الجهوية والانتقال "الجهوي"

ادا دخل المغرب مرحلة الجهوية الديمقراطية الفعلية سنكون أمام مسلسلين المسلسل الديمقراطي الذي لم ينته فيه الانتقال بعد إلى ترسيم الحياة الديمقراطية بشكل لا رجعة فيه وأمام مسلسل بناء جهوي سيتطلب هو الأخر عملا يمر عبر ما يمكن أن نسميه "بالانتقال الجهوي"
الجهوية مرحلة متقدمة من البناء الديمقراطي. الجهوية الفعلية هي نقل للسلطات من المركز المهيمن إلى الجهات الأكثر دراية بمشاكلها وبالحلول المناسبة لهذه المشاكل. هي مرحلة أكثر تطورا في الديمقراطية. إنها لا تعني فقط نقل السلطة من "الحاكم" إلى الشعب يمارسها عبر ممثليه المنتخبين عبر صناديق الاقتراع، بل نقل السلطات من المركز حتى وإن كان منتخبا إلى الجهات.
ليست كل الأنظمة الجهوية ديمقراطية بالضرورة. فقد يتعلق الأمر بتقسيم جهوي ترابي الهدف منه هو التحكم أكثر في تفاصيل الحياة داخل كل الجهات، أو تنظيم جهوي ينقل ديكتاتورية المركز إلى الجهات. في هذه الحالات، يتعلق الأمر بتنظيم إداري وترابي جهوي أكثر منه جهوية. المشاكل محلية والحلول مركزية, هذه ليست جهوية.
الجهوية هي أبعد من التنظيم الترابي والإداري على أساس الجهة، بل هي تدبير للشأن المحلي والجهوي من منطلق جهوي, وإمكانات جهوية, وإبداع جهوي، وطاقات جهوية, وكفاءات جهوية...
في بلادنا، حيث لازلنا نعيش حالة الانتقال الديمقراطي, الذي عمَّر طويلا, وحيث لازالت المؤسسات المنتخبة لا تمارس حتى الاختصاصات المخولة لها, فالأحرى أن تطالب بتوسيعها، هل يمكن أن نحلم بجهوية فعلية؟ هل الجهوية ستساهم في تسريع الانتقال الديمقراطي؟ أم لابد من إكمال الانتقال الديمقراطي قبل الحديث عن جهوية فعلية؟ هل مشروع الجهوية هو فقط إجابة دستورية وسياسية على مرحلة وظروف خاصة (قضية الوحدة الترابية)؟ أم هو جزء من المشروع الحداثي الديمقراطي الذي بشر به العهد الجديد؟
السياسة ليست فيها أنماط ثابتة, لذلك يمكن تصور أن مشروع البناء الجهوي ببلادنا سيصاحب الانتقال الديمقراطي، أي أن نقل السلطات وتنظيم الجهات وبناء الجهوية لن يكون سابقا ولا لاحقا، بل مصاحبا لعملية الانتقال الديمقراطي نفسها. وهذا شيء جيد ومقلق في نفس الوقت. جيد، لأنه على أية حال يربح البلاد خطوات نحو الحياة الديمقراطية الحقيقية. ومقلق من جهة الخوف أن تتحول عملية البناء الجهوي إلى مسلسل طويل, تؤثثه خطوات متقدمة وأخرى ترجعه إلى الوراء، أي أن لا يسير البناء الجهوي في خط مستقيم إلى الأمام، بل في خط منعرج، أحيانا يتقدم, وأخرى يتراجع، وتارة يراوح مكانه, مثله مثل الانتقال الديمقراطي.
الجهوية خيار استراتيجي حكيم, ديمقراطي ومستقبلي. تلزم إرادة قوية وانخراط جماعي لإنجاحه، حتى لا يتعثر "الانتقال الجهوي".
الدكتور الطيب حمضي
27 janvier 2010

برج خليفة وجريمة بن زايد

الخبر الأول: إمارة دبي تفتتح أعلى برج في العالم: برج خليفة. رئيس الإمارات العربية المتحدة، هو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

الخبر الثاني: محكمة العين الإماراتية تصدر حكمها بالبراءة على الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان.

الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان هو أخ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي هو حاكم إمارة أبو ظبي ورئيس الإمارات العربية المتحدة.

الشيخ عيسى خضع لمحاكمة بعد أن اتُّهِم بارتكاب جريمة شنعاء تستحق أن تحكى.

لم يكن من الممكن حتى تقديمه للمحاكمة لو أن الجريمة لم تصور على شريط فيديو ولو لم تعرض على شبكة ABC التلفزيونية الأمريكية الواسعة النفوذ.

الجريمة ارتكبت منذ سنوات ولم تحرك السلطات الإماراتية ساكنا رغم علمها بالموضوع.

الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان يظهر في شريط فيديو وهو يعذب في مكان ما بصحراء أبو ظبي تاجرا أفغانيا. استعمل الشيخ ومعه شرطي بزيه الرسمي وبعض المساندين لوحا خشبيا به مسامير لضرب الأفغاني على مؤخرته وهي عارية. وبعد أن أدميت صب عليها الشيخ الملح ليزداد التاجر ألما. وأدخل عمودا في مؤخرة الرجل. صعق الشيخ ضحيته بالكهرباء على جهازه التناسلي. ملأ الشيخ فم الأفغاني برمال الصحراء. جلده بالسوط. أطلق الرصاص ملعلعا حول التاجر موهما إياه بالقتل. وضعه على الأرض غير قادر على الحركة وأرجع عدة مرات سيارته إلى الوراء للدوس على أرجل الأفغاني. الشريط الذي بثته قناةABC الأمريكية وتناقلته مخلف القنوات التلفزية ووسائل الإعلام العالمية شهر أبريل الماضي، يوجد على عدة مواقع الإنترنيت وأهمها يوتوب. وقد تتساءلون لماذا عذب الشيخ عيسى بن زايد هذا الأفغاني بهذه الطريقة الوحشية. السبب: التاجر الأفغاني ضاعت منه حمولة حبوب قيمتها خمسة آلاف دولار (أي حوالي أربعة ملايين سنتم!!!) ضياع 4 ملايين من شيخ يملك الملايير المتعددة!

الجريمة ارتكبت منذ عدة سنوات ولم تحرك السلطات الإماراتية ساكنا، لأن مرتكب الأفعال من الأسرة الحاكمة. وحين قدم الأخوان النابلسي، وهما أمريكيان من أصل لبناني، كانا شريكين للشيخ عيسى قبل أن يختلفا, قدما الشريط إلى الإعلام الأمريكي, وخلق الموضوع ضجة, اضطرت الدولة الإماراتية لفتح تحقيق في الموضوع وتقديم المتهم إلى المحاكمة. المحاكمة التي انتهت بالحكم ببراءة الشيخ عيسى بن زيد آل نهيان من كل التهم الموجهة إليه!

المحكمة صدقت أن المتهم كان تحت تأثير دواء (مخدرات) أخرجت الشيخ عن وعيه! كيف لا تصدقه المحكمة وهو أخ رئيس الإمارات العربية المتحدة، بينما الضحية "مجرد أفغاني" مثله مثل 80 % من سكان الإمارات: أجانب!

هناك لا قيمة للعامل الأجنبي بالمطلق، رغم أن أربعة أخماس سكان الإمارات هم أجانب. ولا قيمة للمواطن إذا لم يكن من الأسرة الحاكمة.

هذه هي البشاعة: أبراج, وجزر اصطناعية, وتزحلق على الثلج داخل الصحراء, وحدائق وفنادق تحت البحر, وبذخ وتسوق وتجارة وبورصة ومدن إعلامية وآخر ما أنتجه العلم, ثروات وبترول, وإلى جانب كل ذلك ظلم وقهر, وحرمان, وغياب القوانين, واحتقار لحقوق الإنسان, وعلاقات بين تعود إلى القرون الوسطى. كيف تستطيع دولة أن تجاري بل تسابق آخر الاكتشافات والابتكارات وتجمع في نفس الوقت كل دلك مع عقلية هي أقرب للعبودية منها لعقلية القرن الواحد والعشرين؟

حين تابعت افتتاح أعلى برج في العالم بدبي، كنت أستعرض شريط الفيديو المعلوم, وديون الإمارة, واقتصادها المتأرجح. ليس الاقتصاد المبني على المضاربة وحده من سيقضي على مستقبل الإمارات, ولكن غياب القوانين والمؤسسات التي تردع تصرفات مثل ما قام به الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان.

الدكتورالطيب حمضي
12 janvier 2010

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi