الإسلاميون

الإسلاميون المغاربة في الحكومة. وأصدقاء سعد الدين العثماني مستوزرون. هل هو سيناريو كارثة؟ كابوس ديمقراطي؟
لقد كان من الواضح تماما بعد الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة أن هذا الاحتمال أضحى أكثر فأكثر قريبا من التحقق. وفي اعتقادي أن هذا احتمال يجب التعامل معه بروح إيجابية، ونظرة استراتيجية شاملة. وبهذا المعنى، فإن مشاركة الإسلاميين في الحكومة هي مشاركة مطلوبة ومفروضة.
مشاركة مفروضة، لأن المنطق الديمقراطي يقتضي ذلك. فلكل الهيآت السياسية التي تتبارى في الساحة وتحصل على ثقة الناخبين مفروض أن تشارك في تدبير الشأن العام كلما سمحت لها الأصوات التي حصلت عليها بذلك، إذ سيكون من العبث أن يعتقد أحد أن الإسلاميين كراكيز يمكن إلهاؤهم في مؤسسات سياسية وسرقة مشروعيتهم الديمقراطية أو الانتخابية لصالح هيآت أخرى تدبر الشأن العام عوضهم.
ومشاركة الإسلاميين في الحكومة مطلوبة ـ وليست مفروضة فقط ـ لأن من شأن هذه المشاركة أن تبين لهم وللناخبين كيف أن تدبير الشأن العام بشكل جيد لا يكفيه مثلا ترديد بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو الشعارات الرنانة أو حتى النوايا الطيبة والنيات الصادقة حقا.
فالإسلاميون الذين يحصدون الأصوات خلال الانتخابات يدركون أنهم سيستفيدون من موجة عامة عنوانها هيمنة الفكر الديني منذ عقدين أو ثلاثة عقود على غيره من التفكير. ويدركون أنهم سيستفيدون من فشل الهيآت السياسية الأخرى في الحفاظ على ثقة الشعب وعلى المصداقية السياسية الضرورية. ويدركون قبل غيرهم أن هذه الثقة هي مسؤولية ملقاة على عاتقهم بكل خطورتها ومخاطرها.
كما أن الناخبين الذين يئسوا من أنظمة حاكمة فاشلة من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، ويئسوا من هيآت سياسية، إن عارضت عارضت على مقاس الحاكمين، وإن دبرت دبرت على نفس طريقة الحاكمين، وإن حكمت فسدت ككل الحاكمين، هؤلاء الناخبون يقررون يوما بعد يوم إعطاء أصواتهم لهيآت ومرشحين يلبسون عباءة الدين، ويمارسون السياسة من منظار ديني وأخلاقي: العفة والطهارة والصدق والحق والأمانة وغيرها من القيم. وهؤلاء الناخبون ـ أو على الأقل من لايزال منهم يتحمل عناء الذهاب لصناديق الاقتراع ـ ليس له ما يخسره إن هو جرب طينة أخرى من المرشحين.
من هذا المنظور، سيكون مفيدا للناخبين وللإسلاميين، وللديمقراطية نفسها، أن يتحمل الإسلاميون مسؤولية تدبير الشأن العام حتى يكتشفوا بأنفسهم أن الخلفية الدينية لا تكفي، وليست بالضرورة رافعة لتدبير فعال. ويكشف الناخب أن الخلفية الدينية ليست بالضرورة مرادفا لتحسين وضعه الاجتماعي أو إيجاد فرص العمل أو تحسين ظروف السكن. هذا لا يعني طبعا أن مآل الإسلاميين هو الفشل في تدبير الشأن العام مهما فعلوا. بل معناه أن مآلهم الفشل إذا لم يتسلحوا ببرنامج سياسي واقتصادي حقيقي مبني على تصورات وقرارات وأرقام. فالنيات الحسنة لا تطعم ولا تسكن ولا تخلق مناصب شغل. إذا نجح الإسلاميون في تجربتهم فإنهم مستقبلا سيحصلون على ثقة الناس، لأن لهم برنامجا وتجربة ناجحة. وإن فشلوا فإن الناخب سيشيح بوجهه عنهم، ليس كرها في الدين، ولكن إدراكا منه أن التدبير الجيد للشأن العام ليس عنوانه ''السبحة'' أو ''اللحية'' ولكن الإرادة والبرامج والأرقام والآليات والنصوص الجيدة، وهذه في متناول من يبحث عنها إسلاميا كان أو غيره.
يبقى هناك تخوف من شرائح اجتماعية واسعة وهو السؤال: ترى ماذا لو تمكن الإسلاميون من الحكم واستبدوا به؟
في تركيا، هناك مؤسسة الجيش التي تشكل صمام الأمان ضد أي تهور، وهناك رغبة الأتراك في الالتحاق بالاتحاد الأوربي، وبالتالي فإن الشعب نفسه لن يسمح بأي تطرف ديني في أجهزة الدولة.
وفي المغرب، هناك الملكية التي هي الحاكمة الفعلية، وبالتالي فإن مشاركة الإسلاميين لن تعدو ولن تتعدى حجم المشاركة في الحكومة (مع أطياف أخرى) مع صمامات أمان متعددة تتحكم فيها المؤسسة الملكية. وبالتالي فإن التجربة لن تكون مخيفة.
ستكون مفيدة لنا وللعالم العربي كله كنموذج تجريبي. لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى مهتمة بهذا السيناريو.n

الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi