صحافة خطرة

الصحافة ركيزة أساسية من ركائز المجتمعات الحديثة الحرة والديمقراطية. الصحافة شرط مهم من شروط التنمية والتقدم المجتمعي، بما هي آلية من آليات توازن السلط. و حرية الصحافة هي العمود الفقري للممارسة الصحفية الحقيقية والسليمة.
لكن هل يمكن إغماض العين عن ممارسات "صحفية" تشكل خطرا على الصحافة نفسها وعلى حرية الصحافة وخطرا على المجتمع وعلى المواطنين؟
خطر على أعراض المواطنين وشرفهم وسمعتهم وسلامة صحتهم وحياتهم وممتلكاتهم وطمأنينتهم؟ هل يمكن إغماض العين عن هده الممارسات بدعوى تمترس "مقترفي" هدا النوع من الصحافة وراء حرية التعبير ومن ثم اللاعقاب؟
هل حرية الصحافة هي حصانة يسلمها المجتمع للصحف ووسائل الإعلام المختلفة والصحافيين ليرتكبوا ما شاء لهم من أخطاء وخطايا دون مساءلة؟
لن أطرح سؤال ماهي حدود حرية الصحافة، بل سؤالا أكثر عملية: ماذا نعني بحرية الصحافة؟ وماذا تشمل حرية الصحافة؟ هل تشمل حرية الصحافة مثلا التعرض لأعراض الناس والتشهير بهم ونقل الأخبار الزائفة عنهم؟ هل تشمل حرية الصحافة التهجم على المؤسسات السياسية أو التجارية أو الجمعوية أو غيرها، قصد تدميرها أو النيل منها بواسطة الأكاذيب والأخبار الملفقة؟ هل تشمل حرية الصحافة عمليات الابتزاز التي تمارسها بعض المؤسسات الصحافية وبعض الصحافيين قصد الحصول على المال لا غير؟ هل تشمل حرية الصحافة اختلاق الأخبار خلقا عوض البحث عنها؟
أكيد أن حرية الصحافة لا علاقة لها بكل ما ذكر. وإذا كان الأمر كذلك، ما هذا الذي نشهده اليوم في بلادنا؟ أعرف أن بلادنا تعرف تحولا ديمقراطيا، وبالتالي حتى على المستوى الإعلامي تعرف مرحلة انتقال بكل سَكَراتها وهفواتها ونجاحاتها كذلك. لكن المتصفح لبعض المنشورات الصحافية سيصاب بالغثيان للمستوى الذي آلت إليه المهنة في الكثير من الحالات. سيكون من الخطأ القاتل تعميم الأحكام، لأن هناك منتوجات صحافية تحترم الشروط الأساسية للعمل الصحافي. لكن في المقابل، طالعوا فقط الصفحات الأولى لبعض المنشورات دائما وللبعض الأخر أحيانا: قذف مباشر في حق الأشخاص أو المؤسسات، أخبار ملفقة، أخبار مختلفة، حقائق مغلوطة، أحداث مفتعلة، خطابات عنصرية، إهانات... العديد منها مفضوح تماما، والآخر يبحث له أصحابه عن غطاء "حرفي". أكيد أني لا أتحدث عن بعض هذه الحالات التي قد تحدث عن طريق الخطأ أو عن حسن نية مثلا- رغم خطورتها- ولكني بصدد الحديث عن مؤسسات صحافية وصحافيين قرروا، عن سبق إصرار، البحث عن قراء عن طريق استعمال الأساليب المذكورة سابقا. أتحدث عن مؤسسات صحافية وصحافيين لا يبحثون عن قراء، ولكن عن أرصدة مالية من جهةٕ ما من خلال التعرض لجهات أخرى، عن مؤسسات صحافية وصحافيين تضع أقلامها رهن إشارة أجهزة ما لتصفية الحساب مع جهات وأجهزة أخرى. أتحدث عن أولئك الذين وضعوا أقلام الصحافة وراءهم، وقرروا التحول إلى مؤسسات لربح المال أو الجاه أو السلطة على حساب الصحافة ونبل رسالتها وعلى حساب أعراض الناس ومن خلال التلفيق والاختلاق والكذب. صحافة تعتبر نشر النميمة والإشاعة والأخبار الزائفة عملا اخباريا. صحافة تُستعمَل لتصفية الحسابات ليس حتى من خلال استراتيجية صحفية – وان كانت نفسها ضد أخلاقيات المهنة- ولكن من خلال الكذب الممنهج.
لقد آن الأوان للجسم الصحافي قبل غيره التحرك لحماية مهنة الصحافة، بل لإنقاذها من هذه الممارسات المسيئة للمهنة ولممتهنيها. آن الأوان لينتفض الجسم الصحافي ويلفظ عنه هذه الطفيليات. ولكن كذلك، علينا نحن كمستهلكين لهذا المنتوج الصحافي الانتباه إلى خطورة الظاهرة وعدم التعايش والتسامح معها. علينا كلنا كمجتمع أن نفكر بشجاعة وصوت عال في الفصل بين حرية الصحافة بما هي رئة للمجتمع، و"الصحافة" الرديئة التي تتخفى وراء حرية الصحافة لتخلق قطيعة بين المجتمع وصحافته، مما يعطل فرص تطورها.
الطيب حمضي
17 octobre 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi