أباطرة حوادث السير

كنت أتابع برنامجا تلفزيا على إحدى القنوات الفرنسية حول نقل السيارات المستعملة من فرنسا لبيعها بالدول الإفريقية، حين صرح شاب فرنسي بأن أخطر مرحلة في رحلته بالسيارات هي مروره بالمغرب (وليس موريتانيا أو الدول الإفريقية جنوب الصحراء!). وما هالني شخصيا أكثر قوله: "ربما هذا من الأسباب التي تجعلني لا أحب المغرب".

لاحظوا أنه يمكن أن يكون لإنسان موقف عدائي من المغرب سياسيا أو سياحيا أو اقتصاديا، بسبب كثرة حوادث السير عندنا!! وأنتم على الطريق تلاحظون كتابات على مؤخرة الشاحنات ومنها "بونصوار وجدة.... بونجور أكاديرBonsoir Oujda …Bonjour Agadir". ينطلق من وجدة ليلا، ليدرك أكادير نهارا... تحت ضغط هاجس الربح والمنافسة والمغامرة وضغط ظروف الحياة... أو عبارة شوف وسكت". كيف لا نكون من أخطر بلدان العالم من حيث كثرة حوادث السير؟!

كل يوم يموت أزيد من عشرة أشخاص ويصاب المئات وتتشرد عائلات بفعل فقدان معيلها...
إنها حرب أهلية يزداد سعيرها، سنة بعد أخرى. القاتلون فيها أناس مخطئون، وضحاياها أبرياء ذنبهم أنهم صادفوا "قتلة" في طريقهم بدون أسلحة لا نارية ولا بيضاء. قتلة ممتطين سياراتهم أو شاحناتهم أو حافلاتهم... فحولوها من وسائل نقل إلى وسائل قتل.
علينا أن لا نخطئ. إن أول سبب لحوادث السير ببلادنا هي حالة الطرق وحالة حظيرة السيارات التي تجوب البلاد. لنأخذ 100 كلم من طريق سيار ونقارن الحوادث التي تقع به مع عدد الحوادث التي تقع بـ 100 كلم من طريق عادية وبنفس معدل حركة السيارات. ولنتصور مدننا بشوارع كبيرة ومنظمة وتشوير واضح مقارنة مع ما نعيشه اليوم. ومع ذلك، المسؤولية في ما يقع من حوادث سير هي مسؤولية البشر الذي يخرج لقيادة سيارة أو دراجة أو حافلة أو شاحنة يعرف أنه سيقودها بشوارع المغرب وليس بألمانيا. وبالتالي، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار أنه يسوق ببلده المغرب بطرقه التي هي على ما هي عليه!!

هل يعقل أن نشتم في المقاهي طرقنا وحالتها المزرية، ونتصرف ونحن على الطريق كأننا على طرق ألمانيا أو النرويج!!
لذلك، لابد من خوض حرب على حوادث السير، حرب توعوية، وقائية وجزرية. كان من الضروري تحسين القوانين المنظمة للسير والمرافق المصاحبة. ولابد من تشديد القوانين بالموازاة مع تطويرها. وهو ما حاولت مدونة السير القيام به.
مدونة السير هي مجموع قوانين لتنظيم السير وللحد من الحوادث من أجل وقف هذه الحرب الأهلية.

وهي مبادرة لا يمكن إلا تشجيعها. لكن، للأسف ما أن نزلت المدونة حتى انهالت على الوزارة الوصية كل السكاكين والخناجر. من له مصلحة في أن يتسبب البعض في قتل الأبرياء وإصابتهم بإعاقات دائمة على الطرقات دون أن ينالوا العقاب الملائم؟! من له مصلحة في أن " نشوف ونسكت"؟
إنهم أباطرة حوادث السير. أولئك الذين يكدسون الأموال والثروات من خلال قتل المواطنين. الذين عوض أن يوظفوا عددا أكبر من السائقين، وعددا أكبر من وسائل النقل للقيام بالمهام، يفضلون تشغيل نفس الشاحنة أو الحافلة أو السيارة ونفس السائق ليقطع مئات الكيلومترات كل يوم مع ما يتبع ذلك من حوادث مميتة. أباطرة حوادث السير، الذين يريدون أداء غرامة أو إتاوة 100 درهم مقابل السماح لهم بارتكاب كل المخالفات الطرقية، والتي تقتل وتصيب مئات الأبرياء يوميا. الأبرياء يموتون على الطرقات ليس بسبب إصابتهم في حوادث الطائرات، بل بسبب حوادث سببها سائقون لا يحترمون قوانين السير.

أباطرة حوادث السير يعيبون على مدونة السير أنها تشبه قوانين السويد. وأعتقد أن قوانينا يجب أن تكون أشد بكثير من السويد. في السويد، السيارات جديدة، والطرقات واسعة، والعلامات واضحة، وبالتالي قد نجد بعض "العذر" لسائق تهور وتجاوز القانون، لأنه قد يعتقد أنه، بالنظر لحالة الطرقات الجيدة، قد لا يتسبب في حادثة سير. أما عندنا، وبالنظر لحالتنا الطرقية، فالسائق الذي يتهور يعرف أنه سيتسبب، لا محالة، في حادثة سير. وبالتالي، يمكن اعتباره مرتكبا لحادثة سير عن سبق إصرار وترصد! في السويد قد يعتبر فقط منحرفا، أما هنا وهو يعلم خطورة المضاعفات فيمكن اعتباره مجرما ...

ما أسفت له أن الصحافة تعاملت مع هجوم أباطرة حوادث السير على المدونة بمنطق الشماتة. كان بإمكان الأطر التي هيأت مدونة السير أن لا تشغل بالها بالموضوع ولا تحضر شيئا وتستمر الحرب الأهلية. ولكنها اجتهدت وقدمت مدونة لحماية أرواح المواطنين، أرواحنا أنتم وأنا وذوينا. وكان من واجب الصحافة، والأحزاب والجمعيات، أن تكون سندا لهذه المدونة في وجه أباطرة حوادث السير.
لا يمكن لمستقبل شعب بكامله أن يتلاعب به حفنة من المستفيدين من ترهل القوانين وانعدام احترامها. المعركة بين شعب تواق للسلم والسلام والسلامة على طرقه وبين أباطرة يجنون مزيدا من الأموال ولو على حساب أرواح الأبرياء.
25 février 2009
الطيب حمضي

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi