التلقيح: اليوم قبل الغد

منذ أسابيع، انطلقت عملية التلقيح ضد أنفلونزا H1N1 بالمغرب. استفاد منها أولا العاملون بالقطاع الصحي العام والخاص. وانطلقت الأسبوع الفارط عملية التلقيح لفائدة المرضى المصابين بالسكري والربو وأمراض الجهاز التنفسي والامراض المزمنة، وهدا الاسبوع الحوامل والأطفال المصابون بأمراض مزمنة. وستتلوها الفئات الأخرى حسب الكميات التي يتوصل بها المغرب من مجموع الطلبيات التي تقدم بها للتزود باللقاح.
عملية التلقيح التي انطلقت عالميا منذ أزيد من شهرين واستفاد منها الملايين من الناس، سواء في أمريكا أو أوروبا أو آسيا، هي أهم سلاح بل السلاح "الفتاك" ضد المرض وضد الوباء، بجانب الاحتياطات الأخرى، وأهمها غسل اليدين بالماء والصابون بشكل متكرر.
كل التقييمات الأولية لعملية التلقيح جاءت مطابقة لتوقعات الخبراء والتطميمات لمنظمة الصحة العالمية.
حتى التقييمات الأولية للوباء جاءت مطابقة لتوقعات الخبراء من كون الجائحة لن تكون خطيرة. فآخر دراسة بريطانية -نشرت قبل يومين - خلصت إلى أن عدد الوفيات بأنفلونزا الخنازير أقل من حيث النسبة من الأنفلونزا الموسمية. لكن الفرق بينهما أن الموسمية تصيب عددا محدودا من الناس، بينما أنفلونزاH1N1 تصيب أعدادا مضاعفة بسبب غياب المناعة ضدها. الفرق الثاني أن الموسمية تقتل خصيصا أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن، بينما الأنفلونزا الوبائية تقتل حتى الشباب صغار السن الذين لا يعانون من أي مرض.
في المغرب، أعداد الوفيات المؤكدة بسبب H1N1 في ارتفاع، ناهيك عن الوفيات التي لا يبلغ عنها.
وسيكون من الخطأ أن يحرم الإنسان نفسه من وسيلة حماية أساسية ضد المرض متوفرة لديه بفضل العلم ونعني بدلك التلقيح، ويترك نفسه عرضة للمرض ويعرض معه حياة أحبائه وعائلته للخطر.
في فرنسا، حيث كان هناك لعدة أسابيع نقاش عقيم وفارغ حول التلقيح وخطورة مزعومة لهذا التلقيح، بقيت مراكز التلقيح شبة فارغة لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا، قبل أن يكتشف الناس أنهم يعرضون حياتهم وصحتهم للخطر، بسبب إشاعات فارغة. اليوم، تعرف تلك المراكز نفسها اكتظاظا يشتكي منه الفرنسيون ويطالبون بفتح مراكز أكثر ولمدة زمنية أطول.
المسؤولية تقتضي اليوم القول إن التلقيح ضد المرض هو واجب للفرد حفاظا على صحته وصحة المحيطين به. ويبدو أن المغاربة فهموا الرسالة بشكل صحيح. فقد لاحظنا إقبالا مهما على التلقيح من طرف المصابين بداء السكري والربو. وكلما اقترحنا على مرضانا التلقيح، فإن الاستجابة تكون تلقائية، بل إن أعدادا مهمة تزور تلقائيا الطبيب لأخذ الشهادة التي تخول لهم التلقيح، عكس بعض الأوساط التي تعاملت مع الإشاعة عوض العلم، ومنهم للأسف بعض الأطباء.
أن لا يحبذ طبيب ما أن يلقح نفسه، هذا أمر يهمه شريطة أن لا يتعامل مع مرضى من ذوي الأمراض أو الحالات التي تهلكها أنفلونزا H1N1، كالسكري والربو والحوامل والمواليد الجدد وأمراض المناعة ودلك حتى لاينقل لهم العدوى من حيث لاريد. لكن أن يقول طبيب لمريض ألا يلقح نفسه، فهذا خطأ مهني وأخلاقي جسيم، لأن القانون يفرض على الطبيب أن يقدم لمرضاه علاجا طبقا لآخر ما يتوصل إليه العلم. وآخر ما توصل إليه العلم والدراسات بخصوص أنفلونزا H1N1بإجماع الخبراء عبر العالم أن اللقاح ضد المرض هو أحسن وقاية وأكثر أمانا بنسبة لا تقل عن المليون على واحد مقارنة بالمرض. لذلك، ندعو الأطباء المغاربة إلى القيام بواجبهم الإنساني في تحسيس مرضاهم والمحيطين بهم للاستفادة من اللقاح، اليوم وقبل الغد.
سؤال فد يتبادر الى دهن بعض القراء، هنا جوابه: كنت من أول الدين استفادوا من التلقيح.
د. الطيب حمضي
28 decembre 2009

التلقيح: اليوم قبل الغد

منذ أسابيع، انطلقت عملية التلقيح ضد أنفلونزا H1N1 بالمغرب. استفاد منها أولا العاملون بالقطاع الصحي العام والخاص. وانطلقت الأسبوع الفارط عملية التلقيح لفائدة المرضى المصابين بالسكري والربو وأمراض الجهاز التنفسي والامراض المزمنة، وهدا الاسبوع الحوامل والأطفال المصابون بأمراض مزمنة. وستتلوها الفئات الأخرى حسب الكميات التي يتوصل بها المغرب من مجموع الطلبيات التي تقدم بها للتزود باللقاح.

عملية التلقيح التي انطلقت عالميا منذ أزيد من شهرين واستفاد منها الملايين من الناس، سواء في أمريكا أو أوروبا أو آسيا، هي أهم سلاح بل السلاح "الفتاك" ضد المرض وضد الوباء، بجانب الاحتياطات الأخرى، وأهمها غسل اليدين بالماء والصابون بشكل متكرر.

كل التقييمات الأولية لعملية التلقيح جاءت مطابقة لتوقعات الخبراء والتطميمات لمنظمة الصحة العالمية.

حتى التقييمات الأولية للوباء جاءت مطابقة لتوقعات الخبراء من كون الجائحة لن تكون خطيرة. فآخر دراسة بريطانية -نشرت قبل يومين - خلصت إلى أن عدد الوفيات بأنفلونزا الخنازير أقل من حيث النسبة من الأنفلونزا الموسمية. لكن الفرق بينهما أن الموسمية تصيب عددا محدودا من الناس، بينما أنفلونزاH1N1 تصيب أعدادا مضاعفة بسبب غياب المناعة ضدها. الفرق الثاني أن الموسمية تقتل خصيصا أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن، بينما الأنفلونزا الوبائية تقتل حتى الشباب صغار السن الذين لا يعانون من أي مرض.

في المغرب، أعداد الوفيات المؤكدة بسبب H1N1 في ارتفاع، ناهيك عن الوفيات التي لا يبلغ عنها.

وسيكون من الخطأ أن يحرم الإنسان نفسه من وسيلة حماية أساسية ضد المرض متوفرة لديه بفضل العلم ونعني بدلك التلقيح، ويترك نفسه عرضة للمرض ويعرض معه حياة أحبائه وعائلته للخطر.

في فرنسا، حيث كان هناك لعدة أسابيع نقاش عقيم وفارغ حول التلقيح وخطورة مزعومة لهذا التلقيح، بقيت مراكز التلقيح شبة فارغة لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا، قبل أن يكتشف الناس أنهم يعرضون حياتهم وصحتهم للخطر، بسبب إشاعات فارغة. اليوم، تعرف تلك المراكز نفسها اكتظاظا يشتكي منه الفرنسيون ويطالبون بفتح مراكز أكثر ولمدة زمنية أطول.

المسؤولية تقتضي اليوم القول إن التلقيح ضد المرض هو واجب للفرد حفاظا على صحته وصحة المحيطين به. ويبدو أن المغاربة فهموا الرسالة بشكل صحيح. فقد لاحظنا إقبالا مهما على التلقيح من طرف المصابين بداء السكري والربو. وكلما اقترحنا على مرضانا التلقيح، فإن الاستجابة تكون تلقائية، بل إن أعدادا مهمة تزور تلقائيا الطبيب لأخذ الشهادة التي تخول لهم التلقيح، عكس بعض الأوساط التي تعاملت مع الإشاعة عوض العلم، ومنهم للأسف بعض الأطباء.

أن لا يحبذ طبيب ما أن يلقح نفسه، هذا أمر يهمه شريطة أن لا يتعامل مع مرضى من ذوي الأمراض أو الحالات التي تهلكها أنفلونزا H1N1، كالسكري والربو والحوامل والمواليد الجدد وأمراض المناعة ودلك حتى لاينقل لهم العدوى من حيث لاريد. لكن أن يقول طبيب لمريض ألا يلقح نفسه، فهذا خطأ مهني وأخلاقي جسيم، لأن القانون يفرض على الطبيب أن يقدم لمرضاه علاجا طبقا لآخر ما يتوصل إليه العلم. وآخر ما توصل إليه العلم والدراسات بخصوص أنفلونزا H1N1بإجماع الخبراء عبر العالم أن اللقاح ضد المرض هو أحسن وقاية وأكثر أمانا بنسبة لا تقل عن المليون على واحد مقارنة بالمرض. لذلك، ندعو الأطباء المغاربة إلى القيام بواجبهم الإنساني في تحسيس مرضاهم والمحيطين بهم للاستفادة من اللقاح، اليوم وقبل الغد.

سؤال فد يتبادر الى دهن بعض القراء، هنا جوابه: كنت من أول الدين استفادوا من التلقيح

16 décembre 2009

د الطيب حمضي

ريادة مصر

ليس في العنوان خطأ. الموضوع حول ريادة مصر في العالم العربي ومكانة الزعامة التي تحتلها أو بالأحرى كانت تحتلها. لا أنوي الحديث عن رياضة مصر، لأني لست متتبعا للرياضة المصرية ولا لبطولتها ولا إنجازاتها ولا إخفاقاتها. هناك عدة عوامل أدت إلى أن تصبح مصر رائدة في عالمنا العربي، قبل أن تتوارى خلال العقود الثلاثة الأخيرة بشكل درامي. هناك أسباب موضوعية لتقدم مصر لزعامة العالم العربي، وظروف موضوعية أيضا لتقهقر دورها. وهذه دورة طبيعية للتاريخ. لكن المشكلة أن الأخطاء التي يرتكبها النظام المصري تساهم من حيث لا يدري في تسريع تراجع مكانة مصر أكثر من الظروف الموضوعية نفسها!
شخصيا، أنا من محبي مصر وشعب مصر ومثقفي مصر وفنها. كيف لا وهي بوابة مهمة للعالم العربي على الفن والثقافة والحرية والنضال والتضحية والالتزام، قبل أن تتوالى عليها ضربات نظام حاكم لا يهمه غير الاستمرار في الحكم وتوريثه مهما كان الثمن.
الظروف الموضوعية التي ساعدت مصر على أخذ دور الريادة متعددة، منها الديمغرافيا (أكبر بلد عربي) والتاريخ والموقع والتجربة السياسية والموروث الحضاري والثقافة والفنون والحروب والتضحية... هذه العناصر وغيرها جعلت مصر في زعامة العالم العربي ومحورا له، قبل أن تحاول القيادة المصرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة استثمار هذه الزعامة ومقايضتها في علاقتها مع الغرب، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن التاريخ ليس حالة جامدة. لذلك، كان لا بد لهذه الريادة أن تتراجع بتراجع العناصر التي أنتجتها.
عنصر الديمغرافيا أصبح عالة على مصر، بل من أكثر مشاكلها وأسباب تخلفها. وفي ميدان الحروب، خرجت مصر من المعادلة. وفي ميدان الثقافة والأدب والنشر، برزت عواصم عربية منافسة في إنتاجاتها. وفي ميدان السينما والمسرح والتلفزيون، برزت كذلك عدة تجارب عربية مميزة ومتقدمة. وفي مضمار القوة الاقتصادية، تعتبر مصر من الدول ذات الاقتصاد الضعيف بسبب تفشي الفساد وغياب الشفافية في الاقتصاد المصري.
مصر مع كل هذا لم تفقد ريادتها للعالم العربي، وإن لم تعد رائدة بشكل كبير. لم تفقد ريادتها، لأن ليس هناك بلد عربي آخر نافسها أو استوفت فيه شروط الريادة لإزاحة مصر عن هذا الموقع. لذلك، يمكن القول إن هذه الريادة استمرت مع وقف التنفيذ. وكان من الممكن أن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة قبل أن يعاد تشكيل العالم العربي. لكن النظام المصري، وخصوصا منذ أن تم تحويل مصر إلى مملكة يحكمها آل مبارك :الرئيس حسني مبارك منذ حوالي 30 سنة، والولد المصون جمال مبارك يستعد لوراثة "جمهورية مصر العربية" من والده، أضحى النظام المصري يراكم الأخطاء اتجاه العالم العربي وقضاياه الأساسية، بحيث تفقد مصر موقع الريادة حتى دون أن يكون لها منافس!
ولنأخذ مثال الأزمة التي افتعلها النظام المصري على إثر اقصائيات كأس العالم لكرة القدم والتي انهزم خلالها المنتخب المصري أمام نظيره الجزائري. تم الاعتداء على المنتخب الجزائري داخل مصر وفي ضيافة مصر وفي حماية دولة مصر. وبعدها، تم تجييش الرأي العام المصري عبر كل القنوات المحلية والفضائية والصحافة المكتوبة والحزب الحاكم وعائلة مبارك للذهاب للسودان لإحضار ورقة التأهيل. وحين فشلوا في ذلك، أعطيت التعليمات في أعلى المستويات ومباشرة للتشنيع والتشهير بالجزائر ووصف الشعب الجزائري بأقبح النعوت والأوصاف، وأخرجت شردمة من "نخبة" مصر (إعلاميين، فنانين، رياضيين...) التي تأتمر بأوامر الحاكم المصري كل ما في جعبتها من قاموس عنصري وتحقيري. وصُدِم العالم العربي بكل هذا التعالي وهذا الحقد الذي يعشش في قلوب نظام القاهرة ضد العالم العربي! إن ما بعد خطيئة النظام المصري لن يكون بالتأكيد كما كان قبلها. ومكانة مصر لن تكون هي هي، سواء كان هناك من سيحتل مكانها أو تبقى فارغة حتى!
هذه خطيئة لنظام مصر وليس لشعب مصر. شعب مصر 80 مليون مصري، لا نرى منهم على شاشات الفضائيات إلا الوجوه التي يؤثث بها الحزب الحاكم ديكوره وخطابه وسياسته. نخبة مصر المناضلة والمتنورة متأففة من الكلام البذيء الذي صدر ضد شعب الجزائر.
مصر لازالت بوابة للتلاقح. وشعب مصر باق كشعب مقاوم. مناضل من أجل كرامته، وحقه في الخبز والعيش الكريم، وحقه في الحرية والكرامة الحقيقية والديمقراطية. شعب صامد صبور كريم متضامن مبدع في مجال الادب والفنون والعلوم رغم الاغلال التي تغل وتكبل يديه ورقبته. ولكن مكانة مصر السياسية تم النيل منها بسبب أخطاء نظام أعمته ملذات السلطة.
الطيب حمضي
24 novembre 2009

بعض الأساطير عن لقاح "أنفلونزا الخنازير"

بعض الأساطير عن لقاح "أنفلونزا الخنازير"
د. الطيب حمضي *
http://www.tayebhamdi.blogspot.com

لأول مرة تعيش البشرية جائحة الأنفلونزا في عصر العولمة والفضائيات والإنترنيت. وكما تسهل هذه العوامل انتقال العلوم والخبرات بين الناس، فهي تسهل انتشار الإشاعة والأفكار الخاطئة، بل حتى الأساطير و الدجل بين بني البشر.
منذ الإعلان عن الحالات الأولى من أنفلونزا H1N1 بالمكسيك في أبريل الماضي، لا يكاد يمريوم دون أن نتوصل فيه عن طريق الإنترنيت بأفكار خاطئة، وأحيانا بهذيان حول المرض وحول اللقاح. الخبراء والباحثون منهمكون في البحث عن الحلول لمواجهة الجائحة، وأصحاب نظريات المؤامرة منهمكون في كتابة نظرياتهم وتعميمها على الناس. القضية بسيطة لديهم، الركوب على خوف الناس، وعدم إلمامهم بالتفاصيل العلمية الدقيقة للموضوع، وحشو نظرياتهم بأفكار شبه علمية والإحالة على حالات كأنها حقيقة. هذا الصنف الأول من المشككين الذي يعتبر الموضوع كله مؤامرة لقتل ملايين البشر بتواطؤ بين الأطباء والشركات ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة. هذا الصنف لا فائدة من مناقشته، لأن ما يطرحونه لا علاقة له بالعلم مطلقا، بل لا علاقة له مطلقا حتى بالعقل.
ولكنها هناك، في الجهة الأخرى، تخوفات لدى المواطنين من بعض القضايا المرتبطة بالتلقيح. تخوفات مشروعة حتى وإن لم تكن مبنية على معطيات علمية أو مسنودة علميا. ولكن مع ذلك، على مجتمع الأطباء والخبراء وصناع القرار أن يلقي الضوء عليها بالمعطيات العلمية المبسطة والمسنودة بالأبحاث العلمية. وهو ما يمكن تسميته بالأفكار الخاطئة أو الاساطير.
الأسطورة الأولى: أنفلونزا H1N1 ليست قاتلة، كما كنا نتصور، فلم التلقيح ضدها؟
الحقيقة: فعلا، أنفلونزا H1N1 لحد الساعة مثلها مثل الأنفلونزا الموسمية. وهذا شيء جيد، ولكن ليس هناك أي ضمانة على أن الفيروس لن يتحور mutation. وإذا لا قدر الله تحور، فإن درجة خطورته ستتضاعف، ولا يجب أن تنسينا السنين والتقدم العلمي أن جائحة 1918 قتلت أزيد من 50 مليون فرد، رغم أن هذا السيناريو الكارثة أصبح اليوم مستبعدا.
ثم حتى في صيغته الحالية، فإن الفيروس سيقتل ويؤثر على صحة مئات الآلاف من الناس أكثر من الأنفلونزا الموسمية، لأنه سيصيب أعدادا أكثر. فلمادا نترك له الفرصة لقتل وهلاك كل هؤلاء الضحايا إذا كان بإمكاننا تجنب ذلك باللقاح؟
الأسطورة الثانية: اللقاح ضد أنفلونزا H1N1 يحتوي على مادة ثيومرزال. وبالتالي، فهو خطير ويجب تجنبه.
الحقيقة: اللقاح يحتوي على هذه المادة وهي إحدى مشتقات الزئبق، ولكن الحقيقة الثانية أن هذه المادة ثيومرزال ليست خطيرة أبدا على صحة الإنسان.
إن ثيومرزال مادة توضع باللقاحات الجماعية، أي لما تكون قارورة واحدة بها 10 أو 20 جرعة مثلا. توضع بها هذه المادة لتحفظها من أي تلوث بالميكروبات بعد فتحها. في حين لا يتم وضعها بالجرعات الفردية. استعمال الجرعات الجماعية مفيد من حيث الثمن وسهولة التبريد وسهولة النقل.
الأسطورة الثالثة: الزئبق موجود بكمية خطيرة باللقاح مما يشكل خطرا على صحة الإنسان.
الحقيقة: كمية الزئبق الموجودة باللقاح هي أقل مما يوجد بالأغذية التي نأكلها. فداخل علبة "طون" واحدة نأكل جرعات أكبر من الزئبق الموجود باللقاح . وأثبتت الدراسات الواسعة أن لا خطر على صحة الإنسان من وجود مادة ثيومرزال باللقاحات.
الأسطورة الرابعة: ليست هناك دراسات حول هده المادة وتستعمل لاول مرة.
الحقيقة: الثيومرزال يستعمل باللقاحات منذ 1930، ولم تشر أية دراسة إلى أي خطر من استعماله، اللهم بعض الألم البسيط عند الحقن. واخر دراسة حوله منشورة في أهم المجلات الطبية العالمية The New England Journal of Medicine (NEJM) أخرها في 27 شتنبر 2007 تفند أي علاقة مزعومة بين ثيومرزال والأمراض العصبية لدى المراهقين.
الأسطورةالخامسة: اللقاحات المدعمة بمادة سكوالين Squalène خطيرة على صحة الإنسان.
الحقيقة أن كل الدراسات التي أجريت تؤكد سلامة اللقاحات التي تحتوي السكوالين على جسم الإنسان.
هي ليست مادة داعمة Adjuvant بذاتها، بل تدخل في تركيبة المواد الداعمة للتلقيح. والسكوالين مادة توجد في الأغذية، مثل زيت الزيتون والسمك...
يتم تدعيم اللقاحات بهذه الدعامات لهدفين: من أجل تقوية مفعول التمنيع عند اللقاح، وهو ما يجعل ممكنا بنفس عدد الفيروسات المعطلة Inactivés إنتاج حتى أربعة أضعاف من اللقاحات، وهذا يربح الوقت لإنتاج أكبر عدد من اللقاحات ضد انتشار الجائحة. ومن جهة أخرى، فإن اللقاح المدعم يعطي، بالإضافة إلى المناعة القوية، حماية أكثر حتى ضد فيروس الأنفلونزا إذا ما تغير خلال السنة.
الأسطورة السادسة: هده أول مرة يستعمل فيها الدعامات في التلقيح.
الحقيقة: مند عدة سنين والسكوالين تستعمل في التلقيحات. بل وفي ميدان الانفلونزا نفسها هناك نوع واحد من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية الذي يستعمل منذ 2001 وتم استعمال 45 مليون جرعة منه، ولم يصاحب ذلك أي تأثير سلبي.
الأسطورة السابعة: في سنة 1976، بعد حملة تلقيح بأمريكا، كان هناك آلاف الوفيات والإصابات العصبية بكيلان باري Syndrome de Guillain Barré SGB ، مما أوقف الحملة. وهذا دليل على خطورتها.
الحقيقة: الحملة سنة 1976 تم توقيفها بعد ظهور حالات من SGB. وبعد إجراء الدراسات، تبين أن اللقاح المعني لا يحتوي أبدا على أي مادة داعمة، وتبين أن نفس نسبة وعدد حالات SGB ظهرت على الذين لم يتلقوا أي تلقيح، وأظهرت دراسة أن التلقيح قد يزيد نسبة حالة واحدة في كل 100.000 تلقيح، بينما أكدت دراسة واسعة أجريت خلال موسمين أن نسبة ظهور SGB هي نفسها بين الملقحين وغير الملقحين.
ومرض SGB إصابة عصبية تتراجع في معظم حالاتها، وأحيانا تترك أثارا عصبية. وهي تنتج عن إصابات مكروبية بالجهاز التنفسي والجهاز الهضمي. وعادة تظهر 28 حالة بين كل مليون نسمة سنويا. وإذا كانت الدراسات قد أظهرت أن لا علاقة للقاح بالمرض أو في أسوأ الأحوال بظهور حالة في المليون، فإن الإصابة بمرض الأنفلونزا يعطي بين 40 و70 حالة من كل مليون حالة إصابة بالأنفلونزا، موسمية كانت أو جائحية!! فاين الخطر في صفر حالة أو حالة واحدة من مليون أو 40 الى 70 حالة مع الإصابة بالأنفلونزا.
الاسطورة الثامنة: بعد حرب الخليج الأولى، أصيب الجنود الأمريكيون بما يعرف بـ"مرض حرب الخليج". ووجد لدى الجنود المصابين أجسام مضادة للسكوالين. وهذا دليل على أن السكوالين سبب مرض حرب الخليج.
الحقيقة: الأجسام المضادة للسكوالين وجدت لدى هؤلاء الجنود كما وجدت حتى عند من لم يشارك في حرب الخليج، ومن لم يتم تلقيحه أصلا!! وقد أجريت عدة دراسات فندت وجود أية علاقة بين السكوالين الموجود باللقاح وما يسمى بـ"مرض حرب الخليج". وقد نشرت المجلة المتخصصة (من أهم المراجع الطبية العالمية) نتائج دراسة كبيرة سنة 2003 حول وجود أجسام مضادة للسكوالين عند أفراد لم يتلقوا أي تلقيحات. فندت أية علاقة بين أعراض "مرض حرب الخليج" ومادة السكوالين والتلقيحات.
الاسطورة التاسعة: اللقاحات غير مؤمنة، لأنها أنتجت على عجل.
الحقيقة أن اللقاحات مرت من كل المراحل العلمية والطبية التي تمر بها اللقاحات كل سنة ضد الأنفلونزا الموسمية. ما تم تسريعه هي الإجراءات الإدارية البيروقراطية، أما المساطر العلمية والطبية فبقيت وطبقت واحترمت كما هي.
الأسطورة العاشرة: اللقاح خطر على الحوامل.
الحقيقة : مرض الأنفلونزا هو الأكبر خطرا على حياة الحوامل، خاصة في الاثلوث الثاني والثالث من الحمل ( بداية من الشهر الرابع). فنسبة الوفيات بين الحوامل بسبب الأنفلونزا هي من 4 إلى 5 مرات أكثر منه لدى غيرهن! هذا خطر حقيقي. وقد خرج خبراء الصحة العالمية يوم الجمعة 30 أكتوبر بنصائح لتلقيح النساء الحوامل كأسبقية بأي لقاح موجود: مدعم أو غير مدعم. فرغم خاصية جهاز مناعة الحامل، فإن المعطيات العلمية المتوفرة لا تشير بأي شكل إلى تأثير مادة السكوالين على الحوامل أو مستفبل الجنين. وفي كل الأحوال، فإن حماية حياة الحوامل هي أسبقية كبرى من خلال تلقيحهن بدون أدنى تأخر.
حملة التلقيح ستنطلق بأولويات حسب توفر اللقاحات. وكطبيب لن أتاخر ثانية واحدة عن اخد التلقيح ضد الأنفلونزا الوبائية بعد أن أخذت قبل أسابيع لقاح الأنفلونزا الموسمية ككل سنة لحماية نفسي و وحماية مرضاي وعائلتي.

3 novembre 2009
Tayeb Hamdi
hamdi.alhayat@yahoo.fr
www.tayebhamdi.blogspot.com
Cabinet: Tel et Fax +212 39911163.
Mobile: +212 (0) 6 61 19 72 04

"خبير" الجزيرة

تابعتُ جزءا من الحلقة التي خصصتها قناة "الجزيرة"، من خلال برنامج "بلا حدود" لمعده الصحافي أحمد منصور، لمحاورة "عالم" أمريكي حول أنفلونزا الخنازير. القناة قدمت ضيفها الأمريكي على أساس أنه " أحد أهم العلماء العالميين الأمير كيين البارزين في مجال الأمراض الناشئة والصحة العامة ...". وهذا أول احتيال مارسه الضيف على القناة وسنرى لمادا. كانت أطروحة "العالم" الأمريكي أن فروس الأنفلونزا AH1N1 تم تصنيعه بالمختبرات عمدا لايداء البشرية، وأن اللقاح ضد الفيروس يحتوي على مواد سامة قاتلة عن قصد، وذلك بتواطؤ بين منظمة الصحة العالمية والعائلة الثرية الأمريكية روكفلر بالولايات المتحدة، والمختبرات الدولية، وأن هناك تواطؤا دوليا لقتل ملايين الناس وجمع الثروات... الحقيقة أن ليس الدكتور ليونارد هورتز وحده من يؤمن بمثل هذه الأفكار، هناك أناس آخرون مثله، لكن المشكلة هي أن ينجح في النصب على قناة فضائية عربية لتستضيفه وتقدمه بصفة غير صفته ويحاوره صحافي غير مسلح باي معطيات ودراسات علمية ومدققة حول الموضوع. وبالتالي، يتمتع الضيف بساعة من الوقت لنشر خرافاته بلا حسيب ولا رقيب ولا معلق ولا ملاحظ!
أولا، الدكتور ليونارد هورتز هو طبيب أسنان غير ممارس يرى المؤامرة والموت في كل شيء وصل إليه العلم. يرى الموت في كل شيء من أدوية ولقاحات وأدوات التشخيص والمياه المعدنية... وحدها المياه المعدنية التي يبيعها هو من خلال شركته على شبكة الإنترنيت مفيدة لصحة الإنسان !
هو طبيب أسنان غير ممارس، أي أن حتى مهنته الأصلية (طب الأسنان) تجاوزته معارفها وتطوراتها. وهو ليس عالما، ولا بارزا ولا عالما في الصحة العامة. وكتبه العشرة كلها من قبل "كيف تتغلب على الخوف من طبيب الأسنان"، "اختر صحتك بنفسك"، "تحرر من صداع الرأس" ، فروس الايدز و ايبولاز طبيعة، حادثة أم متعمدة «"...
إن وضعتم اسم الدكتور ليونارد بحركة البحث العالمي "سيدناgoogle "، كما وضعته، فلن تجدوا أي إشارة له بالمطلق في أي موقع طبي أو إعلامي أو أي موضع مهني أو أكاديمي محترم أو غير محترم. كل الإشارات له تتم في البلوغات والمواقع المتخصصة في نشر نظرية المؤامرة (في الطب كما في السياسة). وقد وضعته شخصيا في المحرك بأربع لغات، بما في ذلك لغته هو أي الانجليزية، وكانت نفس النتائج. كما يمكن دخول مواقع المجلات والجرائد والهيئات المتخصصة ووضع اسمه في محركات البحث. لا نتيجة. وعلى العكس، تجده دائما منتصبا في كل المواقع والصفحات الشخصية لأصحاب نظرية المؤامرة.
هذا اختيار، وصاحبه حر فيه، فهناك عدة جماعات ولها مواقع وكتب وجمعيات تؤمن بأن كائنات فضائية هي المسؤولة عن عدد من الحوادث التي يعرفها كوكب الأرض ، وهناك من يؤمن بأن البشر آكلي لحوم البقر(المقدس) هم المسؤولون على ظاهرة تسونامي، وآخرون يؤمنون بأن كائنات فضائية هي التي بنت الأهرامات في مصر... المشكلة ليست في هؤلاء، لكن في أن نحتقر العلم بين عشية وضحاها، ونلغي العقل، وتقدم قناة تلفزيونية أو إذاعية على استضافة بعض الدجالين بمبرر أنها وجهة نظر مختلفة. إن تقديم موضوع معين يسبقه بحث الإعلامي حول حدود مصداقية ومهنية ومعقولية أطروحة الضيف. فإذا حضر الدكتور فلان وقال لنا بأن المغرب يوجد في آسيا وليس في شمال إفريقيا، هل نقدمه إلى الجمهور هكذا باعتباره وجهة نظر مخالفة! أم أن الإعلامي يدرس ويستشير حول أسس الأطروحة، قبل المغامرة بتضييع وقت مشاهديه ونشر الجهل؟ أن لا تقدم أي دراسة أو حقيقة علمية وتكتقي بلي الكلام واستغلال خوف الناس وقلقهم هو قيمة الدجل الفكري.
أتابع العديد من البرامج التلفزية العربية والأجنبية المتعلقة بالصحة وبوباء الأنفلونزا على الخصوص، ولم أجد قناة غربية واحدة تستضيف هكذا أناس وتقدمهم على أنهم "خبراء بارزون" يقدمون أطروحات بمنطق "آجي يا فم وكول"، لا أبحاث ولا مراجع أبحاث ولا هم يحزنون. رغم ان هده الجماعات الغريبة تنشط اساسا في الغرب، فهم يستضيفون الخبراء الحقيقيين ويوجهون لهم أسئلة، منها أسئلة حول مدى جدية مزاعم أصحاب نظريات المؤامرة.
هناك الآلاف من الأطباء والخبراء والعلماء والباحثون حول العالم يقومون بالأبحاث ويقدمون الخلاصات للبشرية حول كيفية معالجة سرطان الثدي، وعلاج الحمى عند الأطفال، وطرق رتق تمزق الرحم، والوقاية من أمراض القلب، وكيفية معالجة السكري، وأحسن طريقة لمعالجة داء الصرع، وإجراء العمليات للقلب... هؤلاء هم أنفسهم الذين يبحثون اليوم وغدا لتقديم المشورة حول أنجع السبل لمواجهة أنفلونزا
AH1N1. هؤلاء أنفسهم الدين يقدمون الدراسات والأبحاث التي تفيد البشرية في محاربة الأوبئة ومنها أنفلونزا AH1N1. وهم بالإجماع وبدون أدنى تردد يقدمون الإرشادات حول التلقيح ضد المرض حسب الفئات والأعمار وتطور المرض. وسيكون من العار أن يدير إعلامنا ظهره للعلم ويعطي الكلمة للدجل أو يقدم هلوسات مرضية مقابل الحقائق العلمية الثابتة على اعتبار أنها وجهة نظر وجب تعميمها لكل غاية قاتلة ....
الطيب حمضي
27 octobre 2009

أنفلونزا AH1N1 : أخبار جيدة

مع اقتراب انتشار أنفلونزا AH1N1 أو الأنفلونزا الوبائية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية مع حلول الفصل البارد، تتكاثر التخوفات والتساؤلات حول المرض وطرق الوقاية والتلقيح والعلاج منه.
هناك الآلاف من الخبراء حول العالم والأطباء والإعلاميين والأطر المختلفة التخصصات التي تعمل بلا توقف في متابعة المرض وتطوره، ومواجهته وإيجاد اللقاحات اللازمة للوقاية منه، وتنظيم استراتيجيات للتخفيف من آثاره وتنظيم الخدمات الطبية اللازمة لمعالجة المصابين الحاليين والمحتملين بالمرض.
ولحد الساعة، هناك الكثير من الأخبار الجيدة التي تتوارد حول الفيروس وطرق محاربته. أخبار جيدة مقارنة مع السيناريوهات التي كانت مطروحة مع انطلاق الوباء من المكسيك شهر أبريل الماضي. في ذلك الحين، وضع الخبراء عدة سيناريوهات لتطور الوباء سيناريو خفيف، ومتوسط وآخر أسوأ. اليوم، لازال السيناريو الخفيف هوالأكثر احتمالا، وربما أفضل منه إذا لم يطرأ على الفيروس أي تغيير وسارت المجهودات المتخذة بنفس الحزم.
تعالوا نستعرض بعضا من الأخبار الجيدة.
أولا. أكبر خطر كان يتخوف منه الأطباء والخبراء هو أن يعرف فيروس AH1N1 تحولا في تركيبته، وبالتالي يزداد خطورة وفتكا بحياة الإنسان. ففيروس AH1N1 معروف عنه أنه معد جدا ولكنه ليس خطيرا، أي مثله مثل باقي فيروسات الأنفلونزا الموسمية التي تحدث كل سنة، إذا لم يتحول. لحد الساعة، هذا الفيروس لم يتحول بعد، والمنظمة العالمية للصحة أكدت ذلك في آخر تصريح لها من يومين فقط، وهي التي تنسق عملية متابعة هذه الفيروسات بانتظام عبر العالم. بل إن هناك دراسات مخبرية أجريت على هذا الفيروس تؤكد أنه لن يتغير. هذه الدراسات أجريت، لكن لا يجب أخذ نتائجها كحقيقة مطلقة بل احتمال التحول لن يتم استبعاده. مع ذلك، فالأيام تؤكد فعلا أنه لحد الساعة لم يقع أي تحول في الفيروس. وبالتالي، فالأنفلونزا الوبائية لازالت لحد الساعة بنفس حجم خطورة الأنفلونزا الموسمية. وهذا معناه أن هذه الأنفلونزا- قد- لا تقتل إلا بنفس نسبة ما تقتله الأنفلونزا الموسمية. مع أخذ فرق مهم هو أن الأنفلونزا الوبائية ستصيب أعدادا أكبر مما تصيبه الأنفلونزا الموسمية وهو ما معناه أن عدد الوفيات بسبب الانفلونزا الوبائية سيكون أكثر عددا من الأنفلونزا الموسمية.
الخبر الجيد الثاني. استنتجت العديد من الابحاث ان الافرد المولودين قبل 1957 لهم بعض المناعة ضد AH1N1 . اد أن هدا الفيروس كان إلى حدود تلك السنة منتشرا قبل أن يختفي ويعود اليوم بصيغة معدلة. وأكدت والأبحاث الأولية أن الأشخاص الدين لهم أزيد من 65 سنة لهم مناعة جيدة نسبيا ضد المرض وبالتالي أكثر حماية من من هم أقل سنا. على عكس الأنفلونزا الموسمية التي تأتي على فئة 65 سنة فما فوق بشكل اكبر.
الخبر الجيد الثالث، وهذا كان متوقعا، هو أن اللقاحات أصبحت موجودة، وقد بدأ بالفعل العمل بها منذ ثلاثة أيام بالولايات المتحدة الأمريكية. وبعد أيام بأوروبا، وأسابيع بباقي دول العالم. طبعا، الكميات التي يمكن إنتاجها لن تكفي الجميع في البداية، وسيتم توزيعها أولا بأول. لكن بالمقابل هناك خطط مرسومة لإعطائها حسب الأولوية، للعاملين في قطاع الصحة حتى لا تنهار الأنظمة الصحية، للحوامل والمحيطين بالأطفال أقل من 6 أشهر، ثم أصحاب الأمراض المزمنة وهكذا... والإجراءات التي اتخذت منذ أبريل ساعدت في الحد من انتشار المرض لحد الساعة. أي أنها مكنتنا من ربح الوقت حتى إنتاج اللقاحات. واليوم مع وصول التلقيح، ستكون المواجهة مع الوباء بسلاح مهم، ولن نخوضها مغلولي الأيادي.
الخبر الجيد الرابع.عادة حين يتحول الفيروس كما حصل مع AH1N1، تكون المناعة ضده منعدمة لأنه جديد بالمشهد ولم تسبق الإصابة به.
وهكذا يحتاج التلقيح إلى أخذ جرعتين بينهما ثلاثة أسابيع. في الوقت الذي لا نحتاج إلا لحقنة واحدة ضد الأنفلونزا الموسمية. الدراسات من مختلف دول العالم تتجه كلها اليوم إلى تأكيد أن حقنة واحدة قد تكون كافية تماما لإعطاء مناعة كافية ضد المرض. معنى ذلك؟ معناه أن عدد الجرعات التي كانت ستكفي لمليون شخص مثلا اليوم قد تكون كافية- إذا تأكد الأمر تماما في نهاية هذا الشهر- لتمنيع مليوني شخص. وهذه خطوات كبرى في السباق ضد المرض. بل ان الدول المتقدمة التي قدمت طلبيات شراء كبيرة لتمنيع سكانها بمعدل حقنتين لكل مواطن قد تتبرع اليوم بنصف مشترياتها للدول النامية التي لم تتقدم الا بطلبيات صغيرة.
الخبر الجيد الخامس. مع ما اتخذ من إجراءات وقائية ومع وصول التلقيحات، وإن بشكل غير كاف، فإن عدد المصابين المحتملين بالمرض قد يكون أقل حتى من أحسن سيناريو تم تصوره من قبل. قد لا تصل الإصابات إلى 20% من الساكنة عوضا من 30 إلى 70% .
هناك أخبار جيدة أخرى لا مجال للحديث عنها، لأنها لم تأخذ بعد طابعا متقدما في البحث العلمي، نتركها لاحقا.
هذا التواتر في الأخبار الجيدة لا يجب أن ينسينا ضرورة الحيطة والحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة ضد المرض. غسل الأيادي باستمرار والبقاء في البيت عند ظهور الأعراض، تجنب الاحتكاك خلال فترة الوباء والاستفادة من التلقيح كلما توفر ذلك حسب الأولويات.
في الجهة الأخرى من العلم والبحث العلمي والمجهودات الصادقة لتجنيب الإنسانية كارثة صحية، هناك صنفان من الافراد الدين يتحولون مع كل جديد الى"طوائف" بمعنى Sectes. أناس يزرخون الريبة والشك ومنطق المؤامرة في كل شيء. والتشكيك حق مشروع، بل ضروري، وهو أول خصلة للباحثين. لكن نتحدث عن المشككين بسوء نية، والذين يرون في كل خطوة علمية خطرا على البشرية. وهؤلاء يرفضون مثلا التلقيح جملة وتفصيلا، لايهمهم كم انقدت التلقيحات من ملايين البشر ضد العديد من الامراض الفتاكة. رفضوا المضادات الحيوية عند ظهورها. رفضوا "الدجاج والبيض الرومي" لأنه سيقتل البشرية، رفضوا الطبخ في "الكوكوت" لانه مؤامرة ضد البشرية، والطبخ على الغاز، والميكروأوند. رفضوا عمليات نقل الدم وزراعة الأعضاء وقالوا إن ذلك سيقضي على الجنس البشري.
هناك طائفة أخرى ترى في كل شيء مؤامرة: بالنسبة لها "الفيروس" اخترع في المختبرات، واللقاح سيكون محشوا بمواد قاتلة لنقص أعداد البشرية... عندما ظهر الراديو ترانزستور قالوا إنه قاتل بسبب الموجات، وقالوا عن الكهرباء إنه أسوأ اختراع... هؤلاء كانوا دائما موجودين. لا علاقة لخزعبلاتهم بالأسئلة والتخوفات المشروعة التي يطرحها العقلاء انطلاقا من الحقائق. هؤلاء كانوا دائما موجودين لكن ما لم يكن موجودا هي قنوات تلفزية تستدعيهم يكذبون على الناس كذبا وبهتانا دون الرجوع إلى الخبراء لتفنيد خزعبلاتهم بسهولة تامة، فقط ضمانا لنسب مشاهدة مربحة لهم وقاتلة للبسطاء من الناس.
الطيب حمضي

12 أكتوبر2009

المروءة و ثلاثة نساء

خديجة الرياضي، خديجة الرويسي، أمينة بوعياش. ثلاث نساء وثلاثة مسارات اجتماعية مختلفة، بل ثلاثة مسارات حقوقية مختلفة المقاربات هي الأخرى. ومع ذلك، جمع بينهن شهر شتنبر وموقفهن من الملاحقات التي طالت شباب حركة "مالي"، أو "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية"، التي دعت إلى إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي.
خديجة الرياضي هي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي أصدرت بيانا واضحا وأعطت تصريحات واضحة حول رفضها ورفض الجمعية التي ترأسها لكل أشكال التضييق على الحريات الفردية مهما كانت دواعيها. خديجة الرويسي، رئيسة "بيت المحكمة" أصدرت بيانا واضحا وألقت تصريحات أوضح حول رفضها المبدئي لأي مضايقة لأفراد يمارسون حقوقا فردية. أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أعطت تصريحات حول انزعاجها ورفضها لما يلحق الأفراد (حركة مالي) جراء التعبير أو ممارسات حقوق فردية.
ثلاث نساء وموقف واضح في أوج الهجوم الذي تعرض له شباب حركة مالي بعد محاولة تنظيم حركة رمزية و"نزهة" بغابة المحمدية (حسب بلاغ مالي)، متبوعة بعملية إفطار حسب ما تداولته وسائل الإعلام. زينب الغزوي، متزعمة حركة مالي، أعطت تصريحات تشرح فيها كيف أن الوقفة، التي شارك فيها كذلك حسب تصريحاتها شباب صائم، كانت تهدف إلى التحسيس بالاعتداء الذي يمارسه القانون على الحريات الفردية من خلال الفصل 222 من القانون الجنائي. الفصل 222 يعاقب كل من عرف عنه ممارسة الإسلام وأفطر علانية بدون إذن شرعي بغرامات وعقوبات حبسية. المدافعون عن الحريات الفردية يعتبرون إفطار الإنسان أو صيامه شأن شخصي ليس للقانون أن يعاقبه عليه. وانه لا يمكن إلزام الناس بممارسة الشعائر الدينية تحت طائلة السجن. بينما يرى آخرون عكس ذلك. المعارضون لا يمكنهم القول إن العقاب يجب أن يطال المفطرين، بسبب امتناعهم عن ممارسة إحدى الفرائض أو الشرائع الدينية، لأن الحجة مردود عليها. فممارسة الدين لا تتم بالعقاب والسجن. ثم إن هناك فرائض وشعائر أخرى لا يعاقب القانون على عدم ممارستها، كالصلاة مثلا. لذلك، يتحصن المساندون للفصل 222 حول اعتبار عملية الإفطار العلني استفزازا للصائمين.
المجتمع المغربي يتعامل مع رمضان معاملة خاصة ومختلفة عن كافة الدول الإسلامية. رمضان في الثقافة المغربية الإسلامية مقدس كشهر وكطقوس (بالإضافة إلى تنفيذ طقوس عيد الأضحى). المغاربة يتعايشون مع عدم ممارسة الصلاة، أو الحج، أو تناول الخمر، أو الرشوة أو التهريب... إلا عدم الصيام خلال رمضان. بينما مجتمعات إسلامية أخرى تعتبر عدم الصلاة كعدم الصوم والارتشاء والتهريب كالمتاجرة في المخدرات... وهذه خاصية مغربية.
حدث كثيرا، وأنا مسافر خارج المغرب خلال شهر رمضان، سواء إلى دول إسلامية أو غير إسلامية، أن نجتمع بأناس صائمين واخرين مفطرين. نتقاسم الحديث والرفقة. لم يسبق لي شخصيا ولا لأي مرافق لي صائم أن أحسسنا بأن إفطار الآخرين يُصعِّبُ علينا صيامنا أو يستفزنا أو "يشهينا"... المغاربة المقيمون بالخارج يصومون رمضان وأياما من شوال، دون أن ينال منهم إفطار الآخرين. زرت بلادا إسلامية خلال رمضان وغالبية المسلمين فيها صائمون وبعضهم مفطر علانية، لأن القوانين هناك لا تعاقب على الإفطار العلني. وسألت ولاحظت وأخبروني أن الأمر عاد تماما، بل لا يلتفت الصائم إلى إفطار الآخرين تماما، بل غالبا ما سيسألك ابن البلد إن كان بإمكانه أن يدعوك لشرب عصير أو شاي على حسابه مع اعتذاره هو لأنه صائم. وحين تخبره بأنك صائم يقول لك اللهم تقبل صيامك وينتقل إلى موضوع آخر.
استفزاز مشاعر الأغلبية أمر مرفوض، لكن "مشاعر الأغلبية" أشياء يجب التدقيق فيها. حين يدعو المؤذن إلى صلاة المغرب ويقوم فردان من طاولة المقهى للصلاة بينما آخرون لا يقومون ويستمرون في لعبة "الرامي"، لماذا لا يعتبر ذلك استفزازا؟ وهناك من يعتبر أن عدم إرسال الأموال إلى الفلسطينيين والجهاد معهم هو تخل عن فريضة الجهاد الواجبة شرعا. ومساندة الجماعات المسلحة في العراق وأفغانستان تقاعس عن الواجبات الشرعية وهو استفزاز لمشاعر الأغلبية... هذه فقط أسئلة لنقول إن قضية المشاعر تختلف حسب المجتمعات والفئات والقناعات والمواقف.
زينب الغزوي متزعمة حركة "مالي" أعطت تصريحات واضحة وعميقة حول أهداف حركتها بكونها لا تدعو إلى الإفطار، ولكن إلى احترام قرار واختيار آخرين بالإفطار، وقالت إنها رغم توفرها على الجنسية الفرنسية، فهي لن تشهرها للتهرب من تحمل مسؤوليتها. وقالت إنها كما تطالب بحقوق من أراد الإفطار تدافع عن الشابات التونسيات اللواتي يمنعهن النظام التونسي من ارتداء الحجاب، أو عن بعض المحتجبات بالمغرب اللواتي يمنعن من ارتياد المسابح. قامت بحركتها وتحملت مسؤوليتها بدون لف ولا دوران، رغم أن ليس هناك في القانون ما يعاقب على "النية في الإفطار".
القضية كانت بسيطة وحقوقية قبل أن يضخمها البعض في المحمدية والذين أوحوا بـ"تدخل الأيادي الأجنبية". لنفترض أن هناك أيادي أجنبية أحبت أن تصطاد في الماء العكر، فإن أحسن خدمة قُدِّمت لها هي فعلا تضخيم حركة احتجاجية وصبغها بهالة أكبر منها.
حين خرجت بعض الهيئات تعزف لحن التنديد والمؤامرة (ومن حق الناس كذلك أن يحتجوا وينددوا، لكن شريطة كذلك أن لا يكونوا مجرد كومبارس)، وصمتت أخرى المدافعة عن الحقوق، تصدت ثلاث نساء بكل وضوح، بكل شجاعة وبكل مروءة، للاعتداء على حرية الأفراد لمجرد أنهم يطالبون باحترام الحقوق الفردية.
أكيد أن الذي حركهن ليس هو كون متزعمة حركة "مالي" امرأة مثلهن، ولكن خديجة الرياضي وخديجة الرويسي وأمينة بوعياش أحسسن بأن واجبهن يفرض عليهن المجاهرة بالحق، ففضلن ذلك بدون حسابات "رجالية". الشهامة ان يقول الإنسان بما يصدح به عقله وقلبه وما يعتبره حقا دون ان بخاف في دلك لومة لاءم، ودون نفاق ولا رياء ولا حسابات مصلحية ضيقة.
ليس صدفة أن يأتي ذلك من ثلاث نساء. ولا أن تتزعم امرأة رابعة حركة احتجاجية جد حساسة، بل نتاج طبيعي لمجتمع تتحرك نساؤه بقوة منذ مدة ليست بالقصيرة. كما ليس صدفة أن تكون كلمات الشجاعة والشهامة والمروءة بل حتى الرجولة مؤنثة ...
الطيب حمضي
30 septembre 2009

تلفزيون رمضان

خلال كل شهر من رمضان، تحاول القناتان التلفزيتان المغربيتان الأولى و2M إنتاج أكبر عدد ممكن من الإنتاجات الفكاهية والدرامية لتقديمها للجمهور، إذ إن نسبة متابعة التلفزيون خلال رمضان ترتفع بشكل كبير.
طبعا، يتبع ذلك سيل من الكتابات والانتقادات، نظرا لضعف المستوى الفني للمنتوج التلفزي.
أشاطر رأي العديد من المنتقدين حول هذا الضعف الذي يصل حد الرداءة أحيانا. لكن، هل المشكل يتلخص في هؤلاء الفنانين وفي التلفزة، أم المشكل أعمق من ذلك؟ وهل الحل هو أن تمتنع التلفزة عن تقديم المنتوج المغربي حتى يصير في المستوى اللائق تماما للعرض؟ وهل فعلا إذا أغلقنا التلفزيون في وجه المنتوج المغربي عشر أو عشرين سنة سنستيقظ يوما فجأة أمام منتوج جيد؟...
لذلك، سأقدم بعض الملاحظات حول ضعف الإنتاج الفكاهي والدرامي بالمغرب.
1- أول ملاحظة أثيرها هي أن انتقاداتنا لهذا المنتوج هي انتقادات قاسية جدا، بل أصبحنا نتنافس بيننا كجمهور في من سيُسفِّه أكثر ويسُب أكثر الإنتاج المغربي. وحتى حين تكون هناك استثناءات بسيطة لإنتاج متوسط، نجمعها ونخلطها مع المنتوج الرديء, لا نشجع المنتوج الجيد أو الحسن على قدر ما نذم المنتوج الرديء. وهذا يحبط أصحاب المجهودات الحسنة ولا يؤثر سلبا في أصحاب المنتوجات الرديئة، لأن ليس لهم أصلا "علاش يحشمو" ولا القدرة على تطوير منتوجهم.
2- لا نعبر كجمهور عموما على أن منتوجا ما كان لابأس به إلا بعد غيابه ومرور سنة أو أكثر على عرضه ومواجهتنا لرداءات جديدة.
3- نحمل مسؤولية الرداءة للفنانين وحدهم، علما أن المنتوج الجيد يتطلب جهدا جماعيا كبيرا بين مثقفين يكتبون القصة والرواية، وآخرين ينقلونها للتلفزيون أو المسرح والسينما، وغيرهم يغنون الحوار وأطقم تقنية...
إذا لم يكن لدينا مثقفون يتعاملون مع الفن المسرحي والتلفزي والسينمائي، فإن الممثلين يكتبون لأنفسهم أو يستعينون بمن حضر بدون أي خلفية ثقافية غالبا. وهي نفس الحكاية مع الأغنية المغربية. إذا كان لدينا فقط مثقفون يفهمون في "ما بعد الحداثة" و"التناص" و"الأنا العليا"، فإن ذلك لن يغني المنتوج الفني. وإذا كان لدينا فقط شعراء، ينظمون شعرا لا يمكن توظيفه غنائيا، فإن كلمات الأغنية المغربية لن تستفيد منهم.
ولننظر إلى سلسلة "سير حتى تجي" أو "جوا من جم"، التي كتبها أو ساهم فيها الأستاذ الجامعي والاعلامي مصطفى المسناوي، كيف لاقت استحسان الجمهور، ليس فقط لأداء الفنان محمد الجم المتميز، ولكن كدلك بفضل وجود نص مخدوم. أو لننظر إلى أغاني راحلة والقمر الأحمر، التي تعاون فيها الشاعر عبد الرفيع الجواهري. ولننظركدلك للتجربة المتميزة للفنانة حنان الفاضلي أو الفنان حسن الفد. حين ينزل المثقفون للتعاون مع الفنانين، أو يكون للفنان محيط وخلفية ثقافية فالنتيجة دائما تكون أحسن من غياب الثقفين وتركهم الساحة فارغة.
4. المنتوجات ضعيفة. ما العمل؟ هل نغلق وجه التلفزيون في وجه الإنتاج المغربي حتى يصبح لائقا؟
شخصيا، ليس لي أي اعتراض على ذلك. شريطة أن يقال لنا إنه بعد خمس أو عشر سنوات سنجد أمامنا بقدرة قادر إنتاجا جيدا! الحقيقة أن علينا تشجيع الكم للحصول على الكيف. وللأسف، نحن شعب غير مستهلك للفنون إذا لم تكن مجانية.
5. استهلاكنا للإنتاج الفني متوقف على مجانيته: الأشرطة المغربية مقرصنة، الأفلام مقرصنة، المسارح فارغة، والعروض الفنية والمسرحية لا تجلب الجمهور إلا إذا كانت بطاقات الدخول مجانية والعروض مشتراة من طرف وزارة الثقافة أو الجماعات المحلية، الصحف لاتقرأ ، الكتب لا تباع ... الفنان لكي يعيش وينتج ويعطي ويطور يحتاج إلى جمهور يحتضنه ويشجعه ويؤدي ثمن استمتاعه.
في مصر، يستحيل شراء بطاقة دخول مسرحية في اليوم نفسه للعرض، وعند خروج فيلم إلى صالات العرض يجب أخذ الصف عدة ساعات. وهذا المنظر يتكرر أسابيع متتالية. عائلات فقيرة توفر للاستمتاع بالأعمال الفنية، مع أن أثمنة البطاقات غالية مقارنة مع مستوى دخل المواطن المصري.
6. الإشكالية فيها إذن مسؤولية الفنانين، مسؤولية الجمهور، مسؤولية الدولة، مسؤولية القطاع الخاص لتطوير المنتوج الفني المغربي.
7. ملاحظتي الأخيرة هي ملاحظة لمفارقة عجيبة وغريبة. حين تجتمع هذه العناصر كلها، تدخلت رقابة الدولة وقراراتها "الرصاصية". وأتحدث طبعا عن تجربة الفنان أحمد السنوسي "بزيز". فالفنان بزيز فنان مثقف، مطلع، متابع، مرتبط بقضايا الناس وخباياها، له جمهور واسع يتابعه، وفي لإنتاجاته. لذلك، فالمنتوج الفني لأحمد السنوسي كان يدخل كل البيوت وكل الأوساط وكل الطبقات بدون استئذان. حين اجتمعت هذه العناصر وأعطت منتوجا جيدا حرمتنا منه التلفزة وقرارات إدريس البصري. مات البصري وبقيت القرارات سارية المفعول حتى اليوم واستمر حرماننا من بزيز وحرمان التلفزيون من جمهوره... متى يموت "البصري"؟
الطيب حمضي
18 septembre 2009

صحة الملك وصحة الملكية

منذ الأسبوع الفارط والشرطة تستدعي عددا من الصحافيين من منابر مختلفة للبحث معهم حول مقالات لها علاقة بصحة الملك. في دولة الحق والقانون، لا يقال شيئا عن هذا، شريطة أن تتبع المساطر النظامية وفي الظروف العادية. إلا أن ما يصلنا من أخبار عن استنطاقات طيلة الليل والنهار وعدم استفادة الصحافيين من حصص النوم العادية، وتركهم جوعى وهم صيام في هذا الشهر (رمضان) يعتبر شكلا من أشكال التعذيب التي لا تليق لا بدولة الحق والقانون ولا بالصحافة المغربية ولا بتقاليد المسلمين خلال الشهر الكريم.
كيف يمكن التعامل مع الأخبار المتعلقة بصحة الملك؟ موضوع طويل عريض، فيه حرية الصحافة، وحق المواطن في الخبر، وفيه ضوابط احترام الحياة الشخصية، والسر المهني للأطباء، والمهنية الصحافية، وتوخي الدقة في نشر مثل هذه الأخبار... وغيرها من الاعتبارات التي مازالت طريقة التوليف بينها موضع جدال، ولا بأس أن تكون هذه فرصة لطرحها، وليس لإهانة الصحافيين.
لنكن واضحين: أن يقول طبيب لجريدة ما، ويفترض أنه على اطلاع بالرعاية الصحية للملك، إن الملك يتناول الكورتزون بسبب الربو، فهذا كلام فارغ، وهو خطأ طبي من ناحيتين: الناحية الأولى والفادحة هي أنه خطأ يكسر السر المهني الذي أقسم عليه الطبيب والملزم به قانونا، سواء أكان هذا السر يتعلق بمواطن عاد أم بالملك، وسواء أكان هذا السر يتعلق بإعلان مرض أم بإعلان أن الحالة الصحية جيدة، ما لم يرخص بذلك المعني بالأمر نفسه والامر هنا يتعلق بالملك. لذلك، فهذا خطأ إفشاء سر مهني أو بث أخبار كاذبة. وهو خبر فارغ، لأن الربو (الضيقة) لم يعد يعالج بالكورتزون عن طريق الأقراص منذ عقود إلا عند المرضى الذين ليس لهم علاقة بالطب، أو في أقسام الإنعاش حيث يصابون بالأزمات بسبب غياب العلاج. أما باقي الحالات، فتعالج بالكورتزون عن طريق البخاخات التي لا تؤثر لا على المناعة ولا على الوزن ولا غيره.
لكن السر المهني المرتبط بالحالة الصحية هو إلزام للطبيب وليس للصحافي. فهل يستدعي نشر خبر حول الموضوع تحريك المتابعات والاستنطاقات؟ أتمنى أن يقف الموضوع هنا.
شخصيا، لن أقول إن الأمر كان يستدعي أن يصدر بلاغ يكذب الأمر وكفى. حتى البلاغ ليس ضروريا. صدر بلاغ رسمي حول مرض الملك، وهذه نقطة جيدة، أما البقية من الكتابات فلا تأثير لها أمام شفافية الأخبار. وحتى وإن صدرت بلاغات تكذيبية، فذلك لن يجدي نفعا، لأن هناك صحفا أخرى ستشكك في هذه البلاغات التكذيبية نفسها. هل هذا كله تحامل من الصحافة على الملك؟
بالمطلق لا. ولكن لأن تيار الثقة لم يسر بعد بين الأخبار الرسمية والفضول الصحافي. ومن شأن بلاغات مثل بلاغ "روتا فيروس" أن يؤسس لهذه الثقة. الثقة لن تبنيها المتابعات ولكن الشفافية.
الصحافة والصحافيون ليسوا فوق القوانين. لكن بناء صحافة مغربية حقيقية هي مسؤولية الصحافيين ومسؤولية المواطنين ومسؤولية الدولة التي عليها أن تتحمل ما تعتبره في المنطقة الرمادية.
وبالمناسبة، ليس فقط الصحافة التي تنشر أخبارا حول صحة الملك- ولو كانت خاطئة- وحدها لا تحترم الحياة الشخصية والسر المهني... الصحافة التي تنشر أن ابن أخت المسؤول الفلاني مصاب بأنفلونزا الخنازير، بدون موافقته، والصحافة التي تتصل بالممرض في المستشفى الفلاني لتخبر الرأي العام بأن ابنة الوزيرة الفلانية أو قريبتها دخلت المستشفى للعلاج من المرض الفلاني، هي كذلك تعتمد في أخبارها على أناس (ممرضين أو أطباء) لا يحترمون شرف مهنتهم. والصحافة التي تأخذ تصريحا عن طبيب يقول إن الشخص الفلاني تم فحصه ولا يعاني من أي مرض عقلي وتنشره لا تحترم الحياة الخاصة للمريض. والطبيب الذي يعلن عن ذلك لم يحترم السر المهني... وهذه كلها حالات قد تكون سببا في متابعات قضائية.
لكن المتابعات قد لا تكون مثمرة بقدر ما هو النقاش بين الصحافيين والأطباء ومستخدمي الصحة حول حدود الحرية الخاصة والسر المهني والمسؤولية القانونية.
هذا الورش هو الذي يجب فتحه، لأن حرية الصحافة ضمانة لصحة الملكية، أما صحة الملك فهناك مكلفون بها يقومون بها في صمت مهني.

الطيب حمضي
10 septembre2009

قتلة الشعب الفلسطيني

جمع فاروق قدومي (أبو اللطف)، وهو الرقم اثنان في حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بعد محمود عباس (أبو مازن)، جمع بعض الصحافيين في مقر إقامته العابرة بالعاصمة الأردنية عمان ليلقي أمامهم باتهام، تكمن خطورته الوحيدة في كونه صادرا عن فاروق قدومي.
السيد فاروق قدومي قدم للصحافيين الذين اختارهم بعناية لملاقاتهم وعرض عليهم "وثيقة" عبارة عن "محضر اجتماع" جمع - حسب وثيقة القدومي- كلا من أرييل شارون وشاؤول موفاز ومحمود عباس ومحمد دحلان ومسؤول أمريكي، تقرر خلاله قتل ياسر عرفات! ويقول الأخ قدومي إن هذا المحضر سلمه إياه ياسر عرفات نفسه.
من حيث الشكل، الأخ أبو اللطف جمع صحافيين من اختياره ليكشف لهم عن الوثيقة، ولم يفعل ذلك في ندوة صحافية تتبعها أسئلة حقيقية من صحافيين مستقلين حول ظروف وملابسات الوثيقة وأبعادها وغير ذلك. الأخ أبو اللطف وفر على نفسه أسئلة مزعجة له. وحتى حينما أراد التحدث إلى الرأي العام لإعطاء توضيحات حول ما قام به، قدم "تصريحا" إلى قناة "الجزيرة". والتصريح هو خطاب مكتوب عوض لقاء صحافي أو استجواب أو أي نمط صحافي فيه أسئلة وأجوبة.
من حيث الشكل دائما، شخصيا لا أفهم كيف أن الأخ أبو اللطف حصل على وثيقة (وصدقها وإلا لما احتاج اليوم إلى إخراجها) قبل مقتل عرفات، ومات عرفات والأخ قدومي يحتفظ بالوثيقة في مكتبه (إذا صدقنا ما قاله) مدة سنوات، ترشح خلالها أبو مازن لخلافة عرفات، ولم يقل قدومي شيئا. وفاز أبو مازن ولم يقل قدومي شيئا، وحكم أبو مازن مدة خمس سنوات ولم يقل قدومي شيئا. وحين قررت فتح عقد مؤتمرها بالداخل (الضفة الغربية)، أخرج قدومي الوثيقة! هو الذي صرح لـ"ألجزيرة" بأن سبب إخراج الوثيقة هو قرار عقد مؤتمر حركة فتح بالداخل وليس بالخارج، كما يريد الأخ أبو اللطف. وهذا معناه ببساطة أن الأخ قدومي لا يهمه بالمطلق أن يكون على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية رجل قاتل، ومتعاون مع شارون، وخائن للثورة ولشعبه، هو أبو مازن الذي تآمر لقتل عرفات، ولكن في المقابل هاله أن ينعقد مؤتمر فتح بالداخل عوض الخارج!
لا يمكنني أن أصدق أن فاروق قدومي بشموخه وتاريخه لا يهمه مستقبل الشعب الفلسطيني وزعامته ولا يهمه من يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، بل ما يهمه هو مقعده داخل قيادة حركة فتح ومقاعد أصدقائه بالحركة!
من حيث مضمون محضر الاجتماع، نفهم منه أن قادة إسرائيل وقادة السلطة الوطنية الفلسطينية اجتمعوا برعاية أمريكية لتدارس قتل عرفات، وتم تحرير محضر لهذا الاجتماع الذي وصل إلى ياسر عرفات الذي أرسل نسخة منه إلى الأخ فاروق قدومي. والأخ قدومي الذي لم يقم بشيء يذكر لرفع الحصار عن عرفات، والذي دام سنوات تحت أعين العالم وأعين الأخ أبو اللطف المقيم بدمشق.
هل قرارات الاغتيال يتم الحديث بشأنها في اجتماعات بين السياسيين ومسؤولي الدول! الأخ أبو اللطف يعرف إسرائيل جيدا ويعرف شارون أكثر ويعرف كيف أن قادة إسرائيل يتصرفون كقطاع طرق، وحين يقررون اغتيال القادة يفعلون ذلك دون استشارة أحد، أو أخذ رأي أحد أو إخبار أحد أو ترك أي أثر أو دليل، فالأحرى عقد اجتماع ثلاثي يصل محضره إلى قدومي في دمشق الفيحاء!
هل يظن الأخ فاروق قدومي أن شارون جاء يستشير أبو مازن ودحلان حول ضرورة قتل عرفات من عدمها، أم يستشيرهم في أسهل طريقة لقتل عرفات، أم يستشيرهم حول نوع اسم الذي يجب إعطاؤه لعرفات...!!
الذي يطلع على فحوى محضر الاجتماع يخرج بنتيجة أن شارون رجل مبتدئ في علم الاغتيال وينتمي إلى دولة تحترم الشعوب والقوانين! وجاء يطلب الاستشارة من الفلسطينيين والأمريكيين! ولم يكن ينقص شارون سوى الاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة لطلب رأيه في اغتيال عرفات! ورئيس محكمة لاهاي! ولم يكن ينقص محضر الاجتماع إلا أن يخبرنا بأن إبراهيم صاحب "عقاقير تافراوت" قد حضر معهم الاجتماع ليمدهم بالسم الضروري لقتل عرفات!!
فاروق قدومي رجل له ماض نضالي كبير ومعرفة مدققة بالعدو الإسرائيلي وأساليبه، ولا يمكن أن أتصور لحظة أنه يصدق كلمة واحدة من الخزعبلات المكتوبة في الوثيقة التي بين يديه. بل لأنه يعرف ذلك، رمى بالوثيقة في سلة المهملات كل هذا الوقت. ولكن للأسف، حسابات المؤتمر المقبل جعلته يتمسك بأي شيء لإنقاذ الوضع، وضعه هو ووضع أصدقائه بحركة فتح. أبو اللطف يدرك أن عقد مؤتمر حركة فتح بالداخل سيقلص تمثيلية المقيمين بدمشق. يعرف أنه هو سيبقى بالقيادة ولكن جناحه المقيم بالشام والمرتبط بسوريا سيتم إضعافه، وبالتالي إضعاف الضغط السوري على فتح، وهو ما لن ترضاه القيادة السورية. الأخ قدومي يبحث عن خلق أزمة قبل المؤتمر للدعوة إلى مقاطعته، والطعن في شرعيته، فتصبح فتح بقيادتين: واحدة في الداخل، والثانية بسوريا. وهو ما يعني استمرار التحكم السوري في الساحة الفلسطينية، من خلال فتح وحماس وباقي الفصائل.حين أسمع قادة حماس يقولون إن فتح خونة، وعباس وأجهزته الأمنية عميلة لإسرائيل، وأسمع فتح تقول إن حماس خونة وقتلة، وأسمع قدومي يقول إن عباس قتل عرفات، ماذا ترك هؤلاء للأعداء من قول؟ نقول لهم باتهاماتكم المتبادلة هذه، إن كانت حقيقية، فأنتم لا تستحقون قيادة الشعب الفلسطيني، وإن كانت مزايدات نقول لكم، إنكم انتم قتلة الشعب الفلسطيني وقضيته .

كتلة الديمقراطيين: مع الإسلاميين أو مع الملك

يبدو لي أن هناك اتفاقا عاما على أننا أمام أزمة عمل سياسي. المغاربة يديرون ظهورهم لصناديق الاقتراع وللمؤسسات وللأحزاب. الانتخابات لم تعد تستقطب إلا المتحزبين والكثير من تجار العمل السياسي باعتباره أسهل وسيلة للاغتناء والرقي الاجتماعي.
إعادة عقلنة العمل الحزبي وإصلاحه وتقويته وإعادة توحيد اليسار وتقوية الصف الديمقراطي أضحى مهمة مستعجلة، لكنها مهمة، ولو نجحت، لن تساعد على فتح آفاق العمل السياسي بالمغرب وتأمين الانتقال الديمقراطي. ببساطة، لأن ظروف العملية الانتخابية (قوانين، فرقاء، أهداف الدولة، تراكم نوع من التجارب، إحباط الناخبين…)، هذه الظروف لن تنتج إلا ممارسة ونتائج شبيهة بما يقع اليوم، ولو دخلتها الأحزاب الديمقراطية موحدة ومنظمة...
المغاربة محتاجون إلى ظروف اقتصادية أفضل توفر لهم عيشا كريما، من مأكل ومسكن وتطبيب وتعليم... ومحتاجون إلى العيش بكرامة في دولة يسودها الحق والقانون. لذلك، فإن أكبر المخاطر التي تهدد المجتمع المغربي هو الفقر وغياب فرص التنمية، ثم الاستبداد، إنْ في المجال السياسي والحقوقي أو في المجال الاقتصادي، وكذا الخطر الذي تمثله الأصولية واحتمال تفشيها واستبدادها بالمجتمع.
المجتمع المغربي ليس مجتمعا متطرفا بطبعه، ولكن الفقر والحرمان والإحساس بالظلم بإمكانه قلب المعادلات.
المغرب في حاجة ملحة- وربما مستعجلة- إلى هزة قوية تعيد الطبقة الوسطى- بمفهومها الواسع جدا- إلى الاهتمام بالشأن العام، اهتماما فعليا وليس من باب التفرج. هذه الهزة لا يمكن أن يصنعها حزب أو عدة أحزاب مهما فعلت وأصلحت وطورت نفسها، لأن الإشكالية أعمق من الأحزاب نفسها. فالناخبون لا يرون فائدة من الانتخابات، لأنها عملية تُمارَس بكثير من العبث، وغير مفيدة ولا تغير الواقع كثيرا.
لذلك، أضحى مطلوبا إصلاح الأحزاب والعمل الحزبي، ولكن يجب الذهاب أبعد من ذلك لإرجاع الثقة للعمل المؤسساتي، وتحصين البناء الديمقراطي وإعطاءه النجاعة الضرورية لخلق التنمية ودولة الحق، وتحصين المجتمع ضد خطر الظلام.
الديمقراطيون والحداثيون بالمغرب محتاجون لقوة دفع، حتى يتمكنوا من المساهمة في خلق هزة داخل المجتمع. إصلاح ذاتهم، هذه مهمتهم. إنقاذ الممارسة السياسية بالمغرب هذه مهمة أكبر.
مشكلة الديمقراطيين والحداثيين ببلادنا، كما بالوطن العربي كله، سواء يساريين أو ليبراليين أو يمينيين، أنهم يؤمنون بأفكار حداثية، ويدافعون عنها، لكنهم يتوقفون عند حدود عدم "إزعاج" الحاكمين. يريدون قيادة التغيير، لكن دون التعارض مع الحاكمين! أفكارهم تبقى أفكارا في صحف وقنوات تلفزية لا يتتبعها أحد، لأن الناس تريد بالضبط تغيير الواقع وتغيير ميزان القوى الذي يستبد به الحاكمون. هؤلاء يسيطرون على كل مفردات العمل السياسي والاقتصادي ببلداننا. فالطبقة الحاكمة هي جزء من المشكل وأحيانا هي المشكل الأعظم!
تيار التغيير والإصلاح تقوده الحركات التي تعبر عن آلام الناس وآمالهم، عن طموحاتهم. الحركات التي تذهب في تحليلها لأسباب الأزمات إلى آخر المنطق وتناضل وفقه، لا أن تُخضِع المنطق والتحليل والمواقف للجبن السياسي والخطوط الحمراء والرقابة الذاتية والمنافع الشخصية.
لذلك، فإن الاكثر استعدادا اليوم لقيادة التغيير والإصلاح داخل الوطن العربي هي الحركات الإسلامية المعتدلة المرتبطة بالشارع والجريئة في طرح القضايا والدفاع عنها. هذه الحركات مؤهلة أكثر من النخبة الحداثية المستنيرة، ولكن العاجزة عن المواجهة. هده حقائق سياسية وسوسيولوجية لا علاقة لها بما نريد نحن وما نتمناه.
هناك مشكلتان: أولا، الحركات الإسلامية قادرة على قيادة الإصلاح والتغيير، ولكن هل قادرة على إرساء الديمقراطية عوض اغتصابها؟ المشكلة الثانية ببلادنا أننا أمام حركة إسلامية مهادنة أكثر من الأحزاب التقليدية نفسها. وهو ما يضيع عليها حتى قاعدتها الانتخابية عوض تقويتها!!
مع ذلك، فإن الديمقراطيين، اليوم أو غدا، سيواجهون سؤالا مركزيا: ما العمل للخروج من عنق الزجاجة وإخراج البلاد من محطات علامات الاستفهام؟ ليست هناك اختيارات كثيرة. الصف الديمقراطي في حاجة إلى تحالفات قوية لخلق ممارسة سياسية جديدة، ممارسة تحصن المجتمع ضد آفة الفقر والاستبداد والظلامية.
هناك طرح يقول بتحالف القوى الديمقراطية والوطنية مع الحركة الإسلامية المتنورة لخلق كتلة تاريخية مهمتها إنجاز الإصلاح والتغيير بالمغرب، مادامت الدولة والمحيطون بها ومراكز القوة يعاكسون أي مجهود إصلاحي ويعرقلونه ولايظهر ان المستقبل سيغير رأيهم. مشكلة الكتلة التاريخية أنها تُدخِل في صفوفها قوى دينية، لم يثبت لحد الساعة أنها نجحت في بلد ما ولم تغتصب فيه الديمقراطية، عدا الحالة التركية، وهي حالة خاصة. أي أن هناك احتمال تعبيد الطريق أمام خطر أصولي جارف، عوض تحصين المجتمع ضده. لا أتحدث لا عن العدالة والتنمية ولا عن العدل والإحسان، كما هما عليه اليوم، لكن دينامية المجتمعات ستجعل هذه الحركات نفسها تتغير ربما نحو الاستبداد عند اشتداد عودها وربما إلى العكس، أي العقلنة بفعل تراكم تجارب أخرى .
هذا السيناريو الأول. السيناريو الثاني هو أن تستبق الملكية تطور حلقات التاريخ الحتمية وتتحالف مع القوى الديمقراطية، ليس بهدف تدجينها وجعلها في خدمة برنامج الدولة، بل العكس تكييف برنامجها مع مطالب المجتمع والقوى الديمقراطية في الفصل بين السلطات، والتحول نحو ملكية برلمانية، وإصلاح المؤسسات، والانخراط في محاربة الفساد، ورفع اليد عن التنافسية الاقتصادية، وردع نهب الملك العام وتبديده. إن التحالف بين القوى الديمقراطية والملكية من شأنه إعادة الحياة إلى العمل السياسي وإرجاع المغاربة إلى صناديق الاقتراع. تحالف يجعل الملكية شريكا في التغيير وليس القوى الديمقراطية حارسة لمصالح "خدام" الدولة! ادا فكرت الدولة بمنطق احتواء الديمقراطيين بشتى الوسائل وأهمها توزيع الريع الاقتصادي عليهم فدلك ليس تحالفا وبالتالي ستبقى الإشكالية في نقطة الصفر. التحالف هو انخراط الملكية في برنامج ديمقراطي يحقق للمجتمع انتظاراته. تحالف لايعني توزيع الحقائب على الديمقراطيين ولكن تمكين المجتمع من مؤسسات ديمقراطية حقيقية وفاعلة واقتصاد شفاف وعدالة اجتماعية تعطي للمؤسسات مدلولا. قد تبدو القضية مستحيلة لكنها ضرورة تاريخية للمجتمع وللملكية نفسها.
ليست هناك اختيارات كثيرة في دينامية العمل السياسي وحركية التاريخ، اللهم الذين يريدون الاتكال على الجمود كسياسة لربح الوقت! قد يكون خلق بعض الأحداث أو حتى الأحزاب حلا مؤقتا لتدبير الأزمات في انتظار حلول كبرى، لكن الحلول الحقيقية أصبحت اليوم تفرض نفسها.
الطيب حمضي
17 juillet 2009

نهاية المؤسسات

يبدو لي أننا وصلنا إلى نهاية مرحلة معينة من تاريخ العمل الانتخابي والمؤسساتي ببلادنا، ولم يعد هناك بد من تغيير طرق العمل.

المؤسسات بالمغرب كان مرسوما لها دور شكلي عليها تأديته. "الدولة" أي الملك الراحل ومحيطه "يعرفون" دقائق حاجيات المغرب والمغاربة ويتصرفون وفق ما يعتقدون أنه في مصلحة المغرب. وأحزاب وهيئات "لا تعرف" شيئا، وليس من حقها أن تقرر، ولكنها "شر لا بد منه" للحفاظ على الصورة الديمقراطية. لذلك، أوكلت لها الدولة دور"تأطير المواطنين وتمثيلهم"، ولكن من خلال مؤسسات مشلولة.

هذه التجربة لم تكن كلها فراغا أو سلبية، بل كانت لها جوانب إيجابية في إشراك المواطن في التفكير وتدبير الشأن العام والمحلي ولو جزئيا. بل كانت تجربة متقدمة مقارنة بعدة دول أخرى.

في نهاية السبعينيات، لم يبق للدولة من إمكانيات ترضي بها الفئات الاجتماعية الأكثر قوة على الاحتجاج والمطالبة. فكانت الانتخابات وسيلة أخرى لمعرفة وتشخيص وتحديد "زعماء" الاحتجاج والنقد والمطالبة، وإشراكهم في تدبير الشأن العام وإتاحة الفرص أمامهم لتحقيق مطالبهم الشخصية أولا. كان ذلك مساعدا على إخماد الاحتجاجات أو على الأقل التلطيف منها.

أضحت المؤسسات المنتخبة وسيلة للترقي الاجتماعي، سواء في البرلمان أو المجالس أو الغرف المهنية... وأصبحت هذه "المناصب" وسيلة للترقي الاجتماعي وتحقيق المطالب الشخصية والعائلية، بجانب المطالب العامة بالنسبة للذين يفكرون بعض الشيء في الشأن العام. هكذا، أضحت السياسة نفسها وسيلة للاغتناء والحصول على السلطة والوجاهة لقضاء المآرب وتحقيق البرنامج الشخصي للترقي.

ما إن يصبح الإنسان وزيرا حتى تتغير حياته رأسا على عقب: أجور، تعويضات، صفقات، تقاعد،... الأمر نفسه بالنسبة إلى البرلماني وحتى المنتخب المحلي.

لذلك، أصبحت الانتخابات محطة مهمة داخل الأحزاب للتقاتل والانشقاقات والانسحابات ولكل الحروب، للظفر بالانتداب الحزبي لهذه المهمة أو تلك، لهذه المؤسسة أو تلك.

أصبحت داخل الأحزاب "وحوش انتخابية" مستعدة لتحطيم كل ما يوجد أمامها للظفر بمنصب سياسي يتم توظيفه لحل المشاكل الشخصية والعائلية، حتى أضحى أهم وأسهل استثمار في المغرب هو العمل السياسي. بدون مخاطر ولا رأس مال، ولا ضرائب ولا تعقيدات. منصب سياسي يجلب المال. لا غرو إذن أن نلاحظ كل ما يقع داخل الأحزاب من تقاتل وترحال ومن دسائس للمرور إلى الضفة الأخرى.

الدولة جعلت من الانتخابات فرصة "لإنقاذ الذات" وفرصة للظفر بالسلطة والجاه والمال، وتركت الأحزاب تغلي من الداخل وتتفتت.

اليوم، أصبحت الأحزاب لا تجد حتى من تضعه باللائحة الانتخابية، إذ ما أن يتقرر من سيكون وكيل اللائحة، حتى ينفض "المناضلون" من حوله، إما يرحلون إلى أحزاب ولوائح أخرى، وإما يتخلون عن أحزابهم، وإما يمارسون دعاية مضادة لحزبهم. وهكذا، يضطر وكيل اللائحة إلى الاستعانة بعائلته وأصدقائه ومعارفه لإتمام اللائحة. بل هناك سماسرة أصبحوا يتجولون وفي جيوبهم ملفات متكاملة لعشرات المواطنين يسمسرون فيها لبيعها لوكلاء اللوائح لإتمام لوائحهم!!

مرشحون يغيرون أحزابهم بمجرد نجاحهم. "مناضلون" يغيرون انتماءهم بمجرد عدم اختيارهم في الصفوف الأولى للوائح. كل هذا العبث وغيره من أهم أسباب اللامبالاة التي يظهرها المواطنون اتجاه الانتخابات والمؤسسات والأحزاب والعمل السياسي.

حين تلقي نظرة على اللوائح، تقتنع تماما أنه فعلا لا جدوى من انتخابات مثل هذه.

ومع ذلك، فإن لا تنمية بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون مشاركة، ولا مشاركة بدون انتخابات وأحزاب.

والأحزاب القائمة ليست دورا للمفسدين وضعاف النفوس، ولكن "الممارسة السياسية الربوية" تجعل هذه الكائنات الانتخابية هي الطاغية والأكثر حضورا. هذه الآفة لا يمكن إصلاحها بقوانين أكثر تشددا، أو بمقاييس متشددة أو بالطرد والتوقيف والتخوين. لا يمكن القضاء على هذه الآفة إذا لم نجعل من السياسة خدمة عامة نبيلة مجردة من الربح المادي واللصوصية والتسلق.

يجب تغيير القوانين والإجراءات التي تؤمن الامتيازات المحصل عليها من خلال العمل السياسي. يجب تفعيل آليات المراقبة والمحاكمة للذين يتحملون مسؤوليات وانتدابات انتخابية.

يوم تصبح السياسة عملا تطوعيا لخدمة الشأن العام، ستهدأ الحياة الحزبية، سيلتحق بها الفاعلون الحقيقيون، وسيتقدمون للانتخابات، وسيذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع للتصالح مع المؤسسات، وستعمل هذه الأخيرة لصالح المنتخبين. أما إذا بقيت المؤسسات فرصا للاغتناء والترقي، فإن الساحة الانتخابية لن تجلب أكثر من "الكائنات" الانتخابية التي نرى حاليا، ولن يفلح الشرفاء الذين رموا بأنفسهم في أتون هذه المعمعة في إقناع الناخبين بشرف المعركة، لأن الفساد سيتغلب على معظمهم.

آن لمثل هذه المؤسسات أن تنتهي وأن يبدأ المغرب تجربة ديمقراطية حقيقية تساعده على حل مشاكله ومشاكل مواطنيه...

الطيب حمضي

11 يونيو 2009

المادة 5 دستورية، ولا طائل من ورائها !

أثارت مسألة "تطبيق" المادة الخامسة من قانون الأحزاب نقاشا واسعا بعد أن فسرتها مصالح وزارة الداخلية بما معناه منع المتقدمين للانتخابات الجماعية المقبلة من الترشح بالنسبة لمن تسري عليهم مواصفات المادة المذكورة. وكان من المتوقع أن يكون حزب الأصالة والمعاصرة أكثر ضحايا هذا المنع. لذلك، كان أول الرافضين بقوة لهذا التفسير، دافعا بكون المادة نفسها غير دستورية.
الواقع أن القراءة المتأنية لهذه المادة تخلص إلى كون تفسير وزارة الداخلية غير قانوني ومجانب للصواب، وتعليل ودفع حزب الأصالة والمعاصرة بعدم دستورية المادة لكونها تحد من حرية الانتماء مجانب للصواب كذلك.
لنذكر أولا بالمادة الخامسة من قانون الأحزاب.
المادة 5
تقول المادة الخامسة من قانون الأحزاب: "للمغاربة ذكورا وإناثا البالغين سن الرشد أن ينخرطوا بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية.
غير أنه لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشح لهذه الانتخابات".


عناصر المادة 5
إذا فككنا العناصر المكونة للمادة الخامسة بشكل مقتضب نقول إنها:
- تؤكد حق المغاربة البالغين سن الرشد في الانخراط بكل حرية في أي حزب سياسي مؤسس بصفة قانونية.
- منع أعضاء البرلمان بغرفتيه الفائزين بتزكية من حزب قائم من الانخراط في حزب آخر طيلة مدة انتدابهم.
- هذه المادة لا تتحدث مطلقا عن المنتخبين أعضاء الهيآت الأخرى، من مجالس جماعية، أو غرف مهنية، أو أعضاء الحكومة غير البرلمانيين... لذلك، فتطبيقها محصور في أعضاء البرلمان.
ولنأخذ مثلا الآن لنائب برلماني فاز باسم حزب الأحرار وقدم ترشيحه للانتخابات الجماعية المقبلة باسم حزب الأصالة والمعاصرة،
هل تمنع المادة 5 هذا النائب من الترشح؟
ليس بالضرورة. صحيح أن المادة الخامسة تمنعه، وهو البرلماني باسم حزب الأحرار، من الالتحاق بأي حزب آخر، مادام انتدابه البرلماني (أي عضويته) لازال ساريا. لكن هذا المرشح سيقول إنه فعلا نجح باسم حزب الأحرار في البرلمان، ثم قدم استقالته من هذا الحزب (والقانون لا يمنع ذلك)، وأصبح بالتالي من دون انتماء حزبي. وسيقول كذلك إن حزب الأصالة والمعاصرة عرض عليه ترشيحه ضمن لائحته للجماعات المحلية بصفته فاعلا، وأنه ليس عضوا بحزب الأصالة والمعاصرة. القانون لا يمنع الأحزاب من ترشيح مواطنين باسمها من غير المنتمين للأحزاب، أي أن الأحزاب لها الحق في ترشيح وتزكية أعضائها وكذا ترشيح وتزكية مواطنين من غير الأعضاء المنتمين للأحزاب في إطار "انفتاحها" على"الفعاليات" المجتمعية. القانون لا يمنع ذلك.
إذن، نحن أمام برلماني كان منتميا للأحرار ولم يعد كذلك، تقدم للترشيح باسم حزب الأصالة والمعاصرة، دون أن يكون عضوا به. وهذه حالة لا تنطبق عليها المادة 5. للإشارة، يمكن للبرلماني، حتى دون تقديم استقالته من حزبه الأصلي، أن يترشح باسم حزب جديد دون أن يلتحق به.
حتى إذا صرح هذا البرلماني بأنه التحق بالحزب الجديد، فإن ما سيتم إلغاؤه قانونيا هي عضويته بهذا الحزب الجديد. أما ترشحه، فهو قانوني حسب المادة 5.
لماذا، إذن، كان كل هذا النقاش؟
شخصيا، لا أعرف خلفيات هذه الزوبعة، خصوصا أن المادة الخامسة واضحة تماما. أكيد هي كانت مناسبة للحديث عن ظاهرة "الترحال السياسي". ولكن هذا النقاش السياسي لا يمكن أن يغير أو يؤثر في تفسير أو تطبيق مادة قانونية قائمة. وكان واضحا، من الأول، أن المادة 5 لن تمنع أحدا من الترشح، وحتى إن منعت وزارة الداخلية هؤلاء"الرحل" من ترشيح أنفسهم باسم أحزاب جديدة، فإن القضاء سيلغي ذلك.
هل المادة 5 غير دستورية؟
بلى. أحترم رأي الذين دفعوا بعدم دستورية المادة 5، بل حتى بعض القانونيين الذين ساروا على نفس المنطق. ولكن التحليل الذي يقول بلا دستورية المادة 5 هو تحليل غير منطقي.
حزب الأصالة والمعاصرة رفض تفسير وزارة الداخلية للمادة 5، دافعا بأن هذه المادة نفسها غير دستورية، لأن الدستور يضمن حرية الانتماء.
هذا يستدعي بعض الملاحظات.
أولا، حزب الأصالة والمعاصرة ليس هو المجلس الدستوري الذي يقرر ما هي المواد المطابقة للدستور التي سيحترمها والمواد المخالفة لأحكام الدستور، حسب رأيه، والتي لن يحترمها. الحكم بدستورية قانون ما له مساطره الخاصة، ووحده المجلس الدستوري مؤهل للفصل في دستورية قانون ما من عدمها. وإلى أن يقول يوم ما المجلس الدستوري أن المادة 5 مخالفة للدستور، فهي قائمة وعلى الجميع احترامها، بما في ذلك وزارة الداخلية والأحزاب، والقضاء ساهر على تطبيقها.
والأهم من ذلك أن الدفع بأن المادة 5 غير دستورية لأن الدستور يضمن هذه الحرية هو دفع مجانب للمنطق.
الدستور يضع المبادئ، والقوانين تنظمها. وإلا لماذا مثلا لم يحتج حزب الأصالة والمعاصرة على المادة 6 من نفس القانون التي تمنع العسكريين والقضاة من الانخراط في حزب سياسي بالمطلق! أليس حق الانخراط حقا مطلقا؟ الانخراط في حزب سياسي بكل حرية هو حق يضمنه الدستور لجميع المغاربة البالغين سن الرشد. وهناك قوانين تنظم هذا الحق وهذه الحرية، بما لا يتعارض مع الدستور. ثم، وهذا هو الأهم، إن المادة 5 لا تمنع حرية الانخراط، بل تمنع أعضاء البرلمان السارية مدة انتدابهم من الالتحاق بأحزاب أخرى غير تلك التي نجحوا باسمها.
المادة 5 تمنعهم من الجمع بين الاثنين: العضوية في حزب جديد والعضوية في البرلمان عبر فوز بتزكية من حزب آخر. ويمكنهم في أي لحظة أن يلتحقوا بالحزب الذي يريدون إذا ما وضعوا هم أنفسهم حدا لانتدابهم بالبرلمان.
هل المادة 5 تمنع الترحال السياسي؟
أبدا. الفكرة من المادة 5 كانت هي منع الترحال السياسي. إذ مع كل دخول برلماني تعمل الأحزاب على استقطاب برلمانيين من أحزاب أخرى لضمها إلى صفوف فريقها. وهكذا، تجد حزبا نجح بـ20 برلمانيا مثلا، بعد شهر يصبح له فريق بالبرلمان من 30 أو 40 برلمانيا والعكس. وهي ظاهرة مسيئة، لأنها لو همت فردا أو بضعة أفراد لكان الأمر يدخل في خانة الاختلاف والاقتناع. لكنها أصبحت ظاهرة تسيء للممارسة السياسية ولكن...
ولكن المادة 5 لن تمنع هنا الترحال. فالالتحاق بفريق برلماني لا يعني الالتحاق بحزب ما. والفرق البرلمانية يكونها الأعضاء بالبرلمان وليس الأحزاب. بل يمكن لبرلمانيين بدون أحزاب أن يكونوا فريقا، أو برلمانيين من أحزاب مختلفة تكوين فريق، كما يمكن لأعضاء في حزب معين أن يؤسسوا فريقين أو ثلاثة إذا توفروا على العدد الكافي لذلك.
هل يمكن منع الترحال السياسي بالقوانين؟
من الصعب ذلك. لنفرض أننا غيرنا القوانين واجتهدنا ومنعنا ووصلنا إلى كون كل برلماني نجح باسم حزب ما عليه أن يبقى دائما بالبرلمان مع هذا الحزب. هل سنفرض عليه بالقانون أن يصوت مع ما يقوله له حزبه؟ التصويت داخل البرلمان تصويت فردي وحر ولا يمكن أن يفرض أحد على أي برلماني التصويت في هذا الاتجاه أو ذلك. لذلك، فحتى إن منعنا برلمانيا من مغادرة حزبه أو فريقه، فإن من شأن المفاوضات مع حزب آخر أن تجلبه للتصويت مع أو ضد اتجاه مخالف لمواقف حزبه. وهذه لا يمكن منعها بأي قانون. أما قضية الالتحاق بفريق دون آخر، فلن تغير إلا في حجم الفرق والامتيازات الممنوحة للفرق حسب حجمها ليس إلا!!
ما سيمنع هذه الظاهرة هو احترام الأحزاب لنفسها وللناخبين، وذلك بعدم التهافت على البرلمانيين في كل دخول برلماني، وعدم التهافت على كل من هب ودب (سياسيا) لترشيحه للانتخابات البرلمانية باسمها، فقط لكونه يتوفر على الأموال والحظوظ للفوز بالدائرة دون أي علاقة له، لا بالحزب ولا بأفكاره ولا برنامجه الانتخابي، ولا قيمه ولا التزاماته. مادام مثل هؤلاء يصلون إلى البرلمان باسم الأحزاب ، فإنهم سيصوتون دائما للجهة التي تمنحهم أكثر من الامتيازات وغيرها ولن يصوتوا طبقا للأفكار والوعود التي قدموها للناخبين وطبقا لتلك المبادئ والالتزامات، لأنهم يفتقدونها أصلا
المادة 5 دستورية، ولا طائل من ورائها. إن أقصى ما يمكن أن توفره المادة 5 هو السماح لمصالح وزارة الداخلية والنيابة العامة عند تلقي لوائح أجهزة الأحزاب، بعد عقد مؤتمراتها وطنيا وجهويا ومحليا، أن ترفض عضوية برلمانيين رحل بتلك الأجهزة إلى أن تنتهي مدة انتدابهم. غير ذلك، فإن المادة 5، رغم دستوريتها، لا تساهم لا في تخليق العمل السياسي ولا في تنظيمه، بل هي مادة لا طائل من ورائها.
الطيب حمضي
29 mai 2009

أهم ما يجب معرفته عن الجائحة المحتملة للأنفلونزا





استجواب مع الدكتور الطيب حمضي *


الطيب حمضي، الطبيب والباحث في قضايا الإعلام الطبي والتربية الصحية، يكشف


بعد تزايد عدد المصابين بأنفلونزا "الخنازير"، هل يمكن أن نقول إن المغرب أصبح قريبا من الإصابة بهذه الأنفلونزا؟

كما أشارت إلى ذلك المنظمة العالمية للصحة، ومثل كافة أنواع أمراض الأنفلونزا التي تتحول إلى جائحة، ليست هناك منطقة في العالم ستظل في منأى عن الإصابة بهذه الفيروسات والجائحة التي تنتج عنها. والمغرب، مثله مثل باقي البلدان، ليس بمنأى عن ذلك ويمكن أن يصله الفيروس والمرض إذا ما تحول الوباء إلى جائحة.

تحدثت عن المرض والوباء والجائحة، ماذا نقصد بالضبط عندما نتكلم عن الجائحة؟
المقصود بالوباء هو انتشار مرض معين بمنطقة معينة أو بين مجموعات بشرية معينة. أما عندما ينتشر الوباء بمختلف دول العلم (قارة، نصف الكرة الأرضية أو العالم كله) فيسمى جائحة. وهذا هو التخوف الذي تبديه، الآن، المنظمة العالمية للصحة.
نحن الآن في بداية شهر ماي، فهل يمكن الحديث عن تحول المرض إلى جائحة؟
المنظمة العالمية للصحة هي التي تتولى على المستوى العالمي تتبع تطور الأمراض والأوبئة، وتحديد جغرافية انتشارها، كما تتولى إصدار التحذيرات بحسب خطورة المرض أو الوباء. السلطات الصحية لكافة الدول تتعاون مع المنظمة في هذا الإطار، باعتبارها مرجعا أساسيا ينسق كافة الجهود ويجمع كافة المعلومات. اليوم (5 ماي 2009)، لازال مؤشر المنظمة العالمية للصحة على الدرجة الخامسة من سلم الإنذار، وهي الدرجة ما قبل الأخيرة، أي ما قبل الجائحة. بمعنى أننا اليوم وصلنا إلى مرحلة اقتراب المرض من التحول إلى جائحة.
هل هذا يعني أننا يمكن أن نظل في الدرجة الخامسة لوقت طويل ويتم تفادي تحول المرض إلى جائحة؟
يقول الخبراء إنه من الصعب جدا احتواء فيروس ينتقل من الإنسان إلى الإنسان بالسهولة التي ينتقل بها فيروس الأنفلونزا. هناك جهود كبرى لاحتوائه اليوم، وقد تنجح الجهود ولو بشكل مؤقت، لأن الفيروس سيعود بالتأكيد خلال الأشهر المقبلة، خلال الخريف والشتاء، وهما الفصلان الاعتياديان لانتشار الأنفلونزا الموسمية. ما بين اليوم وموعد احتمال عودته، إذا تمكن العالم من إنتاج لقاح ضد الفيروس وبكميات كبيرة، سيكون ذلك صمام أمان ضد خطورة الجائحة.
المرض حمل في الأول اسم "أنفلونزا الخنازير"، قبل أن تعمد المنظمة العالمية للصحة إلى تغيير اسم، ما هي طبيعة هذا المرض بالضبط؟
فيروس الأنفلونزا يصيب الإنسان والطيور والخنازير... ولكن الفيروسات لا تستطيع الانتقال من فصيل إلى آخر. لكن في بعض الأحيان، نظرا لاحتكاك الكائنات مع بعضها، يمكن أن ينتقل مرض الأنفلونزا من فصيل إلى آخر: من الخنزير إلى الإنسان أو العكس، أو من الإنسان إلى الطيور أو العكس...
المرض الحالي، الذي انطلق من المكسيك، لاحظ الباحثون في المختبرات أن اثنتين من الجينات المكونة له مشابهة لجينات الفيروس المنتشر بين الخنازير. وقالوا بالتالي إن فيروسات المرض جاءت من الخنزير. ولكن لحد الآن لم يتوصل الخبراء ومعهم منظمة الصحة العالمية إلى أن الفيروس المسبب للمرض قادم مباشرة من الخنزير. مع العلم أن الخنزير له خلايا مشابهة للإنسان، وهو معروف، أيضا، أنه بمثابة المعمل الذي تختلط فيه الفيروسات القادمة من الإنسان والطيور مع فيروساته الخاصة...
ولماذا، إذن، تم إطلاق اسم الخنازير على هذا المرض، وهو الأمر الذي خلق نوعا من التشويش وسط المجتمعات الإسلامية، ونتجت عنه ردود فعل ثقافية لا علاقة لها بالمنظور العلمي؟
ردود الفعل اللاعقلانية، التي ظهرت في الدول الإسلامية، سجلت كذلك وسط دول أخرى غير إسلامية. فردود الفعل في الدول الإسلامية ناتجة عن النظرة إلى الخنزير كحيوان محرم ومنبوذ. وبالتالي، خلقت عند بعض الفئات تأويلا غير علمي يعتقد بأن من لا يتناول الخنزير أو لا يقترب منه لا يصاب بالمرض. وهذا غير صحيح، بل إنه خطأ قاتل. الخطأ الثاني الذي وقع بالدول غير الإسلامية هو مقاطعة أكل لحم الخنزير، مع العلم أن أكل لحم الخنزير لا يؤدي إلى الإصابة بالمرض. هذا خطأ كذلك.
لهذا، قامت المنظمة العالمية للصحة بتصحيح كل هذه الأخطاء في التواصل وأعطت للمرض اسم فيروس .H1N1، أولا لأن الفيروس المسبب للمرض ليست هناك إثباتات مخبرية بأنه آت مباشرة من الخنزير.
بالفعل، لم تقدر جيدا منظمة الصحة العالمية في الأول الإسقاطات التي يمكن أن يتسبب فيها إلصاق اسم المرض والوباء بالخنزير. لذلك، رأينا، خلال الأيام الماضية وقبل تصحيح الخطأ، كيف أصبحت المجتمعات الإسلامية تطالب بإعدام الخنازير ومقاطعة الدول الأخرى للحوم الخنازير.
هذا الخطأ التواصلي كانت له تداعيات خطيرة على مستوى الاحتياطات الواجب اتخاذها للوقاية من المرض، سواء في العالم الإسلامي أو غير الإسلامي. وسوء الفهم هذا، إذا ما ظل قائما، يمكن أن يفاقم من انتشار الفيروس نتيجة الاعتقاد الخاطئ بأن الخنازير ولحومها هي المتسببة في الإصابة.
هذا الاعتقاد الخاطئ ربما هو الذي دفع بالسلطات المصرية إلى اتخاذ قرار إعدام الخنازير والدخول في مواجهة مع مربي الخنازير؟
أكيد أن مصدر ذلك لا يعود إلى اعتقادات خاطئة من طرف السلطات المصرية. فهي تعلم بحقيقة المرض، فمصر لها تجربة كبيرة في الميدان الصحي وتتوفر على خبراء في هذا المجال. أظن أن السلطات المصرية استغلت هذه المناسبة وقررت التخلص من حظيرة كبيرة من الخنازير التي تربى وسط التجمعات السكنية، داخل المدن ووسط الأحياء بشكل عشوائي، وهي تشكل فعلا خطرا وبائيا في المستقبل. لكن التوقيت الذي اختارته السلطات المصرية خلق نوعا من البلبلة. وهي إن كانت تحاول التخلص من مشكل مستقبلي، فإنها قد تتسبب في إشاعة نظرة خاطئة عن المرض يمكن أن تؤثر على طرق الوقاية. والمواجهة مع الأوبئة تتطلب تظافر جهود الجميع وأولهم الناس. وهؤلاء لا يمكن أن يتعاونوا معك مستقبلا إن أحسوا بأنك تستغل قضايا صحية خطيرة ظلما أو كذبا لإلحاق الضرر بهم. الخطاب الرسمي يفقد مصداقيته، وهذا أخطر شيء.
بخصوص طبيعة هذا الفيروس، هل له ارتباط معين بالفصل الحالي، الربيع، أم بالطبيعة المناخية لكل منطقة؟
الذي يجب أن نعلمه هو أن فيروسات الأنفلونزا الموسمية تنتشر على طول السنة، ولكن هناك بعض الفترات يكثر فيها انتشار المرض، ونعني بذلك فصلي الخريف والشتاء. لذلك، يبدأ موسم التلقيح/التمنيع السنوي ضد الأنفلونزا بداية شهر شتنبر. ويجب التمييز هنا بين الأنفلونزا الموسمية التي تأتي كل سنة، والأنفلونزا الوبائية التي نحن الآن بصدد المواجهة مع خطرها.
الأنفلونزا الموسمية لا تشكل خطرا على الإنسان؟
بالعكس، تتسبب في وفاة 500 ألف شخص سنويا، لأن فيروس الأنفلونزا يصيب الجهاز التنفسي للإنسان، ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة بالنسبة للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة أو لديهم نقص في المناعة. وهؤلاء هم من بين أهم الفئات التي ينصحها الأطباء بإجراء التلقيح الخاص بالأنفلونزا بشكل سنوي في بداية شهر شتنبر. هذا الفيروس يكون منتشرا على طول السنة ويزداد انتشارا خلال بعض الفصول، مثل الخريف والشتاء.
أما الأنفلونزا التي تكون على شكل جائحة، فيمكن أن تظهر في أي فصل من فصول السنة. الفيروس الحالي، H1N1، ظهر خلال فصل الربيع، ويمكن أن يؤدي إلى جائحة خلال الأيام القادمة، كما يمكن أن يجتاز مراحله الأولى خلال هذا الصيف بشكل طبيعي، ويضرب للمرة الثانية، بشكل أخطر، خلال موسم الخريف القادم. وبالتالي، فكل السيناريوهات تظل محتملة. وبالنظر إلى الدروس السابقة التي عرفت فيها البشرية انتشار جائحة الأنفلونزا، يقول الخبراء المختصون في تاريخ الأوبئة إن الضربة الثانية تكون أخطر من الأولى.
ارتباطا بتسمية هذا المرض، لماذا لم يطلق على الفيروس الحالي اسم "أنفلونزا المكسيك"، مثلما تم التعامل مع الجائحات السابقة، حيث أصبحت الأجيال الحالية تعرف الأنفلونزا الآسيوية أو الأنفلونزا الأسبانية أو أنفلونزا هونغ كونغ؟
إضافة إلى الخطأ الأول الذي ربط الفيروس الحالي بالخنزير، يمكن أن تؤدي تسمية الفيروس بـ"أنفلونزا المكسيك" إلى الوقوع في خطأ آخر قد يؤدي إلى إسقاطات ثقافية أو اجتماعية واقتصادية خاطئة... ويتسبب في إشاعة نظرة خاطئة عن المرض تعيق طرق الوقاية منه. في الوقت الحاضر، لا يمكن تسمية المرض باسم بلد أو منطقة أو شعب، يخوض حربا لمواجهة المرض، ليجد نفسه في مواجهة ثقل وتداعيات أخرى غير علمية وغير مبررة.
خلال الأيام الأخيرة، قالت السلطات المكسيكية إنها نجحت في احتواء المرض، لكنها بالمقابل أكدت أن الضربة الثانية يمكن أن تكون أخطر، كيف يمكن تفسير مثل هذا التناقض؟
السلطات المكسيكية أعلنت بالفعل أنها استطاعت التقليص من عدد الحالات المصابة بالفيروس، ولا يجب أن ننسى أنه عندما ظهر المرض في البداية كان هناك خلط كبير جدا لا في عدد الوفيات ولا في عدد الإصابات المؤكدة أو غير المؤكدة، وتم بعد ذلك مراجعة وتدقيق كل هذه المعطيات.
فعندما نتحدث عن مكسيكو، وهي من أكبر المدن في العالم المأهولة بالسكان، فالسلطات الصحية اتخذت مجموعة من الإجراءات الصحية، من بينها ضرورة غسل اليدين وإقفال المكاتب والمدارس والتجمعات... وهي إجراءات أعطت أكلها إلى حد الساعة. لكن كما علمتنا الأوبئة السابقة قد يكون القادم من الأسابيع والأشهر أخطر مما فات.
هل يمكن الحديث عن وجود الشفافية في التعاطي مع هذه الأمراض؟
الشفافية ضرورية في حالة الأوبئة من أجل مواجهة المرض. لذلك، تركز منظمة الصحة العالمية على تطبيق الإجراءات الصحية الفعالة، وليس الإجراءات التي تعطي الانطباع بالاطمئنان، دون أن يكون لها أي تأثير على تطور المرض، مثل محاصرة البلد وعزله، في الوقت الذي يكون مثل هذا الإجراء غير فعال ولا يحقق أي نتائج. وهو ما قد يؤدي إلى تفادي الدول الإعلان عن الإصابات مخافة التعرض لتأثيرات قد تؤدي إلى الإضرار بالبلد نتيجة تعرضه لإجراءات ظالمة وغير صحية وغير علمية.
لهذا، تكون المنظمة العالمية للصحة حريصة جدا في مجال الإجراءات الواجب اتخاذها حتى تضمن تعاون كافة الدول. حريصة على النصح بالإجراءات الفعالة ميدانيا فقط، وليس اتخاذ إجراءات "احترازية" خاطئة. لهذا، رأينا كيف لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية، المتاخمة للمكسيك، بوقف الرحلات اتجاه المكسيك ولم تقم بإغلاق الحدود البرية. وفي المقابل، رأينا كيف اتخذت السلطات المكسيكية إجراءات عميقة وراديكالية للحد من انتشار الفيروس ولو أن ذلك يسبب الخسارات الفادحة لاقتصادها. والمنظمة العالمية للصحة لم تنصح، إلى اليوم، بوقف الرحلات أو إغلاق الحدود، لأن خبراء الصحة في العالم يقومون، منذ سنوات، بدراسة مثل هاته الحالات ويضعون مختلف السيناريوهات الممكنة وطبيعة الإجراءات الواجب اتخاذها.
ولكن كيف يمكن تفسير حديث السلطات المكسيكية عن ضربة ثانية أشد خطورة؟ وما هو الفرق بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية؟
عندما نكون بصدد خطر التعرض لجائحة مثل الأنفلونزا، التي قتلت حوالي 50 مليون إنسان سنة 1918، أي أكثر مما قتلته الحرب العالمية الأولى، فإن الخبراء، الذين يدرسون تاريخ الأوبئة، يستندون على ماضي كافة الأوبئة. وقد خلص هؤلاء الخبراء إلى أن فيروسات الأنفلونزا عندما تنتشر في تجمع سكني معين (مدينة، قرية...)، تستقر فيه لمدة معينة وتصيب السكان بشكل تصاعدي إلى أن تشرع في التراجع وتتقلص الإصابات ويختفي الفيروس، وتدوم هذه المرحلة ثمانية إلى اثني عشر أسبوع تقريبا. بعد ذلك، يغيب الفيروس لأسابيع وأشهر، قبل أن يعود مجددا. في المرحلة الأولى، يكون تأثير الفيروس شبيها بالأنفلونزا الموسمية ولا يشكل خطورة كبيرة، لكن في المرحلة الثانية يكون أكثر خطورة. ولاحظ الخبراء، الذين درسوا تاريخ الأوبئة، أن الوفيات لم تحدث بشكل كبير في المرحلة الأولى، ولكنها حدثت في المرحلة الثانية.
من هنا، نستخلص شيئين على الأقل: لا يجب الاطمئنان بعد مرور المرحلة الأولى. الخلاصة الثانية، إذا استطعنا توفير اللقاح بشكل كاف قبل حدوث الضربة الثانية للفيروس، سنكون ربحنا رهان التغلب على المرض بشكل كبير وليس العكس.
الآن، تقوم منظمة الصحة العالمية بجمع عينة من الفيروسات، لترسلها بعد ذلك إلى المختبرات في الجزء الثاني من شهر ماي الجاري من أجل إنتاج تلقيح مناسب. وهو ما يتطلب ثلاثة إلى أربعة أشهر. بالمقابل، فإنتاج كمية تكفي مجموع البشرية يتطلب حوالي سنة. إذن، الخبراء يأملون إنتاج التلقيح قبل الضربة الثانية للفيروس، من أجل التقليل من عدد الإصابات والوفيات.
هل يمكن استعمال الدواء الذي أنتج لمواجهة أنفلونزا الطيور لمواجهة الفيروس الحالي؟
أنفلونزا الطيور أو الخنازير أو الموسمية كلها فيروسات للأنفلونزا. لكن الخطير هو الفيروس الذي يعتقد العلماء، ومازالوا يعتقدون ذلك، أنه يمكن أن يؤدي إلى الوباء، لأن لا أحد له مناعة ضده، لا كلية ولا جزئية. التلقيح يتم إنتاجه بناء على الشكل النهائي للفيروس، والتلقيح يحمي الإنسان من الإصابة بالفيروس. هذا عن التلقيح. أما الدواء المضاد للفيروسات، فإنه يقضي على الفيروس ويقلص من المضاعفات ويقلص من انتقال المرض. وهناك دواءان أثبتا فعاليتهما ضد فيروس الأنفلونزا، وهما للإشارة غاليا الثمن.
لهذا، فالدول، حسب إمكانياتها ووتيرة إنتاج الدواء من طرف المختبرات، تتوفر على احتياطي للدواء سوف تستعمله إذا حدثت جائحة الأنفلونزا. لم نتعرض لجائحة أنفلونزا الطيور، أو مازلنا لم نتعرض لها أو أننا لن نتعرض لها، المهم أن احتياطي الأدوية الخاص بها صالح اليوم لاستعماله خلال الجائحة الجديدة في حالة وقوعها. وهذه الأودية صالحة أيضا للاستعمال خلال الإصابة بالأنفلونزا الموسمية. هذه الأدوية تخفف من حدة المرض وتساعد على الحد من انتقال الفيروس.
هل يمكن أن يعالج الذين سيتعرضون للإصابة بمرض أنفلونزا الخنازير، أم أن مصيرهم هو الموت؟
أبدا. ليس كل من أصيب بهذا المرض سيموت. هذا بعيد عن الواقع. الخبراء يضعون عدة سيناريوهات: أولا، إذا انتشر على شكل جائحة، سيصاب ويحس بالمرض وأعراض الأنفلونزا (الحمى، العياء، الإسهال، فقدان الشهية، لمدة سبعة أيام) ما بين 15 و35 في المائة من السكان. واحد في المائة من هؤلاء المصابين قد تكون حالتهم صعبة، و0،4 ٪ من الذين ستظهر عليهم أعراض المرض سيتعرضون للوفاة. وهؤلاء هم الذين يعمل الخبراء على التقليص من عددهم.
هذه السيناريوهات بنيت على ضوء الدراسات والجائحات السابقة. أما الفيروس الحالي، فمازال العلماء لا يعرفون درجة خطورته، ولكن يقولون إن خطورته لا تقل عن خطورة الأنفلونزا الموسمية لحد الساعة. وهي سيناريوهات بنيت على أساس عدم وجود أدوية مضادة للفيروسات وبدون تدخل عملية التلقيح.
هناك من يشيع، بما في ذلك بعض وسائل الإعلام المغربية، بأن هذا الفيروس تم إنتاجه في المختبرات من أجل تجريبه على دول العالم الثالث، وهناك أيضا من يتحدث عن عقاب إلهي...
ثقافة المؤامرة أو ثقافة البارنويا لا تمس فقط مجال الطب، بل نجد أنها تطال أيضا مجال الثقافة والسينما والاقتصاد والسياسة... العلماء الذين يدرسون الأوبئة ينتمون إلى كافة دول العالم... هذا النوع من التفكير لن يندثر، مثله مثل الفكر الخرافي والشعوذة.
وسائل الإعلام لها رسالة خلال الأيام العادية، وتكون لها أدوار جد خطيرة خلال اللحظات الحرجة التي تجتازها البشرية، من أجل تنوير وتثقيف الرأي العام. وهو ما نلاحظه الآن على المستوى العالمي. وقد لاحظت مؤخرا أن بعض القنوات الفضائية تعطي الكلمة للرأي العام، وتنقل انشغالاتهم وأسئلتهم إلى الخبراء والمهتمين. وهناك قنوات تتحدث عن العقاب الإلهي وأن هؤلاء المصابين لم يحترموا التعاليم الدينية، وهو نفس الخطاب الذي تبثه بعض القنوات الإسلامية أو اليهودية أ والمسيحية الشعبوية أو المتطرفة.
هل يصعب التنبؤ بالأوبئة على غرار عدم التنبؤ بالزلازل؟
المعروف أن البشرية تعرف تقريبا كل عشرين سنة ظهور جائحة الأنفلونزا. فيروسات الأنفلونزا تتغير كل سنة شيئا فشيئا. أحيانا يعرف الفيروس تغييرا جذريا، وهذا يكون سببا في الجائحة، لأن لا أحد تكون له مناعة ضده.
التطور الذي عرفته البشرية أمكن، مثلا، من محاصرة أنفلونزا الطيور إلى حد الساعة. كما أن هذا التطور أمكننا من تقليص مدة إنتاج التلقيح إلى ثلاثة أو أربعة أشهر. وهناك، اليوم، دراسات كثيرة تحاول أن تجعل إنتاج التلقيح يتم بطريقة الهندسة الوراثية من أجل تقليص مدة الإنتاج وبالتالي وصوله إلى الناس بأسرع وقت. المهم أن نكون مهيئين لمواجهة مثل هذه الحالات.
وكيف ستعمل الدول الفقيرة، التي لم تعرف تطورات علمية، لمواجهة مثل هذه الأمراض؟
في حالة الأوبئة، يكون المجتمع الدولي مستعدا للمراقبة وتوفير اللقاحات، لأن الأوبئة قد تنتقل في أقل من أسبوع، كما هو الحال مع الفيروس الحالي، إلى كافة الدول. ولا يمكن لأي دولة أن تكون في منأى عن التعرض للإصابة. فالأوبئة والجائحات لا تعترف بالحدود والدول والكيانات والفقر والغنى... الأوبئة توحد العالم. والمواجهة يجب أن تكون كذلك.
لم تسجل، إلى حد الآن، أية حالة بالمغرب، ماعدا الحالة التي سجلت بمدينة سبتة. كيف تتوقع الوضع بالمغرب في حالة ظهور إصابات؟
هناك برنامج هيأته وزارة الصحة، بتعاون بين الخبراء المغاربة وخبراء المنظمة العالمية للصحة. وهذا البرنامج يتضمن كافة السيناريوهات للوقاية وللمواجهة، ابتداء من منع تسرب الفيروس إلى مواجهته ومحاصرته والتقليل من عدد الإصابات في حالة تحوله إلى جائحة.
من الصعب إعطاء صورة دقيقة عما سيقع، لأننا إلى حد الساعة نجهل درجة خطورة الفيروس الحالي . ولكن يمكن إسقاط التوقعات والأرقام التي تحدثنا عنها سابقا على المستوى الكوني على بلادنا.
اجتمعت الحكومة مؤخرا من أجل مناقشة هذا الموضوع وخصصت اعتمادات مالية لذلك. هل تتصور أن هذا الاستعداد المبكر ستكون له إيجابيات؟
الاستعداد داخل المغرب تشرف عليه وتنسقه وزارة الصحة بتعاون مع قطاعات حكومية أخرى تحت إشراف الوزارة الأولى. وقد بدأ منذ ثلاث سنوات، وتم وضع برنامج مفصل من طرف الخبراء المغاربة بوزارة الصحة التي تتابع من الجانب الصحي تطورات الفيروس على المستوى العالمي في تنسيق دائم مع منظمة الصحة العالمية. والبرنامج الذي تم وضعه في هذا المجال، يتضمن إجراءات يمكن تطبيقها على مراحل. فالاحتياطات المتخذة على صعيد المطارات هي جزء من هذا البرنامج، ثم هناك إجراءات كثيرة ومدققة توصي بها المنظمة العالمية للصحة وتطبق على مراحل...
العديد من الطقوس والأنشطة تمارس في المغرب بشكل جماعي، مثل الصلاة، وخاصة صلاة الجمعة والحمامات والأسواق وطقوس السلام عبر التقبيل، ثم هناك التجمعات الانتخابية، التي سيقبل عليها المغرب بعد أسابيع... هل هذه الطقوس والمواعيد السياسية يمكن أن تتأثر بفعل الجائحة؟
من الأشياء المهمة جدا التي يجب أن نحتاط منها، سواء تعرضنا لجائحة أو لا، هو الاحتكاك المباشر والتقبيل. ويجب تجنبهما. وإذا ما انتقل الفيروس إلى المغرب، فإن برنامج وزارة الصحة وضع إجراءات واضحة في حالة تحول الفيروس إلى جائحة. وهي إجراءات تهم كل التفاصيل، من تجمعات ومدارس واستشفاء وتنقل... وهذه الإجراءات تتخذ على صعيد كل منطقة، حسب طبيعة انتشار المرض. والقرارات الكبرى تتخذ من طرف لجنة تضم كافة المتدخلين والسلطات العمومية، حسب المعايير المنصوح بها من طرف منظمة الصحة العالمية والبرنامج المعتمد.
إذا ما انطلقت الجائحة، كيف يمكن الوقاية منه المرض؟
للوقاية من الفيروس، يمكن اتباع بعض الخطوات اليومية الاعتيادية، مثل غسل اليدين مراراً وتكراراً، وتجنب الاتصال مع المرضى أو الاقتراب منهم، وتجنب لمس أشياء ملوثة.
وما هي التدابير التي يجب اتباعها إذا ما أصيب فرد من العائلة مثلا بالمرض خلال الجائحة؟
يجب تخصيص غرفة بالبيت للمريض، وإن لم يكن ممكنا ذلك، يجب جعله على بعد مترين على الأقل من باقي أفراد العائلة. ويجب إغلاق باب الغرفة المؤدي للمنزل ما أمكن، مع فتح النوافذ على المحيط الخارجي لتهوية الغرفة. ويجب أن يستعمل القناع الواقي كلما دخل عليه أحد. ويجب تخصيص فرد واحد من الأسرة لخدمته. وكلما دخل الأخير عند المريض، يجب أن يلبس القناع الواقي. ويجب غسل اليدين بالماء والصابون باستمرار، وخصوصا بعد لقاء المريض أو لمس حاجياته. الحفاظ على نظافة البيت باستعمال المطهرات المنزلية. ويجب عدم خروج المريض قبل شفائه (7 أيام) إلا للضرورة القصوى، كالبحث عن الاستشفاء، مثلا، إذا ما تدهورت حالته الصحية، حتى لا ينقل الفيروس إلى الآخرين. ليست هناك ضرورة لغسل صحونه مثلا لوحدها، فالماء والصابون يقضي جيدا على المكروبات. ويجب اتباع نصائح السلطات الصحية.

5 mai 2009

* طبيب، كاتب وباحث في قضايا الإعلام الطبي والتربية الصحية

أنفلونزا الخنازير

أصبح العالم يوما بعد يوم بل ساعة بعد أخرى يقترب من كارثة صحية تهم البشرية كلها ومن شأنها القضاء على حياة الملايين من البشر وتقويض الاقتصاد العالمي لسنوات عدة. لم نصل بعد نقطة اللاعودة، إذ لازالت هناك إمكانيات للحد من انتشار الفيروس وعدم تحول المرض إلى جائحة، أي وباء عالمي وهي إمكانيات وفرص ضئيلة، لكنها لازالت ممكنة.
من المفيد جدا أن يكون الناس مدركين تمام الإدراك للمرض، لحقيقته، لطرق الوقاية والحد من انتشاره، للكشف عن سبل العلاج، حتى نقلل أكثر ما يمكن من عدد الإصابات وعدد الوفيات.
من الأسئلة والمناقشة مع بعض الأصدقاء، يتبين لي الهوة العميقة بين ما يجب معرفته عن المرض وما يتم تداوله فعلا من أفكار ومعطيات عن المرض. والأخطر من كل هذا أن العديد من وسائل الإعلام هي الأخرى (المكتوبة والمرئية، بالمغرب وبالعالم العربي كله) غير مدركة للمرض ولا زالت تعتقد أن المرض مرتبط بالخنزير وأكل الخنزير وتربية الخنزير. وهناك من يعتقد أن القضاء على الخنازير، أو عدم التعامل معها، من شأنه أن يحمينا من المرض! أنفلونزا الخنازير لم يعد لها علاقة اليوم بالخنازير إلا بالاسم، أما الفروس وطرق انتشاره والمرض الذي يسببه أصبح بشريا، وهذه خطورته.
لذلك، سنحاول الإجابة عن أهم الأسئلة التي قد تدور في بال المواطنين.

1- لماذا الاهتمام بأنفلونزا الخنازير؟
إذا تحول المرض إلى جائحة عالمية، فليس هناك أي بلد في العالم سيكون بمنأى عن الفيروس. وسيصيب الفيروس والمرض أزيد من ربع السكان، وسيقتل ملايين البشر ويصيب عشرات الملايين بالمرض وضرورة أخذ العلاجات ودخول المستشفيات، وسيعطل أو تقريبا الحركة الاقتصادية، والتجمعات، ويعطل دواليب العمل... بسبب هذا، فإن الأمم المتحدة، من خلال منظمة الصحة العالمية، وكذا حكومات العالم تتابع تطور المرض دقيقة بدقيقة، وتستثمر الإمكانيات للمواجهة.

2- ما هي أنفلونزا الخنازير؟
الخنازير تصاب دائما بفيروسات الأنفلونزا Grippe ، مثلها مثل الإنسان، لكن لكل واحد فيروساته الخاصة، لا تنتقل عادة بين الأجناس. لكن أحيانا ومع الاختلاط بين الإنسان والحيوان يمكن أن ينتقل الفيروس من الحيوان إلى الإنسان والعكس كذلك.
إذا انتقل الفيروس من الخنزير إلى الإنسان يصاب هذا الأخير بالمرض. لكن مع ذلك، فالإنسان المريض لا ينقل المرض إلى إنسان آخر، لأن الفيروس الذي ينتقل من الخنزير إلى الإنسان لا يعرف بعد كيف ينتقل بين بني البشر. هذه المراحل كلها تجاوزناها. واليوم، أضحى الفيروس قادرا على الانتقال من إنسان إلى آخر. بمعنى أن حاملا للفيروس يمكن أن يعدي إنسانا آخر، حتى ولو لم يلتق هذا الأخير خنزيرا في حياته.

3- كل سنة تكون هناك إصابات بالأنفلونزا، ما الخطورة هذه المرة؟
فعلا، كل سنة يصاب ملايين الناس بالأنفلونزا، خصوصا في فصلي الخريف والشتاء. منهم مئات الآلاف يموتون بسبب هذه الأنفلونزا الموسمية خصوصا المسنون أو الناس ذوي الأمراض التي تضعف مناعة أجسادهم وتعرضهم للمضاعفات. ولأن الفيروس يتغير بسرعة، فالإنسان لا يمتلك المناعة إذا أصيب بالمرض أو استفاد من التلقيح إلا لمدة سنة واحدة، بعدها يكون معرضا لإصابات جديدة كأيها الناس.
هذا عن الأنفلونزا الموسمية. أما اليوم، فإن الفيروس جديد كليا. ولا أحد في العالم له مناعة ضده، لا كليا ولا جزئيا. وبالتالي، فهو سيحصد مئات الملايين من الناس كإصابات وبعض الملايين كوفيات.

4- ما هي أعراض أنفلونزا الخنازير؟
الأعراض مثلها مثل أعراض الأنفلونزا الموسمية، ارتفاع الحرارة، آلام في مختلف أنحاء الجسم، سعال، عياء... ويصيب الفيروس الجهاز التنفسي

5- ما هي خطورة الفيروس؟
الأنفلونزا الموسمية نفسها تشكل خطورة على صحة بل حياة الناس، وأكثر منها ستكون أنفلونزا الخنازير. لكن لحد الساعة، يجهل درجة خطورة الفيروس بشكل دقيق، لأنه ببساطة فيروس جديد كليا ويمكن أن يكون فتاكا أو أقل فتكا.

6- هل سبق أن عرفت البشرية جائحة مثل هذه؟
ادا اخدنا القرن العشرين وحده فإن العالم عرف جائحة الأنفلونزا ثلاث مرات بشكل كبير، سنة 1918 (الأنفلونزا الأسبانية التي قتلت ما بين أربعين وخمسين مليون إنسان!). سنة 1957-1968(الأنفلونزا الآسيوية التي قتلت من 1 إلى 2 مليون)، 1968 (أنفلونزا هونكونغ التي قتلت مابين 1 و2 مليون فرد)...

7- هل يمكن احتواء الفيروس؟
الخبراء يقولون إنه من الصعوبة بمكان احتواء الفيروس اليوم بعد أن تمكن من التأقلم مع البشر واستطاع الانتقال من إنسان إلى آخر.

8- كيف ينتقل الفيروس بين البشر؟
بنفس طريقة انتشار الأنفلونزا الموسمية. المريض حين يسعل أو يعطس قرب الآخرين، ينتقل لهم الفيروس من خلال الرذاذ المنبعث في عبر الهواء على وجوههم . أو إذا لمسنا أشياء تحتوي على الفيروس ثم نقلنا يدنا لفمنا أو أنفنا أو عيوننا.
والفيروس يمكن أن ينتقل حتى قبل ظهور أعراض المرض على المصاب به! لذلك، فالاحتياطات ضرورية حتى وإن لم تظهر على الناس أمامنا أي أعراض للمرض.

9- كيف يمكن التحصن ضد هذا الفيروس؟
الفيروس جديد وليس هناك أي لقاح ضده. للوقاية من الفيروس (وغيره من الميكروبات) يجب إتباع قواعد النظافة الاعتيادية، غسل اليدين بشكل مستمر بالماء والصابون، تجنب الاقتراب من المرض أو لمس أشياء ملوثة برذاذ المرض واستعمال الأقنعة الواقية وقت الوباء.

10-ماذا عن الأدوية واللقاحات؟
بما أن الفيروس جديد، فليس هناك أي لقاح. إذا تأكد انتشار الوباء عالميا (جائحة) فإن المنظمة العالمية للصحة ستنظم مع مختبرات الأدوية عملية صنع لقاح خاص بهذه الأنفلونزا. الأمر سيتطلب بين 4 إلى 6 أشهر لصناعة اللقاح (بدأات الاستعدادات مند عدة أيام)، وتلزم فترة أخرى مماثلة أو أطول لصنع اللقاح بكميات كبيرة.
بالنسبة للذين ثبتت إصاباتهم سيتم إعطاؤهم دواء في الـ48 ساعة بعد الإصابة دواء مضاد للفيروسات, كل دولة تتوفر على احتياطي من هذا الدواء تم تكوينه خلال الاستعدادات لانفلونزا الطيور, لكن الاحتياطي يختلف من دولة إلى أأخرى حسب الإمكانات وحسب قدرة المختبرات الدولية على صنعه بوتيرة سريعة.
هذه العقاقير تساهم في المعالجة وكذلك تقلل من احتمال انتقال العدوى من شخص إلى آخر.
د. الطيب حمضي
28 avril 2009

جلالة ملك الملوك الأخ القذافي

يوم فاتح شتنبر سنة 1969، يستولي قبطان بالجيش الليبي على السلطة بعد الإطاحة بالملك إدريس السنوسي الذي كان في رحلة علاج بتركيا.
هذا القبطان هو الأخ معمر القذافي. يومها، رقى نفسه مباشرة إلى رتبة كولونيل/ عقيد. وهي الرتبة التي يحافظ عليها إلى اليوم. وبعدها سمّى الانقلاب العسكري ثورة الفاتح من سبتمبر. ولأن الأخ القذافي مولوع بتغيير الأسماء، فقد غير اسم ليبيا لتصير الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى.
بداية هذا الأسبوع، وخلال مقاطعته لكلمة أمير قطر خلال افتتاح القمة العربية بالدوحة، علمنا جميعا أنه سمى نفسه: ملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين. لذلك يلزم من اليوم تغيير الاسم البروتوكولي للعقيد ليصبح جلالة ملك الملوك الأخ القذافي .
أما عميد الحكام العرب، فهذا لقب مستحق. الرجل هو أقدم حاكم عربي. جميع الحكام الذين جايلوه أو أتوا بعده، إما ماتوا أو أطيح بهم في الانقلابات، أو سُجنوا أو سلموا السلطة سلميا وديمقراطيا لآخرين انتخبتهم الشعوب، إلا الأخ القذافي.. إذ مباشرة بعد سيطرته على الحكم، أحكم قبضته على السلطة ولم يعد ينفع لا انقلاب ولا انتخاب لتغيير فخامته. الأخ القذافي هو ليبيا وليبيا هي القذافي وكفى المومنين شر القتال!!
العقيد له "إشراقات" حفظه الله. له عيوب، أكيد، لكن له إيجابيات. وأهم إيجابياته أنه وسط الظلام العربي يستطيع أن يفرج عن هم وكرب الأمة العربية في الكثير من الأحيان بـ"القفشات" التي يقصد القيام بها لإضحاك هذه الأمة.
هو رجل كثير القراءة والاطلاع إلى حد إخراج النظريات في السياسة واللغة والتاريخ والمسرح... هو صاحب نظرية شكسبير أصلها الشيخ الزبير والشعب السوري أصله من الدول الاسكندنافية وإسراطين ...
يحكم ليبيا بالحديد والنار ويرسل مئات المعارضين إلى السجون أو القبور، منع الحياة الديمقراطية بليبيا وعوضها باللجان الشعبية التي تقرر كل ما يريد القذافي أن يقرره ولها كامل الحرية في اتخاذ القرارات التي يريد الأخ الفاتح اتخاذها.
القذافي ليس رئيسا لليبيا، هو فقط زعيم ثورتها. هكذا يقول، إن سألته لمَ لا يترك السلطة لغيره.
لكن هو من يقرر في كل شيء، هو من يستقبل زعماء العالم، هو من يمثل ليبيا في كل مكان.
الأخ القذافي يحب أحيانا بل كثيرا أن يلتصق بالشعب..وية، ويقيم بالخيام، وينش على الذباب بنشاشته اليدوية... وينتقد الحكام العرب كما يفعل أي مواطن عربي... بل يفشي الأسرار الدبلوماسية ليظهر قريبا من الناس.
خلال قمة الدوحة الأخيرة، قاطع رئيس القمة ليكيل الشتائم للملك عبد الله، قبل إعلانه طي صفحة الماضي.
الملك عبد الله لم يرد، لأنه نفسه لما كان وليا للعهد سنة 2003، قاطع القذافي خلال قمة شرم الشيخ، فأدرك الملك عبد الله أن الأخ القذافي جاء "ليرد الصرف".
الأخ القذافي لا تهمه وحدة عربية ولا صف عربي ولا قضايا عربية ولا مصير أمة. هو مستعد لتشتيت ما تبقى من صف الأمة دفاعا عن كبريائه وشخصه ليس إلا.
الأخ القذافي، صاحب "طُزْ في أمريكا"، سلم مسؤولين ليبيين متهمين بتفجيرات لوكربي، وصرف أكثر من ملياري دولار لضحايا العملية الإرهابية الأمريكيين، وفكك منشآته النووية وأعطى كل المعلومات عنها وكل المعلومات عن الجهات التي ساعدته في برنامجه النووي ومنهم العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. فقط لينقد حكمه وكرسيه بعد ان رأى ما وقع لزميله صدام حسين.
الأخ القذافي ليس له الوقت للتفكير في مشاكل الشعب الليبي الضارب في الفقر.
قال إنه يئس من وحدة العرب، لأن كل دولة عربية متصارعة مع أخرى، فذهب لتوحيد إفريقيا! إفريقيا التي ليست دولها فقط هي المتصارعة، بل قبائلها وأحيانا بعض الأزقة متحاربة مع الأزقة المجاورة لها!!
يحب الأخ القذافي دائما، وهو الحاكم الذي يجلس على ملايير الدولارات الآتية من براميل النفط، يحب أن يظهر وكأنه مواطن عربي بسيط لا حول له ولا قوة أمام تخلف وجبروت "الحكام العرب".
وللأخ القذافي ثمانية أبناء كلهم- أو تقريبا- لهم مسؤوليات على رأس مؤسسات حكومية أو ذات تمويل حكومي كبير: محمد، سيف الإسلام، سعد، المعتصم بالله، هنبعل، عائشة، سيف العرب، خميس.
لاشك تتدكرون مغامرات حنبعل ابن الزعيم مع القضاء الفرنسي والسوسيسري بسب تهم لها علاقة بضرب زوجته الحامل و الاعتداء على خدمه وتهمة لها علاقة بشبكة لبنات الليل الباريسيات ... هدا الشبل من داك الأسد .. اللهم لاحسد..هذا هو الأخ القذافي، ملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين أطال الله في عمره وحكمه ووسع نفوذ حكمه حتى يشمل أمريكا اللاتينية وآسيا. على الأقل حتى نحس بما يحس به الشعب الليبي كان الله في عونه
03 avril 2009
الطيب حمضي

عثرات دبلوماسية

بعد تصريحات مسؤول إيراني اعتبر فيها البحرين مقاطعة إيرانية، أدانت عدد من الدول العربية هذا التصريح وعبرت عن تضامنها مع البحرين. المغرب لم يتأخر عن التعبير عن الموقف. إيران استدعت القائم بالأعمال المغربي بطهران، وربما تعاملت معه بشكل غير لائق، بسبب الصيغة القوية لرسالة التضامن واحتوائها على كلمات عنيفة اعتبرتها إيران غير لائقة بها. ثم قطع المغرب علاقاته بإيران، في وقت تصالحت البحرين مع إيران وتجاوزت الأزمة.
هذا الموقف جعل الصحافة والرأي العام يتذكران واقعة أخرى كادت أن تكون كارثية. حيث سبق أن صرح مسؤول بالحزب الاشتراكي السنيغالي، وهو حزب في المعارضة، بمواقف مساندة لجبهة البوليساريو ومعادية للمغرب، فقرر المغرب يومها استدعاء السفير المغربي!! طبعا الحكومة السنيغالية لم تستسغ أن يقرر المغرب إجراء دبلوماسيا احتجاجيا بهذه القوة، بسبب تصريح مسؤول حزب معارض وليس مسؤولا حكوميا أو رسميا أو حتى من الحزب الحاكم!! الحقيقة أنها كانت قمة الإهانة للدولة السنيغالية أن يتم استدعاء سفير احتجاجا على موقف لمسؤول حزبي، فقررت السنيغال تصعيد الموقف، وكان المغرب أقرب إلى فقدان أهم وأوفى بلد صديق له بإفريقيا. ثم سارع المغرب إلى إصلاح "الجَرّة".
ما لم تنتبه إليه الصحافة بخصوص هذه الكبوات هو البلاغ الصادر عقب قرار المغرب عدم المشاركة في القمة العربية الاستثنائية التي دعت إليها قطر إبان الهجوم على غزة.
البلاغ كان قويا، قويا جدا في تعبيراته ووصفه للوضعية العربية الراهنة حد العنف. كان حادا في تلميحاته ووصفه للعجز العربي. طبعا، البلاغ لم يُسَم دولة عربية بعينها، ولذلك لم يتلق ردة فعل سلبية من أي جهة عربية. لكنه، مع ذلك، كان استثنائيا في قوة وعنف المصطلحات والأوصاف المستعملة.
لماذا التذكير بهذه الوقائع الثلاث على الأقل؟
للتذكير أن بلادنا في حاجة إلى علاقات حسنة مع أكبر عدد من البلدان، وأن أي خسارة في مجال الدبلوماسية هي خسارة لبلادنا ككل. نحن في حاجة إلى علاقات حسنة مع جيراننا أولا، ومع البلدان المؤثرة والأقل تأثيرا . قضايانا محتاجة إلى دعم. اقتصادنا محتاج إلى استثمارات خارجية. إنتاجنا محتاج إلى أسواق خارجية لتسويقه. سياحتنا محتاجة إلى زبائن. باختصار، نحن في حاجة إلى الآخرين، مثلما هم محتاجون إلينا وربما أكثر. وسيكون من الخطأ أن "نقرر" بمحض إرادتنا فقدان هذه الفرص كل مرة بقطع العلاقات أو تدهور العلاقات مع الدول الصديقة أو الأقل صداقة. البلد الذي ليس صديقنا إذا لم نستطع أن نجعل منه صديقا، فعلى الأقل علينا ألا "نناضل" لنجعل منه عدوا!!
إيران في حاجة إلى العالم العربي ونحن كذلك في حاجة إلى إيران. وليس لنا أدنى مصلحة في أن نجعل منها عدوا لبلادنا. ألم يكن من الممكن تجنب الأزمة مع إيران، أو على الأقل تجنب وصولها إلى هذه الدرجة من المنحدر؟ أكيد أنه كان بالإمكان أن نعبر عن تضامننا مع البحرين وشعب البحرين والتنديد بالتصريحات الإيرانية المعادية للبحرين، دون خلق أزمة وقطع العلاقات مع إيران. وبعد ذلك إدخال موضوع الشيعة لتأثيث الملف، ثم اعتقال الناس وإغلاق المدرسة العراقية بالرباط، لتبرير "أثاث" الملف... وهكذا تتدحرج كرة الثلج.
هل وزارة الخارجية هي التي كانت وراء هذه الكبوات الدبلوماسية؟ في كل الأحوال، الدبلوماسية المغربية أصبحت في حاجة ملحة لإعادة ترتيب الأوراق لضبطها أكثر، خصوصا إذا تذكرنا التصريحات حول قضايا معينة أثارت أزمات مع هولندا ومع إيطاليا.. لا بأس أن تؤثث وزارة الخارجية دبلوماسيتها ببعض "الدبلوماسية" « Diplomatiser » la diplomatie.

27 mars 2009
الطيب حمضي

clés

الطيب حمضي . المغرب . العالم العربي . الديمقراطية . العدالة . المواطنة .المشاركة . الواقع السياسي . حقوق الإنسان. التنمية. الإرهاب. الأحزاب. العلاقات الدولية. المغرب العربي. الدبلوماسية. Tayeb Hamdi