اليازغي، الساسي والفاسي


كان من الضروري أن آخذ المسافة الزمنية الضرورية مع ثلاثة أحداث و ثلاثة مواقف قبل أن أعلق عليها، حتى يكون هدفي من التعليق واضحا وهو مناقشة الجوهر وليس الثأتير في الموقف الآني بهدف أو خلفية ما.
وسأتطرق للمواقف الثلاث حسب تسلسلها الزمني. هي مواقف اعتبرها كانت خاطئة حتى لو ولو البست ثوبا ديمقراطيا.ً وسأشرح موقفي من كل موقف على حده.
الموقف الأول، هو عدم ترشح الأستاذ محمد اليازغي، الكاتب الأول لحزب الإتحاد الاشتراكي أنذاك، لانتخابات 2007 ، وتنازله عن الدائرة لصالح مناضلة من حزبه للترشح بها بدعوى التداول. الموقف الثاني، هو استقالة الأستاذ والصديق محمد الساسي من موقع نائب الكاتب الأول للحزب الاشتراكي الموحد بسبب عدم تمكنه من الفوز بالدائرة التي ترشح بها. والموقف الثالث، هو ما اعتبره الأستاذ عباس الفاسي الوزير الأول خلال مشاورات تشكيل الحكومة من كون المنهجية الديمقراطية لاتسمح باستوزار المرشحين الذين لم يتمكنوا من الفوز بالدائرة الانتخابية التي ترشحوا بها. علما أن هذه الفتوى لم تكن للسيد الفاسي نفسه بل من طرف المحيط الملكي حسب ما فهمنا مما تداولته الصحافة. ولكن مادام الأستاذ عباس الفاسي قبلها وعمل بها سنعتبرها من صنعه.
بالنسبة للأستاذ محمد اليازغي. بداية منطق التداول على المسؤولية وتحديد عدد ولايات لا يمكن تجاوزها، هو منطق ديمقراطي سليم وهو ما يجب أن يسود. والحكمة منه؟ الحكمة من وراء ذلك أن لايعمل أي شخص يتحمل مسؤولية ما على استغلال هذه المسؤولية نفسها ليفرض نفسه فيها بشكل دائم. عندما يعرف أن مدته محدودة على الكرسي مهما فعل، سيتفرغ لخدمة الصالح العام عوض الانصراف و"التخلويض" واستغلال النفوذ للبقاء في منصبه. لكن هذه القاعدة تسري على المواقع التنفيذية والتي تتيح سلطة أو سلطا ومالاً تحت التصرف، من المحتمل أن يستغلها المسؤول للبقاء في المسؤولية أو إعادة انتخابه. أما أن ينتخب الشخص عضوا بالجماعة المحلية أو البرلمان، وكل دوره نظريا أن يبلغ صوت الناخبين ويراقب، ولا سلطة له أو أموال عمومية تحت تصرفه مباشرة، فإن قاعدة التداول لا تشملها.العكس كل ما كان الشخص فعالا وملتصقا بالناخبين كلما كان عليه الاستمرار، لأن استمراره مضمون بإرادة ورغبة الناخبين وليس سلطة القرار أو المسؤولية أو المال.
لذلك، كان على الأستاذ اليازغي، مثلا، أن يتنحى عن الكتابة الأولى لحزبه (الموقع يعطيه الكثير من السلط) ويتنحى من موقع الوزارة، وينزل غمار الانتخابات وليس العكس. وهذه بدعة التداول المغلوط.
الصديق محمد الساسي، ترشح للانتخابات وانهزم واعترف بفشله وبحث في أسباب ذلك بموضوعية، وأحيانا بجلد الذات أمام الرأي العام، وقرر التنحي عن موقع المسؤولية داخل قيادة الحزب. مسؤولية الساسي داخل الحزب احتلها لأن المناضلين وضعوا ثقتهم فيه وفي رفاقه بالمكتب السياسي لإدارة شؤون الحزب. وهذا معناه أن فشل أو نجاح مهمته التي انتخب من أجلها تقاس بمدى نجاحه أو فشله ومعه قيادة الحزب في إدارة شؤون الحزب والانتخابات جزء منها. بمعنى أن أعضاء الحزب حين اختاروا الأستاذ الساسي نائبا لأمينهم العام (وكل القيادة طبعا) لم يقوموا بذلك ليفوز الساسي بدائرته، بل لينجح الساسي ورفاقه بالقيادة في تحسين موقع الحزب. لذلك، إذا كان للصديق الساسي أن يقدم استقالته، كان عليه أن يقدمها بسبب كون الحزب فشل في الانتخابات حتى وإن نجح الساسي في دائرته. الاستقالة كانت أخلاقية وطبيعية لكن الأسباب كانت غلط!
الأستاذ عباس الفاسي، أبلغ حزبه وأحزاب الأغلبية أن الذين ترشحوا ولم يفوزوا بدوائرهم خلال الانتخابات التشريعية لا مكان لهم بالحكومة المقبلة "احتراما للمنهجية الديمقراطية". وهذا منطق سليم جدا، ولكن ليس في حالة المغرب. حين أراد السيد "فيلون"، الوزير الأول الفرنسي، تشكيل حكومته صرح بنفس الشيء، وقال إن المنطق الديمقراطي يقتضي ذلك، ما عدا بعض الاستثناءات إذا كانت خبرة الإطار ضرورية للحكومة.
والسبب؟ في فرنسا يتم اختبار الوزراء من داخل البرلمان والاستثناء النادر أن يكون الوزير ليس عضوا منتخبا بالبرلمان. في هذه الحالة، سيكون من قلة الحياء اختيار الوزراء من ضمن الفاشلين في الفوز بمقاعدهم. ولكن في المغرب نجد أن الغالبية العظمى من الوزراء لايتم اختيارهم من بين أعضاء البرلمان، بل هم أفراد لم يتقدموا حتى للمنافسة. إذن، لا علاقة للمنهجية الديمقراطية برفض سياسي شمر على سواعده ولم يتمكن من الفوز بالدائرة وقبول آخر ربما لايعرف حتى ما هي الانتخابات. قد نصبح غدا أمام أطر سياسية ترفض الترشيح حتى تحافظ على حظوظها في الإستوزار. وأنداك فليملئوا البرلمان بالدرجة الخامسة من السياسيين ... وهده بدعة المنهجية الديمقراطية. ثلاث مفاهيم ديمقراطية توضع في غير محلها وها نحن أمام بدع غير ديمقراطية.
الطيب حمضي
25 avril 2008

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الخطأالفادح الذي ارتكبه محمد الساسي
ورفاقه سواء منهم الذين انضموا الى الحزب الاشتراكي الموحدأو الذين أسسوا المؤتمر الوطني الاتحادي هو انسحابهم من الاتحاد الاشتراكي .فهم لم يستطيعوا تقديم اضافات جديدة من خلال أحزابهم الجديدة ولكنهم بدون شك لو بقوا في الاتحادكانوا سيمثلون قوة ضغط هائلة لتصحيح الانحراف الذي اصاب حزب المهدي بن بركة .ومن خلال ما يكتبه الرجل حول حزبه القديم احس بأن الرجل نادم على مغادرته للحزب وإن لم يصرح بذلك.ولو وجد وسيلة للعودة لما تأخربشرط أن يعود معه الآخرون.

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi