اللعب مع الصغار

من البداية أقول إن القانون الانتخابي الذي خرج من مطبخ الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال برعاية وزارة الداخلية هو كارثة ديمقراطية، ومؤشر خطير علىمدىالاستبداد الذي يعشش في نخبنا. هو قانون متطرف، أصولي، معادٍ للديمقراطية، انقلابي واستبدادي. وستأحدث عن هذه الميزات، كلا علىحدة. لكن الأخطر منه هو أنه صادر عن الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وليس عن إدريس البصري أو أوفقير أو حتى عن حزب الكومسير عرشان. هذا أخطر ما في القضية بالنسبة لي. أما القانون نفسه، فأنا مقتنع تماما بأنه يستحيل أن يمر سواء بالمعارضة التي لقيها، أو بحكم المجلس الدستوري أو بالتدخل الملكي.
لنذكر أولا بالتعديلات التي نتحدث عنها. أولا، يرىالاتحاد الاشتراكي حزب الاستقلال أن الأحزاب الجديدة أو التي لم تشارك في انتخابات 2002 أو التي شاركت وحصلت على نسب أقل من 3 بالمائة من أصوات الناخبين لا حق لها في منح التزكيات لمرشحيها خلال انتخابات 2007. يعني أن السيدين محمد اليازغي وعباس الفاسي لهما الحق في تزكية مرشحيهما، والآخرون لا، باستثناء شركائهم في الحكومة والعدالة والتنمية.
التعديل الثاني يهم رفع النسبة التي تخول للأحزاب الولوج للبرلمان من 3 إلى 7 بالمائة. ولنذكر كذلك أن الاتحاد الاشتراكي كان يطالب برفع عتبة الاستفادة من الدعم العمومي للأحزاب إلى 10 بالمائة ولم يقبل بنسبة 5 بالمائة إلا بتدخل من وزارة الداخلية.
هذه هي التعديلات. ولنتمعن في معانيها.
1 ـ الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال يريدان الانطلاق نحو انتخابات 2007 بامتيازات مسبقة، مقارنة مع باقي الأحزاب، لسبب بسيط هو إدراك أحزاب الأغلبية الحكومية أن مستوى جماهيريتها قد وصل إلى أدنى المستويات. وعوض التململ لإصلاح حالها، تريد إقصاء أي منافسة محتملة، آنا أو مستقبلا. هي لا تريد للشعب المغربي أن يجد أمامه إلا حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. أما العدالة والتنمية فالدولة مكلفة بتحجيمها.
2 ـ هذه الأحزاب، عوض أن تضع نفسها موضع المحاسبة والمساءلة، تريد إخلاء الساحة من أي قوة معارضة وذات مصداقية. فالاتحاد والاستقلال يريدان كمنافسين فقط الحركة الشعبية والأحرار والعدالة والتنمية، حتى إذا توجه الناخب إلى صندوق الاقتراع فضل الأعمش على الأعور…
3 ـ هذه التعديلات تعني التشريع للاستبداد، بحيث إن الاتحاد الاشتراكي ما أن وصل إلى الحكومة حتى أخذ يحاول التشريع لكل الطرق والوسائل ليظل خالدا بها. إن الديمقراطية سُلَّم يمكن من الوصول إلى السلطة ويجب أن يظل بمكانه ، والآن يحاولان إزالة هذا السلم حتى لا يستعمله أحد بعدهماا الديمقراطية للوصول إلى بعض من السلطة، والآن يحاولان إزالة هذا السلم حتى لا يستعمله أحد بعدهما. وهذا أخطر ما في الأصوليات الدينية. استعمالها للديمقراطية وسيلة للوصول للحكم، وبعدها إلغاء الديمقراطية نفسها.
4 ـ هذه التعديلات هي بمثابة انقلاب على الديمقراطية. فالمنطق الانقلابي الذي ساد في العالم الثالث خلال الستينيات والسبعينيات ـ والاتحاد الاشتراكي والاستقلال يشهدان على ذلك ـ مبني على السطو على السلطة بطريقة غير ديمقراطية والمحافظة على السلطة بطرق غير ديمقراطية. وهذه التعديل، كتبتُ أن محاولة منع الدعم عن الأحزاب تحت عتبة 10 بالمائة إنما هو تشريع مقنع للحزب الوحيدم عن الأحزاب تحت عتبة 10 بالمائة إنما هو تشريع مقنع للحزب الوحيد. وهذه التعديلات تؤكد ـ للأسف ـ هذا التحليل وهذا المنحى.
6 ـ هذا عن التعديلات. أما أخطر ما هالني شخصيا هو أن تكون هذه التعديلات صادرة عن أحزاب وطنية وديمقراطية ويسارية وحداثية.
هذه هي الفاجعة. لو صدرت عن وزارة الداخلية أيام أوفقير أو البصري، لقلنا إنه المنطق الأمني الذي يحاول تشريع الاستبداد. لكن أن تصدر عن الاتحاد الاشتراكي، أو علىالأصح عن تيار بعينه داخل الاتحاد، فهذا مؤشر خطير على مدى تشبع أحزابنا ونخبنا بالديمقراطية.
كنت ولازلت من الذين يقولون إن توسيع اختصاصات الحكومة مهم جدا على حساب الاختصاصات الملكية، لأن هذه هي الديمقراطية، وهذا هو توجه التاريخ. وكنت أومن كذلك بأن الأمر يقتضي أولا تأهيل هذه الأحزاب التي ستستلم هذه الاختصاصات. واليوم، تقدم وزارة الداخلية درسا تطبيقيا حول حقيقة الأحزاب التي تحكمنا. أعني الأحزاب الديمقراطية. قبل سنوات، كان الحسن الثاني يلاعب الكبار. ربما على محمد السادس اليوم، ونحن معه، أن ينتظر بعض الوقت لتخلو الساحة من لعب الصغار.

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi