الانقلابات الدستورية:عبد العزيز تشافيز نموذجا

الأخ عبد العزيز تشافيز هو اسم تركيبي لأخوين عظيمين: الأخ عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الجزائري والأخ هوكو تشافيز الرئيس الفنزويلي المبجل.
لماذا الجمع بينهما؟
الواقع أني لست من جمع بينهما، فأقدارهما ورغبتهما الجامحة في الخلود على كرسي السلطة هي التي جمعت بين رجلين من قارتين مختلفتين، بل عالمين مختلفين.
وجه الشبه بين الرئيس بوتفليقة وباقي الأنظمة العربية امتد هذه المرة ليشمل أمريكا اللاتينية.
بداية، أنا معتز بمواجهة الرئيس تشافيز لجارته الشمالية الأمريكية المتغطرسة ومتعاطف مع نضاله لتكوين جبهة جنوبية ضد الولايات المتحدة، بل نجاحه في إفساد كل مخططات الولايات المتحدة لفرض هيمنتها على دول أمريكا الجنوبية.. وأنا معتز بتضامنه مع الشعب الفلسطيني وكيف طرد السفير الإسرائيلي قبل أسابيع احتجاجا على مجازر غزة.
هذا الرئيس، الذي يحتفل هذا الأسبوع بالذكرى العاشرة لتسلمه السلطة بفنزويلا، تنتهي ولايته سنة 2013. لكن السيد تشافيز يعرض الأحد المقبل تعديلا دستوريا من خلال استفتاء لإلغاء تحديد عدد الولايات الرئاسية، حتى يتسنى له أن يصبح رئيسا لفنزويلا إلى الأبد!! وهو يقول إن "مشروعه الاشتراكي للقرن الواحد والعشرين" لم يكتمل ولن يكتمل سنة 2013 ، وبالتالي فهو بحاجة ليبقى رئيسا إلى ما لا نهاية حتى نهاية ونجاح مشروعه!!
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رجل دولة كبير. وشخصيا، أكن له احتراما كبيرا. وهو من القادة السياسيين الذين قادوا الجزائر منذ مرحلة الشباب. قاد الدبلوماسية الجزائرية في مراحل صعبة بالنسبة لبلاده، وهو في مرحلة الشباب، ونجح في الكثير من مهامه، ومنها أشياء تستوجب الاحترام حتى وإن كان ذلك على حساب المغرب. يستوجب الاحترام ولو كان خصما. له عدة أخطاء، لكن له مشروعية نضالية وتاريخية كبيرة، وحضورا دوليا مميزا.
السيد بوتفليقة قضى ولايتين رئاسيتين. والدستور الجزائري يحدد عدد الولايات الرئاسية في اثنتين. ولأن الأخ العزيز بوتفليقة يريد أن يبقى رئيسا إلى الأبد، فقد قرر تعديل الدستور، وهو ما تم بالفعل، وصدر يوم الأحد الماضي مرسوم رئاسي يعدل هذا الشرط ويسمح له بالترشح للمرة الثالثة. وهو ما سيعلن عنه بالتأكيد هذا الأسبوع. الرئيس الجزائري هو الآخر له مشروع كبير، هو المصالحة الوطنية، لم يكتمل بعد. لذلك، لا بد أن يغير الدستور حتى يبقى رئيسا مدى الحياة لاستكمال مشروعه!
تشافيز وبوتفليقة رجلان كبيران قررا بمحض إرادتهما أن ينتهيا صغيرين وأن لا يذكرهما التاريخ إلا كرجلين انقلبا على الديمقراطية. رجلان أحبا السلطة وكرسي الرئاسة حتى الالتصاق بهما. رجلان عاكسا التاريخ، فعوض نقل بلديهما إلى مصاف الدول الديمقراطية نقلاهما إلى الانقلابات الدستورية، تيمنا بزمن الانقلابات العسكرية.
الفكر الديمقراطي طور نفسه وخلص إلى كون الحكم لمدد طويلة هو غير منتج بل يفرخ التقهقر والاستبداد، لدلك تم تحديد عدد الولايات بالنسبة للمواقع التنفيذية. هكذا يجد المسئول نفسه مرغما على مغادرة المسؤولية حتى لا يحاول التحايل على الناخبين وتسخير الإمكانيات العمومية وإشعال الحروب للقضاء على المنافسين ليبقى وحده في المسئولية..
وتم تضمين دلك بالدساتير كأسمى التزام أمام الامم.
ليس بوتفليقة حالة خاصة في العالم العربي. قبله غير الرئيس التونسي بن علي الدستور ليبقى رئيسا، وغير الرئيس المصري مبارك الدستور ليبقى رئيسا، وخان الرئيس اليمني عبد الله صالح وعده وترشح للمرة الألف، بينما لم يحتج الزعيم الليبي معمر القذافي لأي تغيير لأنه لا يعرف معنى الدساتير وهو رئيس مدى الحياة ومدى الممات! وغيرت سوريا دستورها حتى يتمكن الدكتور بشار الأسد من الترشيح لأخذ مكان والده، أما الفوز فكان مضمونا! هؤلاء الأفذاذ العرب كلهم يعتبرون أنفسهم فرض عين على دولهم وشعوبهم، وأنه بدونهم لن تقوم قائمة لشعوبهم. بل الأدهى من ذلك أنهم كلهم يريدون أن يخلفهم أبناؤهم في كراسي المسؤولية!! فعلها حافظ الأسد، ويتهيأ لها حسين مبارك بتهييء ابنه جمال مبارك، والقذافي بتهييء ابنه سيف الإسلام القذافي...
حقيقة، اليوم أفهم لماذا الرئيس تشافيز يتضامن مع قضايا الأمة العربية بكل هذه الحماسة (المشكور عليها). الرجل تجري في عروقه دماء عربية بالتأكيد. ألا يريد هو الآخر أن يقوم بانقلاب دستوري ليصبح ملكا لجمهورية فنزويلا، مثل ملك جمهورية الجزائر وملك جمهورية تونس وملك جمهورية ليبيا وملك جمهورية مصر وملك جمهورية سوريا وملك جمهورية اليمن.
في الأنظمة الملكية الديمقراطية: الملكية جامعة ورمز للدولة والحكم لممثلي الشعب عبر البرلمان. أي أن الحكم يمارسه ممثلو الشعب المنتخبون. الإخوة ملوك الجمهوريات يريدون مواقع ملكية في أنظمة جمهورية !!
أنا افهم الآن لمادا الغرب متخلف ونحن متقدمون. هم يتداولون على المسؤوليات والسلطة، ونحن نتشبث بها حتى الانقلاب أو الموت !! نموذجنا هو الناجح بدليل أن الأخ تشافيز يحاول استلهامه منا ...
من قال إن إزاحة مثل هؤلاء بقوة التدخل الأجنبي أو قرارات من مجلس الأمن أو المحكمة الدولية ليس حلا؟!
الطيب حمضي
13 février 2009

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi