الحزب الوحيد

للأرقام معانيها الخاصة، وفلسفتها وخلفياتها. واليوم أتوقف عند الرقم 10٪ الذي كانت تطالب به ثلاث أحزاب بالبرلمان كعتبة لا يمكن لمن يحصل على أقل منها أن يحصل على دعم الدولة المالي.
دعونا مع الأرقام أولا. ولنعد لاحقا لفلسفة الأرقام ومعانيها وخلفياتها.
حين كنت أتابع التصريحات الصحافية والمناقشات و"الفرعنة" المصاحبة لكل ذلك، كنت أخالُ الأمر صادرا عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين اللذين يتقاسمان أصوات الناخبين الأمريكيين. ويكفي الرجوع إلى نتائج الانتخابات الأخيرة، حتى لا نعود إلا للأخيرة، ليلاحظ المراقب أن حزبين على الأقل من بين الثلاثة (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية) حصلا بالكاد على عدد من أصوات الناخبين يقارب هذه النسبة المطلوبة!! باستثناء طبعا العدالة والتنمية الذي حصل على ما دون قوته الحقيقية بسبب التسوية التي أبرمتها قيادة هذا الحزب مع الدولة بعدم الترشح في نصف الدوائر بالمغرب. من حيث لغة الأرقام، من الممكن جدا أن لا تحصل هذه الأحزاب مستقبلا على نسبة الـ 10٪. وليتذكر "الديمقراطيون جدا" بهذه البلاد أن الاشتراكيين بفرنسا لم يستطيعوا المرور للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل جاءوا وراء العنصري "لوبين" LEPEN واضطر الاشتراكيون للتصويت على غريمهم المرشح شيراك لئلا يصبح رئيس فرنسا هو لوبين!!
لذلك، فإن الأرقام ماكرة. وهذا الاستعلاء قد يؤدى ثمنه غاليا من حيث يوم تكون الممارسة السياسية سليمة لاتقوم خلالها الأحزاب بسرقة المرشحين من بعضها البعض، ولا تقوم السلطة "بنصح" المرشحين المستقلين بالترشح مع هذا الحزب (...) أو ذاك!!
الأحزاب هي مؤسسات لتأطير المواطنين ولتمثيلهم وممارسة السلطة لتنفيذ البرامج الانتخابية التي صادق عليها الناخبون. وبهذا المعنى، فإن المنطق يقضي بتشجيع هذه المؤسسات بالإمكانات الضرورية للقيام بمهامها الدستورية.
تحديد عتبة للحصول على الدعم مسألة قد تكون مقبولة ومعقولة إذا كان الهدف منها هو فرز الأحزاب التي تتواجد فعلا وتقوم بعملها من تلك التي تؤسس بقرارات شخصية ويختزلها رئيسها في ورقة "زيارة بجيبه". فهل مثلا حزب يحصل على 8٪ من أصوات الناخبين هو حزب ميت؟ أو 6٪؟ أو 4٪؟ !!
لماذا تخاف الأحزاب الثلاثة من أن تحصل أحزاب أخرى على حصتها من الدعم الحكومي؟ لماذا تريد محاربتها وتعجيزها من خلال منع الدعم المالي عنها وتريد هي الاستئثار بـ "الميزانيات" كلها؟ هذه الأحزاب الكبيرة جدا والعظيمة جدا والتي تضم بين صفوفها عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف (حسب زعمها!) من المنخرطين، أليست في غنى أصلا عن هذا الدعم الذي يقتطع من أموال الشعب؟ ألا تحصل على انخراطات ومساهمات مناضليها والعاطفين عليها وهم بمئات الآلاف (...)؟
إني أفهم جيدا دواعي حزب العدالة والتنمية. فهو حزب من مصلحته أن تغيب كل المكونات الأخرى وأن لا يبقى لها حظ في الوجود (وخصوصا أحزاب ناشئة التي قد تنافسها في الخلفية الدينية)،و يسهل عليه الاستفراد بحزب أو حزبين وهزمهما هزيمة نكراء. و فرض أمر واقع ..
لكن أحزابا تطالب بالديمقراطية، وتؤمن بالتداول، والرأي الآخر، والاختلاف، ونسبية الحقيقة،... من الصعب أن تقوم في نفس الوقت بتشريع وسن قوانين الهدف منها خنق كل منافس محتمل خنقا ماليا أو قانونيا. فلسفة الأمر بكل بساطة هي التشريع لمنطق الحزب الوحيد، دون التنصيص على ذلك. أما القطبية والتكتل، فيخلقهما الوضوح في البرامج واحترام هذه البرامج وليس محاولة وأد المنافسين.
منذ أول دستور، قطع المغرب مع فكرة الحزب الوحيد والحمد لله أن الذين صاغوا الدساتير أو من أوحوا بها من الخارج ليسوا هم "أحزاب" على شاكلة زعماء الـ 10٪!!
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi