نحن وموريتانيا: الكماشة؟

انتهت الحرب الباردة وانتهت التحالفات على الأسس الإيديولوجية وتشابه الأنظمة وتلك المبنية على العلاقات الشخصية بين زعماء الدول. نحن اليوم أمام موجة جديدة من العلاقات الدولية، تتحكم فيها أساسا المؤسسات وليس الأشخاص، المصالح المتبادلة وليس الوفاء الشخصي. من هذا المنظور يمكن فهم تبدل المحيط الجهوي والدولي حولنا كما حول غيرنا من البلدان والشعوب. اليوم ليس هناك حليفا دائما أو صديق دائم. لأن ريح الانتخابات الديمقراطية تهب على كل من حولنا، ولم يعد ممكنا أن يخلد في كرسي المسؤولية ومركز القرار نفس الأشخاص لعقود من الزمن.
موريتانيا جارتنا الجنوبية: أخذتها كنموذج لتحليل وجه آخر لعلاقاتنا الدولية. أكيد أن الفاعلين السياسيين يلاحظون أن الحراك السياسي بموريتانيا وتقدمها في البناء الديمقراطي بقدر ما يثلج صدورنا لما في ذلك مصلحة الشعب الموريتاني الأصيل، بقدر ما له من عواقب قد تكون مخلخلة لميزان القوى إقليميا ليس بالضرورة في مصلحتنا.
لم نعد في زمن تحل فيه مكالمة هاتفية بين رئيسي الدولتين أقوى الأزمات وتدلل الصعاب الدبلوماسية.
نحن بلد له حدود برية مع دولتين. واحدة في الشرق لنا معها عدة نتمنى أن تزول في اقرب الآجال لكنها مشاكل قائمة، وأخرى جنوبا كانت تقليديا دولة صديقة للمغرب. أهميتها تزداد لأنها هي الأخرى على حدود المنطقة مصدر النزاع. سواءا من الناحية السياسية أو الأمنية أو العسكرية، لا يمكن للمغرب أن يسمح لنفسه أن يكون وسط كماشة. لذلك فالحفاظ بل تطوير علاقاتنا مع موريتانيا هي من أهم المفردات الإستراتيجية لمستقبل علاقات بلادنا الإقليمية. الدولة استشعرت التغيرات منذ مدة طويلة، لذلك دفعت بعدد من الاستثمارات في قطاعات إستراتيجية بالجارة الجنوبية. مجهودات جيدة لكنها ليست كافية. في مثل هذه الأوضاع الرافعة الاقتصادية مهمة لأنها تمكن من ربط علاقات صلبة، لكن يجب أن يصاحبها تعزيز للعلاقات السياسية والمدنية ليس بين الحكومات وحدها ولكن بين الشعوب وقواه الحية كذلك.
كم من حزب مغربي له علاقة بأحزاب موريتانية؟ نقابات؟ هيئات؟ لنا علاقات مع دول أوروبية وفي أمريكا اللاتينية. ... ولكن مع جيراننا وخاصة موريتانيا لا شيء يذكر أو تقريبا. ماذا نعرف عن الإعلام الموريتاني؟ عن الأحزاب الموريتانية؟ عن الفاعلين؟ عن الحقوقيين؟ عن الشعراء؟ ... إنها مسؤولية الجميع. لنا تجربة حزبية وإعلامية ومدنية وحقوقية وتنموية متقدمة نوعا ما مقارنة مع عالمنا العربي. وسيكون من الأنانية القاتلة عدم تقاسمها مع أقرب المقربين لنا. علينا أن نبدل جهودا كبيرة للذهاب والتواجد هناك واستدعاء الشباب الموريتاني، والمرآة الموريتانية والحقوقي الموريتاني والإعلامي الموريتاني لحضور الفعاليات التي نقيمها هنا. قد لا تكون في الجانب الأخر شبكة قائمة الدات بإمكانياتها البشرية والمادية لنسج علاقات ثنائية: هده مسؤوليتنا. لما لا نوفر لنظرائنا الظروف التي تسمح لهم بالمشاركة معنا؟ ليس بالضرورة للهيئات والفعاليات الحاكمة بل من المعارضة كذلك بمختلف أصنافها، بل وحتى المعارضة لمواقف بلادنا ، لم لا. هذه هي فرصتنا وفرصتهم لنكتشف بعضنا بعض. ليروا المغرب وعيشوا قضاياه وليس فقط نسمع عن بعضنا .
إذا فكرنا بمنظور التبادل التجاري للعقد القادم من الزمن قد يبدو هدا المقال مجانبا لتحدياتنا الحقيقية. لكن إذا فكرنا في البعد الإستراتيجي لعلاقتنا بالجارة موريتانيا، سنكتشف أنه ربما أضعنا زمنا طويلا في هذا المجال.
العرب لم يتذكروا أن هناك شعبا ودولة اسمها موريتانيا إلا يوم أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ! ! قبلها لم تكن بمفكرتهم لدولة بهذا الاسم ! بدار فور شعب مسلم يعاني من الإبادة، ونحن صامتون من المحيط إلى الخليج. يوم يلملم سكان الإقليم جراحهم ويديروا ظهورهم لنا، سنتساءل لماذا أو ننعتهم بالخيانة. الأكراد شُرّدوا وذُبحوا على يد صدام حسين، ونحن صامتون من المحيط إلى الخليج، ويوم "احتموا" بالأمريكان، اكتشفنا "خيانتهم" للعروبةَ ! هذا السلوك لا نريده لبلادنا ولجيراننا ولأصدقائنا.

4 ابريل 2008
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi