صحة الملك وصحة الملكية

منذ الأسبوع الفارط والشرطة تستدعي عددا من الصحافيين من منابر مختلفة للبحث معهم حول مقالات لها علاقة بصحة الملك. في دولة الحق والقانون، لا يقال شيئا عن هذا، شريطة أن تتبع المساطر النظامية وفي الظروف العادية. إلا أن ما يصلنا من أخبار عن استنطاقات طيلة الليل والنهار وعدم استفادة الصحافيين من حصص النوم العادية، وتركهم جوعى وهم صيام في هذا الشهر (رمضان) يعتبر شكلا من أشكال التعذيب التي لا تليق لا بدولة الحق والقانون ولا بالصحافة المغربية ولا بتقاليد المسلمين خلال الشهر الكريم.
كيف يمكن التعامل مع الأخبار المتعلقة بصحة الملك؟ موضوع طويل عريض، فيه حرية الصحافة، وحق المواطن في الخبر، وفيه ضوابط احترام الحياة الشخصية، والسر المهني للأطباء، والمهنية الصحافية، وتوخي الدقة في نشر مثل هذه الأخبار... وغيرها من الاعتبارات التي مازالت طريقة التوليف بينها موضع جدال، ولا بأس أن تكون هذه فرصة لطرحها، وليس لإهانة الصحافيين.
لنكن واضحين: أن يقول طبيب لجريدة ما، ويفترض أنه على اطلاع بالرعاية الصحية للملك، إن الملك يتناول الكورتزون بسبب الربو، فهذا كلام فارغ، وهو خطأ طبي من ناحيتين: الناحية الأولى والفادحة هي أنه خطأ يكسر السر المهني الذي أقسم عليه الطبيب والملزم به قانونا، سواء أكان هذا السر يتعلق بمواطن عاد أم بالملك، وسواء أكان هذا السر يتعلق بإعلان مرض أم بإعلان أن الحالة الصحية جيدة، ما لم يرخص بذلك المعني بالأمر نفسه والامر هنا يتعلق بالملك. لذلك، فهذا خطأ إفشاء سر مهني أو بث أخبار كاذبة. وهو خبر فارغ، لأن الربو (الضيقة) لم يعد يعالج بالكورتزون عن طريق الأقراص منذ عقود إلا عند المرضى الذين ليس لهم علاقة بالطب، أو في أقسام الإنعاش حيث يصابون بالأزمات بسبب غياب العلاج. أما باقي الحالات، فتعالج بالكورتزون عن طريق البخاخات التي لا تؤثر لا على المناعة ولا على الوزن ولا غيره.
لكن السر المهني المرتبط بالحالة الصحية هو إلزام للطبيب وليس للصحافي. فهل يستدعي نشر خبر حول الموضوع تحريك المتابعات والاستنطاقات؟ أتمنى أن يقف الموضوع هنا.
شخصيا، لن أقول إن الأمر كان يستدعي أن يصدر بلاغ يكذب الأمر وكفى. حتى البلاغ ليس ضروريا. صدر بلاغ رسمي حول مرض الملك، وهذه نقطة جيدة، أما البقية من الكتابات فلا تأثير لها أمام شفافية الأخبار. وحتى وإن صدرت بلاغات تكذيبية، فذلك لن يجدي نفعا، لأن هناك صحفا أخرى ستشكك في هذه البلاغات التكذيبية نفسها. هل هذا كله تحامل من الصحافة على الملك؟
بالمطلق لا. ولكن لأن تيار الثقة لم يسر بعد بين الأخبار الرسمية والفضول الصحافي. ومن شأن بلاغات مثل بلاغ "روتا فيروس" أن يؤسس لهذه الثقة. الثقة لن تبنيها المتابعات ولكن الشفافية.
الصحافة والصحافيون ليسوا فوق القوانين. لكن بناء صحافة مغربية حقيقية هي مسؤولية الصحافيين ومسؤولية المواطنين ومسؤولية الدولة التي عليها أن تتحمل ما تعتبره في المنطقة الرمادية.
وبالمناسبة، ليس فقط الصحافة التي تنشر أخبارا حول صحة الملك- ولو كانت خاطئة- وحدها لا تحترم الحياة الشخصية والسر المهني... الصحافة التي تنشر أن ابن أخت المسؤول الفلاني مصاب بأنفلونزا الخنازير، بدون موافقته، والصحافة التي تتصل بالممرض في المستشفى الفلاني لتخبر الرأي العام بأن ابنة الوزيرة الفلانية أو قريبتها دخلت المستشفى للعلاج من المرض الفلاني، هي كذلك تعتمد في أخبارها على أناس (ممرضين أو أطباء) لا يحترمون شرف مهنتهم. والصحافة التي تأخذ تصريحا عن طبيب يقول إن الشخص الفلاني تم فحصه ولا يعاني من أي مرض عقلي وتنشره لا تحترم الحياة الخاصة للمريض. والطبيب الذي يعلن عن ذلك لم يحترم السر المهني... وهذه كلها حالات قد تكون سببا في متابعات قضائية.
لكن المتابعات قد لا تكون مثمرة بقدر ما هو النقاش بين الصحافيين والأطباء ومستخدمي الصحة حول حدود الحرية الخاصة والسر المهني والمسؤولية القانونية.
هذا الورش هو الذي يجب فتحه، لأن حرية الصحافة ضمانة لصحة الملكية، أما صحة الملك فهناك مكلفون بها يقومون بها في صمت مهني.

الطيب حمضي
10 septembre2009

هناك تعليق واحد:

Nezha.F يقول...

شكل إعلان مرض جلالة الملك سابقة في تاريخ المغرب مما أثار اهتمام الصحافة والشارع،
لكن بعد الصحف لم تكتفي بنشر البيان الرسمي بل زادته بعض البيانات والإيضاحات وهي يومية الجريدة الأولى وأسبوعيتي المشعل والأيام مما جعل النيابة العامة تتهمهم بجنحة النشر بسوء نية نبأ خبر زائف.
فعلى حد قول بورك الإنكليزي "الصحافة هي السلطة الرابعة"، فنشر خبر دون التأكد من صحته سيجر على كاتبه سين وجيم خاصة إذا تعلق الأمر بملك البلاد. لقد كان على هؤلاء الصحفيين أخد كل الاحتياطات والتأكد من صحة مصادرهم.
فالصحافة هي الغذاء الفكري اليومي الذي يساهم في تنوير عقول الناس لكن مع الأسف ما أصبحنا نعيشه خاصة مع تناسل العديد من الجرائد اليومية والأسبوعيات في مجتمع تنخره الأمية ونسبة القراءة ضعيفة جدا، شكل من أشكال الاستثمار المربح. -هذا ليس تعميما لكل الصحف-

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi