هم كذلك ينددون ويطالبون (يطالبون من؟ الله أعلم) ويحتجون، ويطالبون العرب بتحمل مسؤولياتهم، ويجمعون التبرعات ويمشون في المسيرات! في الحقيقة، أصبحوا يزاحمون وينافسون الناشطين الجمعويين الحقيقيين في مثل هذه المهام النضالية! الأخ معمر القذافي- أطال الله حكمه الجماهيري- يهدد العرب إن لم يتحملوا مسؤولياتهم بالذهاب إلى إفريقيا وترك العروبة. الأخ القذافي الذي قلب الدنيا رأسا على عقب، لأن القضاء السويدي تابع ابنه بسبب اتهام موجه له بالاعتداء على خدمه، الأخ القائد الذي استعمل ليبيا وشعب ليبيا وأموال ليبيا ونفط ليبيا وشباب ليبيا وشعب ليبيا لمنع العدالة من أخد مجراها في حق ابنه في متابعة قضائية عادية، لا يستطيع اليوم أن يفعل شيئا بالمطلق غير التنديد والوعيد! حين كان الراحل ياسر عرفات محاصرا ببيروت في بداية الثمانينيات إبان الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ماذا فعل الأخ القائد معمر القذافي لنجدة "أخيه" ياسر عرفات؟ قال له انتحِرْ حيث أنت!! الأخ عبدالعزيز بلخادم ، الممثل الشخصي للرئيس الجزائري عبدا لعزيز بوتفليقة – أطال الله حكمه وزاد في عدد ولاياته الرئاسية-، ألقى كذلك خطابا حماسيا رائعا، وكأنه رئيس هيأة تجار الجملة بمدينة عنابة أو رئيس جمعية الحفاظ عاى الطرب الغرناطي بوهران! الأخ محمد الغنوشي، الوزير الأول التونسي، نزل إلى الشارع للسير في مقدمة تظاهرة تضامنية مع أهلنا بغزة يدا في يد مع ممثلي جمعيات محاربة السيدا ببنزرت وجمعيات المرشدين السياحيين بصفا قس وعموم المواطنين. عاهل البحرين أمر- حفظه الله- بفتح حملة تبرعات لفائدة الشعب الفلسطيني. وكذلك فعل زملاؤه في دول الخليج. والرئيس علي عبدا لله صالح استعمل كل قوته بل قواه الصوتية –لا بحّ الله صوته- لدعم أهالي غزة. وعلى هذا المنوال، تصرف كل الحكام العرب. تخلوا كلهم عن مسؤولياتهم القيادية وتركوا ألقابهم ونياشينهم وبدلهم وتواضعوا وتحولوا إلى مواطنين عاديين، وفي أحسن الأحوال إلى نشطاء مدنيين مسؤولين عن منظمات أهلية تعنى بالماء الصالح للشرب والطاقات المتجددة و"ما تقيش ولدي" أو لا تلمس ابني (بسوء) عفوا ما "تقيش" الكرسي ديالي ولا تمسه بسوء...
أخاف على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من الحكام العرب. جبنهم يؤلمنا ويؤذينا. أشداء على شعوبهم، أقزام أمام مسؤولياتهم!
ترى لماذا هكذا هم أقزام العرب، عفوا حكام العرب؟ الجواب السهل- وإن كان حقيقيا- هو كون هؤلاء غير منتخبين ديمقراطيا، واستمرارهم في مواقعهم مرتبط بتأمين مصالح معينة. هذا صحيح! لكن لنتحلّ ببعض الشجاعة ولنقلها. المسألة ثقافية كذلك: أن لا نعرف كيف نتفق بيننا هده رياضة وطنية.
انظروا إلى مسيراتنا وأحزابنا وجمعياتنا وحملاتنا. لا يلتقي ثلاثة حتى يتخاصموا ويتفرقوا بعد أسبوع. الأخطر انه بعد دلك يصبحون ألد الأعداء. ثقافتنا ليست براغماتية ولا عقلانية، بل عاطفية ووجدانية. حين نختلف، نتقاتل. حماس تعتبر عباس حليف الصهيونية، بل ربما أشرس منها. واليسار المتطرف بالمغرب مثلا يعتبر اليسار الآخر أكثر خطرا على الشعب المغربي من المخزن. وجبهة الإنقاذ بالجزائر اعتبرت المجازر شرطا للدفاع عن الجزائر. وسوريا تعتبر مصر والسعودية أسوأ من إسرائيل. والكتائب بلبنان يعتبرون حزب الله الد عدو وحزب الله يعتبر الجميع طابورا خامسا لإسرائيل وهكذا...
حين نختلف نقوم بنسف كل ما اتفقنا حوله. نحن قوم نعرف كيف نختلف على أبسط شيء ولا نعرف كيف نتفق على أهم شيء. كبريائنا المتضخم يمنعنا من الاعتراف بالخطأ أو الفشل أو التنازل أو التسامح ... اتركوا الحكام العرب وأدعوكم لحضور أي اجتماع للشعب العربي، بل للفئات الأكثر تفتحا فيه، وأعني الشباب. احضروا أي اجتماع للشباب العربي، فستجدون كل الشعارات، كل الأحلام، كل الانتقادات للحكام العرب، وستجدون كل شيء، إلا القدرة على الاتفاق. لا تذهبوا بعيدا، احضروا أي اجتماع لتحالف انتخابي للتفاهم حول لائحة مشتركة ، ينتهي الموضوع بالسكاكين أو بقرارات فوقية. لا مجال للاتفاق. هل حكامنا يشبهوننا أم نحن نشبههم؟! هل هي قضية ديمقراطية أم قضية وجه وقفا؟!
الطيب حمضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق