الرفيق جورج بوش

يعيش الاقتصاد الأمريكي منذ بضعة أشهر على إيقاع أزمة مالية هي الأخطر منذ ثلاثينيات القرن الماضي. انطلقت المشكلة بالأزمة التي عرفها قطاع العقار الأمريكي وانخفاض قيمة الرهون العقارية وما تلا ذلك من عجز الأمريكيين الذين استدانوا بكثرة لشراء بيوتهم عن سداد الديون، وإفلاس الشركات العقارية وانتقال الأزمة إلى البنوك والتأمين. وأصبح بعد ذلك الاقتصاد الأمريكي بل العالمي على حافة أزمة خطيرة ومحتاجا لإجراءات سريعة وقوية لمحاولة إنقاذه من الانهيار تحت وطأة الأزمة المالية. لتدارك الأمر، هيأت الإدارة الأمريكية خطة للإنقاذ بقيمة 750 مليار دولار. 250 مليار مخصصة للشراء الفوري لـ"الرهون السامة"، أي الخاسرة، لإنقاذ الشركات التي تمتلكها من الانهيار، و100 مليار دولار تحت تصرف الرئيس الأمريكي، و300 مليار تحت رقابة الكونكرس. الإدارة الأمريكية ستشتري بهذه الأموال الرهون الخاسرة والأسهم في الشركات المهددة بالانهيار. أي أن الإدارة الأمريكية - من خلال أموال دافعي الضرائب- ستشتري رهونا وأسهما خاسرة وطبعا بأثمنة أكثر مما تستحق فعلا بقيمة السوق عند الشراء. وهذا يسمى ببساطة تدخل الدولة في السوق، بل يسمى تأميما، أي أن الحكومة الأمريكية ستؤمم بعضا من القطاع الخاص الأمريكي. وتقضي الخطة كذلك بتحديد ومراجعة أجور مدراء الشركات الأمريكية. وهذه سابقة، إذ لأول مرة ستتدخل الدولة لتحديد أجور مدراء يشتغلون بالقطاع الخاص. سبب هذا الشرط معقول، إذ لا يعقل أن يتم ضخ أموال دافعي الضرائب في شركات فاشلة في وقت يتمتع مديروها بأجور خيالية. لكن، يجب تسجيل تدخل الدولة حتى في تحديد أجور الأطر العاملة بالقطاع الخاص.
هذه الإجراءات لها اسم بسيط هو: تدخل الحكومة في السوق من أجل تنظيمه وضبطه. وهو يعني شيئا بسيطا كذلك: إن السوق، مهما كانت، في حاجة إلى قوانين وإلى مراقبة وإلى تنظيم، وإلا تحولت إلى وحش قد يدمر كل شيء. هذه البديهة لا يؤمن بها الليبراليون المتطرفون. بالنسبة إليهم، السوق ينظم نفسه بنفسه، وأي تدخل فيه هو ضد التنمية وضد النجاح. وبالنسبة إليهم كذلك، ليس على الحكومة بالمطلق أن تتدخل في السوق بدعوى تنظيمه، في الوقت الذي كانت فيه الدولة هي كل شيء في الدول الاشتراكية ولا مكان للقطاع الخاص ولا للمبادرة الحرة. في الوسط وفي الفكر الاجتماعي الديمقراطي، المبادرة الحرة مركزية، والقطاع الخاص هو أساس الاقتصاد، لكن للدولة دورا بل أدوارا كثيرة عليها أن تلعبها حتى يكون السوق في خدمة المجتمع وليس العكس المجتمع في خدمة السوق! لذلك، فإن اقتصاد السوق مقبول بل مطلوب، ولكن مجتمع السوق مرفوض. وهذا ما كان دائما يرفض سماعه منظرو الليبرالية المتوحشة الأمريكيون. لكن ها هم اليوم يلجؤون إلى ما كانوا يعتبرونه عدو النجاح وعدو الاقتصاد وعدو السوق. وهاهم يعتبرون أن ذلك هو البلسم والحل للأزمة التي قادهم إليها السوق المتوحش. هذه الحلول ليست حلولا رأسمالية ولا هي حلول أمريكية ولا هي حلول مالية، بل هي حلول اقتصادية مستوحاة من المنظومة التي تؤمن باقتصاد السوق وبضرورة تنظيم هذا السوق.
الرئيس جورج بوش اختار النجاعة وليس الايديولوجيا لحل الأزمة - إن هي حُلّت- وعلى خطى الرفاق لينين وستالين وخروتشوف ، نقول للرفيق جورج بوش حظا سعيدا.
الطيب حمضي
10 octobre 2008

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi