الإساءة للنبي

كنت قد قررت مسبقا الكتابة هذا الأسبوع عن الأحداث والحوادث التي يعرفها العالم الإسلامي في إطار ما عرف بقضية الرسوم الكاريكاتورية المهينة للرسول عليه السلام. ثم جاءني الخبر الأليم المتعلق بوفاة رجل مميز، نزيه، مخلص، مؤمن، متفتح، متفان في عمله، صاحب ضمير هو عبد السلام حادوش. أنتم لا تعرفونه أو قليلكم يعرفه. هو رجل قضاء وعالم خريج جامعة القرويين، كان عضوا برابطة علماء المغرب، وعمل بسلك القضاء متحملا عدة مسؤوليات. رغم المراكز التي احتلها والتي كان من الممكن أن تدر عليه الثروات، إلا أن المرحوم عاش على عرق جبينه ومات بالإمارات، حيث كان يعمل بعد تقاعده بالمغرب ضمانا لحياة كريمة من عرق جبينه وحبَّا في العمل الذي تفانى دائما فيه.
حين علمت بوفاة المرحوم الأستاذ حادوش ودفنه بطنجة، رجعت لمكتبتي أقلب صفحات كتابه ''إدماج المرأة في التنمية في محك السياسة الشرعية''، الذي كان أهداني نسخة منه بعبارات رجل متواضع زاهد حتى النخاع. رجعت للكتاب أتصفحه مسترجعا أحاديث الرجل ونقاشاته خلال الفرص القليلة التي تشرفت بمقابلته خلالها. وفي الصفحة الأخيرة، وجدت فقرة تغنيني عن التوسع في وصف أو تقييم ما يقع اليوم بالعالم الإسلامي من ردة فعل تسييء للإسلام أكثر ما تدافع عن نبينا محمد، الذي هو في غنى أصلا عن أفعال مشينة يقوم بها البعض باسم الدفاع عن الإسلام وحب النبي!! أنا هنا لا أتحدث عن ردود الأفعال الحضارية، المدنية، بل عن أعمال العنف والترهيب والبلطجة المرتكبة هنا وهناك بإيعاز ودوافع خاصة لا علاقة لها لا بالرسوم ولا بالنبي ولا حتى بالدين!
الفقرة المعنية كتبها المرحوم عبد السلام حادوش في الغلاف الأخير لكتابه حول إدماج المرأة في التنمية، وهو بحث متنور وتأصيل متفتح ومتقدم ومسنود لأهم ما أثار الخلاف حول الخطة المعلومة بخبرة رجل مارس القضاء عقودا، وأسانيد فقيه وعلامة متضلع وعقل رجل متنور. تقول الفقرة حول مؤلفه: ''علما بأني توخيت فيما حواه هذا المؤلف مقاصد السياسة الشرعية التي تتغيا مصلحة الأمة ودرء المفسدة عنها تحت ''يافطة'' الوسطية والاعتدال، فرارا من التطرف والتنطع المنهي عنه شرعا، حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، ''هلك المتنطعون ـ هلك المتنطعون ـ هلك المتنطعون''، كررها ثلاث. المتنطعون هم: الغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم، ''من صحيح مسلم''. انتهت الفقرة.
ونحن اليوم بحاجة حقيقية لأصوات مثل صوت عبد السلام حادوش لمواجهة وإسكات مثل هؤلاء المتنطعين. لحدود الساعة، تم إحراق السفارة الدانماركية والنرويجية بدمشق، بعدها بيروت، وتم الهجوم على كنيسة ببيروت وتدمير ممتلكات هناك لساكنة مسيحية. كاد الأمر أن يتحول لمجزرة لولا ألطاف الله. وهناك ''إخواننا'' في كتائب الأقصى الذين أعلنوا أن كل مواطن دانماركي أو نرويجي أو فرنسي بفلسطين أضحى غير آمن على حياته! وقس على ذلك.
ألم يكن من الممكن أن نُفهِم الصحيفة التي نشرت الرسوم إياها أن ذلك عمل مشين في حق الرسول وماس بالدين الإسلامي وجارح لمشاعر المسلمين عبر العالم، أن نفهمها هذا وأكثر بطرق حضارية غير الحرق والتهديد بالقتل؟ بلى، والدليل أن العديد من المسلمين عبروا عن استنكارهم بطرق حضارية. لكن للأسف، فإن الحوادث المثيرة هي التي تحتل شاشات التلفزيون وليس الهادئة.
الرسوم التي نشرت هي ماسة بشخص الرسول وجارحة لمشاعر المسلمين، سواء نشرت بدولة تحترم حرية التعبير أو لا تعترف بها، حتى نحن في عالمنا الإسلامي لا نفهم كيف أن الحكومة لا تستطيع فعل شيء لصحيفة. لكن هذا هو الواقع. ونحن علينا أن نحتج ونندد ونشجب عملا مثل هذا حتى وإن كان من ضمن حرية التعبير أن تنشر الصحيفة ما نشرته. حرية التعبير مقدسة ولا يجب أن نعاديها ولكن هذه الحرية القانونية الحقوقية لا يجب استعمالها للحط من ديانة بعينها أو المس بمشاعر ملايين الناس.
الجريدة والحكومة الدانماريكة اعتذرتا عن ما لحق المسلمين من أذى بفعل الرسوم، ولكنهما لم تعتذرا عن نشر الرسوم. هما متشبثتان ومحترمتان لحرية التعبير وآسفتان للأذى الناتج عن ذلك. من جهته، العالم الإسلامي بإمكانه التعبير عن تدمره واستنكاره للمس بدينه ورموزه مع احترامه لحرية التعبير. القضية ليست صعبة ولا مستحيلة: من حقكم أن تنشروا ما شئتم، ولكن من حقنا أن نغضب وننتفض لما يصيبنا من أذى بفعل ما تنشرون. وبين الفعل ورد الفعل الحضاري، سيجد العالمان الغربي والإسلامي منتصف الطريق التي تكرس حرية التعبير واحترام مشاعر العالم الإسلامي.
ليس من الدفاع عن الاسلام في شيء أن يحس مواطن دانمراكي عاد بفلسطين أو ماليزيا أو مراكش أن حياته في خطر بسبب فعل لا علاقة له به إطلاقا! فلا الصحيفة ناطقة باسم الشعب الدانماركي ولا حتى باسم الحكومة الدانماريكية ولا حتى قرائها!
الجريدة الدانماركية نشرت تلك الرسوم منذ أربعة أشهر. وهي محدودة الانتشار. وشخصيا لم أستيقظ يوما خلال الأربعة أشهر الماضية ووجدت أن الإسلام نقص ذرة أو أن مكانة النبي محمد عليه السلام تزعزعت قيد أنملة بسبب رسوم لم يطلع عليها أحد ولم يكن ليطلع عليها أحد لولا ما وقع... ولكن منذ انطلاق الأحداث ـ والعنيفة منها على وجه الخصوص ـ أصبحت أستيقظ كل صباح ويدي على قلبي خوفا من أن يقودنا المتنطعون إلى عزلة أكثر من تلك التي قادنا إليها عبر عقود حكامنا الظالمون باسم الإسلام هم الآخرون!
الطيب حمضي

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

àçççi_uç_ijà_çuiioouinnklk,nl;;iok,oiuiki_u_uuuuuuuuoçuijho_uyç__ç_çjhhuiuiu

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi