العرب كظاهرة صوتية

حين وثق الشعب الفلسطيني في "الكلامنـْجية" العرب، ضاع منه نصف فلسطين سنة 1948. ووثق بوعود وعهود العرب، فضاعت منه كل فلسطين سنة 1967. أضاع ما تبقى من فلسطين ومعها القدس وأراض عربية أخرى لازال منها ما هو تحت الاحتلال حتى اليوم، أي الجولان السوري.
نحن العرب أمة اختصاصية في إضاعة الفرص، في المزايدات، في الخلاف، في التأجيل، في الأحلام وفي انعدام الواقعية.
سنكون مخطئين إذا اعتقدنا أن هذه الصفات خاصة بالحكام العرب. أبدا، هذه الطبائع مشتركة بيننا، من المحيط إلى الخليج، من القمة إلى القاعدة.
هل هي قسوة على العرب؟ هل هو جلد الدات؟ هذه حقائق وملاحظات نتداولها جميعا، مع فارق بسيط هو أن كل منا يرمي بها على الآخرين: المشارقة يرمون بها على المغاربة والمغاربة يرمون بها على الخليج وهكذا... الشعوب ترمي بها على الحكام والحكام على الشعوب...
أنا اليوم لا أرمي بها أحدا، بل أقول نحن العرب- وأنا منهم- أخصائيون في الشعارات والمزايدات واللغط والكلام وقلة الفعل.
العرب ظاهرة صوتية يحدثون الكثير من الضجيج وقليلا من الأفعال!
والحمد لله أن الشعب الفلسطيني انتبه إلى المسألة منذ أزيد من أربعين سنة، وشمّر على سواعده وتوجه للمقاومة المسلحة والسياسية بكل أشكالها، بكل انتصاراتها وإخفاقاتها، بصوابها وخطئها. المهم أن الشعب الفلسطيني لم يركن للوعود العربية، بل دافع عن حقه بكل ما أوتي من وسائل وإمكانيات وقوة.
المشكلة أن الأنظمة العربية تدخلت في الشأن الفلسطيني، ليس لمساندته ومساعدته ومده بالسلاح والمال لمواجهة الاحتلال، ولكن للتحكم في أطيافه ومكوناته لمحاولة تشغيلها من أجل تنفيذ أجندتها السياسية الخاصة على حساب القضية الفلسطينية!
وهكذا، تحولت الساحة الفلسطينية هي الأخرى إلى ساحة عربية. وهنا، أصبحت فلسطين في خطر جديد: أن تضيع مرة ثانية حتى من أمل قيام دولة فلسطينية ولو على أراضي 1967.
الدول العربية وحكامها لكل حساباته، وهذا حقهم، لكن الجبن أن يحاولوا قضاء حوائجهم على حساب قضية شعب تحت الاحتلال. وسيكون من الخطأ القاتل بالنسبة للفصائل الفلسطينية أن تركن للأنظمة العربية على حساب وحدة الصف الفلسطيني.
الفلسطينيون يواجهون ثلاثة أخطار استراتيجية كبرى:
أول الأخطار طبعا المحتل الإسرائيلي.
ثاني الأخطار: الارتكان للأنظمة العربية المختلفة.
ثالث الأخطار: عدم الاتفاق فلسطينيا على السقف السياسي الذي يجب العمل من أجله والذي يجب استخدام السلاح والسياسة للوصول إليه. الأسلحة لا تـُـستخدم إلا لخدمة أهداف محددة. والسلاح الفلسطيني هدفه واحد: رحيل المحتل وإقامة الدولة الفلسطينية. إذا لم يكن الفلسطينيون متفقين على شكل هذه الدولة وحدودها ومواصفاتها، أي غير متفقين على الهدف الأساسي والأسمى، فرحم الله القضية الفلسطينية. وإذا استعمل الفلسطينيون سلاحهم لغير هذا الهدف أو لخدمة أهداف أخرى وحسابات أخرى، فرحمة الله على فلسطين.
مفتي السعودية قال إن مظاهرات التضامن مع غزة هي غوغائية لا فائدة منها، والمهم هو جمع التبرعات، فقط لأن التظاهر من أجل غزة قد يفتح الباب للشعب السعودي أمام مظاهرات أخرى.

ومفتي مصر السيد طنطاوي، بعد أن واجهته انتقادات كبيرة بسبب مصافحته الرئيس الإسرائيلي سيمون بيريس بنيويورك أثناء قمة حوار الأديان، وسئل عن موقفه من حصار غزة، قال إن لا علم له بحصار غزة "وأنا مالي ومال غزة... ما تروحوا تسألوا وزير الخارجية". سبحان الله؟! بابا المسيح يطالب من الفاتيكان كل مرة برفع الحصار عن غزة. الحاخامات اليهودية بأوروبا وأمريكا تطالب برفع الحصار عن غزة، ومفتي المسلمين بمصر يعتبر أن ليس من مهامه المطالبة برفع الحصار عن شعب بكامله!
أمير دولة قطر- حفظه الله- أصبح بقدرة قادر يقود جبهة "دول الممانعة" ودعا إلى قمة عربية بالدوحة وأرغد وأزبد، فقرر تعليق علاقات قطر بإسرائيل!! تعليق وليس حتى قطع!!

الشاب القائد سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الليبي المبجل معمر القذافي، سبَّ ولعن كل العرب الصامتين بعد اجتياح غزة، قبل أن يطير ليلة رأس السنة إلى منتجع "سان بارت" بجزر الكاراييبي، حيث أحيى حلول السنة الجديدة وفي رفقته وعلى حسابه المغنية ماريا كاري والتي تقاضت بالدولار ما لم ترسل الجماهيرية مثله لا إلى الشعب الفلسطيني ولا إلى غيره. ثم عاد الشاب إلى بلاده لإطلاق الخطب حول "الخيانة" العربية.

هل في مثل هؤلاء الكائنات الصوتية يمكن أن يضع الشعب الفلسطيني ثقته ويرهن نضاله ومستقبله؟
الطيب حمضي
23 janvier 2009

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi