التقرير الصادم الذي اطلع الرأي العام على بعض من تفاصيله يصف الحالة المزرية التي توجد عليها عدد من المصحات الخاصة، حيث تقادم وتآكل تجهيزاتها، وضعف بنياتها، وقلة مواردها البشرية، وضعف تكوين الطاقم التمريضي بها، وعدم احترام المعايير الطبية في قاعات الجراحة والإنعاش...
التقرير هو خلاصة زيارات ميدانية لعدد من المصحات بمدن مغربية وفي مقدمتها أهم المصحات بالدارالبيضاء والرباط.
يمكن لي اليوم أن أقدم شهادة في الموضوع ليس فقط كملاحظ أو شاهد ولكن كطبيب ممارس. تقديم شهادة حول واقع الحال داخل المشافي الخاصة بالمغرب والمصطلح عليها بالمصحات.
الواقع الذي يتحدث عنه التقرير على الأقل في الأجزاء التي اطلعنا عليها هو حقيقة قائمة وقاتمة. عدد كبير من المصحات الخاصة لا يهتم إلا بالواجهة, بل أحيانا حتى هذه لا يهتم بها. أما التجهيزات والأطر التمريضية، فتلك قصة أخرى. المساعدون الطبيون العاملون بالمصحات جزء منهم ممرضون لدى مستشفيات وزارة الصحة ويعملون بالمصحات خلسة (عمل سري)، والباقي شباب يتم تشغيلهم بدون أي تكوين أو دراية بعلوم التمريض، ليسهل استغلالهم وتشغيلهم في ظروف سيئة وبأبخس الرواتب.
التجهيزات الطبية إما منعدمة أو معطلة أو متقادمة, العمل ضمن شروط غير طبية وعدم احترام المعايير المطلوبة داخل قاعات التوليد والمركبات الجراحية وقاعات الإنعاش.
هذا الواقع على الأطباء من خلال هيأتهم الوطنية ووزارة الصحة والنقابات الطبية أن يتدارسوه لمعالجته. لم يعد مقبولا أن يلج المريض بالمغرب مؤسسة استشفائية، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، ويجد نفسه داخل مؤسسة فيها كل شيء إلا الضمانات الطبية لحسن العلاج.
هذا التقرير وهذا النقاش لا يجب أن يدفعنا في المقابل إلى التنكر للإضافة النوعية التي أضافتها المصحات الخاصة للنظام الصحي بالمغرب. ففي ميدان أمراض وجراحة القلب والسرطان وجراحة الدماغ والأعصاب وغيرها, وفرت هذه المصحات أرضية طبية وبشرية كفأة ساهمت كثيرا في علاج عدد من الحالات المستعصية لم يكن لها أن تجد موطئ قدم داخل المشافي العمومية.
دور المشافي الخاصة أو المصحات دور مهم وأساسي داخل المنظومة الصحية المغربية، لكن للأسف هو قطاع يرزح تحت وطأة عدد من المشاكل تجعله يصل إلى الوضع الذي تحدث عنه التقرير.
الناس حين يناقشون وضع المصحات لا يتحدثون إلا عن جانب واحد هو المال! لا يمكنك دخول مصحة دون وضع"تسبيق" أو شيك لضمان التسديد. ليس في قلوبهم شفقة... علما أن هذا هو الجانب الخاطئ في الموضوع.
المغاربة ليست لديهم تغطية صحية تتكفل بهم. وبالتالي، فالمصحات تعرف أن المريض بمجرد ما يتجاوز مرحلة الخطر التي قادته إلى المصحة حتى تتنكر عائلته لكل التزاماتها. من حق المصحات أن تطلب ضمانات ومن يقول إن في قلبه رحمة أكثر من أصحاب المصحات ما عليه إلا أن يلتزم بدفع كل الأتعاب التي يذهب أصحابها بدون تأديتها, ويومها لن تطلب أي مصحة من أي مريض أي ضمانة. أما أن يدعي البعض الإنسانية على حساب ميزانية المصحات فهذا عبث.
لذلك، قلت إن المشكلة الحقيقية ليست هنا. المشكل الحقيقي هو في شفافية العلاجات، بحيث يرى المريض لماذا ولج المصحة ويعرف أي علاج ينتظره, الشفافية في الفوترة. وقبل كل شيء أن يتلقى المريض علاجا في مستوى ما تعلن عنه المصحة، لا أن يدخل إلى عالم مجهول أو محفوف بالمخاطر. على وزارة الصحة أن تفتح ورشا كبيرا اسمه التطبيب بالمشافي الخاصة وخلق نقاش عميق حول سبل النهوض بالقطاع.
هناك مشكل تمركز المصحات بمحور البيضاء الرباط . هناك مشكل رأس مال المصحات التي لا يمكن أن يستثمر فيها إلا الأطباء. ألم يحن الوقت للتفكير في فتح هذا الرأسمال في وجه المستثمرين, رغم أن الأطباء يرفضون ذلك.
هذا نقاش مهم لا يمكن إغلاقه بحجة أن باب الاستثمار بالمصحات سيفتح باب التجارة بالصحة، وكأن الأطباء حين يفتحون المصحات يحولونها إلى خيريات!! هناك مشكل التغطية الصحية الضعيفة التي لا تكفي لتشغيل المصحات. لهذه الأسباب، تجد مصحات برؤوس أموال محدودة وتنتظر الشروع في الأرباح في أقرب وقت، مما يدفعها إلى التورط في رداءة الخدمات.واقع الحال بالمصحات الخاصة يبعث على القلق، ونتمنى أن يكون التقرير نقطة البدء لفتح نقاش عميق حول الموضوع في مختلف جوانبه: الخريطة الصحية، الجانب المالي والجبائي، التكوين، العلاقة مع منظمات الاحتياط الاجتماعي والتغطية الصحية الأساسية، القوانين المنظمة للاستثمار في المجال الصحي....، حتى تكون مصحاتنا في مستوى الخدمات التي ينتظرها المغاربة.
30 mars 2010