الزرقاوي

الأسبوع الفارط قُتِل أبو مصعب الزرقاوي في غارة جوية على منزل كان يضم اجتماعا للزرقاوي وبعض من صحبه. ويبدو أن الخمسة والعشرين مليون دولار المرصودة لمن يبلغ عنه قد أتت أكلها وسط الدائرة المقربة من زعيم القاعدة ببلاد الرافدين.
مات الزرقاوي بعد أن قتل بعض عشرات الأمريكيين وآلاف العراقيين. ومقابل كل أمريكي يُقتل كان هناك مئات العراقيين الذين يذهبون ضحية أعمال العنف الشاملة للمقاومة وللإرهاب. مات الزرقاوي بعد أن حول حياة العراقيين إلى جحيم، لا هم يستطيعون إقامة الأفراح، ولا السفر بطمأنينة ولا حتى إقامة المآثم على موتاهم. مات الزرقاوي والمسلمون بالعراق يهابون الذهاب للمساجد قصد إقامة الصلاة خوفا من أن تحصدهم قنبلة أو عبوة ناسفة. مات والمسيحيون بالعراق يهابون التوجه إلى الكنائس لأداء شعائرهم خوفا من أن يقضوا بها نتيجة عمل إرهابي.
نحن على ما بعد آلاف الكلمترات من العراق، وأحيانا يعتقد البعض منا أن أكبر كارثة يعيشها العراق هي قتل ما بين 30 و50 مواطنا كل يوم. لكن الواقع أفظع من ذلك. إن أكبر كارثة يعيشها العراقيون هي عدم الإحساس بالأمان. ليست هناك أم عراقية واحدة تنام قريرة العين حتى وإن كان أبناؤها بحضنها، خوفا أن تحصدهم قذيفة. وليس هناك أم عراقية واحدة تقضي يومها مطمئنة، مادام أبناؤها وزوجها خارج البيت، و الله وحده يعلم من سيعود منهم ومن سترى أشلاءه على شاشة الفضائات. وليست هناك زيجة واحدة يحتفل بها أهلها كما يتمنون، ولا تلميذ واحد يذهب إلى المدرسة وهو متأكد من العودة. وليس هناك عراقي واحد لم يخرب بيته إن كان عاملا بالقطاع الحر، بسبب الأوضاع الأمنية اللهم، إذا كان مشتغلا بمستلزمات الوفاة والدفن، فهي التجارة الوحيدة الرائجة اليوم بالعراق والمربحة.
الذين يجاهدون في الشعب العراقي يريدون إخراج الاحتلال الأمريكي. بمعنى هم يقتلون الآلاف من العراقيين ويحولون حياتهم إلى جحيم حتى يخرج الاحتلال. دعنا نقول إنهم يستهدفون الأمريكيين، لكن ضرباتهم في 400 حالة تصيب العراقيين وفي واحدة تصيب الأمريكان. بهذا المنطق، سيبيدون الشعب العراقي بينما الجيش الأمريكي محصن، رغم الاختراقات التي تطاله بين الفينة والأخرى.
لنكن صرحاء. هل الشعب العراقي عاجز عن مقاومة الاحتلال حتى يأتي شاب من الأردن ومعه زمرة من الشباب من مختلف البقاع ليتولى هو هذه المهمة؟ في العراق اليوم تدور رحى مواجهات فيها بعض من المقاومة وكثير من الإرهاب. هناك العديد من العراقيين الذين حملوا السلاح ويقاومون الاحتلال كما هي المقاومة المسلحة في مختلف بقاع العالم، وجنبها، بل وأمامها، الكثير من الإرهاب وهو الأكثر انتشارا والأكثر قوة والأكثر شهرة والأكثر تدميرا.
الوسائل الإرهابية لا يمكن أن تصبح مشروعة بمجرد أن الهدف مشروع. فقتل وترويع الأبرياء هو عمل إرهابي، سواء كان الهدف منه الحصول على المال أو الدخول إلى الجنة. لا يمكن الاختفاء وراء أهداف مشروعة أو الإعلان عن شعارات رنانة.
من جهة أخرى، هل يجوز لمواطن بتونس أو المغرب أو السعودية أو مصر أن ينصب نفسه وصيا على الشعب العراقي ويقرر عوضه هل يشارك في الانتخابات؟ وهل يعترف بالبرلمان؟ وهل يتعامل مع الحكومة؟ ولنطرح سؤالا آخر، لماذا يتصور الكثير منا أنه أكثر رجولة من العراقيين بدليل أننا نطالب بالانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من العراق، بينما أهم فصائل الشعب العراقي منخرطة في عملية سياسية لإعادة البناء؟ لماذا نعتقد ونتصور أن الشعب العراقي شعب خنوع ومستسلم وإمبريالي يقبل الاحتلال، بينما نحن الأبطال نرفضه؟ ليس هناك شعب واحد في العالم يقبل الاحتلال، والشعب العراقي عبر التاريخ لم يستسلم لأي قوة احتلته مهما عظمت، لكنها الوضعية الكارثية التي خلقها دكتاتور بغداد على مدى عقود من الزمن هي التي تجعل اليوم من العملية السياسية تحت الاحتلال أولوية. أما الاحتلال، فهو الى زوال طوعا أو عنوة تحت ضغط إرادة العراقيين، كل العراقيين. الشعب العراقي بأكراده وشيعته وسنته بنسب متفاوتة منخرط في عملية سياسية، يجب أن تنجح للحفاظ على وحدة العراق أولا ولبناء العراق بعيدا عن أيادي الاحتلال ثانيا. وليست زمرة الزرقاوي هي التي ستنوب عن الشعب العراقي للتخلص من الاحتلال، بل شعب العراق الموحد والحر.
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi