أحداث دامية في منطقة زوابع


عاشت مدينة سيدي إفني السبت الفارط أحداثا خطيرة على إثر التدخل الأمني الكبير والعنيف، ردا على حركات احتجاجية لشباب وسكان المنطقة ضد التهميش. هذه أحداث يمكن أن تقع في أي مدينة وفي أي زمان، لكن خطورتها أنها تأتي في سياق أزمة نحن لازلنا في بدايتها. أي أن ما ينتظر بلادنا من أحداث لا يمكن التكهن به وبدرجته وبمدى انتشاره إلا بقدر الحرمان الذي يلوح في الأفق.
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن أحداث سيدي إفني من فعل فاعل واحد أو إطار جمعوي واحد، أو بسبب التراشق بالحجارة، أو إحراق سيارة أو هجوم رجل أمن على متظاهر... هذه كلها تفاصيل قد تفيد في البحث القضائي أو حتى الإداري لتقييم نجاعة المعالجة الأمنية أو عدمها، لكن بالمطلق لن تفيد لا في فهم ما وقع ولا ما قد سيقع.
في نفس اليوم الذي كان فيه شباب سيدي إفني في مواجهات مع رجال الأمن وسكان سيدي إفني تحت سطوة رجال الأمن، كان شباب آخر في تونس في نفس الوضع. وفي نفس اليوم، كان سكان منطقة أخرى بمصر في مواجهات مع الشرطة. سوءا في سيدي إفني أو تونس أو مصر، الأسباب واحدة: البطالة وغلاء المعيشة.
لذلك، علينا وضع الأمور في إطارها الصحيح لفهمها فهما صحيحا ومعالجتها معالجة صحيحة، والاستعداد -وهذا هو الأهم- بشكل جدي لما هو آت. وما هو آت ليس بالشيء الهيِن ولا البسيط، ولا يمكن بحال من الأحوال تجنبه كليا.
أولا، هناك أسباب مغربية محضة متعلقة بعقود من سوء التدبير والحكامة السيئة، وعدم الاستعداد وإعداد الأمة للتحديات. وفي خضم هذه الأزمة ومحاولات تدارك ما فات والتخبط في الاختيارات والتردد، وجدنا أنفسنا كالعالم كله أمام معطيين: ارتفاع أسعار البترول التي تقارب 150 دولار للبرميل وستتجاوزه عما قريب، وارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية.
قبل أشهر قليلة، شهدت شوارع إيطاليا مظاهرات صاخبة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقد كان ذلك مفاجئا، إذ لم يكن يتصور أحد أن تشهد شوارع أروبا الغربية مظاهرات من أجل الخبز أو السباغيتي!!! يوم ذاك، كان يجب الانتباه للموضوع وانتظار الأسوأ في شوارع العالم الثالث.
إن نصف ميزانية عائلات العالم النامي تتوجه نحو الغذاء -على شاكلة مواد أولية- والسكن. وهذا معناه أن أي زيادة في أسعار المواد الغذائية تؤدي بالضرورة إلى انهيار هذه الميزانية. بينما ارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية لا يؤثر بنفس الدرجة على ميزانيات العائلات بالدول المتقدمة.
الأمم المتحدة لا تتوقع أي انخفاض لأسعار المواد الأولية الغذائية قبل سنة 2015. وأسعار البترول مرشحة للارتفاع أكثر. وعلى أي حال، يقول الخبراء إن سعر البرميل مرشح لتجاوز 200 دولار في المستقبل القريب، وحتى إذا تحسنت الأوضاع بعد سنوات فلن ينزل بعد اليوم عن 100 دولار. إذن، نحن في بداية دخول بلادنا منطقة زوابع. وعلينا أن ندرك ذلك أولا، وأن نتهيأ لمواجهة هذه الحقيقة ثانيا.
قضية ارتفاع الأسعار يجب أن تعتبر معطىً هيكليًا وليس ظرفيا، على الأقل خلال عقد من اليوم. وبهذا المعنى، ولأجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ليس من حل غير تمكين الطبقات الفقيرة والوسطى من «ارتفاع الدخل» في حدود لا تقل أبدا عن 30% وربما أكثر. طبعا، لا الدولة قادرة على توفير هذه الزيادة لموظفيها، ولا القطاع الخاص قادر على ذلك، دون الإخلال بتنافسيته وبالتالي إفلاس عدد من المؤسسات، وتسريح العمال، فارتفاع البطالة، ...
ليس هناك من حل غير اتخاذ الإجراءات القانونية وغيرها لخفض أسعار ومصاريف السكن، شراءا أو كراءا. بالتوفير في المصاريف المخصصة للسكن، يمكن للعائلات استثمار مقدار التوفير لمواجهة مصاريف ارتفاع أسعار المواد الغذائية. صحيح أنه منذ عقدين، اتخذت إجراءات عدة لتسهيل الولوج إلى السكن، لكن الذي استفاد من ذلك هم المضاربون عوض المواطنين الذين أصبحوا يشترون اليوم شقة 60 متر مربع في أحياء شعبية بـ40 و50 مليون سنتيم بعد أن كانت تساوي اقل من 20 مليون سنتيم يوم لم تكن هناك تسهيلات!!
ومن جهة أخرى، واستعدادا لمواجهة منطقة الزوابع، لابد من دعم العمل النقابي (الحقيقي) وعقلنته ومساعدته لتأطير المجتمع وتنظيم الحوار بين شركاء العملية الإنتاجية. كما يجب أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها ودعمها في ذلك إزاء ترشيد الخطاب والتأطير والبحث عن الحلول ونهج سياسة القرب.
إن على الذين تكلفوا بملف سيدي إفني أن يدركوا أن الأحداث ستتكرر في أكثر من مكان، ولا حاجة لبلادنا للمعالجة القمعية، المتشنجة المهينة للسكان. لابد من الحوار والبحث عن الحلول وتوقع غضب ناس أعياهم الفقر والتهميش وأضناهم اليأس في غد أحسن.
13 juin 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi