كل حذاء وانتم بخير

قام الصحافي العراقي منتظر الزيدي برمي حذائه في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال ندوته الصحافية ببغداد. الفضيحة أن ملايين الناس من "الخليج الهادر الى المحيط الثائر" اعتبرت أنها ردت الصاع صاعين لمن احتل ارض العراق وأهان امة بكاملها من خلال ضربة حذاء. أن تكون ضربة حذاء موضع تنكيت وسخرية هذا طبيعي، لكن ان يتحول الموضوع إلى بطولة وقصائد مدح وهرطقة فهذا ما يؤكد أن العقل عندنا مبتغى ربما بعيد المنال.
الصحافي العراقي ليس مسئولا عن هذه الجذبة الجماعية التي انخرطت فيها أقسام كبيرة من امة العرب. فالرجل ربما لم يتمالك نفسه وهو يجد حاله وجها لوجه مع رئيس أهان شعب العراق ودمره وترملت على أياديه مئات الآلاف من الأمهات العراقيات، وتيتم على يديه ملايين الأطفال، وهُجُِر خارج العراق أو داخله ملايين العراقيين.
منتظر الزيدي ربما لم يتمالك نفسه وقام بما قام به، إذا لم يكن ذلك مخططا له مسبقا. والواقع أن أي عراقي أو أي إنسان حر، لو أتيحت له فرصة إهانة بوش لما تأخر. رغم أن ما قام به الصحافي العراقي لا هو عمل بطولي ولا هم يحزنون. أولا إذا كان يريد رمي حذائه على بوش او الانتقام منه فساحة العراق شاسعة وكان عليه أن يتصرف كمواطن مثل بقية الناس للبحث عن وسيلة لذلك. ثانيا هو دخل القاعة بصفته المهنية كصحافي، والبطولة هنا كانت تقتضي منه أن يواجه بوش مستعملا مهنته وقلمه وصورته لفضح بوش وجرائمه، لا أن يتخفى وراء مهنته ولاستعمال يده أو حذائه. ثالثا، اختار ندوة صحافية بحضور وسائل الإعلام للتعبير عن سخطه ضد بوش وسياسته "الامبريالية"، وهو يدرك أن في انتظاره محاكمة علنية، بينما كان بامكانه مثلا حضور تجمع أو لقاء جانبي لنور المالكي - حليف بوش ومنفذ سياسة أمريكا في العراق- ورميه بالحذاء.كان سيقطعه مريدو المالكي إربا بدون محاكمة ولا دفاع ولا حقوق ولا بطولة.
ومع ذلك فان ما قام به منتظر الزيدي يمكن توقعه من أي مواطن حر امام جلاد شعبه، ليس العقل دائما هو المسئول، فلسنا فقل فقط بل كتلة مشاعر كذلك.
المصيبة أن الناس اعتبرت هذا العمل الاحتجاجي قمة البطولة وكتبت القصائد، ووزعت ألقاب البطولات. وهناك من اقترح شراء الحذاء بمئات الآلاف من الدولارات، ومحامون متطوعون من مشارق الأمة ومغاربها للدفاع عن الصحافي قاذف الأحذية.
لماذا لم يتطوع أحباءنا من أصحاب آلاف الملايين من الدولارات لتوجيهها للشعب الفلسطيني المحاصر بغزة؟ للمقاومين الفلسطينيين من الاحتلال الصهيوني؟ للمقاومة العراقية الحرة؟ هل حذاء منتظر الزيدي أسمى من المقاومة وأولى منها؟ والمحامون الذين يريدون التطوع ، ألا يتعلق الأمر بشعبوية تحت بذلة الدفاع ؟ هناك آلاف القضايا العادلة المحتاجة للمؤازرة ولا تجد من يدافع عنها، لأنها رغم عدالتها لا تجلب شهرة ولا تشكل مادة لرواج اسم المكاتب في بورصة المحاكم.
هل فعلا إن امة العرب فاشلة في تحقيق أي انتصار وأي عمل بطولي إلا من خلال ضربة حذاء مواطن استغفل المنظمين الذين صدقوا انه صحافي قبل أن يستعمل حذائه العابر للقارات؟ هل فعلا كل هذه المقاومة التي يتشبث بها الشعب العربي وكل هذا النضال لا يساوي شيئا أمام ضربة حذاء!!

الطيب حمضي
26 decembre 2008

التعديل الحكومي

موضوع التعديل الحكومي سيقودنا اليوم إلى الحديث عن ثلاثة مواضيع مرتبطة ببعضها. أولها حكايات وقصص التعديلات الحكومية بالمغرب، ثم عباس الفاسي وحكومته وقصة خروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة الحالية.
شخصيا، لا أتذكر حكومة تم تنصيبها، قبل أن تتبعها شائعات حول التعديل الحكومي أسابيع فقط بعد التنصيب! من الواضح، من خلال تواتر الأخبار والتسريبات حول التعديلات الحكومية المحتملة وتوقيتها والحقائب المحتمل مغادرة أصحابها للحكومة أو دخول المرشحين الجدد لها، من الواضح أن وراء الإشاعات جهات معينة ومنظمة وليست كلها خيالا صحافيا. حيث، طبعا، بعد شيوع وإقناع الرأي العام بقرب التعديل الحكومي، يشتغل الخيال الصحافي والسياسي في اقتراح لوائح متعددة من الوزراء، بل حكومات متكاملة!
حين تتشكل أي حكومة، يعتقد المغاربة أنها أسوأ حكومة يعرفها تاريخ المغرب، قبل أن تأتي التي بعدها.
المغاربة يعرفون، بالحدس أو بالعقل أو بالممارسة أو بهم معا، أن التشكيلات الحكومية مهما اختلفت لن تحدث تغييرا كبيرا في حياتهم، لأن الأمر يتعلق بموظفين سامين أكثر مما يتعلق بوزراء. هذا لا يعني طبعا أن ليس لشخصية الوزير أو لنوعية الحكومة أو للأحزاب المشكلة لها أي تأثير على الأداء الحكومي أو الوزاري على النتائج. لكن السياسة العامة للدولة لا يضعها الوزراء الذين يديرون قطاعاتهم يوما بيوم. لذلك، لا أفهم كيف نتصور أنه برحيل حكومة ومجيء أخرى قد تحدث ثورة في حياة المغاربة. قد لا أبالغ إذا قلت إنني أعتقد أن ملاحقة الحكومات والوزراء بإشاعات التعديل الحكومي يضعف أداءهم ومواقعهم أكثر ويجردهم حتى من تلك الاختصاصات القليلة التي يتمتعون بها. فالوزير الخائف على منصبه ينسى كل شيء. ينسى قطاعه ويظل يجري فقط لإرضاء زعيم حزبه والمحيط الملكي، عله يضمن استقراره في منصبه. وهو في سبيل ذلك مستعد للتخلي ليس فقط عن اختصاصاته الدستورية بل حتى اختصاصاته الإدارية وربما الشخصية حتى!!
هذا يقودنا إلى الحديث عن الوزير الأول السيد عباس الفاسي وكيف أن تعيينه وسط نقد واسع وأحياناكثيرةلاذع. بل تمت فبركة حكومة جديدة أسابيع قليلة في إطار حملة إشاعات قوية منظمة. اليوم أزيد من سنة بعد توليه كرسي الوزارة الأولى، لازالت حكومة الفاسي تتغير كل يوم في الصحافة والمقاهي. هل أداء عباس الفاسي أسوأ من كل الوزراء الأولين الذين سبقوه؟ لا شيء إلى حد الساعة يزكي ذلك. هل فعلا كانت حياة المغاربة ستنقلب رأسا على عقب إن تم اختيار وزير أول غير عباس الفاسي؟ تجارب خمسين سنة تقول غير ذلك. هل ساهم عباس الفاسي في تخليق الحياة العامة؟ هل ساهم في الدفاع عن مؤسسة الوزير الأول؟ هل كان محركا وضابطا لإيقاع وزرائه ومتجاوبا مع تطلعات المغاربة؟ وإلى أي درجة قام بذلك؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم على تجربة عباس الفاسي للحكم عليه هو كوزير الأول.
عباس الفاسي كانت عينه على مؤتمر الاتحاد الاشتراكي المتعثر، هل سيقرر الاتحاد الاشتراكي مغادرة الحكومة أم لا؟ الوزير الأول رجل سياسي وحزبي ويدرك جيدا أن الاتحاد لن يغادر حكومته، ولكنه كان ينتظر قرارات مؤتمر حزب حليف ليرى الثمن الذي عليه دفعه للحفاظ على توازن أغلبيته. الكثيرون يعتقدون أن مسألة خروج الاتحاد من الحكومة قضية وقت فقط، خصوصا بعد إقالة الكاتب الأول السابق وتصعيد لهجة بعض الأصوات من داخل الاتحاد الاشتراكي المطالبة بالانسحاب الحكومي. بل هناك من يرى أن الدولة نفسها لم تعد في حاجة للاتحاد الاشتراكي، وخروجه للمعارضة لن يضعفها في شيء، مادام سيغادر الحكومة واهنا، متعبا وفاقدا للشعبية.

الاتحاديون هم الذين قرروا الدخول في الحكومة، وهم الذين فوضوا للمكتب السياسي التفاوض. وحين تشكلت الحكومة، أصبح كل من وجد نفسه –من داخل القيادة- خارجها معارضا للتجربة. وسيكون من الطبيعي أن تتم المناداة بالانسحاب، اللهم إذا كان هناك أمل في الاستوزار! وكلهم يعرفون أن خروج الحزب للمعارضة هكذا سيضعف الحزب أكثر مما سيقويه. الخروج للمعارضة يجب أن يسبقه إصلاح حزبي عميق لمصالحة الحزب مع مناضليه ومع المواطنين. وهو ما أعتقد أن الحزب أدركه وهو بصدد القيام به. والدولة من جهة أخرى تدرك تماما أنها لازالت في حاجة إلى هذا الحزب داخل الحكومة وأنها غير قادرة على "صداعو" داخل المعارضة. وسيكون من السذاجة الاعتقاد أن الاتحاد الاشتراكي سيصرف معارضته من خلال فريق برلماني تطحنه دكاكة التصويت بكل ديمقراطية!
الدولة تدرك أن قدرة هذا الحزب على المعارضة وعلى قلب الطاولة لازالت قوية في المؤسسات وخارجها، داخل المغرب وخارجه. لذلك، أعتقد أنها لن تفرط فيه خلال ما تبقى من الولاية الثانية. وعليه ستتفهم مطالبه من خلال إضافة حقيبتين وزاريتين مثلا للخمس حقائب التي يتولاها الحزب حاليا.
الكاتب الأول الجديد للحزب السيد عبد الواحد الراضي عبر عن رغبته في مغادرته وزارة العدل كما التزم أمام مؤتمر حزبه. وبالتالي، لابد من تعديل حكومي ولو جزئي ليكون مناسبة لإضافة حقيبتين للاتحاد الاشتراكي. خروج الراضي ودخول ثلاثة وزراء وربما خروج اثنين (الراضي واليازغي) ودخول أربعة وزراء جدد. من شأن أربعة حقائب أن تسهل بكثير قرار قيادة الاتحاد الاشتراكي بالاستقرار في حكومة الفاسي، خصوصا إذا صودق على قرار الاستقرار في الحكومة، قبل بدء المشاورات حول الأسماء!
الطيب حمضي
19 décembre 2008

الانتقال الديمقراطي داخل الاتحاد الاشتراكي؟

أنهى حزب الاتحاد الاشتراكي الشوط الثاني من مؤتمره الثامن -بعد تعثر اشغاله بداية الصيف الماضي- نهاية الأسبوع بانتخاب الأستاذ عبد الواحد الراضي كاتبا أولا للحزب عن طريق الاقتراع الفردي المباشر من بين ست مرشحين، وبانتخاب أعضاء المكتب السياسي كذلك بالاقتراع السري وسط منافسة حادة وأحيانا عنيفة. منافسة قوية جعلت من الصعب التوافق المسبق على المرشحين ولا حتى "التوافق المسبق حول نتائج الاقتراع". ولأول مرة، يذهب الاتحاديون إلى مؤتمرهم وهم لا يعرفون من هو كاتبهم الأول ولا من هم أعضاء المكتب السياسي. بل ذهب زعماء و"كبار" الحزب إلى المؤتمر وهم لا يعرفون هل سيتم انتخابهم أم إقصاؤهم. وبهذا المعنى، فإن الإتحاد الاشتراكي رمى بنفسه لأول مرة في دهاليز ومغامرة صناديق الاقتراع، بعيدا عن التوافقات الفوقية من خلال لجن الترشيحات السيئة الذكر أو أنماط وطرق الاقتراع المضمونة النتائج.
حزب الاتحاد الاشتراكي عاش قويا خلال سنوات القمع، متماسكا، صلبا ومرتبطا بالناس وقضاياهم، لكنه لم يعرف كيف يتأقلم مع فترة الانفتاح والتدبير الجماعي وبعدها المشاركة الحكومية. هناك عدة أسباب لكبوات الاتحاد الاشتراكي خلال فترة الانفتاح. منها التعب الذي ظهر على قيادات الحزب واعتبار أن من حقها "الاستفادة" من الانفتاح بالأولوية. ومنها كذلك أن عناصر النجاح تختلف بين مناخ القمع ومناخ الانفتاح. واعتقاد بعض قيادات هدا الحزب أنه بمجرد تحمل المسؤولية الحكومية سيتمكن الحزب من تغيير وجه المغرب. وأنه كلما أعطيت الفرصة للمغاربة للتصويت بحرية واحترمت إرادتهم، فإن الجماهير الشعبية لا يمكن أن تصوت إلا على حزبهم الذي هو حامل قضاياها وهو الذي ضحى من أجلها طيلة 30 سنة. لكن مشاركة الحزب في الحكومة أظهرت عدة حقائق. أولها أن مشاركته في تدبير الشأن العام لم تأت بمعجزات، بل تماهت مع ما سبقها من تجارب، اللهم في بعض جوانب التدبير اليومي التي لا تحتاج لا إلى رؤى إيديولوجية ولا سياسية ولا حتى إلى رؤى أصلا. وأظهرت أن الإشكال بالمغرب هو إشكال مؤسساتي وليس قضية إرادات وعزائم. وأظهرت أن المناضلين من أجل الديمقراطية ليسوا بالضرورة ديمقراطيين أمام سلطة الامتيازات. وأظهرت كذلك أن المواطنين لا يحكمون على الخطابات والإنشاء، بل على ما يتحقق في الواقع. وأظهرت أن التعاقد حول الانتقال الديمقراطي لم يكن في الأصل تعاقدا.
اليوم، حزب الاتحاد الاشتراكي أكثر معرفة بالواقع المغربي، وأكثر معرفة بحقائق المؤسسات، وأكثر معرفة بحقه الحقيقي وقدراته. ولكن بنيته بقيت مغلقة ومتحكما فيها. اليوم، رمى بنفسه في مغامرة الاحتكام لصناديق الاقتراع، مع ما يتلوها أو ما يجب أن يتلوها من تدابير مصاحبة تتعلق بضبط العضوية والشفافية واللامركزية والتداول وتحديد الولايات.
إذا عرف هدا الحزب كيف يسير في طريق الديمقراطية الداخلية بشجاعة، بإمكانه ربح رهان إعادة إحياء الحزب بعد أن كان قريبا من السكتة القلبية. عرف المشاركة الحكومية ومحدوديتها ومحدودية نتائجها ومحدودية المنافع الشخصية التي تؤمنها، وسيعرف بلا شك في 2012 أو بعد ذلك تجربة الرجوع لصفوف المعارضة. لن يبقى مغريا للأعيان أو أصحاب المال الذين نزلوا على الاتحاد، اعتقادا منهم أن الاتحاد الاشتراكي هو حزب القصر وحزب الدولة للأربعين سنة المقبلة.
لن يعود هدا الحزب مُغريا إلا للذين يؤمنون فعلا بخطه السياسي. وبالتالي، فإن ظاهرة الأعيان الذين أتوا إليه لانتهاز الفرصة ظاهرة ستنتهي من تلقاء ذاتها. وهنا، لا أتحدث عن الأعيان الذين قد يكونون بنوا اختيارهم عن قناعة.
إذا كان الاتحاد الاشتراكي لم يفلح في تحقيق الانتقال الديمقراطي بالبلاد، فعلى الأقل عليه أن يستفيد من كون الانتقال الديمقراطي المتعثر قد ساعد ه هو نفسه على تحقيق "انتقال ديمقراطي" داخلي. عليه أن لا يخطئه هو الآخر بالموازاة مع تحد آخر هو الوضوح السياسي.
الطيب حمضي
14 نونبر 2008

لجنة وطنية ضد الانقلاب

الاتحاد الأوروبي أعطى مهلة شهر للانقلابيين بموريتانيا للرجوع عن انقلابهم واستئناف الحياة الدستورية والديمقراطية العادية أو سيلاقون العقوبات. كذلك موقف الاتحاد الافريقي.
أقولها منذ البداية بل هي البداية: استغربت وأستغرب كثيرا لعدم إظهارنا، كمغاربة سياسيين وحقوقيين وفاعلين وديمقراطيين، أي مظهر من مظاهر التضامن مع الشعب الموريتاني في محنته التي يعيشها على إثر الانقلاب العسكري الذي اغتصب السلطة في موريتانيا. ليس في المغرب فقط، بل كل دول الجوار بالمغرب العربي والعالم العربي. تركنا الموريتانيين وحدهم في مواجهة عودة منطق الانقلابات بعد أن سارت البلاد في طريق الديمقراطية.


ان موقفنا كشعب جار متضامن مع الشعب الموريتاني في محنته هو موقف مبدئي وكذلك موقف في صالح بلادنا. وهو ما سنفصله في هده الزاوية.


الضابط الذي يحكم موريتانيا حاليا، بجانب الطغمة العسكرية التي اغتصبت السلطة عنوة، أزاح رئيسا منتخبا من خلال انتخابات رئاسية لم يطعن في نزاهتها أحد، بل تم تنظيمها تحت مراقبة دولية وإعلامية شفافة. وعاشت موريتانيا انتخابات برلمانية نزيهة. لا يهمني اليوم تقييم تجربة الرئيس المطاح به في سدة الحكم، هل كان صالحا أم لا؟ لا يهمني ذلك، لأن تلك ليست مهمتي ولا مهمة العسكر بموريتانيا، بل هي مهمة من أعطوا أصواتهم للرئيس، ولهم وحدهم الحق في سحب الثقة منه أو إعطائه إياها ثانية من خلال انتخابات نزيهة كذلك.


ما عاشته موريتانيا ليس انقلابا عسكريا جاء بعسكر بعد الإطاحة بعسكر سابقين. موريتانيا عاشت الانقلابات، الواحد تلو الأخر، ثم سُلِمت السلطة للمدنيين في تجربة نادرة بالوطن العربي. وتم تنظيم انتخابات حرة. وحين ظهر لبعض العسكر الموريتاني أنهم أولى بالرئاسة، تمت الإطاحة بالشرعية. إذا سكت المجتمع الدولي عن هذه الواقعة أو تساهل معها، فلن تكون هناك أية ضمانات بالمطلق أن يقوم أي عسكري، بموريتانيا أو السنغال أو حتى فرنسا والسويد، بالإطاحة بالشرعية الديمقراطية، بدعوى أن الرئيس فاسد! بماذا تعد الطغمة العسكرية بموريتانيا؟ انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد! حتى وإن صدقناها، ما الفائدة من ذلك إذ كان هذا الرئيس الجديد سيكون تحت رحمة أي عسكري يستيقظ باكرا بنواكشوط ليصبح رئيسا للجمهورية؟ هذا عبث لا يمكن السكوت عنه أو التساهل معه. ادا نجح الانقلاب فموريتانيا على موعد مع عقود أخرى من الانقلابات وانعدام الاستقرار ومن ثم الفساد والتخلف. و ادا وقف المجتمع الدولي ضد الانقلاب وتم إفشاله فلن يكون من السهل أن "تزنزن" دبابة الانقلاب في ادن العسكر بعد اليوم. اد سيكون مصير انقلابهم الفشل حتى وان اعتلوا سدة الحكم بالقوة. هدا هو التحدي الكبير.


قبل أشهر، كتبتُ في هذه الزاوية ما معناه أن علينا كمغرب تعميق العلاقات مع موريتانيا حتى لا نجد أنفسنا يوما بين فكي كماشة. والمؤسف أنه بعد الانقلاب وجد المغرب نفسه بين كماشة موريتانية صرفة هذه المرة! إذا ساند الانقلاب ولم ينجح في الأخير، فتلك مشكلة. وإذا عارض الانقلاب ونجح تلك مشكلة كذلك. المغرب الرسمي في وضعية حرجة لا يحسد عليها. فالموقف الرسمي ليس دائما موقفا مبدئيا، بل يأخذ بعين الاعتبار المصالح، مصلحة الدولة. وعلاقتنا بجارتنا الجنوبية لها أهمية كبيرة، خصوصا مع قضية الصحراء.


لكن الموقف الشعبي (أحزاب سياسية، نقابات، جمعيات، فاعلون، مناضلون) موقف هؤلاء كان يجب أن يكون موقفا مبدئيا، لا غبار عليه، ليس فقط دفاعا عن الديمقراطية وعن الشرعية، بل كذلك لأن مثل هذا الموقف في صالح المغرب. إن إخفاق الانقلابيين وعودة المشروعية (وهذا احتمال وارد جدا ولو بصيغ وسطية) لن يكون كارثة على الموقف الرسمي، بل سيحفظ الشعب الموريتاني الود اتجاه الشعب المغربي الذي سانده خلال محنته. لنقلها صراحة، حتى وإن فكرنا بمنطق المصالح، فإن علينا كديمقراطيين الوقوف ضد الانقلاب، فالأحرى أن هذا الموقف هو الموقف المبدئي. هل يجب أن نفعل ذلك فقط بمنطق سياسوي؟ أبدا. أنا لا أفهم كيف لا تقوم الوقفات الاحتجاجية وتشتعل الشموع أمام البرلمان وغيرها من أشكال الاحتجاج، دفاعا عن شعب كامل أصبح رهينة في يد العسكر؟ كيف يقبل الديمقراطيون والحقوقيون والمناضلون بهذه البلاد أن تغتصب إرادة شعب جار لنا ونحن صامتون؟ هل الموريتانيون لا يستحقون الديمقراطية مثلا؟ هل من الضروري مثلا أن يكون الشعب الفرنسي أو الإسباني أو الأمريكي هو المتضامن مع الشعب الموريتاني؟ من لا خير له في جاره فلا خير يرجى منه لشعبه. ولاخير فينا ان لم نحس بما يحس به جيراننا. ومن العار أن نترك نساء وشباب موريتانيا وحدهم بصدور عارية أمام مدافع وأسلحة عسكر مغتصب للسلطة. الانقلاب لن يمر. والشعب الموريتاني يدرك يوما بعد يوم أن لا أمل له في الديمقراطية إن نجح هذا الانقلاب. ونحن مطالبون بدعم القوى المناهضة للانقلاب، من خلال لجنة مغربية للتضامن مع الشعب الموريتاني، ومن خلال استضافة المناهضين للانقلاب ودعمهم سياسيا وإعلاميا ودوليا.


هذه مهمتنا لصالح موريتانيا وشعب موريتانيا ولصالح بلدنا.

الطيب حمضي

ياسمينة بادو: حياتهم مسؤولية في عنقك

يتابع الرأي العام منذ مدة أخبار احتجاجات طبيبات مغربيات فوج 2007 على عدم تعيينهن قرب محل بيت الزوجية من طرف وزارة الصحة. ومنذ أشهر وهن تقمن بأشكال احتجاجية مختلفة. ومؤخرا لجأن إلى علماء الدين للإفتاء في حالتهن! وقد وجه الأستاذ عبد الباري الزمزمي، عالم دين وبرلماني، رسالة إلى السيدة ياسمينة بادو وزيرة الصحة يذكرها فيها بأن التفريق بين الزوجين جرم كبير وذنب عظيم في الإسلام.
وقبل أن ندخل في صميم الموضوع، دعونا نذكر أن الطبيبات المحتجات، بعد تخرجهن من كلية الطب، اجتزن مباريات للتخصص، والتحقن بدراستهن وتخصصهن، بعد أن أمضوا عقدة للعمل مع وزارة الصحة عند تخرجهن. وبهذه الصفة، مكنتهن وزارة الصحة من أجور خلال مدة التكوين أعلى من الأطباء الذين لم يريدوا الالتزام بعقدة للعمل مع وزارة الصحة.
ولنذكر كذلك أن قانون الوظيفة العمومية واحد يسري على جميع الموظفين في التعليم والصحة والمالية والتجهيز والأوقاف وو... وهو يعطي صلاحية للإدارة بتعيين الموظفين في الأماكن التي هي في حاجة للخدمات، حسب خريطة محددة، ليستفيد المغاربة كلهم من الخدمات العمومية على قدم المساواة. والموظفون لهم الحق في طلب الانتقال كلما كانت إمكانيات الانتقال متوفرة. وعلى الإدارة أن تعطي الأسبقية لمن قضوا فترات طويلة في مناصبهم. كما على الإدارة استحضار عناصر أخرى، منها التجمع العائلي (تسهيل انتقال الزوجة قرب مكان عمل زوجها أو انتقال هذا الأخير للعمل قرب مكان عمل زوجته)، ومنها كذلك الظروف الصحية (تقريب مريض مزمن مثلا من مركز استشفائي متخصص في حالته).
لنرجع الآن إلى الطبيبات المتخصصات.

1- من حقهن التام والشامل والمشروع المطالبة بتعيينهن في أماكن قريبة من بيت الزوجية لضمان استقرار عائلي لهن ولأزواجهن ولأطفالهن. وهذا حق مشروع لهن ولكل الموظفات، بل لكل العاملات، سواء بالقطاع العام أو الخاص. غير أن هذا الحق لا يمكن تفعيله إلا إذا توفرت الظروف لذلك. ومع الأسف، فإن الخريطة الصحية بالمغرب لا تسمح اليوم بتعيين كل الطبيبات المتواجدات قرب أزواجهن أو كل الأطباء قرب زوجاتهم ومكان دراسة اطفالهم.

2- محور الرباط، البيضاء، فاس، مراكش ... يتمركز فيه عدد من الأطباء يتعدى عشرات المرات عدد الأطباء المتواجدين بـ"المغرب غير النافع". للأسف هذه حقيقة تذكرنا بها اليوم الطبيبات المتخصصات. في الراشيدية وزايو والشاون وامنتانوت وبوعرفة وآزرو وغيرها من المدن "النائية"، هناك خصاص فظيع في أعداد الأطباء. هي مدن نائية عن ماذا؟ عن الرباط والبيضاء. وكأن المواطن المغربي ليتمكن من الاستفادة من خدمات بلاده ضروري أن يعيش بالرباط!!!

3- المواطنون بالمدن والأقاليم النائية، المواطنون بالقرى والمداشر، المواطنون بالأحياء الشعبية، المواطنون ذوو الاحتياجات الخاصة، أو ذوو الظروف الخاصة، كلهم سواسية وهم في حاجة إلى التعليم والتطبيب وإلى اللربط بشبكة الصرف الصحي والماء الشروب والطرق مثل غيرهم. لذلك، فهم في حاجة إلى الخدمات الطبية الملائمة أو على الأقل الحد الأدنى منها بعد 50 سنة من الاستقلال والإهمال.

4- في المدن البعيدة عن العاصمة، يحتاج المرضى إلى قطع مئات الكيلومترات للوصول إلى العلاج، وأحيانا لا يصلون إليه، بل يفارقون الحياة. وبسبب البعد، يصبح العلاج مكلفا، ليس بسبب مصاريف الدواء والتشخيص، بل بسبب تنقل المرضى ومرافقيهم. وهو ما يجعل العلاج بعيدا عن متناول الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
الكثير من الوفيات والأمراض والعاهات تحدث بالمناطق البعيدة، بسبب تعذر الوصول إلى العلاج أو التأخر في الوصول، بعد أن يكون فات الأوان. لذلك، فإن تواجد الأطباء بمختلف مناطق المغرب ومن مختلف التخصصات هو واجب على الدولة وعليها ضمان ذلك لكل مناطق البلاد.

5- لأن المواطنين في المناطق البعيدة محتاجون للعلاج كغيرهم من المغاربة، فمن المفروض أن يتم تعيين الأطباء بتلك المناطق، إذ لا يعقل مثلا أن يكون أحد يتصور أن يتم تعيين الأطباء بالرباط والبيضاء ونطلب من ملايين سكان المناطق البعيدة أن يغيروا محل سكناهم نحو العاصمة، حتى إذا احتاجوا إلى خدمات صحية كانوا قريبين من الطب والأطباء!!!

6- بهذه المناطق البعيدة، هناك أطباء وطبيبات تم تعيينهم منذ سنوات للعمل هناك، وهم ينتظرون الأفواج الجديدة لتعويضهم ليلتحقوا هم بأسرهم. وهكذا دواليك.

7- النساء الموظفات، كن مدرسات أو شرطيات أو طبيبات، لهن نفس الظروف. ولم نسمع يوما أن أستاذات متزوجات رفضن الالتحاق بمقر عملهن، لأن ذلك يبعدهن عن أزواجهن ويعرضهن لـ"التطليق" أو التفريق! بل يلتحقن بأماكن عملهن ويؤدين واجباتهن ويشاركن في الحركة الانتقالية ويتقدمن بطلبات الانتقال بالطرق القانونية حتى يتم جمع شمل أسرهن.

8- كثير من الموظفين الرجال يتم تعيينهم بعيدا عن أسرهم، ولا يكون من الممكن أن تنتقل عائلاتهم معهم في الحين بسبب عمل الزوجة مثلا أو ظروف دراسة الأبناء أو طبيعة مكان التعيين الجديد. يلتحقون بأماكن عملهم ويؤدون واجباتهم. وبالموازاة مع ذلك، يبحثون عن حلول تمكينهم من لم شمل أسرهم.

9- هذه قضايا إدارية يومية. هل من المعقول البحث فيها عن فتاوى؟ لماذا يتم توريط الدين والفقهاء والعلماء في مثل هذه القضايا؟ هل تم إخبار الأستاذ عبد الباري الزمزمي، مثلا، بأن المدن التي تم فيها تعيين الطبيبات تعاني نقصا فادحا وعجزا مهولا في الأطر الطبية؟ هل تم إخباره بأن آلاف الأمهات تفارقن الحياة أو تترملن هناك بسسب غياب الاطباء؟ وبأن آلاف الأطفال يموتون أو يصابون بعاهات في تلك المناطق، بسبب غياب الرعاية الصحية القريبة؟ هل تم إخباره بأن أماكن أزواج الطبيبات يتعدى فيه عدد الأطباء المعدل الوطني بكثير، وأن تعيينهن بهذه المراكز هو إهدار لطاقات بشرية وإهدار للمال العام في وقت توجد مناطق أخرى ومواطنون مغاربة في أمس الحاجة إلى هذه الأطر؟

10- لماذا لم يسألوا الأستاذ عبد الباري الزمزمي عن موقف الدين من أطباء يرفضون تقديم العلاج لمواطنين في حاجة ماسة إلى تلك العلاجات؟ عن موقف الدين من ترك مواطنين بدون رعاية صحية، عرضة للأمراض والموت المحقق؟
لماذا لم يسألوا عن الموقف الديني من اللذين يتنكرون لعقود والتزامات التزموا بها ثم يحاولون التنكر لها؟

11- هل ياسمينة بادو عينت أطباء في مناطق هي في حاجة إليها أم فرقت بين الزوجين؟؟ في مثل هذه الحالة، ما موقف الدين من القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية التي تعين عشرات الآلاف من الجنود بعيدا عن أسرهم (رجالا ونساء)، ولا يلتقون بعائلاتهم إلا مرة في الأسبوع أو في الشهر وأحيانا لمدة أطول؟ هن وهم بأماكنهم يؤدون مهمة نبيلة وشريفة هي الدفاع عن الوطن. ومعالجة المرضى والعناية بالصحة ليست أقل نبلا ولا شرفا من الدفاع عن الوطن. كل من قام بواجبه بشكل كامل هو بمثابة مدافع عن الوطن.

12- إذا عملت ياسمينة بادو على تعيين الطبيبات المتزوجات أو غيرهن ومن سيأتي بعدهن في الأماكن التي يرغبن فيها وتركت المناطق البعيدة بدون تغطية، هل تكون قدمت خدمة للوطن أم أجرمت في حق الوطن وفي حق ملايين المواطنين الذين ينتظرون تعيين الأطباء والمدرسين والمهندسين وغيرهم من الأطر حتى تتحسن ظروف حياتهم؟

13- إن ترك مناطق بدون تغطية صحية لائقة يعرضها إلى مزيد من التهميش والفقر ولا يساعدها على التنمية مطلقا. فالاستثمار والسياحة مثلا لا تتطور بالمناطق المهمشة. ففي غياب مؤسسات صحية لائقة وشبكة طرقية لائقة وخدمات لائقة يرفض المستثمرون إقامة مشاريعهم. فهل محكوم على تلك المناطق بالتهميش وعلى سكانها بالمرض والفقر مدى الدهر؟

إن على السيدة ياسمينة بادو معالجة حالة الطبيبات المتخصصات بكل ما يلزم من التفهم والرأفة والعطف والتقدير بحالاتهن الاجتماعية والأسرية، ولكن كذلك دون أن يكون الأمر حلى حساب حياة وصحة المواطنين بالمناطق المعنية. إنها مؤتمنة على صحتهم وحياتهم. وإذا لم يكونوا يتظاهرون أمام وزارتها بالملايين، فذلك لا يعني أنهم غير متضررين. العشرات يموتون كل يوم بسبب صعوبة الولوج للعلاج. الآلاف من النساء تترمل بفقدان أزواجهم بسبب ضعف التاطير الطبي. الآلاف من الأطفال يتيتمون بسبب فقدان الأب أو الأم بسبب ضعف التغطية الصحية. العشرات الآلاف يفقدون البصر أو القدرة على المشي أو الحركة بسبب تعذر الحصول على العلاج الملائم في الوقت الملائم.

إن حياة وسلامة صحة هؤلاء أمانة في عنقها أولا وفي عنق الأطباء والطبيبات الدين كونهم الوطن لمثل هده المسؤوليات، و ثابروا هم من جهتهم وكافحوا للنهوض بمثل هده المهام الإنسانية النبيلة. إن الجسم الطبي المغربي مشهود له بالكفاءة ونكران الدات والتطوع كل ما كان الوطن أو المواطنون في حاجة لدلك، بل حتى تضامنا مع شعوب أخرى مهما بعدت في وقت الكوارث والأزمات، فالأحرى القيام بالواجب المهني في ربوع الوطن. لدلك فان هده الروح هي التي ستنتصر قبل القانون نفسه.

الطيب حمضي
23 octobre 2008

صحافة خطرة

الصحافة ركيزة أساسية من ركائز المجتمعات الحديثة الحرة والديمقراطية. الصحافة شرط مهم من شروط التنمية والتقدم المجتمعي، بما هي آلية من آليات توازن السلط. و حرية الصحافة هي العمود الفقري للممارسة الصحفية الحقيقية والسليمة.
لكن هل يمكن إغماض العين عن ممارسات "صحفية" تشكل خطرا على الصحافة نفسها وعلى حرية الصحافة وخطرا على المجتمع وعلى المواطنين؟
خطر على أعراض المواطنين وشرفهم وسمعتهم وسلامة صحتهم وحياتهم وممتلكاتهم وطمأنينتهم؟ هل يمكن إغماض العين عن هده الممارسات بدعوى تمترس "مقترفي" هدا النوع من الصحافة وراء حرية التعبير ومن ثم اللاعقاب؟
هل حرية الصحافة هي حصانة يسلمها المجتمع للصحف ووسائل الإعلام المختلفة والصحافيين ليرتكبوا ما شاء لهم من أخطاء وخطايا دون مساءلة؟
لن أطرح سؤال ماهي حدود حرية الصحافة، بل سؤالا أكثر عملية: ماذا نعني بحرية الصحافة؟ وماذا تشمل حرية الصحافة؟ هل تشمل حرية الصحافة مثلا التعرض لأعراض الناس والتشهير بهم ونقل الأخبار الزائفة عنهم؟ هل تشمل حرية الصحافة التهجم على المؤسسات السياسية أو التجارية أو الجمعوية أو غيرها، قصد تدميرها أو النيل منها بواسطة الأكاذيب والأخبار الملفقة؟ هل تشمل حرية الصحافة عمليات الابتزاز التي تمارسها بعض المؤسسات الصحافية وبعض الصحافيين قصد الحصول على المال لا غير؟ هل تشمل حرية الصحافة اختلاق الأخبار خلقا عوض البحث عنها؟
أكيد أن حرية الصحافة لا علاقة لها بكل ما ذكر. وإذا كان الأمر كذلك، ما هذا الذي نشهده اليوم في بلادنا؟ أعرف أن بلادنا تعرف تحولا ديمقراطيا، وبالتالي حتى على المستوى الإعلامي تعرف مرحلة انتقال بكل سَكَراتها وهفواتها ونجاحاتها كذلك. لكن المتصفح لبعض المنشورات الصحافية سيصاب بالغثيان للمستوى الذي آلت إليه المهنة في الكثير من الحالات. سيكون من الخطأ القاتل تعميم الأحكام، لأن هناك منتوجات صحافية تحترم الشروط الأساسية للعمل الصحافي. لكن في المقابل، طالعوا فقط الصفحات الأولى لبعض المنشورات دائما وللبعض الأخر أحيانا: قذف مباشر في حق الأشخاص أو المؤسسات، أخبار ملفقة، أخبار مختلفة، حقائق مغلوطة، أحداث مفتعلة، خطابات عنصرية، إهانات... العديد منها مفضوح تماما، والآخر يبحث له أصحابه عن غطاء "حرفي". أكيد أني لا أتحدث عن بعض هذه الحالات التي قد تحدث عن طريق الخطأ أو عن حسن نية مثلا- رغم خطورتها- ولكني بصدد الحديث عن مؤسسات صحافية وصحافيين قرروا، عن سبق إصرار، البحث عن قراء عن طريق استعمال الأساليب المذكورة سابقا. أتحدث عن مؤسسات صحافية وصحافيين لا يبحثون عن قراء، ولكن عن أرصدة مالية من جهةٕ ما من خلال التعرض لجهات أخرى، عن مؤسسات صحافية وصحافيين تضع أقلامها رهن إشارة أجهزة ما لتصفية الحساب مع جهات وأجهزة أخرى. أتحدث عن أولئك الذين وضعوا أقلام الصحافة وراءهم، وقرروا التحول إلى مؤسسات لربح المال أو الجاه أو السلطة على حساب الصحافة ونبل رسالتها وعلى حساب أعراض الناس ومن خلال التلفيق والاختلاق والكذب. صحافة تعتبر نشر النميمة والإشاعة والأخبار الزائفة عملا اخباريا. صحافة تُستعمَل لتصفية الحسابات ليس حتى من خلال استراتيجية صحفية – وان كانت نفسها ضد أخلاقيات المهنة- ولكن من خلال الكذب الممنهج.
لقد آن الأوان للجسم الصحافي قبل غيره التحرك لحماية مهنة الصحافة، بل لإنقاذها من هذه الممارسات المسيئة للمهنة ولممتهنيها. آن الأوان لينتفض الجسم الصحافي ويلفظ عنه هذه الطفيليات. ولكن كذلك، علينا نحن كمستهلكين لهذا المنتوج الصحافي الانتباه إلى خطورة الظاهرة وعدم التعايش والتسامح معها. علينا كلنا كمجتمع أن نفكر بشجاعة وصوت عال في الفصل بين حرية الصحافة بما هي رئة للمجتمع، و"الصحافة" الرديئة التي تتخفى وراء حرية الصحافة لتخلق قطيعة بين المجتمع وصحافته، مما يعطل فرص تطورها.
الطيب حمضي
17 octobre 2008

الرفيق جورج بوش

يعيش الاقتصاد الأمريكي منذ بضعة أشهر على إيقاع أزمة مالية هي الأخطر منذ ثلاثينيات القرن الماضي. انطلقت المشكلة بالأزمة التي عرفها قطاع العقار الأمريكي وانخفاض قيمة الرهون العقارية وما تلا ذلك من عجز الأمريكيين الذين استدانوا بكثرة لشراء بيوتهم عن سداد الديون، وإفلاس الشركات العقارية وانتقال الأزمة إلى البنوك والتأمين. وأصبح بعد ذلك الاقتصاد الأمريكي بل العالمي على حافة أزمة خطيرة ومحتاجا لإجراءات سريعة وقوية لمحاولة إنقاذه من الانهيار تحت وطأة الأزمة المالية. لتدارك الأمر، هيأت الإدارة الأمريكية خطة للإنقاذ بقيمة 750 مليار دولار. 250 مليار مخصصة للشراء الفوري لـ"الرهون السامة"، أي الخاسرة، لإنقاذ الشركات التي تمتلكها من الانهيار، و100 مليار دولار تحت تصرف الرئيس الأمريكي، و300 مليار تحت رقابة الكونكرس. الإدارة الأمريكية ستشتري بهذه الأموال الرهون الخاسرة والأسهم في الشركات المهددة بالانهيار. أي أن الإدارة الأمريكية - من خلال أموال دافعي الضرائب- ستشتري رهونا وأسهما خاسرة وطبعا بأثمنة أكثر مما تستحق فعلا بقيمة السوق عند الشراء. وهذا يسمى ببساطة تدخل الدولة في السوق، بل يسمى تأميما، أي أن الحكومة الأمريكية ستؤمم بعضا من القطاع الخاص الأمريكي. وتقضي الخطة كذلك بتحديد ومراجعة أجور مدراء الشركات الأمريكية. وهذه سابقة، إذ لأول مرة ستتدخل الدولة لتحديد أجور مدراء يشتغلون بالقطاع الخاص. سبب هذا الشرط معقول، إذ لا يعقل أن يتم ضخ أموال دافعي الضرائب في شركات فاشلة في وقت يتمتع مديروها بأجور خيالية. لكن، يجب تسجيل تدخل الدولة حتى في تحديد أجور الأطر العاملة بالقطاع الخاص.
هذه الإجراءات لها اسم بسيط هو: تدخل الحكومة في السوق من أجل تنظيمه وضبطه. وهو يعني شيئا بسيطا كذلك: إن السوق، مهما كانت، في حاجة إلى قوانين وإلى مراقبة وإلى تنظيم، وإلا تحولت إلى وحش قد يدمر كل شيء. هذه البديهة لا يؤمن بها الليبراليون المتطرفون. بالنسبة إليهم، السوق ينظم نفسه بنفسه، وأي تدخل فيه هو ضد التنمية وضد النجاح. وبالنسبة إليهم كذلك، ليس على الحكومة بالمطلق أن تتدخل في السوق بدعوى تنظيمه، في الوقت الذي كانت فيه الدولة هي كل شيء في الدول الاشتراكية ولا مكان للقطاع الخاص ولا للمبادرة الحرة. في الوسط وفي الفكر الاجتماعي الديمقراطي، المبادرة الحرة مركزية، والقطاع الخاص هو أساس الاقتصاد، لكن للدولة دورا بل أدوارا كثيرة عليها أن تلعبها حتى يكون السوق في خدمة المجتمع وليس العكس المجتمع في خدمة السوق! لذلك، فإن اقتصاد السوق مقبول بل مطلوب، ولكن مجتمع السوق مرفوض. وهذا ما كان دائما يرفض سماعه منظرو الليبرالية المتوحشة الأمريكيون. لكن ها هم اليوم يلجؤون إلى ما كانوا يعتبرونه عدو النجاح وعدو الاقتصاد وعدو السوق. وهاهم يعتبرون أن ذلك هو البلسم والحل للأزمة التي قادهم إليها السوق المتوحش. هذه الحلول ليست حلولا رأسمالية ولا هي حلول أمريكية ولا هي حلول مالية، بل هي حلول اقتصادية مستوحاة من المنظومة التي تؤمن باقتصاد السوق وبضرورة تنظيم هذا السوق.
الرئيس جورج بوش اختار النجاعة وليس الايديولوجيا لحل الأزمة - إن هي حُلّت- وعلى خطى الرفاق لينين وستالين وخروتشوف ، نقول للرفيق جورج بوش حظا سعيدا.
الطيب حمضي
10 octobre 2008

الأحزاب الجَنِـيسة

دعونا نتحدث عن الأدوية الجَنِيسة أولا (Médicaments Génériques)، وبعدها الأحزاب الجَنِيسة (Partis Génériques). لا شك أنكم تتابعون هذه الأيام وصلات إعلانية تبين أهمية استعمال الأدوية الجَنِيسة بدل الأدوية المرجعية. الأدوية الجَنِيسة هي نسخ طبق الأصل للأدوية المرجعية، ولها نفس الفعالية بالضبط، وثمنها أرخص بكثير. على سبيل المثال، قد تجد دواء ثمنه 300 درهم والدواء الجَنِيس ثمنه أقل من 50 درهما بنفس الفعالية بالضبط. والسبب؟ حين يكتشف مختبر ما دواء جديدا، يكون قد قام بصرف ميزانيات ضخمة في البحث لمدة سنوات. لذلك، حين يتم اكتشاف دواء جديد، يعطيه القانون حماية لمدة 20 سنة لا يمكن لأحد أن ينتج أو يبيع دواء مشابها له. خلال هذه العشرين سنة، يكون وحده «محتكرا» للسوق ويبيع دواءه بثمن عال لا يشكل فيه ثمن الكلفة إلا نسبة قليلة والباقي رسوم ومصاريف وأرباح واسترجاع لمصاريف الاستثمار في البحث. وهذه مسألة معقولة، إذ لولا ذلك لما قام أي أحد بصرف سنتيم واحد في البحث، ولما تطورت وسائل العلاج. بعد العشرين سنة، يمكن لأي مختبر أن يستنسخ ذلك الدواء ويبيعه بثمن أقل من ثمن الدواء المرجعي. ولذلك، فالفرق بين الإثنين هو «فارق قانوني» فقط وليس طبيا ولا كيميائيا: نفس الفعالية تماما ونفس الخصائص. هذا عن الأدوية الجَنِيسة. لنعد الآن إلى الأحزاب والعمل الحزبي بالمغرب. هناك إجماع بالمغرب اليوم على أن العمل الحزبي في أزمة عميقة. رغم الكم الكبير من الأحزاب، فإن المواطن لا يجد نفسه فيها ولا يحس بأنها تمثله أو تعبر عن مشاكله وانتظاراته. لذلك، لم تستطع مثلا كل هذه الأحزاب والرموز أن تستقطب إلا ثلث الناخبين في انتخابات 2007. وصورة الأحزاب سيئة لدى المواطن المغربي، فهي مؤسسات في أغلبها غير ديمقراطية، لا تجدد هياكلها، زعماؤها خالدون، تتفشى داخلها المحسوبية، لا تتمتع بالشفافية لا في تدبيرها التنظيمي ولا الإداري ولا المالي، غير مستقلة عن الدولة، غير قادرة على اتخاذ المبادرات، مكتفية بالتصفيق والتهليل لبرامج الدولة، لا برامج لها تسعى إلى تطبيقها... هذه الأزمة هيكلية وليست مرتبطة فقط بعجز الأشخاص، رغم أن لهم مسؤوليات كبرى في خلق الأزمة. ولكن القوانين والإطار العام المليء بالامتيازات الممنوحة للسياسيين جعلت من العمل الحزبي فرصة للترقي الاجتماعي على حساب العمل الوطني، وفرصة للإثراء والحصول على الامتيازات. ومادام هذا الإطار كما هو، فإن الحياة الحزبية لن تعرف لا تجديدا ولا ديمقراطية ولا شفافية ولا هم يحزنون. حين أسس الهمة ورفاقه «حركة لكل الديمقراطيين»، شاطرها التشخيص عدد من الفاعلين، ولكن - وكما سبق أن قلت في مقال سابق- «ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل». كل تلك الأفكار التي عبرت عنها الحركة في لقاءات جهوية همت المغرب كله خلصت إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة من خمسة أحزاب قائمة بعضها جزء من التجارب الحزبية بالمغرب المسؤولة عن فساد العمل الحزبي ببلادنا. لم يكن هناك أي إبداع ولا اجتهاد ولا بحث في ابتداع أساليب وأدوات جديدة للعمل السياسي تعيد للأخير مصداقيته ونبله. اكتفى السيد الهمة ورفاقه بتأسيس حزب على نفس شاكلة الأحزاب القائمة. تم تأسيس حزب جَنِيس، في أحسن الأحوال ستكون له نفس مواصفات الأحزاب القائمة. لم يتم استثمار حتى المشاورات الواسعة والآمال التي فتحت تلك اللقاءات حتى وإن كانت جنينية. هناك إحساس بأن الأمور عولجت بتسرع وبتفكير قريب المدى عوض التدبير الاستراتيجي لحاجيات البلاد، وبتدبير حزبوي مغربي تقليدي عوض التدبير التشاركي للقوى التي اعتمدتها الحركة نفسها. وهذا جزء من أسباب إخفاق الحزب الوليد في تحقيق ما كان ينتظره من الانتخابات الجزئية. الساحة السياسية في حاجة عميقة إلى الخلق والابتكار والإبداع والبحث عن أساليب ووسائل جديدة تخلص بلادنا من ممارسات حزبية عتيقة وعقيمة وتدفع إلى اليأس. ليس حزب الأصالة والمعاصرة وحده الحزب الجَنِيس الذي تأسس ببلادنا. منذ عقدين من الزمن وبلادنا تعرف تأسيس أحزاب جَنِيسة، باستثناء حزب العدالة والتنمية إلى حد الساعة، (من حيث توظيفه لمرجعية دينية، واستقطاب فئات اجتماعية جديدة للعمل السياسي، وإعمال التداول وبعض من الشفافية الديمقراطية الداخلية...) والحزب الاشتراكي الموحد في قوانينه وأدبياته المؤسِّسة (التصريح بالممتلكات، الشفافية، التداول، الميثاق الأخلاقي...)، لكن في الممارسة شيء آخر. سيكون من المجحف أن ينتظر المغاربة من الهمة ورفاقه القيام بهذه المهمة، ولكن كان بإمكانهم تحريك البركة الآسنة في هذا الاتجاه. المسؤولية صعبة جدا وأحيانا تبدو مستحيلة وسط عقليات حزبية متصلبة، لكن أول الغيث قطرة. لكن، كما فات الآخرين، فات حركة الهمة أن تكون هي تلك القطرة، بعد تأسيسها حزبا جَنِيسا، عوض المثابرة لخلق حوار وطني للتفكير في إبداع صيغ رائدة وجديدة وخلاقة لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وتأهيل الممارسة السياسية ببلادنا، بدل الركون للحلول السهلة والمتداولة والجاهزة.
الطيب حمضي
26 septembre 2005

sitemap

http://tayebhamdi.blogspot.com/
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/11/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/10/blog-post_23.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/10/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_26.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_22.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post_28.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post_18.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/07/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_21.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_13.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post_06.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/06/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_23.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_16.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post_08.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/05/blog-post.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_26.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_17.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_10.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4815.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2145.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4905.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6133.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5410.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5892.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_754.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_3415.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7717.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_8812.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6094.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2468.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_6680.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_3594.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5660.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_5437.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_1420.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_2002.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7026.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_4910.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7126.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_08.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/04/blog-post_7041.html
http://tayebhamdi.blogspot.com/2008/09/blog-post_06.html

الأحزاب الجَنِـيسة

دعونا نتحدث عن الأدوية الجَنِيسة أولا (Médicaments Génériques)، وبعدها الأحزاب الجَنِيسة (Partis Génériques).
لا شك أنكم تتابعون هذه الأيام وصلات إعلانية تبين أهمية استعمال الأدوية الجَنِيسة بدل الأدوية المرجعية. الأدوية الجَنِيسة هي نسخ طبق الأصل للأدوية المرجعية، ولها نفس الفعالية بالضبط، وثمنها أرخص بكثير. على سبيل المثال، قد تجد دواء ثمنه 300 درهم والدواء الجَنِيس ثمنه أقل من 50 درهما بنفس الفعالية بالضبط.
والسبب؟ حين يكتشف مختبر ما دواء جديدا، يكون قد قام بصرف ميزانيات ضخمة في البحث لمدة سنوات. لذلك، حين يتم اكتشاف دواء جديد، يعطيه القانون حماية لمدة 20 سنة لا يمكن لأحد أن ينتج أو يبيع دواء مشابها له. خلال هذه العشرين سنة، يكون وحده «محتكرا» للسوق ويبيع دواءه بثمن عال لا يشكل فيه ثمن الكلفة إلا نسبة قليلة والباقي رسوم ومصاريف وأرباح واسترجاع لمصاريف الاستثمار في البحث. وهذه مسألة معقولة، إذ لولا ذلك لما قام أي أحد بصرف سنتيم واحد في البحث، ولما تطورت وسائل العلاج. بعد العشرين سنة، يمكن لأي مختبر أن يستنسخ ذلك الدواء ويبيعه بثمن أقل من ثمن الدواء المرجعي. ولذلك، فالفرق بين الإثنين هو «فارق قانوني» فقط وليس طبيا ولا كيميائيا: نفس الفعالية تماما ونفس الخصائص.
هذا عن الأدوية الجَنِيسة. لنعد الآن إلى الأحزاب والعمل الحزبي بالمغرب.
هناك إجماع بالمغرب اليوم على أن العمل الحزبي في أزمة عميقة. رغم الكم الكبير من الأحزاب، فإن المواطن لا يجد نفسه فيها ولا يحس بأنها تمثله أو تعبر عن مشاكله وانتظاراته. لذلك، لم تستطع مثلا كل هذه الأحزاب والرموز أن تستقطب إلا ثلث الناخبين في انتخابات 2007. وصورة الأحزاب سيئة لدى المواطن المغربي، فهي مؤسسات في أغلبها غير ديمقراطية، لا تجدد هياكلها، زعماؤها خالدون، تتفشى داخلها المحسوبية، لا تتمتع بالشفافية لا في تدبيرها التنظيمي ولا الإداري ولا المالي، غير مستقلة عن الدولة، غير قادرة على اتخاذ المبادرات، مكتفية بالتصفيق والتهليل لبرامج الدولة، لا برامج لها تسعى إلى تطبيقها...
هذه الأزمة هيكلية وليست مرتبطة فقط بعجز الأشخاص، رغم أن لهم مسؤوليات كبرى في خلق الأزمة. ولكن القوانين والإطار العام المليء بالامتيازات الممنوحة للسياسيين جعلت من العمل الحزبي فرصة للترقي الاجتماعي على حساب العمل الوطني، وفرصة للإثراء والحصول على الامتيازات. ومادام هذا الإطار كما هو، فإن الحياة الحزبية لن تعرف لا تجديدا ولا ديمقراطية ولا شفافية ولا هم يحزنون.
حين أسس الهمة ورفاقه «حركة لكل الديمقراطيين»، شاطرها التشخيص عدد من الفاعلين، ولكن - وكما سبق أن قلت في مقال سابق- «ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل».
كل تلك الأفكار التي عبرت عنها الحركة في لقاءات جهوية همت المغرب كله خلصت إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة من خمسة أحزاب قائمة بعضها جزء من التجارب الحزبية بالمغرب المسؤولة عن فساد العمل الحزبي ببلادنا. لم يكن هناك أي إبداع ولا اجتهاد ولا بحث في ابتداع أساليب وأدوات جديدة للعمل السياسي تعيد للأخير مصداقيته ونبله. اكتفى السيد الهمة ورفاقه بتأسيس حزب على نفس شاكلة الأحزاب القائمة. تم تأسيس حزب جَنِيس، في أحسن الأحوال ستكون له نفس مواصفات الأحزاب القائمة. لم يتم استثمار حتى المشاورات الواسعة والآمال التي فتحت تلك اللقاءات حتى وإن كانت جنينية. هناك إحساس بأن الأمور عولجت بتسرع وبتفكير قريب المدى عوض التدبير الاستراتيجي لحاجيات البلاد، وبتدبير حزبوي مغربي تقليدي عوض التدبير التشاركي للقوى التي اعتمدتها الحركة نفسها. وهذا جزء من أسباب إخفاق الحزب الوليد في تحقيق ما كان ينتظره من الانتخابات الجزئية.
الساحة السياسية في حاجة عميقة إلى الخلق والابتكار والإبداع والبحث عن أساليب ووسائل جديدة تخلص بلادنا من ممارسات حزبية عتيقة وعقيمة وتدفع إلى اليأس. ليس حزب الأصالة والمعاصرة وحده الحزب الجَنِيس الذي تأسس ببلادنا. منذ عقدين من الزمن وبلادنا تعرف تأسيس أحزاب جَنِيسة، باستثناء حزب العدالة والتنمية إلى حد الساعة، (من حيث توظيفه لمرجعية دينية، واستقطاب فئات اجتماعية جديدة للعمل السياسي، وإعمال التداول وبعض من الشفافية الديمقراطية الداخلية...) والحزب الاشتراكي الموحد في قوانينه وأدبياته المؤسِّسة (التصريح بالممتلكات، الشفافية، التداول، الميثاق الأخلاقي...)، لكن في الممارسة شيء آخر.
سيكون من المجحف أن ينتظر المغاربة من الهمة ورفاقه القيام بهذه المهمة، ولكن كان بإمكانهم تحريك البركة الآسنة في هذا الاتجاه. المسؤولية صعبة جدا وأحيانا تبدو مستحيلة وسط عقليات حزبية متصلبة، لكن أول الغيث قطرة. لكن، كما فات الآخرين، فات حركة الهمة أن تكون هي تلك القطرة، بعد تأسيسها حزبا جَنِيسا، عوض المثابرة لخلق حوار وطني للتفكير في إبداع صيغ رائدة وجديدة وخلاقة لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وتأهيل الممارسة السياسية ببلادنا، بدل الركون للحلول السهلة والمتداولة والجاهزة.
الطيب حمضي
26 septembre 2005

فتوى السيد المغراوي

نقلت الصحف فتوى أصدرها السيد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش على موقعه الإلكتروني حول زواج الصغيرات سنا (9 سنوات)، وما راكمت من ردود أفعال إعلامية وحقوقية، ومنها قيام محام مغربي برفع دعوى قضائية ضد صاحب الفتوى، بما هي دعوة علنية وصريحة لمخالفة مقتضيات القانون الجاري به العمل ببلادنا، وخصوصا مقتضيات مدونة الأسرة.
إن مناقشة القضية تستدعي إبداء ملاحظات أساسية حول الموضوع والردود المترتبة عليه.
-1 الفتوى التي أصدرها السيد المغراوي مكونة في الواقع من جزأين مختلفين تماما. الجزء الأول هو ما يستند فيه إلى الأسس الشرعية لفتواه. وهذه الأسس لن أناقشه فيها، لأحكم بخطئها أو صوابها، لأني ببساطة لست مؤهلا لذلك. يقول: «أما ربط الزواج بالحيض فليس هناك ما يدل عليه، فالمرأة التي أمكنها تحمل الرجل، بكل ما في الكلمة من معنى، يجوز لها التزوج». وهو هنا يقول إنه ليس هناك في الشرع ما يربط بين الزواج والبلوغ أو الحيض أو بلوغ سن معينة، بل الحكم مرتبط بقدرة «المرأة» أو «الطفلة» بتحمل الرجل بكل ما في الكلمة من معنى.
-2 قلت أني لست مؤهلا لمناقشته في الأسس الشرعية لهذه الخلاصة. ولكن في نفس الوقت لم أسمع فقيها واحدا ولا متخصصا واحدا، ممن سئِلوا حول هذه الفتوى، قال عكس هذا الكلام، أو قال إن هناك سنا معينة يحرم الدين الزواج دونها، أو أن الفتوى مخالفة لأحكام الشرع. حتى الفقهاء الذين خالفوه لم يقولوا إن ما جاء به مخالف للشرع، بل تحدثوا عن عدم ملاْءمة الفتوى للواقع الحالي...
-3 لكن في الجزء الثاني من الفتوى - وهو الأخطر- ليس هناك استناد إلى الشرع، بل رأي خالص للسيد المغراوي، حيث يقول: «طبعا السن الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح، لكن قد تظهر الابنة على عشر أو إحدى عشر أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر. يكون لها جسم وعقل وبنية ومؤهلات تمكنها من الزواج، فهذا الأمر شهدناه وعرفناه وسمعنا به وحدثنا به، إن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه». هذا حكم قطعي بكون ابنة التاسعة مثلها مثل ابنة العشرين وربما أكثر!!
هذا الجزء الثاني هو قناعة السيد المغراوي ورأيه الخاص واستنباطه وفهمه الخاص لنفسية الطفلة وسلوكياتها وقدراتها. وهدا أمر خطير أن يعمم أي كان و مهما كان حتى ولو كان عالما على العامة مفاهيم وآراء خاصة به من شانها تشجيع الناس على الاعتداء على الطفولة واغتصابها باسم الزواج.
-4 من الخطير جدا تصور أن هناك من يعتبر ان الطفلة في عمر التسع سنوات لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق. هذا الحكم والجزم فيه خطورة كبرى على الطفولة. أكيد هناك حالات في التاريخ الإسلامي لزواج ابنة التاسعة ومنها النبي (ص)، ولكن هذه حالات خاصة ولم يصدر بشأنها تعميم على كل الطفلات من التاسعة فما فوق أو حدوثها أصلا بناءا على كون بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!!
-5 في هذا الجزء لم يستعن السيد المغراوي لا بالدراسات العلمية ولا بالتجارب الإنسانية ولا بأحكام من الشرع. اد حتى الحالات التي أوردها هو نفسه لم يكن المبرر وراء جوازها هو كون الشرع يعتبر بالقطع أن ابنة التسعة لها من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق!! بل إن السيد المغراوي حكم بما حدث به وسمع وعرف وشاهد هو كفرد. ومن حقنا أن نتساءل كم هي الحالات التي شاهدها السيد المغراوي لطفلات من تسع سنوات متزوجات داخل عائلته أو محيطه؟!
-6 حين نربط بين الجزأين، نفهم وكأن زواج ابنة التسع سنوات أمر لا غبار عليه في الشرع. والحال أن الشرع - حسب السيد المغراوي نفسه- يبيح زواج المرأة متى كانت قادرة على تحمل الزواج بكل ما للكلمة من معنى. هنا، انتهى حكم الشرع. أما متى تكون المرأة قادرة على تحمل الزواج، فهذا ما لم يتم حسمه بالأرقام. لا في التسع سنوات ولا الأربع سنوات ...
-7 وحين يقول السيد المغراوي «طبعا السنوات الصغيرة والصغيرة جدا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح»، فما هي السنوات الصغيرة والصغيرة جدا؟ ابنة السنتين؟ ثلاث سنوات؟ سبع سنوات؟ هل في الشرع ما يمنع السبع سنوات؟ والست سنوات؟ والخمس؟ لذلك، فإن السيد المغراوي حين أدخل حكمه الخاص وفهمه الخاص في الجزء الثاني أخل هذا الجزء بما سبقه من حديث في الشرع.
-8 أنا سأتفق مع السيد المغراوي في كون الشرع لم يربط بين الزواج والحيض، وأن المرأة تتزوج متى كانت لها القدرة على تحمل الزواج بكل ما في الكلمة من معنى، وأحيله على مدونة الأسرة بالمغرب.
-9 فالمدونة تشترط سن الثامنة عشر بالنسبة للمرأة، كما للرجل، في موضوع الزواج، لكنها تفتح المجال لزواج من هي أقل من ذلك إذا سمح القاضي بالموضوع لظروف خاصة.
وهذا المنع الذكي أو الاستثناء المشروط، جاء نتيجة للتوفيق بين ضرورة احترام الواقع الحالي والمعطيات العلمية والسوسيولوجية والنفسية، دون تعارض مع الشرع.
الشرع لا يشترط سنا معينة ولكن القدرة على تحمل الزوج. والمجتمع يرى -من خلال المشرع- أنه في سن الثامنة عشر تتكون لدى المرأة هذه القدرة عموما وهي السن المطلوبة للزواج كقاعدة عامة. أما إذا كانت هناك حالات خاصة، فالقاضي له رأي يبنيه بعد الاطلاع على المبررات والاستعانة برأي الطبيب وأي خبير نفسي أو اجتماعي للحكم بإمكانية أهلية الفتاة للزواج أم لا قبل الثامنة عشر.
-10 في هذه الحالة، تصوروا معي أبا يجر ابنته ذات الثماني أو تسع سنوات نحو القاضي لطلب إذن تزويجها! إذا كان الأب يعيش زمنا آخر، فالقاضي هنا ليجعله يراجع نفسه بالعلم والخبرة والشرع والقانون.
-11 ان خطورة فتوى السيد المغراوي لاتكمن في الجزء الشرعي من اجتهاده، بل في الرأي الشخصي الذي ضمَّنه وأضافه مع الفتوى. الشرع لم يحدد للزواج سنا معينة، بل مربوط فقط بالقدرة على تحمل الزوج، هذا اجتهاد ورأي لفقيه قد يكون هو الصواب. ولكن الشرع لم يقل «أن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه»... هذا رأي خاص للسيد المغراوي ومن حقه أن يكون له من الآراء الخاصة ما يريد حتى وإن كانت مخالفة للقوانين وتشكل خطورة على المجتمع مادام يحتفظ برأيه لنفسه. ولكن حين يتم بث مثل هذه الآراء الخاصة على الملأ، ومن شانها التحريض ولو من غير قصد على الاعتداء على الأطفال مثلا أو مخالفة القوانين فهذه هي ما يقع تحت طائلة القانون.
الفتوى ليس فيها دعوى لمخالفة مقتضيات مدونة الأسرة ولكن أحكام وآراء من شانها التحريض على الاعتداء على الطفولة!
الطيب حمضي
19 septembre 2008

العمليات الاستشهادية: مسائلة الذات

منذ أشهر عدة وأنا متردد في الكتابة بصراحة عن العمليات التفجيرية الانتحارية من أجل مسائلة الوعي الجماعي للمغاربة والتحسيس بخطورة وسيلة إرهابية جديدة قد نتساهل في إدانتها اليوم، تكون سبب خراب مستقبلنا وتدمير حياتنا وحياة من نعز. وفي نفس الوقت قررت إبداء الرأي حول العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني داخل إسرائيل. ومن البداية فإني أفرق بين القضيتين: عمليات تفجيرية انتحارية من جهة والعمليات الاستشهادية، فالأولى عمل إرهابي خالص، أدينه كما أدين أي عملية إرهابية أخرى، والثانية شكل من أشكال المقاومة اضطر الفلسطينيون إلى استعماله دفاعا عن النفس، وإن كانت الوسيلة نفسها فيها الكثير مما يقال من حيث حق منفذيها في الحياة، و ضحاياها وأهدافها ومردوديتها وتأثيرها على تطور نضال الشعب الفلسطيني.
أفرق بين العمليات التفجيرية الانتحارية كتلك التي عرفتها ماليزيا، والبيضاء، وتركيا والسعودية مؤخرا ومدريد ... والعمليات الاستشهادية من حيث أن كل صنف له مميزاته و خاصياته:
1- العمليات الاستشهادية لها أهداف محددة، معروفة، معلنة ومشروعة: مقاومة الاحتلال وطرد المستعمر.
2- العمليات الاستشهادية دفاع عن النفس ضد الجبروت الإسرائيلي، الذي يقتلع الأخضر واليابس، يقتل المسلحين والمدنيين، النساء والرجال، الأطفال والكهول.
3- العمليات الاستشهادية موجهة ضد عدو لم يترك للفلسطينيين مجالا كبيرا للحركة والدفاع عن النفس. فالحكومة الإسرائيلية لا تعبأ بالقرارات الدولية ولا بالقانون الدولي ولا بالرأي العام العالمي. تمارس العقاب الجماعي، والقتل خارج نطاق القضاء والتقتيل الجماعي والتنكيل اليومي بشعب محاصر ومجوع. إن حكومة إسرائيل تمارس بكل بساطة إرهاب الدولة.
4- العمليات الاستشهادية تقوم بها أجنحة عسكرية لتيارات سياسية فلسطينية لها قيادات وتنظيمات وأهداف. أي تابعة لجناح سياسي ممكن التفاوض معه والوصول لحلول.
5- العمليات الاستشهادية هي جزء من نضال مسلح ونضال سياسي طويل يخوضه الشعب الفلسطيني منذ أزيد من نصف قرن، وليست وليدة قرارات لحظية وردود أفعال ضد أوضاع آنية.

أما العمليات التفجيرية الانتحارية:
1- فأهدافها إما غير معلنة تماما، أو فضفاضة وعامة، أو غير مشروعة أصلا. فهؤلاء يريدون معاقبة هذه الحكومة على مواقفها من الحرب ضد العراق (إسبانيا)، وآخرون يهددون بمعاقبة حكومة على قرار داخلي حول الحجاب (فرنسا) وعمليات أخرى يهدف أصحابها إلى ضرب اليهود أينما كانوا (عملية جربة) ... بمعنى أنه وفقا لهذا المنطق، فإن أي مجموعة من ثلاثة أو خمسة أشخاص أو ربما أقل لم يعجبها قرار ما (عدم تسوية أوراق الأجانب مثلا، أو بيع الخمور أو ظهور نساء بدون حجاب على شاشات التلفزيون) يعتبرون أن من واجبهم الأخلاقي، أو السياسي أو الديني القيام بعملية انتحارية تفجيرية لمدرسة أو قطار أو مستشفى لحمل الحكومة على مراجعة قراراتها !!
2- العمليات التفجيرية الانتحارية تقوم بها جماعات أو مجموعات، لم تقم بأي مجهود للوصول إلى أهدافها بطرق سلمية، فبين عشية وضحاها تنبث جماعات مسلحة تحدد أهدافها (إن كانت لها أهداف) دون الإعلان عنها وتبدأ في حصد أرواح الأبرياء.
3- العمليات التفجيرية تهدف إلى فرض آراء من المفروض أن النضال السلمي هو سبيلها الوحيد. والشعب الإسباني مثلا هو المؤهل الوحيد لمعاقبة حكومته على انخراطها في الحرب ضد العراق. وهو قادر على ذلك. والشعب الذي فقد 200 من أفراده وحوالي 2000 جريح هو نفسه الذي خرج منه خمسة ملايين متظاهر ضد الحرب.وكان 90 في المائة منه ضد قرار الحكومة بخوض الحرب ضد العراق بجانب بوش.
ولنعط مثالا آخر : المغرب كان يقيم علاقات دبلوماسية مع العدو الإسرائيلي، هل كان هذا يعني أن يقوم المناهضون ضد التطبيع بتفجير قطار لحمل الحكومة علا قطع العلاقات مع إسرائيل؟ خاض الشعب المغربي نضالا مدنيا وضغطا جماهيريا حتى تمت الاستجابة لضغط الشارع. ليس كل من نبتت في دماغه فكرة إلا وكانت هي الحقيقة التي يجب قتل الأبرياء من أجل فرضها.
4- العمليات التفجيرية الانتحارية تقوم بها مجموعات مجهولة الأهداف والتنظيم، ويصعب بالتالي حتى أخذ أهدافها مأخذ الجد، إذا ما افترضنا ذلك. فلا شيء يمنع مجموعة مجهولة أن تفتي علينا كل يوم مطالب جديدة.
5- ولنفترض أن مطالب المجموعات المجهولة أحيانا مطالب "معقولة" ما الذي يمنع إذا رضخنا لذلك وأصبحت هذه العمليات وسيلة ناجعة لتحقيق المطالب أن نرى إذا مجموعات أخرى بمطالب غريبة، ولن يكون أمام المجتمعات إلا الرضوخ لها أو يتم تفجير حمام للنساء أو معمل لنسج الزرابي ؟
6- العمليات التفجيرية الانتحارية تروم تحقيق أهداف إما غير مشروعة أصلا يلجأ أصحابها لهذا الأسلوب الإرهابي لتحقيقها، أو تروم تحقيق أهداف مشروعة ولكن لا تحظى بقبول الغالبية بل أقلية قد تتطور مع الزمن لأغلبية، أو أهداف مشروعة يمكن بل يجب تحقيقها بالوسائل السلمية المتاحة.
وحيث تكون الوسائل السلمية الديمقراطية غير متاحة يجب النضال من أجل فرض نظام سياسي ديمقراطي يبيح هذه السبل والوسائل وليس الحفاظ على النظام على ما هو عليه وفرض آراء وقرارات عن طريق الإرهاب مع الإبقاء على أصل الداء.
لكل ما سبق فان العمليات التفجيرية الانتحارية التي تستهدف قتل المدنيين الأبرياء هي عمليات إرهابية مدانة سواء وقعت بالمغرب أو أسبانيا وإنجلترا أو أي دولة من دول العالم.
هي عمليات إرهابية وجب محاربتها ومحاربة المناخ والبيئة التي تفرزها على كل المستويات: الأمنية والمادية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها من العوامل. لأن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يعيش تحت جبروت وتهديد الإرهاب الذي يمكن أن يضرب في أي مكان، ولأي سبب وبأي وسيلة.
هذه أعمال إرهابية يجب محاربتها بنفس القوة التي يجب بها مقاومة ومحاربة إرهاب الدولة، كذلك الذي يمارسه شارون ضد لشعب الفلسطيني.

العمليات الاستشهادية
ولنتحدث كذلك وبصوت عال عن العمليات الاستشهادية التي يقوم بها شباب فلسطيني يقدم روحه دفاعا عن شعبه فداءا لاستقلال وطنه.
ولا أخفي منذ البداية أن هذه العمليات رغم نبل أهدافها ونبل منفذيها ونبل قضيتهم ورغم وطنية تياراتهم، لا اخفي موقفي المزكي لموقف عدد كبير من المثقفين والمسؤولين والشخصيات الفلسطينية والداعي إلى وقفها وذلك بالنسبة لي للاعتبارات التالية:
1- إن الشباب الاستشهادي هو شباب له الحق في الحياة مثل كل البشر، ولا يمكن أن يحرم من هذا الحق فقط لأنه فلسطيني وأرضه محتلة من طرف عدو لا يعرف حدودا للتنكيل ولا يحترم شرائع لا سماوية ولا أرضية.
من مسؤولية المجتمع الدولي أن يوفر لهذا الشباب وهذا الشعب فرص الحياة وليس التفرج بجبن على يأسه ولجوئه لمثل هذه العمليات، دون أن يحرك فينا ذلك ساكنا.
هؤلاء الشباب لهم الحق في الحياة، وعلى المجتمع الإنسان حمايتهم.
2- العمليات الاستشهادية تستهدف مدنيين، وهؤلاء مدنيون حتى وان وجدوا داخل إسرائيل. وهم مدنيون أبرياء، يصعب تبرير قتلهم. وحين يحس كل مدني أنه مهدد فمن الطبيعي أن يتطرف أكثر، ويعطي مشروعية أكثر لحاكم دموي مثل شارون. المجتمع الإسرائيلي فيه متطرفون وهم كثر، وفيه دعاة سلام، وهم قلائل، لكن استهداف المدنيين يقوي صفوف المتطرفين أكثر.
3- العمليات الاستشهادية أصبحت اليوم، وخصوصا بعد استعمالها في جهات أخرى لأغراض إرهابية، أصبحت عقبة أمام تفهم الرأي العام الدولي لمشروعية النضال الفلسطيني، ولنلاحظ أن ما حققته انتفاضة الحجارة الأولى من تعاطف دولي لا مقارنة له مع الوضعية اليوم.
4- إن المرحلة التي وصل إليها النضال الفلسطيني والموقف العربي (القبول بإسرائيل كدولة، القبول بحدود 1967 ... ) يجعل في الوقع إسرائيل هي المستفيدة من توقف مسلسل التسوية السلمية تحت أنظار العالم. فلم يبق للفلسطينيين ما يتنازلون عنه أو يعطوه، بل إسرائيل هي التي أصبحت مطالبة برد الحقـ أو جزء منه ـ لأصحابه. وان كل نضال مسلح يهدف تحقيق مطالب سياسية وإلا كان مضيعة للأرواح.
لدلك فإن اختيار الأسلوب والتوقيت لا بد وأن يراعي الظروف السياسية وأن يهدف إلى خدمة النضال السياسي وليس إعاقته وهدمه.
5- إن العمليات الاستشهادية كانت رسالة لإسرائيل وللضمير العالمي، وقد أدت مهمتها: لإسرائيل قالت أنه لا يمكن للشعب الإسرائيلي أن ينعم بالسلام والأمان وحكومته تحتل أرضا وتنكل بشعب حتى ولو امتلكت كل قوة العالم. وللضمير العالمي لتبين له الى أي حد وصل الجبروت والطاغوت الصهيوني .
إن الرسالة وصلت، ومن شأن مواصلتها في هذا الظرف الدولي الكئيب أن يعكس آيتها.
6- عوض ان نقول أنه لم يعد للشعب الفلسطيني من سبيل غير الدفع بأبنائه في عمليات استشهادية ما دامت الأنظمة العربية خانعة والشعوب العربية نائمة، عوض ذلك علينا أن نتحرك جميعا وبقوة حتى يحس الشعب الفلسطيني بدفء التضامن الذي يغنيه عن مثل هذه العمليات.
عوض أن نجلس أمام مكاتبنا ونذيع البيانات احتفاء بالعمليات الاستشهادية، علينا التفكير في هؤلاء الشباب، في أمهاتهم وآبائهم، في حقهم في الحياة، في كل الابرياء والتحرك بقوة لرفع المظالم عنهم، عوض الاستكانة لعجزنا وجبننا وترك شعب بكامله فريسة لمخالب قطاع طرق وإرهابيين.

الطيب حمضي
avril 2004

ۥمولْ ليبيا

حين تقدم مواطن مغربي ومواطنة تونسية بشكاية لدى الشرطة السويسرية ضد مشغلَيْهما، هنيبعل القذافي وزوجته، بسبب ما تعرضا له من سوء معاملة من طرفهما، استمعت إليهما الشرطة وفتحت محضرا وقامت بما يجب القيام به في أي دولة حق وقانون. وفتحت العدالة ملفا واعتقلت ابن زعيم الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى وزوجته وقررت متابعتهما في حالة سراح. و"الأخ" هنيبعل له مغامرات سابقة من هذا النوع أوردتها الصحافة، حيث سبق أن اعتقلته الشرطة الفرنسية، لأنه اعتدى على زوجته وهي حامل...
إلى هنا، القضية قضية اعتداء تحقق العدالة السويسرية في صحته، قد يثبت وقد يخرج منها "الأخ" هنيبعل بريئا. لكن الأمور ستأخذ بعدا آخر، بعد أن تحرك "الأخ" معمر القذافي في ليبيا وتحركت "الأخت" عائشة القذافي هي الأخرى. هذه الأخيرة ما إن علمت بخبر اعتقال أخيها، حتى أعطت تصريحات تحذر فيها سويسرا من عواقب اعتقال أخيها وهددت بأن ليبيا سترد بقوة ضد سويسرا. شخصيا، لا أعرف أن السيدة عائشة القذافي رئيسة وزراء أو وزيرة أو رئيسة مجلس النواب أو سفيرة ليبيا لدى سويسرا أو الأمم المتحدة مثلا، حتى تطلق مثل هذه التهديدات. يبدو أنها تصرفت وفق منطق هذا أخي وذاك أبي صاحب ومالك ليبيا العظيمة، وسنستعمل ليبيا للدفاع عن هنيبعل!! والمؤسف أن "الأخ" معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر فعلها!! قطع البترول عن سويسرا، واعتقل سائحين سويسريين بليبيا، وأطلق أشباله في الشارع للتظاهر ضد سويسرا حاملين صور الشاب الثوري هنيبعل. طبعا، حكاية قطع البترول فرقعة لا أثر لها، لأن "الأخ" القذافي لا يبعث بالبترول إلى سويسرا مجانا، بل يتقاضى أجرا مقابله، ويعرف أن احتياطي سويسرا يبلغ ثلاثة أشهر، وأن إيجاد مزود بديل لن يتعدى بضعة أيام على أكثر تقدير. لذلك، تراجع قبل أن تغير سويسرا رأيها وتستغني عن البترول الليبي.
ما لم ولن أفهمه كيف أن رئيس دولة يستعمل دولة بكاملها للدفاع عن مغامرات أحد أبنائه! أنا لا أستبق حكم القضاء ولا أدين ابن القذافي قبل القضاء، ولكن أن يستعمل "الأخ" القذافي دولة بكاملها ومصالح شعب بكامله في قضايا تهم تصرفات عائلته فهدا ما لم اسمع به حتى في الكتاب الاخضر حفظه الله !
يبدو أن طول إقامة الأخ القدافي على كرسي حكم ليبيا للعقد الرابع خلق خلطا بين ليبيا الدولة والشعب وممتلكات آل القذافي، فلم يعد فقط زعيم الثورة أو قائدها أو رئيس الدولة، بل صاحب ليبيا أو بالدارجة المغربية "مول ليبيا"!
لم يخطر على بال آل القذافي أن يستفسروا عما فعله ابنهم بخدمه. لم يخطر ببالهم أن المغربي والتونسية مواطنان وكائنان لهما نفس حقوق "الأخ" هنيبعل القذافي. تذكروا كيف أن الشباب المغربي، الذي يسقط في شباك الدولة الليبية في محاولات الهجرة السرية، يعامل أقبح من الحيوان داخل المعتقلات الليبية، وكيف فضحت الصحف المغربية والعربية هذه الممارسات الشنيعة التي يتعرض لها شباب مغربي على يد أجهزة أمن دولة عربية هي ليبيا الشقيقة.
وتذكروا كيف أن العمال العرب بليبيا يعاملون هناك أسوأ معاملة. هذه هي عروبة "الإخوة".
لما قرر "الأخ" القذافي التخلي عن العرب والتوجه إلى إفريقيا، قلت أحسن، ويا ليت لو توجه إلى أوروبا، على الأقل نرتاح نحن بعض الوقت و"تتعثر" أروبا بعض الوقت، عسانا نلحق بها!
الطيب حمضي
05 septembre 2008

سياسيوالجَنْجَويد

طلب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو من قضاة المحكمة إصدار أمر بالاعتقال في حق الرئيس السوداني عمر البشير. طبعا، رفض الرئيس البشير الموضوع جملة وتفصيلا وسارت وراءه حكومة السودان والأحزاب السودانية والدول العربية والإفريقية. هذه الدول كلها لم تتضامن مع البشير لعدالة قضيته أو براءة ذمته أو سواد عيونه، بل مخافة أن يلقى زعماؤها نفس المصير يوم لا تنفع معه لا الحصانة ولا المصالحة ولا الدساتير المفبركة لمنع محاكمة جلادي الشعوب.
أنا لا أقول إن المدعي العام على صواب، أواتهاماته صحيحة. ولكن من الأكيد أن كل هذه الجَلَبة ليس سببها نظافة يد عمر البشير من الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوداني في دار فور.
قبل عمر البشير، كان المدعي العام مورينو أوكامبو قد طلب في شهر فبراير من سنة 2007 من قضاة المحكمة الدولية إصدار مذكرة اعتقال في حق وزير الداخلية السوداني السابق أحمد هارون وقائد مليشيات غرب دارفور على كوشيب. قبل سنة ونصف من اليوم، وجّه المدعي العام 51 تهمة لأحمد هارون وعلي كوشيب تتعلق بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، منها "الاغتصاب، والقتل، والاضطهاد، والتعذيب، والتهجير القسري، وتدمير الممتلكات، والسلب، والنهب، وأعمال غير إنسانية، وإساءة بالغة للكرامة الشخصية، وهجمات ضد السكان المدنيين والسجن أو الحرمان المفرط من الحرية". وقدم المدعي العام أدلته لقضاة المحكمة. لكن الرئيس البشير أقسم أن لا يسلم لا هارون ولا كوشيب إلى المحكمة الدولية.
أزيد من اثنين مليون سوداني تم تهجيرهم، وما بين 200 الى 300 ألف سوداني بدارفور تمت إبادتهم، لأنهم تمردوا على نظام الحكم في الخرطوم. النظام السوداني نظام مركزي ومهلهل ومتخلف وغير ديمقراطي. والشعب السوداني بسببه يرزح تحت الفقر. طبعا، بعد اكتشاف البترول أصبحت الحقول محط أنظار و نزاع وأطماع داخلية ودولية.
سكان الجنوب المسيحيون توصلوا لاتفاق مع الخرطوم بعد أزيد من عشرين سنة من النزاع ومليونين قتيل و اربعة ملايين لاجئ.
وبعد تمرد أهالي دارفور، المسلمين من أصول افريقية غير ناطقين بالعربية، ضد نظام البشير، سلّطت عليهم الخرطوم مليشيات "الجنجويد" مكونة من مسلمين هم الآخرون دوي أصول عربية، لإبادة سكان دارفور وتهجيرهم وإسكات صوتهم. مليشيات الجنجويد عاثت فسادا في دارفور، ولكن أحدا لم يحرك ساكنا في الوطن العربي ولا العالم الإسلامي. الضحايا مسلمون والجلادون مسلمون. تخاذل العالم كثيرا وفي مقدمة المتخاذلين العالم الإسلامي والعالم لعربي. هذه هي الحقيقة، مهما حاولنا أن نداريها. اعتبرنا أن الأمر"داخلي" و"صراع بين الأشقاء" في الوقت الذي كان يتم ترويع ملايين السودانيين وقتلهم وتهجيرهم واغتصابهم من طرف الجنجويد المدعومين من حكومة السودان الشقيقة! وحين تولى الموضوع أناس من الغرب، فنانون، ممثلون، حكومات، مخابرات...، أخرجنا اسطوانة استهداف الأمة العربية. لماذا لم نتحرك نحن حتى لا نترك الفرصة لأعداء الإسلام وأعداء أمة الإسلام وأعداء أمة العرب ليتدخلوا لحماية ناس من أمة محمد ضد معتدين من أمة محمد كذلك!!
البشير لم ينظم محاكمة داخل السودان ضد مجرمي الحرب في دارفور، ولم يرد أن يسلم متهمين للمحكمة الجنائية الدولية. لذلك، فهو اختار عن طيب خاطر أن يكون وسط الإعصار وحاميا لمتهمين بجرائم ضد الانسانية ومعرقلا للعدالة وبالتالي مشجعا لاستمرار جرائم تقتيل جزء من الشعب السوداني.
المحكمة الجنائية الدولية قامت رسميا سنة 2002. وقبل ذلك (17 يوليوز1998 بايطاليا )، كانت 120 دولة قد صادقت على قوانين هذه المحكمة، التي تضم اليوم 106 دولة. وتختص في محاكمة الأفراد وليس الدول، المتورطين في جرائم حرب، أوالجرائم ضد الإنسانية أو أعمال الإبادة.
الرئيس السوداني يعرف أن اختصاص المحكمة يشمل الجرائم المرتكبة من طرف المتهمين الذين ينتمون إلى دولة عضو أو تقبل بأحكام المحكمة (وهذه فعلا ليست حالة السودان)، أو أن الجريمة مرتكبة في بلد عضو بالمحكمة أو يقبل بها (وهذه كذلك ليست حالة السودان، لأن السودان لم تنضم للاتفاقية) أو أن مجلس الأمن هو الذي أحال القضية على المدعي العام بالمحكمة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وهذه هي حالة السودان.
القوانين المنظمة للمحكمة الجنائية الدولية، تحت مبدأ التكاملية، تعطي أسبقية للمحاكمات الوطنية، أي أنه إذا قامت دولة ما بتنظيم محاكمة لمتهمين في قضية جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو أعمال إبادة، فإن المحكمة الدولية تترك هذه الصلاحية للمحاكمات المحلية. ولكن إذا لاحظت أن الدولة المعنية ليس لها القدرة أو ليس لها الإرادة لتنظيم هذه المحاكمة محليا، فإنها تتكفل بالقضية.
وهذا يعني أنه خلال سنوات أو على الأقل سنة ونصف مند إصدار قرار باعتقال احمد هارون وعلي كوشيب لم تحرك الخرطوم ساكنا لإقامة محاكمة حقيقية وعادلة للنظر في الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوداني بدارفور. لقد أخطأ عمر البشير في حساباته. وحتى الآن، لازال هناك مخرج هو تنظيم محاكمة حقيقية أو تسليم أحمد هارون وعلي كوشيب. لكن المصيبة أن الحلين معا قد يؤديان إلى نفس النتيجة الحالية... أقول قد...

الطيب حمضي
25 juillet 2008

الاتحاد والمتوسط وبرميل النفط

أعلنت قمة باريس ليوم الأحد 13 يوليوز 2008 عن قيام "الاتحاد من أجل المتوسط. وقد حضر القمة 43 بلدا، ولم تغب سوى ليبيا.
الفكرة كان قد أعلن عنها الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال زيارته للمغرب السنة الفارطة. وهي أساسا (الفكرة) تعود لأحد مستشاريه السياسيين.
هذا الاتحاد ليس فكرة جهنمية ولا حلا سحريا لمشاكل المتوسط أو لعلاقات دول شمال المتوسط بجنوبه. وليست الفكرة فتحا عظيما في ميدان العلاقات بين دول أروبا وحوض المتوسط. ومع ذلك، فإن هذا الإطار قد يشكل فضاءا مهما ومثمرا بالنسبة إلى مستقبل دول وشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط وفرصة لدولنا المغاربية لتجاوز منطق عملها او على الأصح كسلها الحالي لفائدة دينامية تعاون مفيدة لشعوبها.
هذا الفضاء يضم 43 دولة و750 مليون مواطن. الأمر يتعلق بفضاء بشري كبير ومتنوع، وبإمكانات اقتصادية كبيرة وسوق شاسعة. وإلى جانب هذه الإمكانات، فإن هذا الفضاء هو، كذلك، بؤرة مشاكل وتوترات خطيرة ومزمنة ومعقدة، ليس أقلها الصراع العربي الإسرائيلي.
طبعا، ساركوزي له حساباته، منها خلق فضاء بديل تدخله تركيا عوض انضمامها للاتحاد الأوروبي وتسهيل دمج إسرائيل في محيط معاد لها لحد الساعة. لكن المبادرات تخلق ديناميتها الخاصة ولا تتبع بالضرورة المسار الخفي الذي تم رسمه لها.
لو لم يبادر الرئيس ساركوزي إلى اقتراح قيام «الاتحاد من أجل المتوسط»، لقام برميل النفط بذلك!
مع ارتفاع أسعار النفط واقترابها من 150 دولار، وربما تجاوزها لتصل إلى 200 دولار خلال الشهور المقبلة أو تتعدى ذلك، أصبح الخبراء يتحدثون عن تراجع العولمة، بل انحسارها لصالح الجهوية والإقليمية. فمع ارتفاع ثمن البترول، ومن ثم ارتفاع تكلفة النقل والشحن عبر البحار أو الطرقات أو الجو، لن يعود في الإمكان أن تتنقل السلع بنفس السهولة من آسيا إلى أمريكا أو من أمريكا اللاتينية إلى أروبا، أو من إفريقيا إلى أمريكا... ذلك أن كلفة النقل ستقلل من تنافسية السلع، إن هي قطعت مسافات طويلة. لذلك، يتوقع الخبراء أن تتراجع التجارة العالمية، ومعها العولمة، لصالح التجارة الإقليمية.
هذا معناه، مثلا، أن التجارة ستتقوى بين الولايات المتحدة وكندا وأمريكا اللاتينية، بين إفريقيا وأروبا، بين الشرق الأوسط وآسيا... من هذا المنظور، فإن ارتفاع أثمنة البترول سترغم دول جنوب المتوسط وشماله على تطوير مبادلاتها التجارية وخلق سوق متوسطية، سواء أسسوا فضاء متوسطيا أم لم يؤسسوه. لذلك، قلت إنه إذا لم يكن ساركوزي قد بادر إلى خلق هذا الإطار، فإن برميل النفط كان سيتكفل بالمهمة.
هناك مشاريع أولية سينكب عليها الاتحاد، ولكن الأساسي من الاتحاد هو خلق فضاء لتجاوز الأزمات والتوترات التي يعيشها الأبيض المتوسط بشكل مزمن. والهدف الثاني هو خلق هذا الفضاء الاقتصادي السياسي لمصاحبة دول جنوب المتوسط في تحولها من جهة وتأمين جوار آمن ومطمئن لدول شمال المتوسط.
الاتحاد من أجل المتوسط ليس «بابا عايشور» ولا «بابا نويل» يجلب الهدايا للجميع! العلاقات بين الدول تخضع للمصالح ولا يمكن أن نأخذ منها إلا بقدر ما نعطيه. ومع الأسف، فإننا، في دول الجنوب، مختصون في إهدار الفرص.
أي فضاء اقتصادي، بين دول ذات اقتصادات قوية وأخرى ذات اقتصادات ضعيفة، يشكل فرصة لهذه الأخيرة لتطوير اقتصاداتها.
بمعنى أن الدول ذات الاقتصاد الضعيف مؤهلة لتربح أكثر من هذه الفضاءات، بحكم أنها تجد أمامها أسواقا كبيرة وقدرة شرائية مرتفعة لتسويق خدماتها وسلعها.
ولكن، لأن حكامنا أو ثقافتنا غير عقلانية، فإننا سننظر إلى الأمر من زاوية المشاكل، وليس الحلول. المغرب والجزائر لن يتعاونا إلا إذا تم حل قضية الصحراء، وهذا من أكبر الأخطاء هنا وهناك. سوريا والأردن ومصر لن يتعاونا... أي أن كل دولة جنوبية عربية ستجد من المشاكل ما يكفي لتبقي شعوبها مكبلة، بسبب التخلف وغياب الديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية. بدعوى أننا شعوب تموت وتجوع ولا تفرط في كبريائها ومواقفها المبدئية!
يمكن أن يشكل الفضاء الجديد فرصة أخرى لدفع دول جنوب المتوسط للتعاون بينها، لأننا دول لا نتعاون بيننا إلا إذا طلب او فرض علينا الغرب ذلك. فعسانا نتعاون بعض الشيء ونكتشف كم هو مربح لشعوبنا هذا التعاون وحينها لن يمكن الرجوع للوراء بالاتحاد من اجل المتوسط أو بدونه. فعسى يكون هذا الفضاء المتوسطي فرصة لاتحادنا وتعاوننا. المتوسط من اجل الاتحاد.

اللـّـْـعـَـقـَــا.....رْ !

اتهامات البرلماني والمقاول، صاحب "الشعبي للإسكان" السيد ميلود الشعبي، لعدد من الوزارات والمؤسسات العمومية، بتفويت أراض بطرق ملتوية إلى مجموعة الضحى، أعادت إلى دائرة الضوء ملف قطاع العقار في المغرب. السيد أنس الصفريوي، صاحب "مجموعة الضحى"، خرج عن صمته هو الآخر، دفاعا عن مؤسسته. والأكيد أن التحقيق في الموضوع، هنا وهناك، لا يمكن إلا أن يكون مفيدا للرأي العام، من حيث الحرص على الملك العام، وعدم التفريط فيه، ومن حيث إضفاء بعض من الشفافية على ما يجري داخل قطاع العقار في المغرب، وهو من أكثر القطاعات عتمة.
هل، فعلا، تم تفويت أراضي الدولة بثمن أقل من ثمنها الحقيقي؟ هل تم احترام المساطر؟ هل تتم هذه العمليات في جنح الظلام؟ هل هناك تفريط في الملك العام لحساب الخواص؟
هذه الأسئلة، لا شك، سنجد أجوبة عليها من خلال الصحافة وتحرياتها أولا. وكيفما كانت هذه الأجوبة، فإن أهميتها تكمن في إثارة الأسئلة، وكونها جعلت ملف العقار في المغرب ملفا تحت أعين الٍرأي العام، لا من خلال اللجان البرلمانية وحدها، ولكن، من خلال الصحافة أيضا.
"الشعبي للإسكان" و"الضحى" هما أكبر المقاولات في المغرب. وبالتالي، فإن مساهمتهما في حل أزمة السكن لا غبار عليها، ومساهمتهما في خلق فرص الشغل لا شك فيها. وبحكم المكانة التي يحتلانها في سوق العقار، فإنهما كذلك، أحبا أم كرها، مسؤولان عن مخاض سوق العقار بالمغرب. إذ بإمكانهما جر الأسعار إلى قمتها، كما يحدث اليوم، أو على العكس، العمل على تلطيفها.
أكيد أن مؤسسة "الشعبي" ومؤسسة "الضحى" ليستا "خيريتين" تستثمران الأموال لتوزيع المنازل على اليتامى والمساكين، وأبناء السبيل! فكل مقاولة لا بد أن تخضع لقانون السوق، وإلا كان مصيرها الفشل. ولكن الدولة، من خلال مختلف القوانين والمؤسسات التابعة لها، تعمل على تسهيل المأمورية على المقاولين، من إعفاء ضريبي، وإعفاء من الرسوم، وتفويت أراض بأثمنة مشجعة، وغيرها من الإجراءات، حتى يتمكن المواطن من الولوج إلى السكن بثمن معقول.
فهل يا ترى، مع كل هذه الضرائب والرسوم التي لم تستخلصها الدولة، وهذه الأراضي التي تم تسهيل اقتنائها من طرف المقاولين، كبارا وصغارا، هل بعد كل هذا، نحن أمام أثمنة معقولة؟
لست محتاجا لتقديم الجواب، لأن السوق كفيل بذلك.
قبل هذه الامتيازات، كانت الأثمنة مرتفعة، بالنسبة لمن يريد اقتناء شقة. وظلت عملية البناء في ركود، والحاجة مرتفعة، والكراء مرتفعا، طبعا. وبعد دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ، وبعد أن قامت البنوك بتخفيض نسبة الفائدة إلى أرقام معقولة، مقارنة مع جنون الأرقام السابقة، دارت عجلة العقار بالمغرب.
المشكل هو أن التسهيلات في الحصول على القروض، ومعقولية فوائدها، أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل كبير، بالنظر إلى الحاجة المتراكمة لمدة ثلاثين سنة من الركود. فارتفاع الطلب أدى، بطبيعة الحال، إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي أدى إلى تفاقم ظاهرة المضاربات، بحيث إن هناك أناسا وجهات تشتري لمدة سنتين أو ثلاثة من أجل إعادة البيع.
لماّ أضحى "الاستثمار" في شراء بقعة أو شقة عملية مربحة ومضمونة، أضحى العرض أقل بكثير، أمام الحاجيات الحقيقية، إضافة إلى سوق المضاربات.
وسط هذه الفوضى، أصبحنا أمام من هب ودب وقد اصبح "مقاولا" يفعل ما يشاء، ليس من أجل الاستثمار الحقيقي، ولكن من أجل استغلال حاجة الناس في السكن، حتى أصبح الكل مضاربا. وأضحى قطاع العقار أسهل طريق لتكديس الأموال، ليس بالعمل، ولكن على حساب قوت الناس ومدخراتهم وأحلامهم في تملك بيت.
تحول الموضوع من قطاع استثماري إلى حلبة لجمع الأموال كيفما اتفق. وبذلك، تحول من قطاع للعقار إلى قطاع لـ اللـّـعـَـقـَــا.....رْ، (المشتق من "اللعاقة" أي المال باللسان الشعبي).
واليوم، قد يكون سوق العقار وصل إلى مرحلة قصوى من الأثمنة المقترحة، على الأقل بالنسبة إلى السكن "غير الاقتصادي". بينما القدرة الشرائية لم تعد تتحمل مثل هده الاثمنة المقترحة. رغم كل الامتيازات التي منحتها الدولة لتسهيل الولوج إلى السكن، الذي تبخرحلم الكثير من المغاربة بعد أن ارتفع الطلب. وكأن ما أُعطي باليد اليمنى تم أخذه باليد اليسرى، تبعا لقوانين السوق.
إذن، فبالرغم من الفوائد المنخفضة، وتسهيل القروض، بل بسببها، ارتفع الطلب، وارتفعت الأثمان، ولم يعد في الإمكان مجاراتها!
نحن أمام معطيين جديدين: برميل البترول على أبواب 150 دولار، وربما أكثر، وأمام عشر سنوات، على الأقل، من الارتفاع المتواصل لأثمنة المواد الغذائية عالميا. وهو ما يعني أمرين اثنين: أولا: تخصيص ميزانيات أكثر، من طرف الأسر للغذاء وغيره، عوض السكن. وثانيا: نحن أمام احتمال انخفاض القدرة الشرائية للمواطن بشكل كبير، وانخفاض قدرة الحكومات نفسها (غير المنتجة للبترول) على تعويض هذه القدرة الشرائية. وبالتالي، فإن تدخل الدولة لتلطيف أثمنة الكراء ستكون له فائدتان: أولاهما، تمكين العائلات من هامش واسع لتحمل الغلاء في المواد الغذائية والطاقة. والثانية هي تخفيف الضغط على الحكومات منطرف الفئات المتوسطة والضعيفة لتعويض انخفاض القدرة الشرائية.
نحن أمام عشرية صعبة، والحلول ليست كثيرة لمواجهة القلاقل الاجتماعية، وأهمها وأسهلها، نوعا ما، هو تدخل الدولة لضبط سوق العقار، من جهة عقلنته وتلطيف أسعاره، لجعلها في متناول المواطنين من خلال قوانين جديدة للعقار تشجع الاستثمار وتزجر المضاربة ومن خلال اجراءات وشراكة شفافة مع المنعشين العقاريين. وهذه مهمة الدولة ومهمة المنعشين العقاريين كذلك، وفي مقدمتهم "الشعبي" و"الضحى".
فهل نسمع من المنعشين حديثا جديدا عن تحديات العشرية القادمة، وعن قطاع العقار كقطاع اقتصادي واجتماعي بالأساس، او تستمر حكاية اللـّـعـَـقـَــا.....رْ !
الطيب حمضي
10 juillet 2008

القيادة الجماعية للكَبْوَة الاتحادية

كان توقعي أن يلجأ المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي إلى تأجيل المؤتمر بعض الأسابيع في انتظار التحضير الحقيقي وتهيئة الأجواء والظروف لإنجاح هذه المحطة. كان توقعي منطلقا من ملاحظتي كون ما يجري حاليا بالاتحاد هو تحضير لتفجير المؤتمر وليس إنجاحه.
اتصل بي صديق وأخبرني بأني مخطئ وبأن المؤتمر منعقد في وقته. فأخبرته على الفور بأنه يستحيل أن يتم انتخاب الأمين العام والقيادة خلال المؤتمر، بل سيتم تأجيل ذلك على الأقل أسبوعين لإعادة ترتيب الأوراق.
ما وقع كان أسوأ مما توقعتُ، بالنظر إلى المعطيات المتوفرة. ولن يكون من الصعب على الملاحظ أن يدرك أسباب ما وقع. اليوم، سأكتفي بتقديم بعض الملاحظات العامة حول مؤتمر الاتحاد، على أن أقدم وجهة نظر شاملة في الموضوع في غضون الأسبوع المقبل مشتملة على الملاحظات المتعلقة بالتحضير وبالمؤتمر وبالرهانات المرتبطة بالحزب، ومشتملة كذلك على اقتراحات للمستقبل.
ملاحظاتي اليوم، أو التي هي بصدد الإعداد، نابعة من غيرة على هذا الحزب، وعلى اليسار وعلى الصف الديمقراطي، ومن غيرة على العمل الديمقراطي والحزبي.
أدرك أن «زمن» المؤتمرات وزمن الانتخابات الحزبية تقوى فيه التحالفات والمصالح الانتخابية على حساب المنطق. لذلك، فإن ملاحظاتي بشأن الاتحاد، غير المحكومة بأي مصلحة انتخابية أو دعم لطرف دون الأخر، اعتقد أن من شأنها أن تكون أقرب إلى المنطق منها إلى الاصطفاف.
هل كان الاتحاديون، قيادة وقواعد، يعتقدون أنهم ذاهبين فعلا إلى مؤتمر وطني لاتخاذ قرارات سياسية كبرى وتجديد أجهزة الحزب بمنظور جديد وعقلية جديدة وأنظمة جديدة؟ كانوا يريدون ذلك، ما في ذلك شك. لكن لم يتم تهيئي ولو الحد الأدنى لذلك.
منذ إقالة الكاتب الأول السابق الأستاذ محمد اليازغي، كان من الواضح أن حرب المواقع قد بدأت. فمن جهة، تم اتخاذ قرار غير مسبوق في مسيرة الاتحاد بإقالة الكاتب الأول ونائبه، بشكل قاس، دون أن يستتبع ذلك اتخاذ موقف من القرارات التي يكون اليازغي قد استفرد بها وزج الحزب في متاهتها. فالمشاركة في الحكومة بالطريقة التي تمت بها كان بالإمكان للمكتب السياسي نفسه أن يعترض عليها، بل للمجلس الوطني كل الحق لمراجعتها.
لكن لا المكتب السياسي اعترض ولا المجلس الوطني راجع، وأُرجِئ الكل للمؤتمر. كان واضحا أن الحزب غير مستعد للنفاذ إلى مناقشة جوهر القضايا، أو لنقل إن جوهر القضايا لم يكن محل اختلاف كبير، بل كراسي المسؤولية –داخل الحزب وخارجه- هي التي أضحت موضوع صراع.
بعد إقالة الكاتب الأول ونائبه، لم يتم الاتفاق حتى على عضو واحد من أعضاء المكتب السياسي للقيام بالمهمة بالنيابة في انتظار المؤتمر، أو عضو يكون ناطقا باسم الحزب. وقد تم التسترعلى ذلك تحت ذريعة القيادة الجماعية. فهل إذا تم اختيار ناطق باسم الحزب ستكون القيادة فردية؟! بعد اغتيال أحمد ياسين وبعده الدكتور الرنتيسي من حركة «حماس» من طرف إسرائيل، قررت الحركة العمل بالقيادة الجماعية علنا، دون الإعلان عن اسم المسؤول الأول عن الحركة، رغم أن القيادة انتخبت واحدا منها في منصب المسؤولية. ولا أعتقد أن أحدا تصور أن وضع قيادة الاتحاد هنا كانت اسوأ او شبيهة بقيادة حماس! العمل بالقيادة الجماعية كان سببه واضحا: لا أحد في قيادة الحزب كان يسمح لزميل له بأن يتقدم عليه ولو خطوة واحدة خلال الأشهر القليلة المتبقية لانعقاد المؤتمر. وهذا له معنيين. أولا، لم يكن هناك مرشح واحد لمنصب الكاتب الأول، بل عدة مرشحين من داخل المكتب السياسي نفسه دون أن يعلن ذلك أحد. وثانيا، انعدام الثقة الذي أضحى يسري بين المرشحين المحتملين للقيادة، لدرجة ترك الحزب بدون مخاطَب خوفا من تقهقر حظوظ المنافسة.
وعلى مستوى المجلس الوطني، ورغم كون هذه الهيأة لها السلطة الكافية لاتخاذ مواقف سياسية تعالج الوضع الراهن، ورغم المواقف المعبر عنها في الصحافة، فإن هذه الهيأة فضلت إلقاء الكرة في ملعب المؤتمر وتأجيل اتخاذ القرارات السياسية إلى ما بعد إعادة تشكيل الأجهزة.
لقد تم تحميل المؤتمر أكثر من طاقته. فإذا كانت قيادة الحزب، من مكتب سياسي ومجلس وطني، لم تستطع الجلوس والتفكير بهدوء في مستقبل الحزب، والمناقشة الواضحة تنظيميا وسياسيا، كيف لمؤتمر أن يفعل ذلك بهدوء؟ ذهب الاتحاديون إلى المؤتمر، وكل واحد ينتظر أن يخرج من المؤتمر رابحا ومنتصرا. ومن الصعب على مؤتمر مهما كان كريما أن يعطي لكل واحد ما يريد، وخصوصا أن ما كان يريده البعض هو بالضبط ما لا يريده البعض الأخر! إن المسؤولية جماعية متقاسمة بين القيادة الجماعية والمجلس الوطني واللجنة التحضيرية في تعليق المؤتمر وكبوة الاتحاد
20 juin 2008

أحداث دامية في منطقة زوابع


عاشت مدينة سيدي إفني السبت الفارط أحداثا خطيرة على إثر التدخل الأمني الكبير والعنيف، ردا على حركات احتجاجية لشباب وسكان المنطقة ضد التهميش. هذه أحداث يمكن أن تقع في أي مدينة وفي أي زمان، لكن خطورتها أنها تأتي في سياق أزمة نحن لازلنا في بدايتها. أي أن ما ينتظر بلادنا من أحداث لا يمكن التكهن به وبدرجته وبمدى انتشاره إلا بقدر الحرمان الذي يلوح في الأفق.
سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن أحداث سيدي إفني من فعل فاعل واحد أو إطار جمعوي واحد، أو بسبب التراشق بالحجارة، أو إحراق سيارة أو هجوم رجل أمن على متظاهر... هذه كلها تفاصيل قد تفيد في البحث القضائي أو حتى الإداري لتقييم نجاعة المعالجة الأمنية أو عدمها، لكن بالمطلق لن تفيد لا في فهم ما وقع ولا ما قد سيقع.
في نفس اليوم الذي كان فيه شباب سيدي إفني في مواجهات مع رجال الأمن وسكان سيدي إفني تحت سطوة رجال الأمن، كان شباب آخر في تونس في نفس الوضع. وفي نفس اليوم، كان سكان منطقة أخرى بمصر في مواجهات مع الشرطة. سوءا في سيدي إفني أو تونس أو مصر، الأسباب واحدة: البطالة وغلاء المعيشة.
لذلك، علينا وضع الأمور في إطارها الصحيح لفهمها فهما صحيحا ومعالجتها معالجة صحيحة، والاستعداد -وهذا هو الأهم- بشكل جدي لما هو آت. وما هو آت ليس بالشيء الهيِن ولا البسيط، ولا يمكن بحال من الأحوال تجنبه كليا.
أولا، هناك أسباب مغربية محضة متعلقة بعقود من سوء التدبير والحكامة السيئة، وعدم الاستعداد وإعداد الأمة للتحديات. وفي خضم هذه الأزمة ومحاولات تدارك ما فات والتخبط في الاختيارات والتردد، وجدنا أنفسنا كالعالم كله أمام معطيين: ارتفاع أسعار البترول التي تقارب 150 دولار للبرميل وستتجاوزه عما قريب، وارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية.
قبل أشهر قليلة، شهدت شوارع إيطاليا مظاهرات صاخبة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقد كان ذلك مفاجئا، إذ لم يكن يتصور أحد أن تشهد شوارع أروبا الغربية مظاهرات من أجل الخبز أو السباغيتي!!! يوم ذاك، كان يجب الانتباه للموضوع وانتظار الأسوأ في شوارع العالم الثالث.
إن نصف ميزانية عائلات العالم النامي تتوجه نحو الغذاء -على شاكلة مواد أولية- والسكن. وهذا معناه أن أي زيادة في أسعار المواد الغذائية تؤدي بالضرورة إلى انهيار هذه الميزانية. بينما ارتفاع أسعار المواد الأولية الغذائية لا يؤثر بنفس الدرجة على ميزانيات العائلات بالدول المتقدمة.
الأمم المتحدة لا تتوقع أي انخفاض لأسعار المواد الأولية الغذائية قبل سنة 2015. وأسعار البترول مرشحة للارتفاع أكثر. وعلى أي حال، يقول الخبراء إن سعر البرميل مرشح لتجاوز 200 دولار في المستقبل القريب، وحتى إذا تحسنت الأوضاع بعد سنوات فلن ينزل بعد اليوم عن 100 دولار. إذن، نحن في بداية دخول بلادنا منطقة زوابع. وعلينا أن ندرك ذلك أولا، وأن نتهيأ لمواجهة هذه الحقيقة ثانيا.
قضية ارتفاع الأسعار يجب أن تعتبر معطىً هيكليًا وليس ظرفيا، على الأقل خلال عقد من اليوم. وبهذا المعنى، ولأجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، ليس من حل غير تمكين الطبقات الفقيرة والوسطى من «ارتفاع الدخل» في حدود لا تقل أبدا عن 30% وربما أكثر. طبعا، لا الدولة قادرة على توفير هذه الزيادة لموظفيها، ولا القطاع الخاص قادر على ذلك، دون الإخلال بتنافسيته وبالتالي إفلاس عدد من المؤسسات، وتسريح العمال، فارتفاع البطالة، ...
ليس هناك من حل غير اتخاذ الإجراءات القانونية وغيرها لخفض أسعار ومصاريف السكن، شراءا أو كراءا. بالتوفير في المصاريف المخصصة للسكن، يمكن للعائلات استثمار مقدار التوفير لمواجهة مصاريف ارتفاع أسعار المواد الغذائية. صحيح أنه منذ عقدين، اتخذت إجراءات عدة لتسهيل الولوج إلى السكن، لكن الذي استفاد من ذلك هم المضاربون عوض المواطنين الذين أصبحوا يشترون اليوم شقة 60 متر مربع في أحياء شعبية بـ40 و50 مليون سنتيم بعد أن كانت تساوي اقل من 20 مليون سنتيم يوم لم تكن هناك تسهيلات!!
ومن جهة أخرى، واستعدادا لمواجهة منطقة الزوابع، لابد من دعم العمل النقابي (الحقيقي) وعقلنته ومساعدته لتأطير المجتمع وتنظيم الحوار بين شركاء العملية الإنتاجية. كما يجب أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها ودعمها في ذلك إزاء ترشيد الخطاب والتأطير والبحث عن الحلول ونهج سياسة القرب.
إن على الذين تكلفوا بملف سيدي إفني أن يدركوا أن الأحداث ستتكرر في أكثر من مكان، ولا حاجة لبلادنا للمعالجة القمعية، المتشنجة المهينة للسكان. لابد من الحوار والبحث عن الحلول وتوقع غضب ناس أعياهم الفقر والتهميش وأضناهم اليأس في غد أحسن.
13 juin 2008

مقهى الهِمّة

من عناوين الصحف، للمقالات التحليلية، لبلاغات الأحزاب السياسية وتصريحات أقطابها لا تجد هده الأيام غير الحديث عن فؤاد عالي الهمة وحركته لكل الديمقراطيين.
الأسبوع الفارط، أصدر حزب الاتحاد الاشتراكي بلاغا لمكتبه السياسي يفيد بما معناه أنه ممنوع على مناضلي الحزب الانضمام إلى حركة الهمة. لم يسمها صراحة ولكن لا أحد بليد. بدعوى أن مبادئها تتناقض مع مبادئ الحزب وهي وجه من أوجه اختلالات الحياة السياسية بالبلاد.
طبعا، هذا رأي قيادة الاتحاد الاشتراكي. وهو رأي محترم، وقد يكون هو عين العقل. لكن على حد علمنا، لم يصدر الحزب أي بلاغ أو بيان يوضح موقفه من الحركة نفسها، ولم يوضح لمناضليه ولا للرأي العام كيف أن المبادئ تتعارض. ولعله إن فعل ذلك، سيُنَوِّر الرأي العام كله وليس مناضليه فقط.
والأغرب من ذلك أنه نفس الحزب الذي شكل حكومة أقلية بفضل دعم فريق الهمة نفسه. إذا سألت قيادة الاتحاد عن اعتمادها على فريق الهمة لولوج الحكومة، اعتبرت الأمر حلالا بيِّناً، وإن سألتها عن الحركة، قالت حراما بيِّناً!
أحزاب أخرى اعتبرت الحركة مشروع إعادة إنتاج جبهة اكديرة، وإعادة تجربة زمن الستينيات والحسن الثاني وأوفقير... وهناك، في الجهة المقابلة أطراف تعتبر الحركة هي مستقبل المغرب، وهي مفتاح لمشاكله، وهي البديل لكل ما هو قائم وفاشل. وآخرون يأتون برسائلهم ومشاكلهم لإبلاغها للملك عن طريق الهمة. ومن يرى في الهمة غول سيبتلع الأحزاب ومن عليها أو سوبرمان سيقلب خارطة السياسة بالبلاد...
هل حركة لكل الديمقراطيين شيطان أكبر يهدد كيان هذه الأمة وجب وأده في مهده؟ أم هي مساهمة في مجهود إصلاح أعطاب الممارسة السياسية؟ أم جمعية كباقي الجمعيات لها برامج ولها طموح قد تحققه وقد تخفق فيه؟ هل هي حزب الملك؟ أم حزب المجتمع؟ أم ليست مشروع حزب أصلا؟
إذا رجعنا إلى وثائق الحركة وإلى تصريحات أعضائها، فلن نجد ما قد يختلف عليه لا الاتحاد الاشتراكي ولا حزب الاستقلال ولا الحركة الشعبية ولا المجتمع المدني. هي أفكار يعبر عنها الجميع، ولا أتصور أن تكون تلك الأفكار مصدر اختلاف إلى هذا الحد مهما كانت الخلفيات الإيديولوجية أو السياسية أو الثقافية.
أصحاب الحركة أنفسهم يصرحون أنهم لم يأتوا بإطار جاهز و"Prêt-à-porter"، بل بأفكار سيتداولون فيها مع الناس ويطورون فكرتهم وإطارهم، حسب ما سيقع من تفاعلات. بهذا المعنى، فهم أنفسهم، وإن كانوا يدركون ماذا يريدون، فليسوا ملمين بكل تفاصيل وأوجه ما سيصبح عليه مشروعهم، بل الأمر قابل للتفاعل وللتعديل.
كل حزب أو طرف يرى في حركة لكل الديمقراطيين ما يتصوره. هناك من يرى فيها منافسا ويريد محاربتها مهما كان شكلها، وهناك من يرى فيها ملاذا لتحقيق ذاته ويخطب ودها دون حتى معرفة ماهيتها. أي اجمالا ان المواقف المعلنة ما هي لحد الساعة سوى انعكاس لهواجس وتخوفات البعض و على العكس متمنيات بالنسبة للبعض الآخر.
شخصيا، يمكن أن أقول إن تشخيص الحركة للوضع والأفكار المقترحة قد يمكن أن تشكل قاعدة عمل لقطب واسع من الديمقراطيين. ولكن ليس هناك نفس الوضوح في الرؤى بخصوص أدوات وأساليب العمل. وهو ما سيتوضح بالتأكيد من بعد.
لذلك، سيكون من الصعب فهم وتقبل كل هذه الحروب أو التهافت غير الواعي، عوض التعاطي العقلاني مع حركة هي في أول المطاف وآخره محاولة أفراد لن يكتب لها النجاح مهما كانت لها من إمكانات إذا لم تجد الفرصة المواتية لها وإذا لم تكن تستجب لحاجيات في الواقع.
هناك حاجة لان توضح الحركة الأساليب والآليات التي تنوي الاشتغال بواسطتها. وحاجة لأن يتعامل الفاعلون مع الحركة كمبادرة سياسية تقتضي الحوار والنقاش والتوضيح حتى دعمها وتقويتها ان كان فيها خيرا أو تجاهلها ومحاربتها ان كانت مجرد ارتداد إلى الوراء.
أتصور لو أعانت الحركة انها لن تتحول لحزب ولن تنافس الأحزاب الخالية في الانتخابات والمسؤوليات، كل هده المواقف الستالينية ستتحول إلى دعم بلا حدود ! لان الفاعلين وصلوا من العياء والإنهاك إلى درجة عدم القدرة على المنافسة. وهدا مربض الفرس وليس شيئا آخر.
بعد المسيرة وجدنا من يطلق الاسم على كل شيء: مقهى المسيرة، خي المسيرة، حمّام المسيرة، ملعب المسيرة... وكذلك لما غلب الحديث عن الشباب أو ظهور قناة الجزيرة: مكانيك الشباب، حلاق الجزيرة ومقهى الجزيرة ...
من الفظيع أن تصنع حركة عمرها بضعة أسابيع الحدث كل يوم، وترتبك بسببها أحزاب "ضاربة" في أعماق التاريخ المغربي وضاربة في "أعماق" المجتمع عوض العكس. أحزاب في الواقع "ضاربها بنعسة" لن تستفيق منها لا بالفشل في الانتخابات ولا بحركة الهمة! إذا بقيت الأحزاب على ما هي عليه من فراغ وانكماش واشتغال على المصالح الذاتية وهروب من مسؤولية تاطير المجتمع، لن يكون غريبا أن نرى غدا مقهى الهمة و حمّام الهمة و ملعب الهمة .... وليس فقط حزب الهمة !! لأن الطبيعة لا تحب الفراغ بالهمة أو بدونه. وهدا هو السؤال الحقيقي.
الطيب حمضي
6 mai 2008

الشعبوية

من أسوأ الأخطار على الحياة السياسية وعلى العقل الجماعي للشعوب هو خطر الشعبوية. فالشعبوي، أينما كان وفي كل زمان، هو رجل (أو امرأة) له جماهير عريضة تنتظر كلامه وتحليلاته وإشاراته. شخص يدغدغ عواطف الجماهير، يقول لها ما تريد سماعه، يجاري الرأي العام ولو ضد المنطق أو ضد أفكاره وقناعاته هو نفسه. الشعبوي يبيع للناس الأوهام، يصوّرهم على أنهم يوجدون قاب قوسين أو أدنى من الانتصار وأن الأعداء على حافة الهزيمة. يصور الناس الذين يخاطبهم على أنهم كلهم ملائكة وأن أعداءهم شياطين.
الشعبوي لا يقول للناس الحقائق ولا نصفها، هو يُغلّفها في علب من الأكاذيب، حتى لا يغضب الناس مما يقول وينفضوا من حوله.
الشعبوي يقول لك إن المغرب كله خيرات وطاقات وأموال تكفي ليعيش الشعب كله أحسن من شعب النرويج! الشعبوي سيقول لك ما الحاجة إلى بناء طريق سيار يساوي الملايير، عوض أن نوزع تلك الملايير على الفقراء ليعيشوا منها ويأكلوا منها.
الشعبوي يرى أين يذهب التيار العام داخل المجتمع ويسايره ويركب عليه ولا يهمه أن يقول الحقائق التي من شأنها خلق نقاش حقيقي وتوعية الناس لمواجهة الأوضاع وبناء المستقبل بناءا حقيقيا.
داخل كل المجتمعات، هناك شعبيون. لكن خطرهم يكون مضاعفا حين يكونون زعماء رأي عام، أو سياسيين، أو نقابيين، أو وزراء، أو رجال دين...، أي حين يكونون في الأماكن التي من المفترض أن تكون بؤر تنوير وتأطير للرأي العام.
الشعبوي يجعلك تؤمن بأن تحرير فلسطين واندحار العدو الإسرائيلي قد يحصل خلال ساعات، وأن كل ما تراه في الواقع من تقهقر وتشردم هي في الواقع بشائر النصر الأخير، وأن العراق على وشك التحول إلى جنة على يد المجاهدين، وأن البطالة بالمغرب يمكن استيعابها كلها في رمشة عين إذا عرفنا كيف نستغل طاقاتنا أحسن استغلال وقضينا على البرجوازيين.
الشعبوي يجعلك تندم على سنوات القرن الثامن عشر والسابع عشر. إنها كانت سنوات الخير مقارنة مع عصرنا الحالي.
الشعبوي يعدك بكل شيء، لكن بدون برنامج، بدون تفاصيل، بدون عقل، لأن خطابه لا يوجه إلى العقل، بل أساسا إلى العواطف.
حذار! الشعبوي ليس جاهلا! الشعبوي قد يوظف كل العلوم لبناء خطابه الذي يصبح دجلا حتى وإن كان مليئا بالنظريات والمفاهيم العلمية.
الشعبوي يوظف الحقائق الناقصة والخارجة عن سياقها، يؤثث خطابه بالمعادلات غير القابلة للتجريب، بالمقارنات التي يصعب التحقق منها. الشعبوي يقوم بكل شيء لتبقى أسهمه في بورصة «الجمهور» مرتفعة.
الشعبوية خطر على الشعوب وعلى مستقبلها، لأنها أفيون تخدر إحساس الناس بالواقع وتصيب عقولهم بالخمول وتثبط عزائمهم في التفكير في الحلول الحقيقية لمشاغلهم وتجعلهم يستكينون للحلول السهلة والسطحية.
الشعبويون خطر على المصلحة العامة إذا كانوا أصحاب قرار، وبالإمكان أن يكونوا وراء تبذير ثروات الشعب بسبب قرارات تمليها عليهم شعبويتهم حتى وإن كانت تناقض المصالح الحقيقية للشعب.
الشعبويون يوظفون «العلم» والديماغوجية على حد سواء، المهم أن تُعجِب مواقفهم أوسع شرائح الناس، ليس حبا في الناس ولا تقديرا لرأي الناس، ولكن حرصا على استمرارهم هُم في مواقعهم، سواء أكانت تلك المواقع كراسي مسؤولية أو مواقع تجلب المال أو السلطة أو الشهرة أو كلها أو بعضها.
هل ببلادنا وزراء شعبويون؟ زعماء أحزاب سياسية شعبويون؟ زعماء نقابيون شعبويون؟ صحافيون شعبويون؟ زعماء رأي عام شعبويون؟ هل يوجد بالمغرب نماذج من هؤلاء؟ الجواب: يوووووووووه!.
الطيب خمصي
30 ماي 2008

سلاح حزب الله

"إذا لم يبادر حزب الله إلى فك الارتباط بين العمل السياسي والعمل المسلح، فإن من شأن ذلك، عاجلا أم أجلا، أن يؤدي إلى خلق مطبات وعقد كثيرة في الحياة السياسية اللبنانية. فلا المقاومة ستبقى محط إجماع، ولا حزب الله السياسي ستكون له مشروعية ديمقراطية... ونفس الأمر ينصب على حركة حماس بفلسطين". هذا مقتطف من مقال كتبته قبل سنتين. قبل أن يقع ما وقع لحماس، وطبعا سنتين قبل أحداث لبنان الأخيرة.
بعد أيام معدودة من سيطرة حزب الله عسكريا على بيروت بقوة السلاح، وإغلاق طريق المطار والمطار، وسيطرة مسلحيه على الشوارع وإغلاقه وإحراقه لوسائل إعلام التيارات المخالفة له، ها هم الفرقاء اللبنانيون يتحادثون في الدوحة. حزب الله والمعارضة والدول المساندة له يعتقدون أن حزب الله يفاوض في موقع قوة، حيث أوضح بشكل ملموس كيف يمكنه أن يسيطر على بيروت في ظرف ست ساعات فقط. لكن، تعالوا نرى على من انتصر حزب الله؟
حزب الله استوطن أحياء كاملة في بيروت وجنوب لبنان ومناطق أخرى للتدرب على السلاح، منذ سنوات. واللبنانيون كلهم تساهلوا، بل سهّلوا ذلك، لأن السلاح سلاح المقاومة، مقاومة إسرائيل. حزب الله تلقى الملايير من لدن إيران والسلاح عن طريق سوريا. والدولة اللبنانية والشعب اللبناني يعرفان ذلك، ولم يمانعا، لأن الأموال توجه إلى مناضلي حزب الله وهم جنود المقاومة، مقاومة إسرائيل. حزب الله اقتطع أجزاء من لبنان وخلع عنها سيادة الدولة اللبنانية وأسدل عليها سيادة حزب هو حزب الله. واللبنانيون لم يمانعوا في ذلك، لأن تلك مناطق أمنية لحماية المقاومة، مقاومة إسرائيل.
حزب الله بنى المستشفيات وأقام المدارس ووسائل الإعلام ودور الأيتام والمشاريع من أموال آتية من إيران ومن داعمين لمقاومة الاحتلال، وهو بذلك يركز شعبيته. والدولة اللبنانية لم تعترض، ولا الشعب اللبناني، لأن تلك بنيات ومؤسسات لدعم الشهداء والفدائيين والمقاومة، مقاومة إسرائيل.
مقاومة إسرائيل خط مشترك للدولة اللبنانية والشعب اللبناني. ولهذا السبب، سُمِح لحزب الله بما لم يُسمح به لغيره، لا في لبنان ولا غير لبنان.
السلاح والديمقراطية لا يلتقيان في يد واحدة. المقاومة للوطن كله، ولا يمكن أن تكون حزبا أو طائفة. والممارسة الديمقراطية عمل سياسي ليس فيه لا إجماع ولا قدسية لأحد. لذلك، وفي أول منعطف، خرج حزب الله إلى الشارع حاملا أسلحته، موظفا مليشياته وخبرته العسكرية للاعتداء على خصومه السياسيين وعلى الحكومة وعلى الدولة اللبنانية.
وظف حزب الله الأموال المخصصة للمقاومة، والسلاح المخصص للمقاومة، والمؤسسات الداعمة للمقاومة، والدعم الآتي من الخارج لدعم المقاومة، وأموال إيران الداعمة للمقاومة، والسلاح الآتي من سوريا دعما للمقاومة، وخبرات مليشياته التي اكتسبها من أجل المقاومة... استغل كل هذا لفرض وجهة نظره على خصومه السياسيين. استعمل إرث المقاومة وأملاك المقاومة وتاريخ المقاومة وشرف المقاومة وسمعة المقاومة، لإسكات صوت خصومه السياسيين. هل يصدق أحد بعد اليوم في لبنان أنه في مأمن من سلاح حزب الله؟ إسرائيل تشعر بالأمان، لأن حزب الله قبل بقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار صيف 2006، والتزم به، وقبل بتواجد قوات دولية في الجنوب اللبناني. لكن من يحمي الشعب اللبناني من سلاح حزب الله؟ هل لازال ممكنا أن يغمض الشعب اللبناني والدولة اللبنانية عينيهما إزاء تدفق السلاح لحزب الله، ومعسكرات حزب الله، وأموال إيران لحزب الله، والمربعات الأمنية لحزب الله؟ بعد استعمال حزب الله لسلاحه للسيطرة على بيروت وإسكات خصومه، هل يمكن الوثوق في تعهد حزب الله بعدم استعماله مجددا في الداخل وضد اللبنانيين وشعب لبنان ومؤسساته؟ المنطق يقول اليوم إن لبنان أمام خيارين: إما أن تتسلح كل الفصائل، وكل الفصائل تأخذ بقعا من لبنان مربعات أمنية لها وتأخذ السلاح والمال للتداريب العسكرية من الدول المساندة لها، حتى يكون هناك توازن، ويكون نفس «الحق» مشاعا بين الجميع. وإما أن يتساوى الجميع أمام القانون وينزع كل الفرقاء أسلحتهم ويتبارون في السياسة والديمقراطية بأفكارهم وبرامجهم وبأموالهم، وليس بالسلاح وأفكار وأموال غيرهم! لقد كان على حزب الله أن يفك الارتباط بين العمل السياسي والعمل المسلح حتى تبقى المقاومة للوطن كله ومحط إجماع، عوض استعمالها وأسلحتها في صرا عات وسخة. لكنه لم يفعل، وسيؤدي ثمن ذلك، وللأسف المقاومة ستؤدي الثمن هي الأخرى، لأن حزب الله حوّلها من مقاومة إلى مجرد مليشيا طائفية/سياسية انشغلت عن المقاومة بالفَتْوَنة المسلحة.
الطيب حمضي
23 ماي 2008

الأميرة والسرطان

منذ أيام، نستقبل بعياداتنا نساء جئن بدافع الكشف عن السرطان أو الخوف من الإصابة به. في البداية، لم أفهم سبب هذا الوعي المفاجئ، قبل أن أكتشف أن وسائل الإعلام، والتلفزيون بالخصوص، يبثون أخبارا وحصصا إعلانية عن حملة جمعية للاسلمى لمحاربة داء السرطان. برنامجي اليومي لا يسمح لي بمشاهدة القناتين الوطنيتين إلا نادرا، وهو ما فوت علي إمكانية متابعة الحملة كما تتابعها النساء المغربيات والرجال كذلك.
أكيد أن الغالبية العظمى من الاستشارات التي تأتي بعد مثل هذه الحملات تكون وراءها تخوفات غير مبنية، كأن تقول لك واحدة إن عندها إسهالا منذ أسبوع، وهي تشك في سرطان الثدي! لكن المهم أنها علمت بشيء اسمه سرطان الثدي وأن بالإمكان الكشف عنه مبكرا وعلاجه، والباقي يكون دور الأطباء لإجراء الفحوصات اللازمة أو إعطاء النصائح المناسبة. فترة بعد أخرى، ستنتشر الأفكار الصحيحة عن المرض وتنمحي الأفكار الخاطئة.
السرطان مرض وليس لعنة. هو مرض كباقي الأمراض، له أسبابه التي نعرف بعضها. هو الآخر له أعراضه، له مساره وله علاجه. المشكلة ببلادنا أن الناس تعرف السرطان، ولكن لا تعرف عنه إلا الجانب المظلم منه، وتتعامل معه كلعنة، وتعتقد أن الإصابة به تساوي الموت المحقق. والحقيقة غير ذلك.
السرطان مرض قاتل، إذا لم نكتشفه مبكرا، وإذا لم نعالجه. والمشكلة أنه كلما تأخرنا في اكتشاف المرض، كان العلاج صعبا، مرهقا ومكلفا، وكانت نتائجه محدودة. على العكس من ذلك، كلما كان الكشف مبكرا، كان العلاج سهلا وبسيطا، وكانت نتائجه رائعة.
لحسن الحظ أن عددا من أنواع السرطان يمكن الكشف عنها مبكرا، ومنها سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان البروستاتا والقولون والجلد مثلا. وسيكون من الخطأ القاتل أن يكون تحت تصرفنا هذا التطور العلمي وهذه الوسائل الطبية للكشف عن هذه الأمراض مبكرا، لكننا لانستفيد منها حتى نسقط ضحية المراحل المتطورة من المرض. هل يتطلب الأمر كثيرا من الأموال؟ أبدا، فبالنسبة لسرطان الثدي مثلا، وهو الذي يتطلب فحصا بالأشعة مرة كل سنتين عند المرأة بعد سن الخامسة والأربعين، فإن معدل ثمن الماموغرافيا (الفحص بالأشعة للثديين) يبلغ حوالي 800 درهم بالقطاع الخاص. هل كل النساء اللواتي لا يجرين هذا الفحص الدوري يمتنعن عن ذلك بسبب عدم توفرهن على ثمنه؟ الكثير من النساء اللواتي تصرفن ضعف المبلغ خلال ساعتين، أو لهن تغطية صحية، لا تقمن بالكشف المبكر عن سرطان الثدي أو عنق الرحم (هو تحليل أرخص). والسبب هو عدم الوعي بأهمية الكشف المبكر، لدى النساء والرجال على حد سواء. وهذه مسؤولية الأطباء كذلك، لأنهم تحت مبرر مراعاة الظروف لا يوجهون لمرضاهم نصائح حول الكشف المبكر.
كان من الممكن أن نمضي سنوات ونحن نتحدث في العيادات عن المرض وعبر الصحف وفي الندوات حول أهمية محاربة داء السرطان وأهمية الكشف المبكر عنه، دون أن نصل لتغيير العقليات. لكن ها هي الحملة الحالية تدخل كل البيوت وكل العقول لتغيير السلوكيات. هناك، من جهة، الاعتماد على أجهزة تدخل كل البيوت: التلفاز والإذاعات. ومن جهة ثانية، هناك وصلات واضحة. ثم، من جهة ثالثة، هناك مقاربة جريئة، إنها مقاربة متكاملة. إذ قبل انطلاق الحملات التحسيسية، تم تجهيز بعض المستشفيات وبناء مؤسسات لإيواء ومساعدة مرضى السرطان وبعدها كانت الحملة التحسيسية.
تذكروا شيئين: السرطان مرض يمكن محاربته. يكفي اتباع النصائح والفحوصات الضرورية. وتذكروا أن مبادرة الأميرة للاسلمى، عبر الجمعية، ستغير مسار السرطان وطرق التعامل معه بالنسبة للمغربيات والمغاربة، لأنها فتحت ورشا كان مستعصيا.

الطيب حمضي
16 mai 2008

الحداثة القۤبۤلية !

أفهم جيدا أننا في مرحلة انتقال على عدة مستويات: انتقال ديمقراطي، سياسي، مجتمعي، مؤسساتي. ولذلك، أجد العذر لعدد من مظاهر "الفوضى" التي تؤطر حياتنا اليومية التي تأوي كل المتناقضات. هناك حوالي أربعين حزبا سياسيا بالبلاد، الستة أو السبعة الأوائل متقاربة الحجم الانتخابي، والباقي بعيد عن الكوكبة. أكيد، ليس هناك أربعون برنامجا مجتمعيا يختلف بعضها عن الآخر، ولكن هذا التعدد يفسره عدم تجذر المؤسسة الحزبية كمؤسسة حديثة وحداثية وديمقراطية، فهي مؤسسة "عائلية" نوعا ما أو شبه زاوية. وعلى أية حال، فسواء كانت هناك عشرة أحزاب أو سبعون حزبا، فالناخب عموما في الديمقراطيات السليمة يحصر اختياره بين قوتين إلى ثلاث قوى سياسية كبيرة. وهكذا، نكون أمام وجود تضخم في الأعداد على مستوى القانون، بينما في الواقع، المشكل غير مطروح.
ما لا أفهمه هو أن يكون عندنا كل هذا الكم من النقابات! ففي نفس القطاع، نجد نقابة تدعو إلى الإضراب يوم الثلاثاء، وأخرى يوم الأربعاء وثالثة يوم الخميس، وهكذا… والموظفون طبعا يضربون مع كل النقابات، مادام الأجر مضمونا من جيوب الشعب والراحة مضمونة بفضل الإضراب!
لاحظوا أن هذه "الفوضى النقابية" لا توجد إلا بالقطاع العمومي، أما بالقطاع الخاص والقطاع الفلاحي، فداخل كل مؤسسة لا تجد إلا نقابة أو اثنتين، إذ العمال يعرفون أن لهم نفس المشاكل، وهذه المشاكل لها نفس الحلول، وهذه الحلول لا يمكن تحقيقها إلا بوسيلة واحدة: وحدتهم. هل رجال التعليم أو الصحة مثلا غير مدركين لهذه الحقيقة البدائية؟ المسألة ليست مسألة إدراك. الأمر يتعلق بممارسة خاطئة عاشت معنا ولازالت مستمرة. الأمر يتعلق بكوننا لازلنا لم ننجز الانتقال نحو العمل داخل المؤسسات، وليس تحت إمرة الأشخاص، الدفاع عن القيم وليس عن الذات، العمل في إطارات ديمقراطية مفتوحة وليس غيطوهات مغلقة. كل مجموعة تجانست إنسانيا تؤسس حزبا وتضع له أهدافا وقوانين، ثم تؤسس إطارا نقابيا، وتصدر جريدة ناطقة باسم الهيئة، تؤسس منظمة شبابية وتربوية موازية للحزب ومنظمة نسائية تابعة للحزب وأحيانا منظمة حقوقية كذلك!! الشباب، مثلا، إذا كانت له نفس المشاكل، فقد تختلف المقاربات لحلولها بين اليمين واليسار، لكن هل معنى ذلك أن يكون لكل حزب منظمته الخاصة، لا وزن لها ولا حضور لها وسط ملايين الشباب الخارج عن كل تأطير؟! هل النساء تواجه مشاكل تختلف حلولها بعدد الأحزاب القائمة؟! هل الموظفون والعمال والطلبة لهم مشاكل تختلف حلولها بعدد الأحزاب، حتى تؤسس هذه الأخيرة نقابات بعدد الأحزاب؟ في الميدان الحزبي، هناك تواريخ للامتحان. الانتخابات، وعندها يعز المرء أو يهان. ولكن في الميدان النقابي، هناك مشاكل يومية يستحيل مواجهتها بحكمة وفعالية مع كل هذه الفوضى الحاصلة في مجال العمل النقابي، وقس على ذلك في قضايا الشباب والنساء....
جرت العادة عندنا أن يدخل المرء حزبا سياسيا أو نقابة وكأنه دخل زاوية لها شيخها هو الزعيم ومريدوها وهم الأعضاء. إذا غادر العضو الجماعة، اتُهِم بالخيانة. وإذا حاسب الزعيم، اتُهم بالعمالة. الانتماء لحزب أو نقابة هو انتماء لفكرة يمكن أن تتغير في أي لحظة، وهذا ليس عيبا. العيب هو أن لا يتغير المسؤولون عن الأحزاب والنقابات وكأنهم فرضُ عيْن على هيآتهم. العيب هو أن يتعامل الفرد مع الحزب أو النقابة وكأنها مؤسسة لاهُوتية. العيب هو أن يدخل الإنسان حزبا أو نقابة للدفاع عن فكرة وعن مبدأ، فتضيع الفكرة ويضيع المبدأ في زحمة الدفاع عن الأشخاص وعن الذات.
الأحزاب والنقابات مؤسسات حداثية لتأطير المجتمع وتطويره، وليست قبائل. فلا يمكن الدفاع عن قيم الحداثة بوسائل وعقليات قبۤلية.

الطيب حمضي
9 mai 2008

الأزمة حقيقية

قد يكون زعيم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل محمد الأموي فقد الكثير من بريقه وقوته بعد ما عاشته نقابته والعمل النقابي عامة، وحزبه السابق والحالي، من أزمات وتصدعات، وما عرفته الحياة النقابية والسياسية بالبلاد من تحولات... لكن مع ذلك، حافظ على ذكائه "العروبي" وتفاعله وإحساسه بالتاريخ وبالناس بحكم عدم انسلاخه عنهم أصلا. لا أتحدث عن قراره بسحب ممثلي النقابة من مجلس المستشارين، بل عن قراره بخوض الإضراب العام. وبداية، أريد أن أوضح أنني، في هذه الزاوية، لا مع قرار الإضراب العام ولا ضده، لأن الموقف ليس موضوعي. من هذا الجانب، سأتناول قرار الإضراب العام كجزء من المشهد العام بالحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد.
يعيش المغاربة وذوو الدخل المحدود منهم على الخصوص أزمة عميقة، وتزداد ظروفهم سوءا مع مرور الوقت، دون أن تلوح لهم في الأفق بوادر تحسن ظروف معيشتهم ومعيشة أبنائهم. هما أزمتان؛ أزمة بالمطلق وأزمة نسبية. بالمطلق هي التي تعيشها الفئات الدنيا، بحيث تستحيل أمامها سبل العيش الدنيا يوما بعد يوم. وهناك فئات أخرى تعيش الأزمة بشكل نسبي. فحين صار بإمكانها الحلم بامتلاك السكن، جاءت المضاربات وأخذت منها أضعاف ما كان يجب أن تأخذه مصاريف السكن.وحين أضحت واعية بالسلامة الصحية، ولّد لديها هذا الوعي حاجيات طبية وصحية ومصاريف جديدة. بمعنى آخر، أضحت هذه الفئات ضحية لطموحها المشروع وسعيها الواعي نحو حياة أفضل. وهذه أزمة نسبية، وهي التي تعيشها الطبقة الوسطى أو ما بقي منها. وسواء كانت الأزمة مطلقة أو نسبية، فإن الإحساس بها يولّد حرمانا وغُبناً اجتماعيين.
إن ارتفاع أثمنة المواد الأولية الغذائية والطاقية على المستوى الدولي مازالت مرشحة للارتفاع لسنوات أخرى وليس أشهرا فحسب. وبحكم أن مصاريف التغذية والسكن تلتهم أكبر نسبة من ميزانيات جل العائلات ذات الدخل المحدود أو المتوسط، سهل علينا فهم أننا في بداية الأزمة وليس منتهاها. الأيام الصعبة في انتظارنا وليست وراءنا.
دورة الانتفاضات الشعبية بالمغرب هي عشر سنوات تقريبا. بمعنى أنه كان من المفروض أن نعيش هزة اجتماعية سنة 2000 مثلا. لكن مجيء ملك جديد وآمال جديدة أجلت الاحتقان. ومع تأثير الجفاف ومضاعفاته، كانت هناك مبادرة ملكية سنة 2003؛ "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي امتصت بعض الاحتقانات وفتحت أوراشا في النفوس والعقول أوّلاً. لكننا اليوم أمام مظاهر أزمة آخذة في الاستفحال.
ثلثا المغاربة الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليسوا غير مبالين، ولكنهم متشائمون من كون الانتخابات ستعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم وتحسين ظروفهم. وتلك من أخطر علامات الاحتقان.
عودة إلى الأموي. الإضراب العام الذي لوّح به الأموي هو إضراب عام يبتغي التحذير من خطورة الوضع على البلاد عامة، وليس فقط على العمال والموظفين. وهدفه هو ململة المسؤولين لاتخاذ إجراءات شجاعة وسريعة وفعالة لتدارك الوضع. مهما قدم الوزير الأول من اقتراحات، فلا يمكنه أن يقدم أشياء خارقة، ولن ترضى عنه النقابات، لأن البون شاسع بين الطموحات والواقع. والنقابات تعرف أن عيون الشعب عليها: هل ستدافع عن منخرطيها فقط أم عن عموم الشعب المحروم؟ الأموي التقط اللحظة واتخذ قرارا حرّك بركة آسنة من فوق، ولكنها تغلي من تحت. على الأقل، بإمكانه ونقابات أخرى معه أن يقودوا هذا الغضب الشعبي ويؤطروه ويوصلوا صوت الناس وآلامهم بشكل مؤسساتي وجماهيري منتظم، حتى وإن حدثت بعض التجاوزات هنا أو هناك. أما الاستمرار في التصرف وكأن الأمور عادية، فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام انفلاتات ليس من السهل التنبؤ بها أو التحكم في نتائجها.إن على الحكومة والباطرونا والنقابات والأحزاب والمؤسسات التفكير عميقا وسريعا في إجراءات مستعجلة من شأنها تخفيف الضغط على المواطنين، أجراء، موظفين، عاطلين... لا يمكن للباطرونا أن تنظر للموضوع من باب محاسباتي، مداخيل ومصاريف، أعباء وأرباح سنوية، بل في مثل هذه الظروف، عليها أن تجعل الاستقرار الاجتماعي فوق كل اعتبار، لأنه أهم شروط نجاحها أصلا وهي الرابحة مع توفره وخاسرة على طول ادا انعدم. والنقابات كذلك عليها ان تدرك أنها ليست أمام وضعية عادية بل ظروف خاصة تلزمها مبادرات حكيمة وشاملة. حلول وإجراءات لن تحل الأزمة ولن تجنبنا اضطرابات اجتماعية أكيد، ولكن من شأنها تقوية العمل المؤسساتي وإعطاء شحنة للتأطير الجماهيري المبدع والخلاق، عوض خلق الظروف لانفلاتات عشوائية، ما أسهلها وما أخطرها...

2 mai 2008
الطيب حمضي

اليازغي، الساسي والفاسي


كان من الضروري أن آخذ المسافة الزمنية الضرورية مع ثلاثة أحداث و ثلاثة مواقف قبل أن أعلق عليها، حتى يكون هدفي من التعليق واضحا وهو مناقشة الجوهر وليس الثأتير في الموقف الآني بهدف أو خلفية ما.
وسأتطرق للمواقف الثلاث حسب تسلسلها الزمني. هي مواقف اعتبرها كانت خاطئة حتى لو ولو البست ثوبا ديمقراطيا.ً وسأشرح موقفي من كل موقف على حده.
الموقف الأول، هو عدم ترشح الأستاذ محمد اليازغي، الكاتب الأول لحزب الإتحاد الاشتراكي أنذاك، لانتخابات 2007 ، وتنازله عن الدائرة لصالح مناضلة من حزبه للترشح بها بدعوى التداول. الموقف الثاني، هو استقالة الأستاذ والصديق محمد الساسي من موقع نائب الكاتب الأول للحزب الاشتراكي الموحد بسبب عدم تمكنه من الفوز بالدائرة التي ترشح بها. والموقف الثالث، هو ما اعتبره الأستاذ عباس الفاسي الوزير الأول خلال مشاورات تشكيل الحكومة من كون المنهجية الديمقراطية لاتسمح باستوزار المرشحين الذين لم يتمكنوا من الفوز بالدائرة الانتخابية التي ترشحوا بها. علما أن هذه الفتوى لم تكن للسيد الفاسي نفسه بل من طرف المحيط الملكي حسب ما فهمنا مما تداولته الصحافة. ولكن مادام الأستاذ عباس الفاسي قبلها وعمل بها سنعتبرها من صنعه.
بالنسبة للأستاذ محمد اليازغي. بداية منطق التداول على المسؤولية وتحديد عدد ولايات لا يمكن تجاوزها، هو منطق ديمقراطي سليم وهو ما يجب أن يسود. والحكمة منه؟ الحكمة من وراء ذلك أن لايعمل أي شخص يتحمل مسؤولية ما على استغلال هذه المسؤولية نفسها ليفرض نفسه فيها بشكل دائم. عندما يعرف أن مدته محدودة على الكرسي مهما فعل، سيتفرغ لخدمة الصالح العام عوض الانصراف و"التخلويض" واستغلال النفوذ للبقاء في منصبه. لكن هذه القاعدة تسري على المواقع التنفيذية والتي تتيح سلطة أو سلطا ومالاً تحت التصرف، من المحتمل أن يستغلها المسؤول للبقاء في المسؤولية أو إعادة انتخابه. أما أن ينتخب الشخص عضوا بالجماعة المحلية أو البرلمان، وكل دوره نظريا أن يبلغ صوت الناخبين ويراقب، ولا سلطة له أو أموال عمومية تحت تصرفه مباشرة، فإن قاعدة التداول لا تشملها.العكس كل ما كان الشخص فعالا وملتصقا بالناخبين كلما كان عليه الاستمرار، لأن استمراره مضمون بإرادة ورغبة الناخبين وليس سلطة القرار أو المسؤولية أو المال.
لذلك، كان على الأستاذ اليازغي، مثلا، أن يتنحى عن الكتابة الأولى لحزبه (الموقع يعطيه الكثير من السلط) ويتنحى من موقع الوزارة، وينزل غمار الانتخابات وليس العكس. وهذه بدعة التداول المغلوط.
الصديق محمد الساسي، ترشح للانتخابات وانهزم واعترف بفشله وبحث في أسباب ذلك بموضوعية، وأحيانا بجلد الذات أمام الرأي العام، وقرر التنحي عن موقع المسؤولية داخل قيادة الحزب. مسؤولية الساسي داخل الحزب احتلها لأن المناضلين وضعوا ثقتهم فيه وفي رفاقه بالمكتب السياسي لإدارة شؤون الحزب. وهذا معناه أن فشل أو نجاح مهمته التي انتخب من أجلها تقاس بمدى نجاحه أو فشله ومعه قيادة الحزب في إدارة شؤون الحزب والانتخابات جزء منها. بمعنى أن أعضاء الحزب حين اختاروا الأستاذ الساسي نائبا لأمينهم العام (وكل القيادة طبعا) لم يقوموا بذلك ليفوز الساسي بدائرته، بل لينجح الساسي ورفاقه بالقيادة في تحسين موقع الحزب. لذلك، إذا كان للصديق الساسي أن يقدم استقالته، كان عليه أن يقدمها بسبب كون الحزب فشل في الانتخابات حتى وإن نجح الساسي في دائرته. الاستقالة كانت أخلاقية وطبيعية لكن الأسباب كانت غلط!
الأستاذ عباس الفاسي، أبلغ حزبه وأحزاب الأغلبية أن الذين ترشحوا ولم يفوزوا بدوائرهم خلال الانتخابات التشريعية لا مكان لهم بالحكومة المقبلة "احتراما للمنهجية الديمقراطية". وهذا منطق سليم جدا، ولكن ليس في حالة المغرب. حين أراد السيد "فيلون"، الوزير الأول الفرنسي، تشكيل حكومته صرح بنفس الشيء، وقال إن المنطق الديمقراطي يقتضي ذلك، ما عدا بعض الاستثناءات إذا كانت خبرة الإطار ضرورية للحكومة.
والسبب؟ في فرنسا يتم اختبار الوزراء من داخل البرلمان والاستثناء النادر أن يكون الوزير ليس عضوا منتخبا بالبرلمان. في هذه الحالة، سيكون من قلة الحياء اختيار الوزراء من ضمن الفاشلين في الفوز بمقاعدهم. ولكن في المغرب نجد أن الغالبية العظمى من الوزراء لايتم اختيارهم من بين أعضاء البرلمان، بل هم أفراد لم يتقدموا حتى للمنافسة. إذن، لا علاقة للمنهجية الديمقراطية برفض سياسي شمر على سواعده ولم يتمكن من الفوز بالدائرة وقبول آخر ربما لايعرف حتى ما هي الانتخابات. قد نصبح غدا أمام أطر سياسية ترفض الترشيح حتى تحافظ على حظوظها في الإستوزار. وأنداك فليملئوا البرلمان بالدرجة الخامسة من السياسيين ... وهده بدعة المنهجية الديمقراطية. ثلاث مفاهيم ديمقراطية توضع في غير محلها وها نحن أمام بدع غير ديمقراطية.
الطيب حمضي
25 avril 2008

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi