كليشيهات الديمقراطيين


هل تشكل مبادرة الهمة ورفاقه «من أجل حركة لكل الديموقراطيين» خطرا على الديموقراطية؟ هل هي تقهقر للوراء وعودة لممارسات الستينيات؟ هل هي نسخة منقحة لأحزاب خلقتها الدولة في بداية الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، من «الجبهة للدفاع عن المؤسسات»، مع رضى اكديرة، والأحرار، مع عصمان، والاتحاد الدستوري، مع المعطي بوعبيد؟ هل هي حركة تهدف الإجابة عن حاجة سياسية ملحة أو مستقبلية، أم فقط تكرار بئيس لتجارب الماضي؟لمناقشة حركة سياسية موضوعيا، لا بد من التخلص من الكليشيهات والأحكام الجاهزة والأساطير وأحكام القيمة السريعة، التي تتدافع لوأد أي حراك سياسي. أكيد أننا لسنا مضطرين لانتظار أن ينهي فؤاد الهمة وزملاؤه مشروعهم حتى نتمكن من الحكم عليه. بل بإمكان الفاعل والمراقب أن يدخل هذا «المشروع» لمختبر التحليل وإعمال أدوات التحليل العلمي، حتى لا تكون النتائج مجرد أحكام للنوايا.أقول هذا، لأانني تتبعت عددا وافيا حول ما كتب عن المبادرة، من تشكيك، وانتقاد، وأحكام جاهزة، ولم أقرأ إلا نادرا بعض القراءات الموضوعية والمتأنية للمبادرة. لا تهمني النتائج التي يصل إليها المحلل العقلاني، المهم هو أن مثل هاته القراءات من شأنها المساعدة على فهم ما يجري فهما صحيحا، وتوقع ما قد يحصل مستقبلا بشكل تقريبي.ومن أهم ما لاحظت على مجمل ما كتب هو إلصاق كليشيهات وأحكام جاهزة بالمبادرة، أولها أن هذه المبادرة هي مجرد تكرار لتجارب قامت بها الدولة على عهد الملك الراحل الحسن الثاني.يبدو لي أنه من الخطأ الفادح المقارنة بين هذه المبادرة وما جرى قبلها. فأوجه الفرق شاسعة، ولا يمكن للمراقب السياسي العادي أن يجد بينهما كل هذا التشابه. هناك اختلافات جوهرية، في التجارب السابقة، كان الملك في مواجهة أحزاب تنازعه مشروعيته وتشكك فيها أو تهدد نظام حكمه. أحزاب لها مشروعية واسعة في الشارع وأي انتخابات نزيهة كانت ستحملها للبرلمان بأغلبيية كبيرة. فكان الملك، تجنبا لمواجهة واقع مؤسساتي يعاكسه، يعمل على خلق حزب سياسي وتكلف الدولة بتزوير الانتخابات لصالح المولود الجديد، الذي يحصل على الأغلبية داخل المؤسسة التشريعية. هكذا، يضمن الملك عدة سنوات من الهدوء البرلماني ومن النظام البرلماني الصوري.لم يكن يهم الدولة، آنذاك، أن يكون للحزب الذي خلقته أي امتداد في الشارع، بل، على العكس من ذلك، كان مطلوبا أن يكون حزبا ذا أغلبية برلمانية وبدون أي امتداد جماهيري. المهم، أن لا تكون للأحزاب المشاكسة أغلبية داخل المؤسسات.اليوم، هل تواجه الملكية أحزابا تهددها أو تشكك فيها أو في نظام حكمها؟ بعد انتخابات 2007، أصبح واضحا أنه حتى الإسلاميين لا يمكن أن يشكلوا خطرا على المؤسسات باكتساحها. (وهذا لا يعني أن المستوى الجماهيري له نفس الوتيرة). إذن، الملكية، اليوم، ليست إطلاقا في نفس الوضعية السايقة، ثم حتى وإن خلقت حزبا، فهل بإمكانها تزوير الانتخابات لصالح حزبها؟ في السابق، لم تكن الدولة منشغلة إلا بحشو الصناديق لصالح حزبها، ولم تكن المشكلة تكمن في خلق الأحزاب، بل في تزوير الانتخابات لصالح هذه الأحزاب. فهل يمكن، اليوم، أن نتصور أن تسرق صناديق الاقتراع وتملأ بأصوات لصالح حزب الدولة؟في التجارب السابقة، كانت الأحزاب تخلق بقرار من الدولة، وهي التي تضع لها قوانينها وأدبياتها وإيديولوجيتها وزعامتها وقيادتها. ولم يكن ممكنا أن يكون للحزب أي تصور أو قرار خارج ما يقال لزعيم الحزب/ ممثل الدولة داخل الحزب، لأن أي تداول أو ديمقراطية داخل ذلك الحزب من شأنها أن تهدد الغاية والأهداف التي من أجلها خلق الحزب أصلا.واليوم، بعد أن أصبحت كل الأحزاب، حتى الجامدة منها، تعرف نقاشا وانتفاضات وتغيرات، فهل يمكن تصور خلق حزب كركوزة في يد الدولة، تعين فيه من تشاء وتقرر ما تشاء، ولا يثير ذلك أي نقاش؟ سيكون من المزاح قبول مثل هذه الأحكام، اليوم، أمام الغليان الذي تعرفه الحياة الحزبية، و حتى مع بروفيل، الموقعين على النداء أو بعضهم على الأقل.في التجارب السابقة، كانت الأحزاب تخلق في غرف مظلمة صبيحة الانتخابات، ونحن، اليوم، أمام مبادرة مفتوحة للنقاش أمام الملأ وأمام الجميع، وأمام تحركات ومشاريع تحركات داخل جهات المغرب ومع فاعليه وأقطابه.يقول الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، اليوم، أن برامجهما هي ما يقوله الملك وما يقوم به. والعدالة والتنمية تقهقر انتخابيا مقارنة مع التجربة السابقة ( تقهقر انتخابي وليس جماهيري بفضل التقنيات الانتخابية) ولم يعد هذا الحزب الإسلامي بعبعا مؤسساتيا، فلماذا يضطر الملك، إذن، لخلق حزب وتزور الدولة الانتخابات لصالحه؟ هل الدولة في حاجة فعلا لهذه الفانتازيا؟أكاد أجزم أنه، على المستوى المؤسساتي، ليست هناك أي حاجة على الإطلاق لأي مبادرة في الوقت الحالي على الأقل. لكن، إذا انتبهنا للواقع السياسي للبلاد والواقع الجماهيري، يمكن أن نفهم بسهولة الحاجة الملحة لحركة سياسية جديدة. هل هي الحركة التي يقف وراءها الهمة؟ هذا السؤال يمكن مناقشته.و في الأخير، أنبه إلى أنني قدمت ملاحظات للاستئناس بها عند مناقشة المبادرة الحالية. ويهمني أن أؤكد أنها قراءة من خارج هذه المبادرة. وستكون لنا عودة للحديث عن المبادرة في حد ذاتها، وهل هي مبادرة تآمرية، أم استجابة لحاجة موضوعية آنية ومستقبلية.
29 fevrier 2006
الطيب حمضي
Publié par Tayeb Hamdi à l'adresse 16:53

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi