تهديد لسعيد لكحل؟
أنا جازم بأنه مجرد حلقة في مسلسل لو انطلق قد لا ينتهي. قد أكون متشائما. لكني أفضل أن أكون كذلك ونتحرك بسرعة عوض الخلود لطمأنينة زائفة قد تأتي بموجة يصعب وقفها. لنتذكر مثلا ما عاناه أشقاؤنا الجزائريون من مثقفين، وصحافيين وفنانين. في وقت ما من الأزمة أصبح مصيرهم إما القتل أو اختيار المنفى الفرنسي لمن استطاع إليه سبيلا!
ما تلقاه الأستاذ لكحل هو تهديد بالقتل، سواءا كان ذلك صادرا عن جماعة أو عن أفراد أو حتى فرد واحد. سواء كان ذلك تهديدا حقيقيا أو ترهيبا، سواء كان جديا أو حتى مجرد "مزحة".. كيف ما كان الحال الرد يجب أن يكون واضحا.
نحن متضامنون، وتضامننا هو حماية لكل صاحب فكرة يعبر عنها بطرق حضارية حتى وإن كانت على طرف النقيض مع ما نؤمن به. بالتأكيد على الجهات الأمنية والقضائية تعقب صاحب أو أصحاب هذه الرسائل وتقديمهم للعدالة وتوفير الحماية الضرورية لمواطن يوجد تحت ثقل تهديدات بالقتل. لكن هذا الرد غير كاف. إن على المجتمع أن يرسل رسالة واضحة لأصحاب رسائل التهديد. إن من يمس شعرة من مواطن آخر بسبب أفكاره لا مكان له بيننا، سواء كان الجاني فردا أو جماعة أو جهازا أو حكومة. الأنظمة الدكتاتورية تعتدي على المواطنين والمعارضين لها في حريتهم وأرزاقهم وأحيانا في حياتهم بتبرير المصالح العليا للبلاد. والجماعات الإرهابية تعتدي على أرواح الناس بمبرر الدفاع عن الدين أو الطائفة أو المصالح السياسية.
المناظرات الفكرية وسائلها العقل والأفكار. والقلم والغلبة للأفكار المُقنِعة والمنطقية والمعتمدة على الحجج. الأفكار لا تواجه بالرصاص والسواطير والمتفجرات. وليس كل من له "القدرة" على إيذاء مخالفيه أو له الوقاحة لتهديدهم أو تهديد عائلاتهم هو بالضرورة الصائب! الأفكار لا تكون صائبة لأن حامليها "بلطجية"، مثلا أولهم مسدسات وسكاكين ومستعدون لنحر مخالفيهم في الرأي! الأفكار لا تعلو وتسمو بقوة الاغتيال والترهيب. الأفكار أصلا لا تحتاج لقوة وأسلحة ترافقها وتسبقها وتفسح لها الطريق و"تحميها" أو تفرضُها على الناس، لأن الأفكار تصنع طريقها بنفسها ولا تحتاج إلا لمنطق سليم هو يوصلها لحيث يجب أن تصل.
هل فعلا نؤمن بالرأي الآخر وبحقه في أن يعبر عن رأيه؟ في "تقاليدنا" السياسية وحتى الاجتماعية، لازلنا نتعلم هذه القيمة النبيلة في حياتنا ونتمرس عليها. لكننا في كل الأحوال نرفض أن تنوب عنا المسدسات والسكاكين في "إقناع" من يخالفونا في الرأي!
لا يهمني كثيرا أن أتفق أو أختلف مع الأستاذ لكحل أو غيره من المثقفين، لكني مثلكم متشبث حتى النخاع بحقه في أن يدلي بأفكاره وبالتعبير عنها وعرضها. ورافض حتى النخاع أي فكرة أو قيمة أو مبدأ يأتيني على ظهر دبابة أو فوهة مسدس أو حد السكين.
هذه القيم هي ما يجب علينا أن نتبعها وندافع عنها ونحميها. هل نحتاج لضحايا لنتحرك من أجلها؟
في بعض المراحل من تاريخنا، قد نعتبر أن هناك اتفاقا أو اقتناعا عاما ببعض القيم الكونية. لكننا ككل الشعوب لسنا في منأى عن الردة. ومثل هذه التهديدات بالقتل هي دق ناقوس الخطر بمراحل ردة. إن تحركا في الأوان هو حماية لحياة الناس بالتأكيد، ولكن كذلك حماية للمجتمع كله وحماية حتى لمثل هؤلاء الذين أطلقوا التهديدات، حماية لهم من الانزلاق في مثل هذه الأفكار والممارسات.

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi