المادة 5 دستورية، ولا طائل من ورائها !

أثارت مسألة "تطبيق" المادة الخامسة من قانون الأحزاب نقاشا واسعا بعد أن فسرتها مصالح وزارة الداخلية بما معناه منع المتقدمين للانتخابات الجماعية المقبلة من الترشح بالنسبة لمن تسري عليهم مواصفات المادة المذكورة. وكان من المتوقع أن يكون حزب الأصالة والمعاصرة أكثر ضحايا هذا المنع. لذلك، كان أول الرافضين بقوة لهذا التفسير، دافعا بكون المادة نفسها غير دستورية.
الواقع أن القراءة المتأنية لهذه المادة تخلص إلى كون تفسير وزارة الداخلية غير قانوني ومجانب للصواب، وتعليل ودفع حزب الأصالة والمعاصرة بعدم دستورية المادة لكونها تحد من حرية الانتماء مجانب للصواب كذلك.
لنذكر أولا بالمادة الخامسة من قانون الأحزاب.
المادة 5
تقول المادة الخامسة من قانون الأحزاب: "للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد أن ينخرطوا بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية.
غير أنه لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشح لهذه الانتخابات".


عناصر المادة 5
إذا فككنا العناصر المكونة للمادة الخامسة بشكل مقتضب نقول إنها:
- تؤكد حق المغاربة البالغين سن الرشد في الانخراط بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية.
- منع أعضاء البرلمان بغرفتيه الفائزين بتزكية من حزب قائم من الانخراط في حزب آخر طيلة مدة انتدابهم.
- هذه المادة لا تتحدث مطلقا عن المنتخبين أعضاء الهيآت الأخرى، من مجالس جماعية، أو غرف مهنية، أو أعضاء الحكومة غير البرلمانيين... لذلك، فتطبيقها محصور في أعضاء البرلمان.
ولنأخذ مثلا الآن لنائب برلماني فاز باسم حزب الأحرار وقدم ترشيحه للانتخابات الجماعية المقبلة باسم حزب الأصالة والمعاصرة،
هل تمنع المادة 5 هذا النائب من الترشح؟
ليس بالضرورة. صحيح أن المادة الخامسة تمنعه، وهو البرلماني باسم حزب الأحرار، من الالتحاق بأي حزب آخر، مادام انتدابه البرلماني (أي عضويته) لازال ساريا. لكن هذا المرشح سيقول إنه فعلا نجح باسم حزب الأحرار في البرلمان، ثم قدم استقالته من هذا الحزب (والقانون لا يمنع ذلك)، وأصبح بالتالي من دون انتماء حزبي. وسيقول كذلك إن حزب الأصالة والمعاصرة عرض عليه ترشيحه ضمن لائحته للجماعات المحلية بصفته فاعلا، وأنه ليس عضوا بحزب الأصالة والمعاصرة. القانون لا يمنع الأحزاب من ترشيح مواطنين باسمها من غير المنتمين للأحزاب، أي أن الأحزاب لها الحق في ترشيح وتزكية أعضائها وكذا ترشيح وتزكية مواطنين من غير الأعضاء المنتمين للأحزاب في إطار "انفتاحها" على"الفعاليات" المجتمعية. القانون لا يمنع ذلك.
إذن، نحن أمام برلماني كان منتميا للأحرار ولم يعد كذلك، تقدم للترشيح باسم حزب الأصالة والمعاصرة، دون أن يكون عضوا به. وهذه حالة لا تنطبق عليها المادة 5. للإشارة، يمكن للبرلماني، حتى دون تقديم استقالته من حزبه الأصلي، أن يترشح باسم حزب جديد دون أن يلتحق به.
حتى إذا صرح هذا البرلماني بأنه التحق بالحزب الجديد، فإن ما سيتم إلغاؤه قانونيا هي عضويته بهذا الحزب الجديد. أما ترشحه، فهو قانوني حسب المادة 5.
لماذا، إذن، كان كل هذا النقاش؟
شخصيا، لا أعرف خلفيات هذه الزوبعة، خصوصا أن المادة الخامسة واضحة تماما. أكيد هي كانت مناسبة للحديث عن ظاهرة "الترحال السياسي". ولكن هذا النقاش السياسي لا يمكن أن يغير أو يؤثر في تفسير أو تطبيق مادة قانونية قائمة. وكان واضحا، من الأول، أن المادة 5 لن تمنع أحدا من الترشح، وحتى إن منعت وزارة الداخلية هؤلاء"الرحل" من ترشيح أنفسهم باسم أحزاب جديدة، فإن القضاء سيلغي ذلك.
هل المادة 5 غير دستورية؟
بلى. أحترم رأي الذين دفعوا بعدم دستورية المادة 5، بل حتى بعض القانونيين الذين ساروا على نفس المنطق. ولكن التحليل الذي يقول بلا دستورية المادة 5 هو تحليل غير منطقي.
حزب الأصالة والمعاصرة رفض تفسير وزارة الداخلية للمادة 5، دافعا بأن هذه المادة نفسها غير دستورية، لأن الدستور يضمن حرية الانتماء.
هذا يستدعي بعض الملاحظات.
أولا، حزب الأصالة والمعاصرة ليس هو المجلس الدستوري الذي يقرر ما هي المواد المطابقة للدستور التي سيحترمها والمواد المخالفة لأحكام الدستور، حسب رأيه، والتي لن يحترمها. الحكم بدستورية قانون ما له مساطره الخاصة، ووحده المجلس الدستوري مؤهل للفصل في دستورية قانون ما من عدمها. وإلى أن يقول يوم ما المجلس الدستوري أن المادة 5 مخالفة للدستور، فهي قائمة وعلى الجميع احترامها، بما في ذلك وزارة الداخلية والأحزاب، والقضاء ساهر على تطبيقها.
والأهم من ذلك أن الدفع بأن المادة 5 غير دستورية لأن الدستور يضمن هذه الحرية هو دفع مجانب للمنطق.
الدستور يضع المبادئ، والقوانين تنظمها. وإلا لماذا مثلا لم يحتج حزب الأصالة والمعاصرة على المادة 6 من نفس القانون التي تمنع العسكريين والقضاة من الانخراط في حزب سياسي بالمطلق! أليس حق الانخراط حقا مطلقا؟ الانخراط في حزب سياسي بكل حرية هو حق يضمنه الدستور لجميع المغاربة البالغين سن الرشد. وهناك قوانين تنظم هذا الحق وهذه الحرية، بما لا يتعارض مع الدستور. ثم، وهذا هو الأهم، إن المادة 5 لا تمنع حرية الانخراط، بل تمنع أعضاء البرلمان السارية مدة انتدابهم من الالتحاق بأحزاب أخرى غير تلك التي نجحوا باسمها.
المادة 5 تمنعهم من الجمع بين الاثنين: العضوية في حزب جديد والعضوية في البرلمان عبر فوز بتزكية من حزب آخر. ويمكنهم في أي لحظة أن يلتحقوا بالحزب الذي يريدون إذا ما وضعوا هم أنفسهم حدا لانتدابهم بالبرلمان.
هل المادة 5 تمنع الترحال السياسي؟
أبدا. الفكرة من المادة 5 كانت هي منع الترحال السياسي. إذ مع كل دخول برلماني تعمل الأحزاب على استقطاب برلمانيين من أحزاب أخرى لضمها إلى صفوف فريقها. وهكذا، تجد حزبا نجح بـ20 برلمانيا مثلا، بعد شهر يصبح له فريق بالبرلمان من 30 أو 40 برلمانيا والعكس. وهي ظاهرة مسيئة، لأنها لو همت فردا أو بضعة أفراد لكان الأمر يدخل في خانة الاختلاف والاقتناع. لكنها أصبحت ظاهرة تسيء للممارسة السياسية ولكن...
ولكن المادة 5 لن تمنع هنا الترحال. فالالتحاق بفريق برلماني لا يعني الالتحاق بحزب ما. والفرق البرلمانية يكونها الأعضاء بالبرلمان وليس الأحزاب. بل يمكن لبرلمانيين بدون أحزاب أن يكونوا فريقا، أو برلمانيين من أحزاب مختلفة تكوين فريق، كما يمكن لأعضاء في حزب معين أن يؤسسوا فريقين أو ثلاثة إذا توفروا على العدد الكافي لذلك.
هل يمكن منع الترحال السياسي بالقوانين؟
من الصعب ذلك. لنفرض أننا غيرنا القوانين واجتهدنا ومنعنا ووصلنا إلى كون كل برلماني نجح باسم حزب ما عليه أن يبقى دائما بالبرلمان مع هذا الحزب. هل سنفرض عليه بالقانون أن يصوت مع ما يقوله له حزبه؟ التصويت داخل البرلمان تصويت فردي وحر ولا يمكن أن يفرض أحد على أي برلماني التصويت في هذا الاتجاه أو ذلك. لذلك، فحتى إن منعنا برلمانيا من مغادرة حزبه أو فريقه، فإن من شأن المفاوضات مع حزب آخر أن تجلبه للتصويت مع أو ضد اتجاه مخالف لمواقف حزبه. وهذه لا يمكن منعها بأي قانون. أما قضية الالتحاق بفريق دون آخر، فلن تغير إلا في حجم الفرق والامتيازات الممنوحة للفرق حسب حجمها ليس إلا!!
ما سيمنع هذه الظاهرة هو احترام الأحزاب لنفسها وللناخبين، وذلك بعدم التهافت على البرلمانيين في كل دخول برلماني، وعدم التهافت على كل من هب ودب (سياسيا) لترشيحه للانتخابات البرلمانية باسمها، فقط لكونه يتوفر على الأموال والحظوظ للفوز بالدائرة دون أي علاقة له، لا بالحزب ولا بأفكاره ولا برنامجه الانتخابي، ولا قيمه ولا التزاماته. مادام مثل هؤلاء يصلون إلى البرلمان باسم الأحزاب ، فإنهم سيصوتون دائما للجهة التي تمنحهم أكثر من الامتيازات وغيرها ولن يصوتوا طبقا للأفكار والوعود التي قدموها للناخبين وطبقا لتلك المبادئ والالتزامات، لأنهم يفتقدونها أصلا
المادة 5 دستورية، ولا طائل من ورائها. إن أقصى ما يمكن أن توفره المادة 5 هو السماح لمصالح وزارة الداخلية والنيابة العامة عند تلقي لوائح أجهزة الأحزاب، بعد عقد مؤتمراتها وطنيا وجهويا ومحليا، أن ترفض عضوية برلمانيين رحل بتلك الأجهزة إلى أن تنتهي مدة انتدابهم. غير ذلك، فإن المادة 5، رغم دستوريتها، لا تساهم لا في تخليق العمل السياسي ولا في تنظيمه، بل هي مادة لا طائل من ورائها.
الطيب حمضي
29 mai 2009

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi