فتوى السيد المغراوي

نقلت الصحف فتوى أصدرها السيد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش على موقعه الإلكتروني حول زواج الصغيرات سنا (9 سنوات)، وما راكمت من ردود أفعال إعلامية وحقوقية، ومنها قيام محام مغربي برفع دعوى قضائية ضد صاحب الفتوى، بما هي دعوة علنية وصريحة لمخالفة مقتضيات القانون الجاري به العمل ببلادنا، وخصوصا مقتضيات مدونة الأسرة.
إن مناقشة القضية تستدعي إبداء ملاحظات أساسية حول الموضوع والردود المترتبة عليه.
-1 الفتوى التي أصدرها السيد المغراوي مكونة في الواقع من جزأين مختلفين تماما. الجزء الأول هو ما يستند فيه إلى الأسس الشرعية لفتواه. وهذه الأسس لن أناقشه فيها، لأحكم بخطئها أو صوابها، لأني ببساطة لست مؤهلا لذلك. يقول: «أما ربط الزواج بالحيض فليس هناك ما يدل عليه، فالمرأة التي أمكنها تحمل الرجل، بكل ما في الكلمة من معنى، يجوز لها التزوج». وهو هنا يقول إنه ليس هناك في الشرع ما يربط بين الزواج والبلوغ أو الحيض أو بلوغ سن معينة، بل الحكم مرتبط بقدرة «المرأة» أو «الطفلة» بتحمل الرجل بكل ما في الكلمة من معنى.
-2 قلت أني لست مؤهلا لمناقشته في الأسس الشرعية لهذه الخلاصة. ولكن في نفس الوقت لم أسمع فقيها واحدا ولا متخصصا واحدا، ممن سئِلوا حول هذه الفتوى، قال عكس هذا الكلام، أو قال إن هناك سنا معينة يحرم الدين الزواج دونها، أو أن الفتوى مخالفة لأحكام الشرع. حتى الفقهاء الذين خالفوه لم يقولوا إن ما جاء به مخالف للشرع، بل تحدثوا عن عدم ملاْءمة الفتوى للواقع الحالي...
-3 لكن في الجزء الثاني من الفتوى - وهو الأخطر- ليس هناك استناد إلى الشرع، بل رأي خالص للسيد المغراوي، حيث يقول: «طبعا السن الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح، لكن قد تظهر الابنة على عشر أو إحدى عشر أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر. يكون لها جسم وعقل وبنية ومؤهلات تمكنها من الزواج، فهذا الأمر شهدناه وعرفناه وسمعنا به وحدثنا به، إن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه». هذا حكم قطعي بكون ابنة التاسعة مثلها مثل ابنة العشرين وربما أكثر!!
هذا الجزء الثاني هو قناعة السيد المغراوي ورأيه الخاص واستنباطه وفهمه الخاص لنفسية الطفلة وسلوكياتها وقدراتها. وهدا أمر خطير أن يعمم أي كان و مهما كان حتى ولو كان عالما على العامة مفاهيم وآراء خاصة به من شانها تشجيع الناس على الاعتداء على الطفولة واغتصابها باسم الزواج.
-4 من الخطير جدا تصور أن هناك من يعتبر ان الطفلة في عمر التسع سنوات لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق. هذا الحكم والجزم فيه خطورة كبرى على الطفولة. أكيد هناك حالات في التاريخ الإسلامي لزواج ابنة التاسعة ومنها النبي (ص)، ولكن هذه حالات خاصة ولم يصدر بشأنها تعميم على كل الطفلات من التاسعة فما فوق أو حدوثها أصلا بناءا على كون بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!!
-5 في هذا الجزء لم يستعن السيد المغراوي لا بالدراسات العلمية ولا بالتجارب الإنسانية ولا بأحكام من الشرع. اد حتى الحالات التي أوردها هو نفسه لم يكن المبرر وراء جوازها هو كون الشرع يعتبر بالقطع أن ابنة التسعة لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!! بل إن السيد المغراوي حكم بما حدث به وسمع وعرف وشاهد هو كفرد. ومن حقنا أن نتساءل كم هي الحالات التي شاهدها السيد المغراوي لطفلات من تسع سنوات متزوجات داخل عائلته أو محيطه؟!
-6 حين نربط بين الجزأين، نفهم وكأن زواج ابنة التسع سنوات أمر لا غبار عليه في الشرع. والحال أن الشرع - حسب السيد المغراوي نفسه- يبيح زواج المرأة متى كانت قادرة على تحمل الزواج بكل ما للكلمة من معنى. هنا، انتهى حكم الشرع. أما متى تكون المرأة قادرة على تحمل الزواج، فهذا ما لم يتم حسمه بالأرقام. لا في التسع سنوات ولا الأربع سنوات ...
-7 وحين يقول السيد المغراوي «طبعا السنوات الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح»، فما هي السنوات الصغيرة والصغيرة جدا؟ ابنة السنتين؟ ثلاث سنوات؟ سبع سنوات؟ هل في الشرع ما يمنع السبع سنوات؟ والست سنوات؟ والخمس؟ لذلك، فإن السيد المغراوي حين أدخل حكمه الخاص وفهمه الخاص في الجزء الثاني أخل هذا الجزء بما سبقه من حديث في الشرع.
-8 أنا سأتفق مع السيد المغراوي في كون الشرع لم يربط بين الزواج والحيض، وأن المرأة تتزوج متى كانت لها القدرة على تحمل الزواج بكل ما في الكلمة من معنى، وأحيله على مدونة الأسرة بالمغرب.
-9 فالمدونة تشترط سن الثامنة عشر بالنسبة للمرأة، كما للرجل، في موضوع الزواج، لكنها تفتح المجال لزواج من هي أقل من ذلك إذا سمح القاضي بالموضوع لظروف خاصة.
وهذا المنع الذكي أو الاستثناء المشروط، جاء نتيجة للتوفيق بين ضرورة احترام الواقع الحالي والمعطيات العلمية والسوسيولوجية والنفسية، دون تعارض مع الشرع.
الشرع لا يشترط سنا معينة ولكن القدرة على تحمل الزوج. والمجتمع يرى -من خلال المشرع- أنه في سن الثامنة عشر تتكون لدى المرأة هذه القدرة عموما وهي السن المطلوبة للزواج كقاعدة عامة. أما إذا كانت هناك حالات خاصة، فالقاضي له رأي يبنيه بعد الاطلاع على المبررات والاستعانة برأي الطبيب وأي خبير نفسي أو اجتماعي للحكم بإمكانية أهلية الفتاة للزواج أم لا قبل الثامنة عشر.
-10 في هذه الحالة، تصوروا معي أبا يجر ابنته ذات الثماني أو تسع سنوات نحو القاضي لطلب إذن تزويجها! إذا كان الأب يعيش زمنا آخر، فالقاضي هنا ليجعله يراجع نفسه بالعلم والخبرة والشرع والقانون.
-11 ان خطورة فتوى السيد المغراوي لاتكمن في الجزء الشرعي من اجتهاده، بل في الرأي الشخصي الذي ضمَّنه وأضافه مع الفتوى. الشرع لم يحدد للزواج سنا معينة، بل مربوط فقط بالقدرة على تحمل الزوج، هذا اجتهاد ورأي لفقيه قد يكون هو الصواب. ولكن الشرع لم يقل «أن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه»... هذا رأي خاص للسيد المغراوي ومن حقه أن يكون له من الآراء الخاصة ما يريد حتى وإن كانت مخالفة للقوانين وتشكل خطورة على المجتمع مادام يحتفظ برأيه لنفسه. ولكن حين يتم بث مثل هذه الآراء الخاصة على الملأ، ومن شانها التحريض ولو من غير قصد على الاعتداء على الأطفال مثلا أو مخالفة القوانين فهذه هي ما يقع تحت طائلة القانون.
الفتوى ليس فيها دعوى لمخالفة مقتضيات مدونة الأسرة ولكن أحكام وآراء من شانها التحريض على الاعتداء على الطفولة!
الطيب حمضي
19 septembre 2008

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

د. الطيب
أتابع أفكارك الحرة في أسبوعية الحياة، وأنا الا ن مسرور بالتعرف على مدونتك الخاصة..
تحياتي.
سعيد الأمين

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi