قتلة الشعب الفلسطيني

جمع فاروق قدومي (أبو اللطف)، وهو الرقم اثنان في حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بعد محمود عباس (أبو مازن)، جمع بعض الصحافيين في مقر إقامته العابرة بالعاصمة الأردنية عمان ليلقي أمامهم باتهام، تكمن خطورته الوحيدة في كونه صادرا عن فاروق قدومي.
السيد فاروق قدومي قدم للصحافيين الذين اختارهم بعناية لملاقاتهم وعرض عليهم "وثيقة" عبارة عن "محضر اجتماع" جمع - حسب وثيقة القدومي- كلا من أرييل شارون وشاؤول موفاز ومحمود عباس ومحمد دحلان ومسؤول أمريكي، تقرر خلاله قتل ياسر عرفات! ويقول الأخ قدومي إن هذا المحضر سلمه إياه ياسر عرفات نفسه.
من حيث الشكل، الأخ أبو اللطف جمع صحافيين من اختياره ليكشف لهم عن الوثيقة، ولم يفعل ذلك في ندوة صحافية تتبعها أسئلة حقيقية من صحافيين مستقلين حول ظروف وملابسات الوثيقة وأبعادها وغير ذلك. الأخ أبو اللطف وفر على نفسه أسئلة مزعجة له. وحتى حينما أراد التحدث إلى الرأي العام لإعطاء توضيحات حول ما قام به، قدم "تصريحا" إلى قناة "الجزيرة". والتصريح هو خطاب مكتوب عوض لقاء صحافي أو استجواب أو أي نمط صحافي فيه أسئلة وأجوبة.
من حيث الشكل دائما، شخصيا لا أفهم كيف أن الأخ أبو اللطف حصل على وثيقة (وصدقها وإلا لما احتاج اليوم إلى إخراجها) قبل مقتل عرفات، ومات عرفات والأخ قدومي يحتفظ بالوثيقة في مكتبه (إذا صدقنا ما قاله) مدة سنوات، ترشح خلالها أبو مازن لخلافة عرفات، ولم يقل قدومي شيئا. وفاز أبو مازن ولم يقل قدومي شيئا، وحكم أبو مازن مدة خمس سنوات ولم يقل قدومي شيئا. وحين قررت فتح عقد مؤتمرها بالداخل (الضفة الغربية)، أخرج قدومي الوثيقة! هو الذي صرح لـ"ألجزيرة" بأن سبب إخراج الوثيقة هو قرار عقد مؤتمر حركة فتح بالداخل وليس بالخارج، كما يريد الأخ أبو اللطف. وهذا معناه ببساطة أن الأخ قدومي لا يهمه بالمطلق أن يكون على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية رجل قاتل، ومتعاون مع شارون، وخائن للثورة ولشعبه، هو أبو مازن الذي تآمر لقتل عرفات، ولكن في المقابل هاله أن ينعقد مؤتمر فتح بالداخل عوض الخارج!
لا يمكنني أن أصدق أن فاروق قدومي بشموخه وتاريخه لا يهمه مستقبل الشعب الفلسطيني وزعامته ولا يهمه من يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، بل ما يهمه هو مقعده داخل قيادة حركة فتح ومقاعد أصدقائه بالحركة!
من حيث مضمون محضر الاجتماع، نفهم منه أن قادة إسرائيل وقادة السلطة الوطنية الفلسطينية اجتمعوا برعاية أمريكية لتدارس قتل عرفات، وتم تحرير محضر لهذا الاجتماع الذي وصل إلى ياسر عرفات الذي أرسل نسخة منه إلى الأخ فاروق قدومي. والأخ قدومي الذي لم يقم بشيء يذكر لرفع الحصار عن عرفات، والذي دام سنوات تحت أعين العالم وأعين الأخ أبو اللطف المقيم بدمشق.
هل قرارات الاغتيال يتم الحديث بشأنها في اجتماعات بين السياسيين ومسؤولي الدول! الأخ أبو اللطف يعرف إسرائيل جيدا ويعرف شارون أكثر ويعرف كيف أن قادة إسرائيل يتصرفون كقطاع طرق، وحين يقررون اغتيال القادة يفعلون ذلك دون استشارة أحد، أو أخذ رأي أحد أو إخبار أحد أو ترك أي أثر أو دليل، فالأحرى عقد اجتماع ثلاثي يصل محضره إلى قدومي في دمشق الفيحاء!
هل يظن الأخ فاروق قدومي أن شارون جاء يستشير أبو مازن ودحلان حول ضرورة قتل عرفات من عدمها، أم يستشيرهم في أسهل طريقة لقتل عرفات، أم يستشيرهم حول نوع اسم الذي يجب إعطاؤه لعرفات...!!
الذي يطلع على فحوى محضر الاجتماع يخرج بنتيجة أن شارون رجل مبتدئ في علم الاغتيال وينتمي إلى دولة تحترم الشعوب والقوانين! وجاء يطلب الاستشارة من الفلسطينيين والأمريكيين! ولم يكن ينقص شارون سوى الاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة لطلب رأيه في اغتيال عرفات! ورئيس محكمة لاهاي! ولم يكن ينقص محضر الاجتماع إلا أن يخبرنا بأن إبراهيم صاحب "عقاقير تافراوت" قد حضر معهم الاجتماع ليمدهم بالسم الضروري لقتل عرفات!!
فاروق قدومي رجل له ماض نضالي كبير ومعرفة مدققة بالعدو الإسرائيلي وأساليبه، ولا يمكن أن أتصور لحظة أنه يصدق كلمة واحدة من الخزعبلات المكتوبة في الوثيقة التي بين يديه. بل لأنه يعرف ذلك، رمى بالوثيقة في سلة المهملات كل هذا الوقت. ولكن للأسف، حسابات المؤتمر المقبل جعلته يتمسك بأي شيء لإنقاذ الوضع، وضعه هو ووضع أصدقائه بحركة فتح. أبو اللطف يدرك أن عقد مؤتمر حركة فتح بالداخل سيقلص تمثيلية المقيمين بدمشق. يعرف أنه هو سيبقى بالقيادة ولكن جناحه المقيم بالشام والمرتبط بسوريا سيتم إضعافه، وبالتالي إضعاف الضغط السوري على فتح، وهو ما لن ترضاه القيادة السورية. الأخ قدومي يبحث عن خلق أزمة قبل المؤتمر للدعوة إلى مقاطعته، والطعن في شرعيته، فتصبح فتح بقيادتين: واحدة في الداخل، والثانية بسوريا. وهو ما يعني استمرار التحكم السوري في الساحة الفلسطينية، من خلال فتح وحماس وباقي الفصائل.حين أسمع قادة حماس يقولون إن فتح خونة، وعباس وأجهزته الأمنية عميلة لإسرائيل، وأسمع فتح تقول إن حماس خونة وقتلة، وأسمع قدومي يقول إن عباس قتل عرفات، ماذا ترك هؤلاء للأعداء من قول؟ نقول لهم باتهاماتكم المتبادلة هذه، إن كانت حقيقية، فأنتم لا تستحقون قيادة الشعب الفلسطيني، وإن كانت مزايدات نقول لكم، إنكم انتم قتلة الشعب الفلسطيني وقضيته .

ليست هناك تعليقات:

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi