ياسمينة بادو: حياتهم مسؤولية في عنقك

يتابع الرأي العام منذ مدة أخبار احتجاجات طبيبات مغربيات فوج 2007 على عدم تعيينهن قرب محل بيت الزوجية من طرف وزارة الصحة. ومنذ أشهر وهن تقمن بأشكال احتجاجية مختلفة. ومؤخرا لجأن إلى علماء الدين للإفتاء في حالتهن! وقد وجه الأستاذ عبد الباري الزمزمي، عالم دين وبرلماني، رسالة إلى السيدة ياسمينة بادو وزيرة الصحة يذكرها فيها بأن التفريق بين الزوجين جرم كبير وذنب عظيم في الإسلام.
وقبل أن ندخل في صميم الموضوع، دعونا نذكر أن الطبيبات المحتجات، بعد تخرجهن من كلية الطب، اجتزن مباريات للتخصص، والتحقن بدراستهن وتخصصهن، بعد أن أمضوا عقدة للعمل مع وزارة الصحة عند تخرجهن. وبهذه الصفة، مكنتهن وزارة الصحة من أجور خلال مدة التكوين أعلى من الأطباء الذين لم يريدوا الالتزام بعقدة للعمل مع وزارة الصحة.
ولنذكر كذلك أن قانون الوظيفة العمومية واحد يسري على جميع الموظفين في التعليم والصحة والمالية والتجهيز والأوقاف وو... وهو يعطي صلاحية للإدارة بتعيين الموظفين في الأماكن التي هي في حاجة للخدمات، حسب خريطة محددة، ليستفيد المغاربة كلهم من الخدمات العمومية على قدم المساواة. والموظفون لهم الحق في طلب الانتقال كلما كانت إمكانيات الانتقال متوفرة. وعلى الإدارة أن تعطي الأسبقية لمن قضوا فترات طويلة في مناصبهم. كما على الإدارة استحضار عناصر أخرى، منها التجمع العائلي (تسهيل انتقال الزوجة قرب مكان عمل زوجها أو انتقال هذا الأخير للعمل قرب مكان عمل زوجته)، ومنها كذلك الظروف الصحية (تقريب مريض مزمن مثلا من مركز استشفائي متخصص في حالته).
لنرجع الآن إلى الطبيبات المتخصصات.

1- من حقهن التام والشامل والمشروع المطالبة بتعيينهن في أماكن قريبة من بيت الزوجية لضمان استقرار عائلي لهن ولأزواجهن ولأطفالهن. وهذا حق مشروع لهن ولكل الموظفات، بل لكل العاملات، سواء بالقطاع العام أو الخاص. غير أن هذا الحق لا يمكن تفعيله إلا إذا توفرت الظروف لذلك. ومع الأسف، فإن الخريطة الصحية بالمغرب لا تسمح اليوم بتعيين كل الطبيبات المتواجدات قرب أزواجهن أو كل الأطباء قرب زوجاتهم ومكان دراسة اطفالهم.

2- محور الرباط، البيضاء، فاس، مراكش ... يتمركز فيه عدد من الأطباء يتعدى عشرات المرات عدد الأطباء المتواجدين بـ"المغرب غير النافع". للأسف هذه حقيقة تذكرنا بها اليوم الطبيبات المتخصصات. في الراشيدية وزايو والشاون وامنتانوت وبوعرفة وآزرو وغيرها من المدن "النائية"، هناك خصاص فظيع في أعداد الأطباء. هي مدن نائية عن ماذا؟ عن الرباط والبيضاء. وكأن المواطن المغربي ليتمكن من الاستفادة من خدمات بلاده ضروري أن يعيش بالرباط!!!

3- المواطنون بالمدن والأقاليم النائية، المواطنون بالقرى والمداشر، المواطنون بالأحياء الشعبية، المواطنون ذوو الاحتياجات الخاصة، أو ذوو الظروف الخاصة، كلهم سواسية وهم في حاجة إلى التعليم والتطبيب وإلى اللربط بشبكة الصرف الصحي والماء الشروب والطرق مثل غيرهم. لذلك، فهم في حاجة إلى الخدمات الطبية الملائمة أو على الأقل الحد الأدنى منها بعد 50 سنة من الاستقلال والإهمال.

4- في المدن البعيدة عن العاصمة، يحتاج المرضى إلى قطع مئات الكيلومترات للوصول إلى العلاج، وأحيانا لا يصلون إليه، بل يفارقون الحياة. وبسبب البعد، يصبح العلاج مكلفا، ليس بسبب مصاريف الدواء والتشخيص، بل بسبب تنقل المرضى ومرافقيهم. وهو ما يجعل العلاج بعيدا عن متناول الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
الكثير من الوفيات والأمراض والعاهات تحدث بالمناطق البعيدة، بسبب تعذر الوصول إلى العلاج أو التأخر في الوصول، بعد أن يكون فات الأوان. لذلك، فإن تواجد الأطباء بمختلف مناطق المغرب ومن مختلف التخصصات هو واجب على الدولة وعليها ضمان ذلك لكل مناطق البلاد.

5- لأن المواطنين في المناطق البعيدة محتاجون للعلاج كغيرهم من المغاربة، فمن المفروض أن يتم تعيين الأطباء بتلك المناطق، إذ لا يعقل مثلا أن يكون أحد يتصور أن يتم تعيين الأطباء بالرباط والبيضاء ونطلب من ملايين سكان المناطق البعيدة أن يغيروا محل سكناهم نحو العاصمة، حتى إذا احتاجوا إلى خدمات صحية كانوا قريبين من الطب والأطباء!!!

6- بهذه المناطق البعيدة، هناك أطباء وطبيبات تم تعيينهم منذ سنوات للعمل هناك، وهم ينتظرون الأفواج الجديدة لتعويضهم ليلتحقوا هم بأسرهم. وهكذا دواليك.

7- النساء الموظفات، كن مدرسات أو شرطيات أو طبيبات، لهن نفس الظروف. ولم نسمع يوما أن أستاذات متزوجات رفضن الالتحاق بمقر عملهن، لأن ذلك يبعدهن عن أزواجهن ويعرضهن لـ"التطليق" أو التفريق! بل يلتحقن بأماكن عملهن ويؤدين واجباتهن ويشاركن في الحركة الانتقالية ويتقدمن بطلبات الانتقال بالطرق القانونية حتى يتم جمع شمل أسرهن.

8- كثير من الموظفين الرجال يتم تعيينهم بعيدا عن أسرهم، ولا يكون من الممكن أن تنتقل عائلاتهم معهم في الحين بسبب عمل الزوجة مثلا أو ظروف دراسة الأبناء أو طبيعة مكان التعيين الجديد. يلتحقون بأماكن عملهم ويؤدون واجباتهم. وبالموازاة مع ذلك، يبحثون عن حلول تمكينهم من لم شمل أسرهم.

9- هذه قضايا إدارية يومية. هل من المعقول البحث فيها عن فتاوى؟ لماذا يتم توريط الدين والفقهاء والعلماء في مثل هذه القضايا؟ هل تم إخبار الأستاذ عبد الباري الزمزمي، مثلا، بأن المدن التي تم فيها تعيين الطبيبات تعاني نقصا فادحا وعجزا مهولا في الأطر الطبية؟ هل تم إخباره بأن آلاف الأمهات تفارقن الحياة أو تترملن هناك بسسب غياب الاطباء؟ وبأن آلاف الأطفال يموتون أو يصابون بعاهات في تلك المناطق، بسبب غياب الرعاية الصحية القريبة؟ هل تم إخباره بأن أماكن أزواج الطبيبات يتعدى فيه عدد الأطباء المعدل الوطني بكثير، وأن تعيينهن بهذه المراكز هو إهدار لطاقات بشرية وإهدار للمال العام في وقت توجد مناطق أخرى ومواطنون مغاربة في أمس الحاجة إلى هذه الأطر؟

10- لماذا لم يسألوا الأستاذ عبد الباري الزمزمي عن موقف الدين من أطباء يرفضون تقديم العلاج لمواطنين في حاجة ماسة إلى تلك العلاجات؟ عن موقف الدين من ترك مواطنين بدون رعاية صحية، عرضة للأمراض والموت المحقق؟
لماذا لم يسألوا عن الموقف الديني من اللذين يتنكرون لعقود والتزامات التزموا بها ثم يحاولون التنكر لها؟

11- هل ياسمينة بادو عينت أطباء في مناطق هي في حاجة إليها أم فرقت بين الزوجين؟؟ في مثل هذه الحالة، ما موقف الدين من القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية التي تعين عشرات الآلاف من الجنود بعيدا عن أسرهم (رجالا ونساء)، ولا يلتقون بعائلاتهم إلا مرة في الأسبوع أو في الشهر وأحيانا لمدة أطول؟ هن وهم بأماكنهم يؤدون مهمة نبيلة وشريفة هي الدفاع عن الوطن. ومعالجة المرضى والعناية بالصحة ليست أقل نبلا ولا شرفا من الدفاع عن الوطن. كل من قام بواجبه بشكل كامل هو بمثابة مدافع عن الوطن.

12- إذا عملت ياسمينة بادو على تعيين الطبيبات المتزوجات أو غيرهن ومن سيأتي بعدهن في الأماكن التي يرغبن فيها وتركت المناطق البعيدة بدون تغطية، هل تكون قدمت خدمة للوطن أم أجرمت في حق الوطن وفي حق ملايين المواطنين الذين ينتظرون تعيين الأطباء والمدرسين والمهندسين وغيرهم من الأطر حتى تتحسن ظروف حياتهم؟

13- إن ترك مناطق بدون تغطية صحية لائقة يعرضها إلى مزيد من التهميش والفقر ولا يساعدها على التنمية مطلقا. فالاستثمار والسياحة مثلا لا تتطور بالمناطق المهمشة. ففي غياب مؤسسات صحية لائقة وشبكة طرقية لائقة وخدمات لائقة يرفض المستثمرون إقامة مشاريعهم. فهل محكوم على تلك المناطق بالتهميش وعلى سكانها بالمرض والفقر مدى الدهر؟

إن على السيدة ياسمينة بادو معالجة حالة الطبيبات المتخصصات بكل ما يلزم من التفهم والرأفة والعطف والتقدير بحالاتهن الاجتماعية والأسرية، ولكن كذلك دون أن يكون الأمر حلى حساب حياة وصحة المواطنين بالمناطق المعنية. إنها مؤتمنة على صحتهم وحياتهم. وإذا لم يكونوا يتظاهرون أمام وزارتها بالملايين، فذلك لا يعني أنهم غير متضررين. العشرات يموتون كل يوم بسبب صعوبة الولوج للعلاج. الآلاف من النساء تترمل بفقدان أزواجهم بسبب ضعف التاطير الطبي. الآلاف من الأطفال يتيتمون بسبب فقدان الأب أو الأم بسبب ضعف التغطية الصحية. العشرات الآلاف يفقدون البصر أو القدرة على المشي أو الحركة بسبب تعذر الحصول على العلاج الملائم في الوقت الملائم.

إن حياة وسلامة صحة هؤلاء أمانة في عنقها أولا وفي عنق الأطباء والطبيبات الدين كونهم الوطن لمثل هده المسؤوليات، و ثابروا هم من جهتهم وكافحوا للنهوض بمثل هده المهام الإنسانية النبيلة. إن الجسم الطبي المغربي مشهود له بالكفاءة ونكران الدات والتطوع كل ما كان الوطن أو المواطنون في حاجة لدلك، بل حتى تضامنا مع شعوب أخرى مهما بعدت في وقت الكوارث والأزمات، فالأحرى القيام بالواجب المهني في ربوع الوطن. لدلك فان هده الروح هي التي ستنتصر قبل القانون نفسه.

الطيب حمضي
23 octobre 2008

صحافة خطرة

الصحافة ركيزة أساسية من ركائز المجتمعات الحديثة الحرة والديمقراطية. الصحافة شرط مهم من شروط التنمية والتقدم المجتمعي، بما هي آلية من آليات توازن السلط. و حرية الصحافة هي العمود الفقري للممارسة الصحفية الحقيقية والسليمة.
لكن هل يمكن إغماض العين عن ممارسات "صحفية" تشكل خطرا على الصحافة نفسها وعلى حرية الصحافة وخطرا على المجتمع وعلى المواطنين؟
خطر على أعراض المواطنين وشرفهم وسمعتهم وسلامة صحتهم وحياتهم وممتلكاتهم وطمأنينتهم؟ هل يمكن إغماض العين عن هده الممارسات بدعوى تمترس "مقترفي" هدا النوع من الصحافة وراء حرية التعبير ومن ثم اللاعقاب؟
هل حرية الصحافة هي حصانة يسلمها المجتمع للصحف ووسائل الإعلام المختلفة والصحافيين ليرتكبوا ما شاء لهم من أخطاء وخطايا دون مساءلة؟
لن أطرح سؤال ماهي حدود حرية الصحافة، بل سؤالا أكثر عملية: ماذا نعني بحرية الصحافة؟ وماذا تشمل حرية الصحافة؟ هل تشمل حرية الصحافة مثلا التعرض لأعراض الناس والتشهير بهم ونقل الأخبار الزائفة عنهم؟ هل تشمل حرية الصحافة التهجم على المؤسسات السياسية أو التجارية أو الجمعوية أو غيرها، قصد تدميرها أو النيل منها بواسطة الأكاذيب والأخبار الملفقة؟ هل تشمل حرية الصحافة عمليات الابتزاز التي تمارسها بعض المؤسسات الصحافية وبعض الصحافيين قصد الحصول على المال لا غير؟ هل تشمل حرية الصحافة اختلاق الأخبار خلقا عوض البحث عنها؟
أكيد أن حرية الصحافة لا علاقة لها بكل ما ذكر. وإذا كان الأمر كذلك، ما هذا الذي نشهده اليوم في بلادنا؟ أعرف أن بلادنا تعرف تحولا ديمقراطيا، وبالتالي حتى على المستوى الإعلامي تعرف مرحلة انتقال بكل سَكَراتها وهفواتها ونجاحاتها كذلك. لكن المتصفح لبعض المنشورات الصحافية سيصاب بالغثيان للمستوى الذي آلت إليه المهنة في الكثير من الحالات. سيكون من الخطأ القاتل تعميم الأحكام، لأن هناك منتوجات صحافية تحترم الشروط الأساسية للعمل الصحافي. لكن في المقابل، طالعوا فقط الصفحات الأولى لبعض المنشورات دائما وللبعض الأخر أحيانا: قذف مباشر في حق الأشخاص أو المؤسسات، أخبار ملفقة، أخبار مختلفة، حقائق مغلوطة، أحداث مفتعلة، خطابات عنصرية، إهانات... العديد منها مفضوح تماما، والآخر يبحث له أصحابه عن غطاء "حرفي". أكيد أني لا أتحدث عن بعض هذه الحالات التي قد تحدث عن طريق الخطأ أو عن حسن نية مثلا- رغم خطورتها- ولكني بصدد الحديث عن مؤسسات صحافية وصحافيين قرروا، عن سبق إصرار، البحث عن قراء عن طريق استعمال الأساليب المذكورة سابقا. أتحدث عن مؤسسات صحافية وصحافيين لا يبحثون عن قراء، ولكن عن أرصدة مالية من جهةٕ ما من خلال التعرض لجهات أخرى، عن مؤسسات صحافية وصحافيين تضع أقلامها رهن إشارة أجهزة ما لتصفية الحساب مع جهات وأجهزة أخرى. أتحدث عن أولئك الذين وضعوا أقلام الصحافة وراءهم، وقرروا التحول إلى مؤسسات لربح المال أو الجاه أو السلطة على حساب الصحافة ونبل رسالتها وعلى حساب أعراض الناس ومن خلال التلفيق والاختلاق والكذب. صحافة تعتبر نشر النميمة والإشاعة والأخبار الزائفة عملا اخباريا. صحافة تُستعمَل لتصفية الحسابات ليس حتى من خلال استراتيجية صحفية – وان كانت نفسها ضد أخلاقيات المهنة- ولكن من خلال الكذب الممنهج.
لقد آن الأوان للجسم الصحافي قبل غيره التحرك لحماية مهنة الصحافة، بل لإنقاذها من هذه الممارسات المسيئة للمهنة ولممتهنيها. آن الأوان لينتفض الجسم الصحافي ويلفظ عنه هذه الطفيليات. ولكن كذلك، علينا نحن كمستهلكين لهذا المنتوج الصحافي الانتباه إلى خطورة الظاهرة وعدم التعايش والتسامح معها. علينا كلنا كمجتمع أن نفكر بشجاعة وصوت عال في الفصل بين حرية الصحافة بما هي رئة للمجتمع، و"الصحافة" الرديئة التي تتخفى وراء حرية الصحافة لتخلق قطيعة بين المجتمع وصحافته، مما يعطل فرص تطورها.
الطيب حمضي
17 octobre 2008

الرفيق جورج بوش

يعيش الاقتصاد الأمريكي منذ بضعة أشهر على إيقاع أزمة مالية هي الأخطر منذ ثلاثينيات القرن الماضي. انطلقت المشكلة بالأزمة التي عرفها قطاع العقار الأمريكي وانخفاض قيمة الرهون العقارية وما تلا ذلك من عجز الأمريكيين الذين استدانوا بكثرة لشراء بيوتهم عن سداد الديون، وإفلاس الشركات العقارية وانتقال الأزمة إلى البنوك والتأمين. وأصبح بعد ذلك الاقتصاد الأمريكي بل العالمي على حافة أزمة خطيرة ومحتاجا لإجراءات سريعة وقوية لمحاولة إنقاذه من الانهيار تحت وطأة الأزمة المالية. لتدارك الأمر، هيأت الإدارة الأمريكية خطة للإنقاذ بقيمة 750 مليار دولار. 250 مليار مخصصة للشراء الفوري لـ"الرهون السامة"، أي الخاسرة، لإنقاذ الشركات التي تمتلكها من الانهيار، و100 مليار دولار تحت تصرف الرئيس الأمريكي، و300 مليار تحت رقابة الكونكرس. الإدارة الأمريكية ستشتري بهذه الأموال الرهون الخاسرة والأسهم في الشركات المهددة بالانهيار. أي أن الإدارة الأمريكية - من خلال أموال دافعي الضرائب- ستشتري رهونا وأسهما خاسرة وطبعا بأثمنة أكثر مما تستحق فعلا بقيمة السوق عند الشراء. وهذا يسمى ببساطة تدخل الدولة في السوق، بل يسمى تأميما، أي أن الحكومة الأمريكية ستؤمم بعضا من القطاع الخاص الأمريكي. وتقضي الخطة كذلك بتحديد ومراجعة أجور مدراء الشركات الأمريكية. وهذه سابقة، إذ لأول مرة ستتدخل الدولة لتحديد أجور مدراء يشتغلون بالقطاع الخاص. سبب هذا الشرط معقول، إذ لا يعقل أن يتم ضخ أموال دافعي الضرائب في شركات فاشلة في وقت يتمتع مديروها بأجور خيالية. لكن، يجب تسجيل تدخل الدولة حتى في تحديد أجور الأطر العاملة بالقطاع الخاص.
هذه الإجراءات لها اسم بسيط هو: تدخل الحكومة في السوق من أجل تنظيمه وضبطه. وهو يعني شيئا بسيطا كذلك: إن السوق، مهما كانت، في حاجة إلى قوانين وإلى مراقبة وإلى تنظيم، وإلا تحولت إلى وحش قد يدمر كل شيء. هذه البديهة لا يؤمن بها الليبراليون المتطرفون. بالنسبة إليهم، السوق ينظم نفسه بنفسه، وأي تدخل فيه هو ضد التنمية وضد النجاح. وبالنسبة إليهم كذلك، ليس على الحكومة بالمطلق أن تتدخل في السوق بدعوى تنظيمه، في الوقت الذي كانت فيه الدولة هي كل شيء في الدول الاشتراكية ولا مكان للقطاع الخاص ولا للمبادرة الحرة. في الوسط وفي الفكر الاجتماعي الديمقراطي، المبادرة الحرة مركزية، والقطاع الخاص هو أساس الاقتصاد، لكن للدولة دورا بل أدوارا كثيرة عليها أن تلعبها حتى يكون السوق في خدمة المجتمع وليس العكس المجتمع في خدمة السوق! لذلك، فإن اقتصاد السوق مقبول بل مطلوب، ولكن مجتمع السوق مرفوض. وهذا ما كان دائما يرفض سماعه منظرو الليبرالية المتوحشة الأمريكيون. لكن ها هم اليوم يلجؤون إلى ما كانوا يعتبرونه عدو النجاح وعدو الاقتصاد وعدو السوق. وهاهم يعتبرون أن ذلك هو البلسم والحل للأزمة التي قادهم إليها السوق المتوحش. هذه الحلول ليست حلولا رأسمالية ولا هي حلول أمريكية ولا هي حلول مالية، بل هي حلول اقتصادية مستوحاة من المنظومة التي تؤمن باقتصاد السوق وبضرورة تنظيم هذا السوق.
الرئيس جورج بوش اختار النجاعة وليس الايديولوجيا لحل الأزمة - إن هي حُلّت- وعلى خطى الرفاق لينين وستالين وخروتشوف ، نقول للرفيق جورج بوش حظا سعيدا.
الطيب حمضي
10 octobre 2008

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi