لجنة وطنية ضد الانقلاب

الاتحاد الأوروبي أعطى مهلة شهر للانقلابيين بموريتانيا للرجوع عن انقلابهم واستئناف الحياة الدستورية والديمقراطية العادية أو سيلاقون العقوبات. كذلك موقف الاتحاد الافريقي.
أقولها منذ البداية بل هي البداية: استغربت وأستغرب كثيرا لعدم إظهارنا، كمغاربة سياسيين وحقوقيين وفاعلين وديمقراطيين، أي مظهر من مظاهر التضامن مع الشعب الموريتاني في محنته التي يعيشها على إثر الانقلاب العسكري الذي اغتصب السلطة في موريتانيا. ليس في المغرب فقط، بل كل دول الجوار بالمغرب العربي والعالم العربي. تركنا الموريتانيين وحدهم في مواجهة عودة منطق الانقلابات بعد أن سارت البلاد في طريق الديمقراطية.


ان موقفنا كشعب جار متضامن مع الشعب الموريتاني في محنته هو موقف مبدئي وكذلك موقف في صالح بلادنا. وهو ما سنفصله في هده الزاوية.


الضابط الذي يحكم موريتانيا حاليا، بجانب الطغمة العسكرية التي اغتصبت السلطة عنوة، أزاح رئيسا منتخبا من خلال انتخابات رئاسية لم يطعن في نزاهتها أحد، بل تم تنظيمها تحت مراقبة دولية وإعلامية شفافة. وعاشت موريتانيا انتخابات برلمانية نزيهة. لا يهمني اليوم تقييم تجربة الرئيس المطاح به في سدة الحكم، هل كان صالحا أم لا؟ لا يهمني ذلك، لأن تلك ليست مهمتي ولا مهمة العسكر بموريتانيا، بل هي مهمة من أعطوا أصواتهم للرئيس، ولهم وحدهم الحق في سحب الثقة منه أو إعطائه إياها ثانية من خلال انتخابات نزيهة كذلك.


ما عاشته موريتانيا ليس انقلابا عسكريا جاء بعسكر بعد الإطاحة بعسكر سابقين. موريتانيا عاشت الانقلابات، الواحد تلو الأخر، ثم سُلِمت السلطة للمدنيين في تجربة نادرة بالوطن العربي. وتم تنظيم انتخابات حرة. وحين ظهر لبعض العسكر الموريتاني أنهم أولى بالرئاسة، تمت الإطاحة بالشرعية. إذا سكت المجتمع الدولي عن هذه الواقعة أو تساهل معها، فلن تكون هناك أية ضمانات بالمطلق أن يقوم أي عسكري، بموريتانيا أو السنغال أو حتى فرنسا والسويد، بالإطاحة بالشرعية الديمقراطية، بدعوى أن الرئيس فاسد! بماذا تعد الطغمة العسكرية بموريتانيا؟ انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد! حتى وإن صدقناها، ما الفائدة من ذلك إذ كان هذا الرئيس الجديد سيكون تحت رحمة أي عسكري يستيقظ باكرا بنواكشوط ليصبح رئيسا للجمهورية؟ هذا عبث لا يمكن السكوت عنه أو التساهل معه. ادا نجح الانقلاب فموريتانيا على موعد مع عقود أخرى من الانقلابات وانعدام الاستقرار ومن ثم الفساد والتخلف. و ادا وقف المجتمع الدولي ضد الانقلاب وتم إفشاله فلن يكون من السهل أن "تزنزن" دبابة الانقلاب في ادن العسكر بعد اليوم. اد سيكون مصير انقلابهم الفشل حتى وان اعتلوا سدة الحكم بالقوة. هدا هو التحدي الكبير.


قبل أشهر، كتبتُ في هذه الزاوية ما معناه أن علينا كمغرب تعميق العلاقات مع موريتانيا حتى لا نجد أنفسنا يوما بين فكي كماشة. والمؤسف أنه بعد الانقلاب وجد المغرب نفسه بين كماشة موريتانية صرفة هذه المرة! إذا ساند الانقلاب ولم ينجح في الأخير، فتلك مشكلة. وإذا عارض الانقلاب ونجح تلك مشكلة كذلك. المغرب الرسمي في وضعية حرجة لا يحسد عليها. فالموقف الرسمي ليس دائما موقفا مبدئيا، بل يأخذ بعين الاعتبار المصالح، مصلحة الدولة. وعلاقتنا بجارتنا الجنوبية لها أهمية كبيرة، خصوصا مع قضية الصحراء.


لكن الموقف الشعبي (أحزاب سياسية، نقابات، جمعيات، فاعلون، مناضلون) موقف هؤلاء كان يجب أن يكون موقفا مبدئيا، لا غبار عليه، ليس فقط دفاعا عن الديمقراطية وعن الشرعية، بل كذلك لأن مثل هذا الموقف في صالح المغرب. إن إخفاق الانقلابيين وعودة المشروعية (وهذا احتمال وارد جدا ولو بصيغ وسطية) لن يكون كارثة على الموقف الرسمي، بل سيحفظ الشعب الموريتاني الود اتجاه الشعب المغربي الذي سانده خلال محنته. لنقلها صراحة، حتى وإن فكرنا بمنطق المصالح، فإن علينا كديمقراطيين الوقوف ضد الانقلاب، فالأحرى أن هذا الموقف هو الموقف المبدئي. هل يجب أن نفعل ذلك فقط بمنطق سياسوي؟ أبدا. أنا لا أفهم كيف لا تقوم الوقفات الاحتجاجية وتشتعل الشموع أمام البرلمان وغيرها من أشكال الاحتجاج، دفاعا عن شعب كامل أصبح رهينة في يد العسكر؟ كيف يقبل الديمقراطيون والحقوقيون والمناضلون بهذه البلاد أن تغتصب إرادة شعب جار لنا ونحن صامتون؟ هل الموريتانيون لا يستحقون الديمقراطية مثلا؟ هل من الضروري مثلا أن يكون الشعب الفرنسي أو الإسباني أو الأمريكي هو المتضامن مع الشعب الموريتاني؟ من لا خير له في جاره فلا خير يرجى منه لشعبه. ولاخير فينا ان لم نحس بما يحس به جيراننا. ومن العار أن نترك نساء وشباب موريتانيا وحدهم بصدور عارية أمام مدافع وأسلحة عسكر مغتصب للسلطة. الانقلاب لن يمر. والشعب الموريتاني يدرك يوما بعد يوم أن لا أمل له في الديمقراطية إن نجح هذا الانقلاب. ونحن مطالبون بدعم القوى المناهضة للانقلاب، من خلال لجنة مغربية للتضامن مع الشعب الموريتاني، ومن خلال استضافة المناهضين للانقلاب ودعمهم سياسيا وإعلاميا ودوليا.


هذه مهمتنا لصالح موريتانيا وشعب موريتانيا ولصالح بلدنا.

الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi