الأميرة والسرطان

منذ أيام، نستقبل بعياداتنا نساء جئن بدافع الكشف عن السرطان أو الخوف من الإصابة به. في البداية، لم أفهم سبب هذا الوعي المفاجئ، قبل أن أكتشف أن وسائل الإعلام، والتلفزيون بالخصوص، يبثون أخبارا وحصصا إعلانية عن حملة جمعية للاسلمى لمحاربة داء السرطان. برنامجي اليومي لا يسمح لي بمشاهدة القناتين الوطنيتين إلا نادرا، وهو ما فوت علي إمكانية متابعة الحملة كما تتابعها النساء المغربيات والرجال كذلك.
أكيد أن الغالبية العظمى من الاستشارات التي تأتي بعد مثل هذه الحملات تكون وراءها تخوفات غير مبنية، كأن تقول لك واحدة إن عندها إسهالا منذ أسبوع، وهي تشك في سرطان الثدي! لكن المهم أنها علمت بشيء اسمه سرطان الثدي وأن بالإمكان الكشف عنه مبكرا وعلاجه، والباقي يكون دور الأطباء لإجراء الفحوصات اللازمة أو إعطاء النصائح المناسبة. فترة بعد أخرى، ستنتشر الأفكار الصحيحة عن المرض وتنمحي الأفكار الخاطئة.
السرطان مرض وليس لعنة. هو مرض كباقي الأمراض، له أسبابه التي نعرف بعضها. هو الآخر له أعراضه، له مساره وله علاجه. المشكلة ببلادنا أن الناس تعرف السرطان، ولكن لا تعرف عنه إلا الجانب المظلم منه، وتتعامل معه كلعنة، وتعتقد أن الإصابة به تساوي الموت المحقق. والحقيقة غير ذلك.
السرطان مرض قاتل، إذا لم نكتشفه مبكرا، وإذا لم نعالجه. والمشكلة أنه كلما تأخرنا في اكتشاف المرض، كان العلاج صعبا، مرهقا ومكلفا، وكانت نتائجه محدودة. على العكس من ذلك، كلما كان الكشف مبكرا، كان العلاج سهلا وبسيطا، وكانت نتائجه رائعة.
لحسن الحظ أن عددا من أنواع السرطان يمكن الكشف عنها مبكرا، ومنها سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان البروستاتا والقولون والجلد مثلا. وسيكون من الخطأ القاتل أن يكون تحت تصرفنا هذا التطور العلمي وهذه الوسائل الطبية للكشف عن هذه الأمراض مبكرا، لكننا لانستفيد منها حتى نسقط ضحية المراحل المتطورة من المرض. هل يتطلب الأمر كثيرا من الأموال؟ أبدا، فبالنسبة لسرطان الثدي مثلا، وهو الذي يتطلب فحصا بالأشعة مرة كل سنتين عند المرأة بعد سن الخامسة والأربعين، فإن معدل ثمن الماموغرافيا (الفحص بالأشعة للثديين) يبلغ حوالي 800 درهم بالقطاع الخاص. هل كل النساء اللواتي لا يجرين هذا الفحص الدوري يمتنعن عن ذلك بسبب عدم توفرهن على ثمنه؟ الكثير من النساء اللواتي تصرفن ضعف المبلغ خلال ساعتين، أو لهن تغطية صحية، لا تقمن بالكشف المبكر عن سرطان الثدي أو عنق الرحم (هو تحليل أرخص). والسبب هو عدم الوعي بأهمية الكشف المبكر، لدى النساء والرجال على حد سواء. وهذه مسؤولية الأطباء كذلك، لأنهم تحت مبرر مراعاة الظروف لا يوجهون لمرضاهم نصائح حول الكشف المبكر.
كان من الممكن أن نمضي سنوات ونحن نتحدث في العيادات عن المرض وعبر الصحف وفي الندوات حول أهمية محاربة داء السرطان وأهمية الكشف المبكر عنه، دون أن نصل لتغيير العقليات. لكن ها هي الحملة الحالية تدخل كل البيوت وكل العقول لتغيير السلوكيات. هناك، من جهة، الاعتماد على أجهزة تدخل كل البيوت: التلفاز والإذاعات. ومن جهة ثانية، هناك وصلات واضحة. ثم، من جهة ثالثة، هناك مقاربة جريئة، إنها مقاربة متكاملة. إذ قبل انطلاق الحملات التحسيسية، تم تجهيز بعض المستشفيات وبناء مؤسسات لإيواء ومساعدة مرضى السرطان وبعدها كانت الحملة التحسيسية.
تذكروا شيئين: السرطان مرض يمكن محاربته. يكفي اتباع النصائح والفحوصات الضرورية. وتذكروا أن مبادرة الأميرة للاسلمى، عبر الجمعية، ستغير مسار السرطان وطرق التعامل معه بالنسبة للمغربيات والمغاربة، لأنها فتحت ورشا كان مستعصيا.

الطيب حمضي
16 mai 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi