الانتقال إلى أين؟

هل نعيش زمن الانتقال الديمقراطي؟ بالتأكيد. في رأيي على الأقل، السؤال لا يتعلق بتوصيف المرحلة، بل بتحديد المدى الزمني الذي قد يأخذه هذا الانتقال.
الديمقراطية هي أن يقرر الشعب عبر ممثليه المنتخبين في مصيره. والمغرب، يوما بعد يوم، يشهد انتقالا ونقلا ولو بطيئا لدوائر اتخاذ القرار من مركز مغلق إلى مؤسسات مفتوحة. القضية، قضية زمن وقضية وتيرة. فالمغرب سيتحول إلى ديمقراطية حقيقية طال الزمن أم قصر، بإرادة فاعليه السياسيين أو بدونها، لأن هذا هو اتجاه التاريخ الذي يدركه الفاعلون أنفسهم قبل غيرهم.لكن، هل نترك مستقبل بلادنا لحركة التاريخ وحدها؟ أم ننجز التغيير بإرادية تستحضر تحديات الحاضر والمستقبل ومحيطنا الإقليمي والجهوري والدولي؟
الانتقال الديمقراطي يمكن المؤسسات المنتخبة من سلطات واسعة لتدبير الشأن العام. وهو ما يعني بصيغة أخرى نقل السلطات إلى الأحزاب السياسية التي تحصل على ثقة الناخبين من خلال الاقتراع العام. وإذا كانت الأحزاب غير ديمقراطية، ولا تجري مؤتمراتها في الوقت المحدد، وقوانينها لا تسمح بالتداول على المسؤولية، وطرق اتخاذ القرار داخلها لا تسمح بمشاركة المنخرطين في صنع القرارات، وليست هناك آليات للمراقبة والمحاسبة داخلها، فإذا كان واقع الأحزاب على هذه الشاكلة، سنكون بصدد نقل السلطات من مركز مغلق إلى محيط مغلق، وإلى أحزاب لا تمثل إرادة الناخبين، بل إلى هيآت تشتغل بمنطق «شركات المساهمة».
بهذا المعنى، حتى وإن نجحنا في توسيع اختصاصات وسلطات المؤسسات المنتخبة، فإننا لن نكون قد أنجزنا الانتقال الديمقراطي، لأن هذه المؤسسات المنتخبة نفسها ليست نتيجة تنافس حقيقي بين هيآت ديمقراطية، بل هي «اغتصاب ديمقراطي» لإرادة الناخبين.
لنتمكن من إنجاز انتقال ديمقراطي حقيقي، علينا من جهة تطوير الآلية الدستورية التي تسمح بجعل مركز القرار الرئيسي هي المؤسسات المنتخبة، وفي نفس الوقت، إن لم يكن قبل ذلك، أو على الأقل موازاة مع ذلك، علينا تطوير الإطار القانوني والسياسي الذي يجعل من الأحزاب إطارات ديمقراطية من شأن التنافس بينها ومن خلال التنافس بين برامجها، ترجمة إرادة الناخبين.
فهناك العديد من الدول التي تتبنى نظام الديمقراطية الصورية، إما من خلال تزوير نتائج الانتخابات، أو من خلال خلق أحزاب صورية ومنع القوى المعارضة من العمل السياسي، او من خلال مؤسسات صورية أصلا.
في المغرب، ليست هذه وضعيتنا، فأحزابنا، مهما قيل عنها، ليست صورية أو جميعها من صنع السلطة، أو كلها تابعة لها. هي أحزاب حقيقية ولدت في خضم الصراع وعاشته وطورت نفسها معه وبه. لكن، للأسف، هذا لا يعني بالضرورة أنها إطارات ديمقراطية أو كفأة لإنجاز الانتقال الديمقراطي. فإذا كان الزعيم يبقى زعيما طيلة أربعين سنة، والوزير لا يغادر منصبه إلا بانقلاب ضده داخل حزبه، وإذا كانت المسؤولية الحزبية غير متداولة ومن خلالها المسؤولية العمومية، فلا معنى هنا لانتقال مراكز القرار.
التاريخ يدرك مجراه، لذلك في الوقت الذي تأجج فيه العمل نحو الانتقال الديموقراطي، وبدأت ملامح الانتقال تظهر، لم يعد الصراع فقط مع الدولة بل شهدت الأحزاب نفسها صراعات وتصدعات وانشقاقات واصطفافات جديدة. ولم يعد الإعلام يوجه سهامه نحو السلطة الحاكمة وحدها، بل نحو الأحزاب كذلك. فالقضية في مبتدئها دولة ماسكة بمراكز القرار اليوم، وفي منتهاها أحزاب من المفروض أن تكون ممسكة بالقرار غدا. بهذا المعنى، فإن العمل السياسي والعمل الحزبي اليوم ليس شأنا داخليا للأحزاب، بل نقطة في جدول أعمال المجتمع كذلك، أي ورش وطني بامتياز من شأن إنجازه أن يسهل الانتقال الديمقراطي.
إنه ورش كبير لا يعتمد على الخطاب الأخلاقي، بل على مراجعة منظومة القوانين التي تؤطر العمل الحزبي وتؤطر عمل المؤسسات المنتخبة، وترشد عملها.
مادامت «الحزبية» تعطي حقا في «المواطنة الامتيازية»، ومادامت المؤسسات المنتخبة توفر غطاءا ملائما للاغتناء، ومادام العمل السياسي مصدر ارتقاء اجتماعي غير مشروع، واسترزاق ومراكمة للامتيازات والاغتناء، فإن الهيآت الحزبية لن تعرف لا ديمقراطية ولا استقرار.
تأهيل العمل الحزبي والسياسي تنظيميا وسياسيا وقانونيا من أهم شروط إنجاز وإنجاح الانتقال الديمقراطي.
82 مارس 2008
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi