هذا الموقف جعل الصحافة والرأي العام يتذكران واقعة أخرى كادت أن تكون كارثية. حيث سبق أن صرح مسؤول بالحزب الاشتراكي السنيغالي، وهو حزب في المعارضة، بمواقف مساندة لجبهة البوليساريو ومعادية للمغرب، فقرر المغرب يومها استدعاء السفير المغربي!! طبعا الحكومة السنيغالية لم تستسغ أن يقرر المغرب إجراء دبلوماسيا احتجاجيا بهذه القوة، بسبب تصريح مسؤول حزب معارض وليس مسؤولا حكوميا أو رسميا أو حتى من الحزب الحاكم!! الحقيقة أنها كانت قمة الإهانة للدولة السنيغالية أن يتم استدعاء سفير احتجاجا على موقف لمسؤول حزبي، فقررت السنيغال تصعيد الموقف، وكان المغرب أقرب إلى فقدان أهم وأوفى بلد صديق له بإفريقيا. ثم سارع المغرب إلى إصلاح "الجَرّة".
ما لم تنتبه إليه الصحافة بخصوص هذه الكبوات هو البلاغ الصادر عقب قرار المغرب عدم المشاركة في القمة العربية الاستثنائية التي دعت إليها قطر إبان الهجوم على غزة.
البلاغ كان قويا، قويا جدا في تعبيراته ووصفه للوضعية العربية الراهنة حد العنف. كان حادا في تلميحاته ووصفه للعجز العربي. طبعا، البلاغ لم يُسَم دولة عربية بعينها، ولذلك لم يتلق ردة فعل سلبية من أي جهة عربية. لكنه، مع ذلك، كان استثنائيا في قوة وعنف المصطلحات والأوصاف المستعملة.
لماذا التذكير بهذه الوقائع الثلاث على الأقل؟
للتذكير أن بلادنا في حاجة إلى علاقات حسنة مع أكبر عدد من البلدان، وأن أي خسارة في مجال الدبلوماسية هي خسارة لبلادنا ككل. نحن في حاجة إلى علاقات حسنة مع جيراننا أولا، ومع البلدان المؤثرة والأقل تأثيرا . قضايانا محتاجة إلى دعم. اقتصادنا محتاج إلى استثمارات خارجية. إنتاجنا محتاج إلى أسواق خارجية لتسويقه. سياحتنا محتاجة إلى زبائن. باختصار، نحن في حاجة إلى الآخرين، مثلما هم محتاجون إلينا وربما أكثر. وسيكون من الخطأ أن "نقرر" بمحض إرادتنا فقدان هذه الفرص كل مرة بقطع العلاقات أو تدهور العلاقات مع الدول الصديقة أو الأقل صداقة. البلد الذي ليس صديقنا إذا لم نستطع أن نجعل منه صديقا، فعلى الأقل علينا ألا "نناضل" لنجعل منه عدوا!!
إيران في حاجة إلى العالم العربي ونحن كذلك في حاجة إلى إيران. وليس لنا أدنى مصلحة في أن نجعل منها عدوا لبلادنا. ألم يكن من الممكن تجنب الأزمة مع إيران، أو على الأقل تجنب وصولها إلى هذه الدرجة من المنحدر؟ أكيد أنه كان بالإمكان أن نعبر عن تضامننا مع البحرين وشعب البحرين والتنديد بالتصريحات الإيرانية المعادية للبحرين، دون خلق أزمة وقطع العلاقات مع إيران. وبعد ذلك إدخال موضوع الشيعة لتأثيث الملف، ثم اعتقال الناس وإغلاق المدرسة العراقية بالرباط، لتبرير "أثاث" الملف... وهكذا تتدحرج كرة الثلج.
هل وزارة الخارجية هي التي كانت وراء هذه الكبوات الدبلوماسية؟ في كل الأحوال، الدبلوماسية المغربية أصبحت في حاجة ملحة لإعادة ترتيب الأوراق لضبطها أكثر، خصوصا إذا تذكرنا التصريحات حول قضايا معينة أثارت أزمات مع هولندا ومع إيطاليا.. لا بأس أن تؤثث وزارة الخارجية دبلوماسيتها ببعض "الدبلوماسية" « Diplomatiser » la diplomatie.
27 mars 2009